في حياتها السابقة، كانت جوليا أيضًا إحدى وصيفات الأميرَة.
لم يكن لها حضورٌ ملحوظ، لكنّها أيضًا لم ترتكب خطأ يستدعي الإبعاد، لذلك خُطِّط لأن ترافق الأميرَة إلى مملكة راين بعد الزواج.
ربّما لأنها كانت الشخص الوحيد القادر على مغادرة الإمبراطوريّة مع الأميرَة في ذلك الوقت.
ولو أنَّ جوليا سافرت فعلًا مع الأميرَة إلى المملكة، لكانت قد عاشت حياةً مريحة تحت حماية الملكة، ولحصلت هي وزوجها، الكونت ورنيت، على لقبٍ جيّد ومكانةٍ مستقرة.
لكن، وللمصادفة، كُشف قبل ذلك عن حقيقة كونها ابنةً غير شرعيّة لعائلة الكونت تريجي، وفورًا طُردت من قبل الأميرَة.
وسرعان ما أصابها المرض، فضعف جسدها وأُنهكت نفسيًّا حتى ماتت في سنٍّ مبكّرة.
لم يكن الأمر مرضًا بقدر ما كان إنهاكًا عصبيًّا بسبب الضغط المتراكم على جسدٍ ضعيف.
وإذا فكّرتُ في الشخص الذي كان سيكره أكثر من غيره أن تعيش جوليا حياةً مرفّهة بجانب الملكة، فسأُخمِّن بسهولة من الذي سرّب خبر نسبها الحقيقي.
‘لا يبدو أن شيئًا تغيّر الآن أيضًا.’
ما تزال شديدة الخجل والانطواء. وكأنّها تحاول بكلّ قوتها ألّا تلفت الانتباه.
هل السبب هو أنّها اعتادت طوال حياتها على مراقبة الآخرين والتصرّف بحذر؟ أم أنَّ أحدهم هدّدها بعواقب وخيمة إن لفتت الأنظار؟
رأسها منخفض قليلًا، ويداها متشابكتان فوق ركبتيها بشكلٍ مرتّب، ما يجعلها تبدو أدنى حتى من مكانتها الحقيقية.
“جوليا.”
نادتها الآنسة رينيّا، ابنة الكونت.
“نعم؟”
“لا تجلسي هناك صامتة هكذا. قولي شيئًا. إنّكِ دائمًا هادئة، ولهذا تشعر سموّ الأميرَة بالملل. ألا تملكين أيِّ قصّةٍ طريفة يمكن أن تثير اهتمام الأميرَة؟”
“السيّدة ورنيت هادئةٌ بطبعها، لذا أظنّها لا تعرف مثل هذه الأحاديث. فهي لا تشارك في التجمعات الاجتماعيّة، أليس كذلك؟”
“صحيح، لكن… أليست الدعوة شرطًا لحضور تلك التجمّعات؟”
“صحيح فعلًا. لم أرَ اسم عائلة ورنيت في أيِّ بطاقة دعوةٍ من قبل. هاهاها.”
يبدو أنهنّ قرّرن تحويل جوليا إلى هدفٍ سهل. لم يُخفين سُخريتهنّ، بل تبادلن الضحكات بشكلٍ علني.
وانكمشت كتفا جوليا أكثر مِن ذي قبل، ولم يظهر عليها أيُّ نيّةٍ للرد أو المقاومة.
أما الأميرَة، فقد تظاهرت بعدم الرؤية أو السّماع. لم تُحاول التدخّل أبدًا، بل اكتفت بالمراقبة.
ومن ذلك الموقف، بدا لي أنَّ مثل هذا المشهد تكرّر من قبل عدّة مرّات.
‘إن هذا مثيرٌ للشفقة.’
طرقتُ بأصابعي بخفّة على طاولة الشاي وتدخّلتُ في الحديث.
“لكنّ التجمّعات الاجتماعيّة ليست دائمًا ذات نفعٍ حقيقي، أليس كذلك؟”
تلعثمت رينيّا. بدت غير قادرةٍ على توقّع ما سأقوله بعد ذلك.
“لكن أحيانًا، تنتشر شائعاتٌ لا تُصدّق، وتُضخَّم إلى حدٍّ سخيف.”
توقّفتُ لحظة ثم نظرت باتجاه رينيّا ونيللي. تلاقت نظراتنا في الهواء، فارتسمت على وجهي ابتسامةٌ باهتة.
“…بشكلٍ مبتذل. على الأرجح صدّقها بعض الأغبياء مِن دون أن يُفكّروا في التحقّق من صحّتها.”
أخذتُ رشفة من الشاي، ثم تابعت:
“حين أرى هذا، أشعر أنّه يجب انتقاء التجمّعات الاجتماعيّة بعناية. إن لم تُرِد أن تصبح ساذجًا يُساق وسط الحشود. ليس المهمّ من دعاك، بل من هو المدعوّ فعلًا.”
ما إن أنهيتُ كلامي حتى احمرّت وجوه كلٍّ من رينيّا ونيللي.
لا بدّ أنّهما فهمتا تمامًا ما الذي أعنيه.
