كان جناح الأميرَة أشبه بحديقة زهورٍ واسعة، بل يمكن القول إنّه أشبه ببيتٍ زجاجيّ ضخم يحتضن الزهور من كلّ حدبٍ وصوب.
في أرجاء القصر، من الخارج وحتى أعماق الجناح، انتشرت مزهريّاتٌ كريستاليّة تحوي أزهارًا متفتّحة بعطرٍ غنيّ، تفترش بتلاتها لتعرض جمالها الآسر.
كانت الألوان الزاهية والزهور المتنوّعة تخطف الأنظار في كلّ زاوية، وكان عبيرها يزداد قوّةً كلّما اقتربتُ من الداخل حتى شعرتُ بصداعٍ من شدّته.
ويبدو أنَّ اهتمام الأميرَة بالأزهار لا يقلّ عن اهتمامها بالمجوهرات.
‘من الذي يعتني بكلّ هذه الزهور؟ سمعتُ أن هناك بيتًا زجاجيًّا آخر داخل القصر أيضًا.’
بينما كنتُ غارقةً في هذه الأفكار، وجدتُ نفسي قد وصلتُ إلى باب الأميرَة.
أعلن الخادم الذي رافقني قدومي بعد أن طرق الباب بلُطف.
“آنسة عائلة هيسيتايا وصلت.”
رغم أنَّ الصوت كان مسموعًا بوضوح، لم يصدر أيُّ ردٍّ من الداخل.
بل، ما سُمع هو صوت ضحكةٍ مكتومة من خلف الباب.
استدار الخادم إليّ بنظراتٍ قلقة.
كنتُ قد توقّعت أن يبدأ الأمر مبكرًا، لكن ليس قبل أن أدخل حتى.
عندها فقط، شعرتُ تمامًا بما أنا مُقبلة عليه.
مضت لحظات وأنا واقفة، حتى سُمعت أخيرًا صوتٌ أنثويّ لطيف من الداخل.
“أدخلوها.”
الصوت لم يكن صوت الأميرَة بالتأكيد، بل صوت إحدى وصيفاتها.
فتح الخادم الباب على عجل كمن نجا من كارثة، ثم دخلتُ.
“أُحيّي سموّ الأميرَة الأولى. أنا إيلينيا هيسيتايا، التي ستقوم بخدمة سموّكِ ابتداءً من اليوم.”
رفعتُ رأسي بعد انحناءةٍ خفيفة، فرأيتُ الأميرَة جالسة حول طاولة شاي مستديرة، تحيط بها وصيفاتها.
“مرحبًا بكِ، آنسة. سمعتُ الخبر. ستنضمّين إلى وصيفاتي من اليوم، أليس كذلك؟”
“نعم، بأمرٍ من جلالة الإمبراطور…”
“فهمت. سنلتقي كثيرًا إذًا.”
قاطعتني الأميرَة وهي تضع فنجان الشاي على الطاولة بصوتٍ واضح.
“هاهاها…”
ضحكت الوصيفة الجالسة أقرب ما يكون إلى الأميرَة بسخرية.
كانت تملك شعرًا برتقاليًّا مليئًا بالنمش يغطّي خدّيها وجسر أنفها، وبشرتها الصفراء قليلاً تُوحي أنّها من الجنوب، وعيناها بلونٍ بُنيّ داكن لا يتناسبان أبدًا مع لون شعرها اللافت.
وذاك الشعر البرتقاليّ اللافت ذكّرني بشيء…
‘تبدو مثل حبّة جزر.’
بادرتُ بإلقاء التحيّة عليها.
“تشرفتُ بمعرفتكِ، الآنسة رينيّا. سنعمل سويًا على خدمة سموّ الأميرَة.”
بدت متفاجئةً قليلًا، كأنّها لم تتوقّع أن أسبقها بالكلام.
لكنّها لم تستطع تجاهل التحيّة من فتاةٍ أعلى منها مكانة.
“أوه، نعم. آنسة إلينيا، أرجو أن نعمل معًا بانسجام.”
لم يُرضِها هذا الموقف، ولا وجه إلينيا المُبتسم أمامها.
طوال تسعة عشر عامًا، لم تمرّ عليها لحظةٌ لم تكن فيها هي المتحكّمة بما حولها.
والآن، هذا الوضع… وهذه الفتاة التي لا يمكن التحكّم بها.
“جلالة الإمبراطور، تقول إنَّ آنسة هيسيتايا ستصبح من وصيفاتي؟!”
