مع صوت اهتزاز العربة، انتهى أيضًا استرجاع ذكريات الماضي.
ظهرت أمام عيني كايلوس إلينيا، وقد شبكت يديها بهدوء فوق فستانها البيج الرّصين.
كلّما اهتزّت العربة، كانت بعض خصلات شعرها التي انسدلت خلف عنقها تهتزّ معها. ومع انعكاس الضوء على شعرها الناعم، بدت تلك الخصلات وكأنّها بتلات زهورٍ صفراء تتراقص حول وجهها الأبيض.
‘غريب…’
منذ وقتٍ ما، بدأت أزهار الحديقة التي تنمو في بستانه تُصدر رائحة. كانت زهورًا بلا عبير، ومع ذلك… متى بدأ ذلك؟ ربّما عندما بدأ أحدهم يتردّد على حديقته، التي لم يكن يزورها أحدٌ سابقًا.
ذلك العطر، الذي يدغدغ أنفه بلطافةٍ وحلاوة، كان يهجم عليه فجأةً، وأحيانًا يسلبه صوابه.
وفي بعض الأحيان، يدفعه للقيام بأشياء لم يكن ليفعلها في العادة.
مثل… تقبيل يد خطيبته في حفلة الرّقص، على سبيل المثال.
وحتى الآن، كان ذلك العطر يملأ المكان.
لم يعرف مصدره، لكنّه، دون أن يشعر، قال ما كان يُفكّر فيه في قلبه بصوتٍ عالٍ:
“هناك عطرٌ ما في الجو.”
***
“عفوًا؟”
‘أيُّ عطرٍ فجأة؟’
ما قاله فجأةً بعد صمتٍ طويل أربكني.
كنت أبحث عن فرصةٍ لأسأله عن المهام التي كُلِّف بها، لكنّه فاجأني.
“أيُّ عطرٍ تقصده؟”
“…آه، الرائحة. يبدو أنَّ شيئًا ما عَلِقَ بي من الخارج.”
‘رائحة؟ لكن قبل لحظة قلت إنّه عطر!’
تغييره المفاجئ للكلمات جعلني أرتبك أكثر.
لكن هل من الممكن أن تبقى رائحةٌ علقت به من الخارج طوال هذا الوقت؟ هل يُعقل أن تكون قد انتقلت إليّ؟
ربّما. فالزهور التي تملأ قصر الأميرة كانت من النوع الذي تنبعث منه روائحٌ قويّة جدًا، قد تكون علقت بي من غير أن أدري.
رفعت يدي خلسةً وجلبت كمّ فستاني إلى أنفي.
‘لا أشمّ شيئًا…’
أمّا هو، فكان يبدو طبيعيًا تمامًا، وكأنّه لم يقل شيئًا.
وفي تلك اللحظة، بدا أن العربة قد وصلت إلى وجهتها، إذ توقّفت الخيول مصدرةً أصواتًا.
“يبدو أننا وصلنا.”
شعرتُ بأنّه يتعمّد، في كلّ مرّة، تفويت الفرصة للإجابة على ما أريد أن أعرفه.
لكني عزمتُ ألّا أسمح له هذه المرّة بأن يُفلت من سؤالي عن المهام التي أُوكلت إليه.
نزلتُ من العربة وأنا أُعيد تأكيد عزيمتي.
***
هذه هي المرّة الثانية التي أزور فيها غرفته.
كان من الغريب أنّه، في كلّ مرّة، يُرشدني إلى غرفته الخاصّة بدلًا من غرفة الاستقبال، لكن بالنظر إلى داخل الغرفة، كانت في الحقيقة لا تختلف كثيرًا عن غرفة استقبال.
بل بدت كغرفةٍ مؤقتة للراحة أثناء العمل، لا مكانًا للإقامة.
كانت الغرفة تحتوي على أقلّ قدرٍ من الأثاث، وشعرتُ أنَّ البرودة المنبعثة من الجدران أقوى من دفء وجود الإنسان.
‘كيف ينام في مكانٍ كهذا؟ أنا شخصيًا لا يمكنني النوم هنا. السرير مثلًا…’
لا، مهلاً، هذا ليس من شأني!
كنتُ أحدّق إلى السّرير الداكن في أحد زوايا الغرفة، ثمّ صُدمت من أفكاري وهززت رأسي.
“ما بكِ؟”
“آه، لا شيء.”
جلستُ أمامه، وبيننا طاولة صلبة مصنوعة من خشب الجوز. كان بخار الشاي العشبي يرتفع بهدوء.
“كنتِ تريدين الحديث؟”
“كنتُ أتساءل عن المهام التي أوكلها جلالة الإمبراطور إليك، يا دوق.”
بعد لحظة صمت، وجّه نظره إليّ.
وربّما بسبب أجواء الغرفة، بدت عيناه أكثر عتمةً من المعتاد.
“هل هذا مهمٌّ إلى هذه الدرجة؟”
“اعتمادًا على الوضع، قد أستطيع مساعدتك.”
“مساعدة، هاه. لا أعتقد أنَّ هناك ما يدعو للقلق. المهام التي أُوكلت إليّ هي…”
توقّف للحظة قبل أن يُكمل:
“تفتيش حدود الشّمال، ومراقبة الأراضي هناك.”