أخذت رينيّا ترشف الشاي البارد مرارًا لتُهدّئ أعصابها، بينما كانت نيللي تلوّح بمروحتها لتخفّف من حرارة وجهها.
وفي تلك اللحظة، رفعت جوليا رأسها، ونظرت إليّ لأول مرةٍ منذ جلوسنا.
عيناها كانتا هادئتين، من دون ارتباك، لكنّهما كانتا تحملان شيئًا مِن الخوف والريبة.
‘لماذا دافعتِ عنّي؟ نحن لا نعرف بعضنا أصلاً.’
كانت تلك نظرة شخصٍ يتساءل عن سبب تدخّلي لصالحه.
‘لأنّني بحاجةٍ إليكِ.’
أنا أعرف من تكون.
بل، أعرف ما لا تعرفه هي بعد عن نفسها.
في الحقيقة، لم أبدأ بالاهتمام بجوليا إلّا بعد موتها.
في اليوم الذي طُردت فيه من قِبل الأميرَة، ولم يمضِ وقتٌ طويل حتى مرضت وماتت.
وفي اللحظة التي توقّف فيها أنفاسها، انطلق شعاعٌ قويٍّ من جناح الكونت ورنيت، ثمّ تلاشى.
ذلك الضوء، الذي وصل حتى القصر الإمبراطوري، جعل الجميع في صدمة.
فقد كان يرمز إلى وفاة المرشّحة الأولى لمنصب الكاهن الأعلى، أولئكَ المختارين من قِبل الحاكم.
أرسل المعبد والقصر مندوبين بعد فوات الأوان.
وما وُجد عند وفاتها لم يكن سوى زهرةٍ بيضاء واحدة – علامةٌ مقدّسة تؤكّد إمكانيّتها ككاهن – ومذكّراتها التي تحكي عن حياتها البائسة.
يُقال إنّ أصحاب منصب الكاهن الأعلى، المعروفية بـ”زهرة الحاكم”، لا يُحدَّدون من قِبل المعبد بل يُختارون عشوائيًّا من شعب الإمبراطوريّة.
أحيانًا يظهرون بين عامّة الشعب، وأحيانًا بين النبلاء.
لكن لا يمكن معرفة أنَّ شخصًا ما مرشّح لتلك الموهبة إلّا بعد أن تتجلّى قواه.
وفي بعض الأحيان، كما حصل مع جوليا، يموت المرشّح قبل ظهور تلكَ القدرة، فلا يُعرَف إلّا بعد رحيله.
وفي كلّ جيل، لا يظهر سوى كاهنٍ واحد من الدرجة الأولى.
وحين يموت الكاهن الحالي، يبقى مكانه شاغرًا حتى يظهر المرشّح الجديد.
وبسبب وفاة جوليا قبل أن تتجلّى قواها، بقي منصب الكاهن الاعلى في جيل تيسيوس شاغرًا.
ورغم أنَّ إمبراطوريّة فرينيان لم تكن تعتمد على المعبد كثيرًا، إلّا أنّها خسرت بسبب غياب ذلك الكاهن مزايا لا تُقدّر بثمن.
أبرزها: قدرة تمييز الحقيقة، والقدرة على الشفاء.
على عكس الكهنة من الدرجتين الثانية والثالثة، الذين لم يكن لهم تأثيرٌ كبير، كانت تلك القدرتان سببًا في اعتبار الكاهن من الدرجة الأولى ممثّلًا للحاكم.
فهو وحده من يستطيع تمييز الحقيقة من الكذب، وشفاء المرضى حتى أولئك الذين على شفير الموت.
ولو كانت جوليا على قيد الحياة آنذاك، وتجلّت قدرتها، لربّما تمكّنت من قراءة نوايا تيسيوس قبل مراسم التتويج، وأخبرتني بها.
ولو حصل ذلك، ربّما لم يُغرس الخنجر في قلبي.
لهذا، في هذه الحياة، عليَّ أن أُتيح لها الفرصة لتُظهر قدرتها.
حتى إن كنتُ لا أعلم متى بالتحديد سيحصل ذلك.
دق—
صدر صوتٌ خافت من فنجان الأميرَة وهي تضعه بعصبيّة.
“لننهي الأمر لهذا اليوم. عُدن إلى منازلكنّ.”
توجّهت نظراتها الغاضبة نحوي.
لكن هذا لا بأس به.
فقد حقّقت معظم أهدافي اليوم.
أرسلتُ تحذيرًا للأميرَة ومن يحيط بها، كما تركت انطباعًا في ذهن جوليا.
أما كسب مودّتها تدريجيًّا، فيمكنني العمل عليه لاحقًا.
نهضت من مكاني، ورفعت تنورتي قليلًا، ثم انحنيت.
“سأغادر إذًا، سموّ الأميرَة.”
غادرتُ جناح الأميرَة واتّجهت إلى حيث كانت تنتظرني العربة.
لكن، من بعيد، رأيتُ عربةً مألوفة تقف بجوار عربتي.
وأمامها، كان يقف رجل طويل القامة… مألوف الملامح.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 37"