في النّهاية، لم يُجبني على ما كان يدور في ذهنه. وبدلًا من والدي الذي عاد إلى القصر أولًا، تولّى هو مهمّة مرافقتي إلى العربة خارج قاعة الحفل.
طوال طريق العودة إلى المنزل، ظلّت أفكار هذا اليوم تدور بعشوائيّة في رأسي.
لم أدرِ من أين أبدأ بترتيبها، وشعرتُ بعجزٍ غريب.
“آنستي، هل عدتِ بخير؟”
استقبلتني كايا أمام القصر بابتسامة.
“لماذا خرجتِ إلى هنا؟”
تردّدت كايا قليلًا، تنظر إلى وجهي بتردّد.
“السيّد الماركيز بانتظاركِ في المكتب.”
“أبي؟ حسنًا، سأبدّل ملابسي وأذهب إليه فورًا.”
أسرعتُ بالدّخول، لكن كايا نادتني على عجل.
“آنستي …! يبدو أنَّ الماركيز في مزاجٍ سيّئ. شعرتُ أن عليَّ إخباركِ.”
‘هل بسبب ما حصل اليوم؟’
بسبب أمر جلالة الإمبراطور، بقي صامتًا كل هذا الوقت، فلا بدّ أنه تألّم من داخله. ربّما يشعر بالذنب لأنّه لم يُخبرني.
أسرعتُ بخطواتي نحو المكتب.
طق طق.
“ادخلي.”
سمعت صوت والدي من خلف الباب، منخفضًا وثقيلاً. فتحتُ الباب بحذر.
كان جالسًا خلف المكتب، غارقًا في التفكير، يسند رأسه بيده.
“طلبتَ رؤيتي؟”
“إلينيا.”
نظر إليّ مباشرة، وشعرتُ بتوتّرٍ خفيف يتسلّل إليّ.
“هل لديكَ ما تريد قوله…؟”
بعد صمتٍ طويل، تحرّك شفاهه أخيرًا.
“جلالة الإمبراطور أعطى تعليمات خاصّة بشأن المهمّة التي ستُسند إليكِ.”
‘تعليماتٍ خاصّة؟’
لم ألبث أن شعرتُ بالاستغراب حتى تابع الحديث.
“ستُصبحين رسميًّا وصيفة الأميرَة الأولى، وتقومين بخدمتها عن قُرب.”
“ماذا؟ ولكن…”
في الواقع، يُعتبر من الطبيعي أن تُرافق بعض بنات العائلات النبيلة الإمبراطورة أو الأميرات كوصيفات، ولكن ذلك يتمّ عادةً قبل بلوغهنّ، وغالبًا ما يكنّ من جهة الإمبراطورة.
وكأنّه توقّع ما أفكّر به، فتابع والدي الشّرح.
“صحيح أنِّ هناك بالفعل وصيفاتٍ يخدمن الأميرَة، لكنكِ أُسنِدتِ لهذا المنصب بأمرٍ خاص من الإمبراطور، لذا لا تقلقي. وكذلك…”
توقّف قليلًا، ثم تابع:
“بشكلٍ غير رسمي… خلال خدمتكِ، عليكِ أن تنقلي كل من تلتقين بهم وكل ما يُقال خلال لقاءات الأميرَة والإمبراطورة.”
“أنقله؟ إلى مَن؟”
اهتزّت كتفاه قليلًا، كما لو أنّه شعر بالقلق، ثم تنفّس بعمق وقال:
“إلى جلالة الإمبراطور. أخبريه بكلّ ما ترين وتسمعين.”
***
حتى بعد مغادرتي المكتب، ظلّت كلمات والدي تُدوّي في رأسي.
‘أن أنقل كلّ ما أراه وأسمعه؟’
لماذا يُريد الإمبراطور مراقبة الأميرَة من خلالي؟
رغم أنّني لم أسمع يومًا أنّه يكنّ لها حبًّا خاصًا أو اهتمامًا كبيرًا…
لكن، رسميًا، أرياجين هي الوريثة الوحيدة لدم العائلة الإمبراطوريّة.
‘ما الذي يدور في رأسه؟’
لا أعلم ما يريده الإمبراطور حقًا، لكن في الوقت الحالي، ثمّة ما هو أكثر إلحاحًا.
ابتداءً من الغد، عليّ دخول القصر. والوقت أضيق مِما ظننته، ما جعلني أشعر بالقلق.
ثمّة أيضًا أمر لا أعلمه بعد: ما المهمّة التي أُسندت إلى كايلوس؟
‘قال أبي إنّه لا يعلم، لكن…’
هل هو حقًا لا يعلم؟ أم أنّه لا يستطيع إخباري بأمرٍ من الإمبراطور أيضًا؟
“كايا!”
ناديتُها، فأطلت برأسها من آخر الرواق.
“سأدخل القصر غدًا بصفتي وصيفة الأميرَة الأولى. هل تساعدينني في التحضيرات؟”
التعليقات لهذا الفصل " 34"