“لا بدّ أنكِ سمعتِ ما حدث في حفلة تأسيس الإمبراطورية. ما فعلتُه هو مجرّد مهمةٍ مناسبة لها.”
“لكن لديّ بالفعل وصيفاتٌ يخدمنني منذ زمن!”
“وإضافة واحدةٍ لن تُغيّر شيئًا.”
“لكن…!”
“كفى. سنُنهي هذا الحديث هنا. عودي إلى جناحكِ، أيتُها الأميرَة.”
عضّت أرياجين شفتها من القهر.
الرجل الذي أمامها لم يكن فقط الإمبراطور الأعلى للإمبراطوريّة، بل كان والدها أيضًا.
ومع ذلك، لم تشعر يومًا أنّه والدها.
صحيح أنّها تملك صورةً باهتة من الطفولة، حين كان يحملها ويتجوّل بها في حدائق القصر.
لكن ذلك لم يتكرّر بعد أن كبرت قليلًا.
كبرت من دون أن تشعر بأيِّ حنان أو تعلّق نحوه كأب، لكنّها لم تمانع ذلك وقتها.
كانت تحصل على ما تريد من دون حاجة إلى حبّ والدها.
ما عدا ما يحدث اليوم.
لم تستطع أن تفهم لماذا سمح لإلينيا بدخول القصر، وحتّى إلى جوارها.
هي ابنةٌ وحيدة لعائلةٍ مرموقة. كان من الممكن معاقبتها بمصادرة القليل من أملاكها أو إرسالها إلى الريف لفترةٍ بحجّة التأمّل.
لكن أن تُرسَل إلى جناحها الخاص؟!
كلّ هذا سببه إلينيا.
لو لم تكن مخطوبةً لذلك اللقيط… لا، لو لم تكن قد خُطبت أصلًا إلى الدوق تيسيوس، لما كانت هذه المشاكل كلّها ظهرت.
لو لم تُسبق بخطبة من دوقٍ مثل تيسيوس، لكان من السهل أن تتزوّجه هي وتصبح الإمبراطورة.
‘كلّه بسببكِ أنتِ.’
كانت أرياجين قد نسيت تمامًا أنَّ تيسيوس هو من تقدّم لإلينيا، ولم يُرسل حتى طلب زواجٍ واحد لها.
***
بعد تلك التحيّة الباردة، ساد الصّمت جناح الأميرَة.
وكنتُ لا أزال واقفةً، لم يُعرَض عليّ الجلوس.
لو كان هناك كرسيٌّ شاغر حول الطاولة، لكنتُ جلستُ دون حاجة للكلام.
لكن كان هناك فقط أربعة كراسٍ، بما في ذلك كرسيّ الأميرَة.
لحسن الحظ، رأيتُ كرسيًّا قديمًا مُغطى بالغبار في زاوية الغرفة، بعيدًا عن الطاولة، لا يُناسب بتاتًا ديكور الغرفة الفاخر.
‘حسنًا… ماذا الآن؟’
كانت محاولةً شفّافة لإثارة أعصابي. لكن مِن الأميرَة؟ تصرّفٌ طفوليّ كهذا؟!
‘واحدة من هؤلاء الثلاث هي السبب.’
بدأتُ أُمعن النّظر في الوجوه حول الطاولة.
وواحدة فقط لم تجرؤ على لقائي بعينيها، وأخفضت رأسها.
‘إنّها أنتِ.’
تقدّمتُ نحو الوصيفة الجالسة إلى يمين الأميرَة.
“الآنسة نيللي، بما أنّني وصلتُ الآن، هلّا تتركين لي مقعدكِ؟”
“ماذا؟ ماذا تعنين…”
وضعتُ يدي على مسند الكرسيّ، مشيرةً إلى أن تُفسح لي المكان.
اتّسعت عيناها في دهشة، وأما رينيّا الجالسة أمامها فعبست في وجهي.
“ما هذا التصرّف؟ تطلبين من الآنسة نيللي أن تُخلي مكانها؟!”
رفعتُ يدي إلى فمي واتّسعت عيناي، مقلّدةً تصرّفًا لطالما سخروا به منّي في حفلة الشاي سابقًا.
“أوه… يبدو أنني ارتكبتُ خطأ بسبب جهلي بأعراف جناح الأميرَة. كنتُ أظنّ أنَّ ثمّة ترتيبًا صارمًا هنا… لم أتوقّع أن تكون سموّ الأميرَة بهذا القدر من الانفتاح الفكريّ.”
في اللحظة التي قلتُ فيها ذلك بابتسامةٍ بريئة، شحبَت وجوه رينيّا وبقيّة الوصيفات.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 35"