‘الشّمال؟ وهل هناك شيءٌ يستحقّ التفتيش أصلًا؟’
إنَّ حدود الإمبراطوريّة من الشّمال، المحاطة بجبالٍ شاهقة وطبيعة وعرة، تُعدّ من أكثر المناطق غير المأهولة. لا أحد تقريبًا يعيش هناك بسبب فقر الأرض، وكثرة الثلوج والبرد القارس على مدار السنة، حتى إنَّ الثلج لا يذوب حتّى بعد مرور الشتاء.
لذا فهي منطقة قلّما يهتمّ بها أحد.
ومع ذلك، تكلّف بمراقبة أراضٍ كهذه؟
توالت الأفكار في رأسي.
“إن كنتَ ستراقب الأراضي، فلابدّ من تلقّي تقارير… مِن مَن؟”
عادةً، لا تتمّ إدارة تلك المناطق إلا عبر الأسر التي تسكنها. فمَن في الشّمال يُناسب هذا الدّور؟
“مِن عائلة فيديلت، على ما يبدو.”
ذلك الاسم بدا مألوفًا لي بطريقةٍ ما.
وأخيرًا تذكّرت شيئًا من الماضي.
“الكونت باركرون فيديلت…؟”
“أتعرفينه؟”
رفع حاجبيه باستغراب عند سماعه الاسم منّي.
“لا أعرفه شخصيًا، لكنّي أعرف القليل عن عائلته.”
الكونت باركرون فيديلت.
واحدة من العائلات التي خدمت الإمبراطوريّة منذ عهد الإمبراطور السّابق، وكانت تتميّز بذكائها العسكري.
لكن بعد موت الإمبراطور السّابق وتولّي أفيون العرش، اختفت عائلة فيديلت من العاصمة.
تشير الإشاعات إلى أنّهم لم يرغبوا بالولاء للإمبراطور الجديد، أو ربّما أنَّ إصابات الحرب السابقة لم تُشفَ، فاختفوا بهدوء.
أذكر أنَّ الكونت فيديلت زار قصرنا عدّة مرّاتٍ عندما كنت صغيرة.
لكن في وقتٍ ما، توقّف عن المجيء، ولم أره منذ سنوات.
آخر مرّة رأيتُه فيها كانت في مكتبة القصر.
يومها، تسلّلتُ لأُفاجئ والدي، فاختبأتُ بين الرفوف.
كان هناك فجوةٌ صغيرة بين الجدار والرفّ، تكفي لطفلة أن تختبئ فيها.
وانتظرتُ عدًّا بالأصابع إلى أن يَدخل والدي، لكن…
فتح الباب فجأة، وبدلًا من والدي، دخل رجلان.
“…هل سترحل حقًا؟”
“أنت تعلم. لم يعد لجلالته حاجة بعائلتي. الحرب انتهت، ولم يعُد لي مكان. أريد أن أعيش بسلام.”
“لكن…”
“إن كنتَ تعتبرني صديقًا، فدعني أرحل.”
“…”
لا أتذكّر كلّ ما قيل، لكن الجوّ ظلّ ثقيلًا طوال الحديث. وبعد أن رحل الكونت، بقي والدي واقفًا بوجهٍ مظلم.
‘لكن أن يكون الكونت الآن في حدود الشّمال؟’
في حياتي السابقة، كان تيسيوس يندب حظّه لافتقاده إلى عقول عسكريّة بارعة.
ربّما حاول الوصول إلى الكونت، لكنه فشل، لأنَّ الشّمال كان معزولًا.
‘وهذا طبيعي، فحدود الشّمال…’
في زمن السّلام، ما الحاجة إلى العباقرة العسكريّين؟ عندما سألت تيسيوس ذلك، أجاب بأنَّ الاستعداد ضروري على الدوام.
والآن، بتُ أدرك أنّه كان يبحث عن قوّة يسيطر عليها هو.
تيسيوس لم يستطع الوصول إلى الكونت، لكنّ كايلوس يستطيع.
“هل تعرف بالضّبط أين يقع مكان الكونت فيديلت؟”
“قال إنّه سيوجّه لي دعوة. فالسفر من هناك إلى القصر متعبٌ قليلًا.”
تردّد قليلًا، وكأنّه لا يعلم إن كان عليه قبول دعوة من رجلٍ غريب.
لكن… دعوةٌ كهذه؟ لا يُمكن أن أُضيّع هذه الفرصة.
“اقبلها.”
“أقبلها؟”
ظهرت على وجهه علاماتُ الدّهشة.
“عائلة فيديلت مِن أكثر العائلات كفاءةً منذ عهد الإمبراطور السّابق. لن تندم على التقرّب منهم.”
“صحيح.”
لكنّه ما زال يُفكّر في الأمر.
“إن كان السفر وحدك يزعجك، فسأذهبُ معك.”
“أنتِ؟ لكنّ الشّمال خطر… طبيعته، طقسه…”
“أنا أعلم. زرتُ أطرافه في صغري مع والدي.”
رغم أنّها لم تكن زيارةً حقيقيّة، بل نزهةً للراحة قريبة من المنطقة.
“ثمّ إنَّ الكونت يعرف والدي. لا يعرفني شخصيًا، لكنّي سأسهّل الحديث بينكما.”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 39"