خلف رأس الطفل الأسود –الذي يُشبه أمّه– كان يرتجف خوفًا.
أراد أن يضمه ويقول له “كلّ شيء سيكون بخير”، لكنّ يده، كما دائمًا، لم تصل إليه وعادت إلى مكانها.
فتح الإمبراطور عينيه فجأة، بعد أن انتهى من استرجاع ذلك المشهد القصير.
كم ندم على ما فعله في ذلك اليوم؟ لكنه، حتى لو عاد به الزمن، ما كان ليُغيّر قراره.
‘ذلك كان السبيل الوحيد لحمايته، يا ميتيس.’
الكلمات التي لم يُفصح عنها قط، ذابت في الهواء ولم تصل إلى أحد.
***
“آااه!”
لم تتمكّن الخادمة من تفادي فنجان الشاي الذي طار نحوها فور فتح الباب، فجلست على الأرض ممسكةً برأسها. وقد سال الدم من جبينها الذي تمزّق بشظايا الفنجان الحادّة.
لكن ليتيا، التي لم تهدأ بعد، أمسكت بقطعةٍ خزفية من على طاولة الشاي.
صرخت وهي توجّه كلامها نحو الخادمة المرتجفة الجاثية على الأرض.
“أخرجي! لا تُدنّسي غرفتي أكثر بدمكِ القذر!”
دخلت خادمةٌ أخرى مسرعة عند سماع الصراخ وسحبت زميلتها الجريحة خارج الغرفة.
“لا أريد رؤية أحدٍ يقترب من هذه الغرفة! هل هذا واضح؟”
أومأت الخادمة برأسها بسرعة وأغلقت الباب خلفها. وما إن تلاشى صوت خطواتها، حتى رمت ليتيا قطعة الخزف نحو الحائط.
تحطّمها دوّى في الغرفة كما لو أنّه صرخة لم تتمكّن من إطلاقها.
لم تكتفِ بذلك، بل دفعت بيديها كلّ ما كان على الطاولة إلى الأرض.
تحطّمت الأشياء، وارتفعت أصوات التكسير في أرجاء الغرفة.
“هاه…!”
تنفّست ليتيا بعمق وجثت على الكرسي.
أرادت لو تفتح جميع النوافذ وتصرخ، لكنّ المسافة بين جناح الإمبراطورة وقاعة الحفلات كانت قريبةً جدًا لذلك.
بدلًا من ذلك، شعرت براحةٍ ضئيلة بعدما حطّمت ما حولها.
كان حديثها مع الإمبراطور لا يزال يتردّد في رأسها، يثير أعصابها مرارًا وتكرارًا.
بل، هل يمكن أن يُسمّى حديثًا؟ لقد كان أشبه بإبلاغ من طرفٍ واحد.
“جلالتك، هلّا أوضحت الأمر الآن؟ ما الذي تعنيه بـ’مهمة’؟”
“لقد سمعتِ بنفسك، أليس كذلك؟”
كان صوته هادئًا وكأنَّ شيئًا لم يحدث، ما زاد من استفزاز ليتيا.
صرخت بصوتٍ ملؤه الهستيريا دون أن تشعر.
“لماذا أدخلت ذلك اللقيط إلى القصر؟!”
“لقيط؟”
ظهر عرقٌ أزرق في جبين الإمبراطور وهو يقطّب حاجبيه.
“هذا ليس كلامًا يليق بفم الإمبراطورة. لا ما قلته الآن، ولا ما فعلتِه قبل قليل. هل نسيتِ كيف يجب أن تتصرّفي بصفتكِ إمبراطورة؟”
“جلالتك!”
ارتجف جسد ليتيا. تنفّس الإمبراطور بعمق.
“لم أمنح كايلوس وحده حقّ الدخول إلى القصر. لقد منحت الإذن ذاته لإلينيا وتيسيوس أيضًا.”
“لكن ذلك الـ… أعني، كايلوس لا يُمكن القبول به.”
رفع الإمبراطور يده إلى جبينه، كأنَّ صداعًا شديدًا بدأ يهاجمه.
لكنّ ليتيا لم تتوقّف. تقدّمت خطوةً نحوه بإصرار.
“لا تنسَ، يا جلالة الإمبراطور، أن هذه البلاد بلغت ما بلغته من ازدهار بفضل ديّوس و—!”
لكن كلماتها لم تكتمل.
“هل تظنّين أنكِ تُهدّدين إمبراطور هذه البلاد؟ و’ديّوس’؟ يبدو أنّكِ نسيتِ لأيِّ مملكةٍ أنتِ إمبراطورة أصلًا.”
زمجر الإمبراطور بصوتٍ حاد، فلم تجد ليتيا سوى أن تلوذ بالصمت وتعود إلى جناحها.
“لا يعرف حتى من الذي جعله يجلس على هذا العرش! ويدخل اللقيط إلى القصر؟!”
كان الغضب في عيني ليتيا على وشك الانفجار.
فجأةً، وقفت وذهبت نحو خزانة الأدراج بجوار السرير.
وأخرجت من داخلها صندوق المجوهرات، وأخذت منه خاتمًا مرصّعًا بحجر ياقوت أحمر على شكل زهرة.
تأمّلت ليتيا الخاتم، وهدأت عيناها تدريجيًا.
ذلك الخاتم كان غنيمتها. كان ثمنًا دفعته امرأة تجاوزت حدودها.
مرت عشر سنوات، لكنها ما زالت تتذكّر وجه تلك المرأة كما لو كان البارحة. المرأة التي تجرّأت على ارتداء خاتمٍ لا يخصّها.
“كيف تجرؤ…”
همست ليتيا وهي تقبض على الخاتم بشدّة تكاد تُفتّت به أصابعها.
كانت قبضة يدها ترتعش، والدم يكاد يتوقّف عن الجريان فيها.
“أنا من سلالة ديّوس النبيلة، وأنا إمبراطورة هذه البلاد. كيف لابن أمرأةٍ قذرة أن…؟!”
وحين خفّت قبضتها، سقط الخاتم من يدها.
تدحرج الخاتم حتى توقّف وسط السجّادة المُلطّخة بالدم.
انحنت ليتيا والتقطت الخاتم مجددًا.
كان الدم العالق عليه ينبعث منه رائحة كريهة.
***
كان الحفل قد شارف على الانتهاء.
وعلى الرغم من أنَّ الغرض الأساسي من هذه الحفلات ليس الرقص، فقد بدا هذا الأمر جليًا أكثر من أيِّ وقتٍ مضى اليوم.
انشغل النبلاء بالهمس عن أحداث الليلة وكأنّها حلوى يتذوّقونها، بينما تحوّلت موسيقى الفرقة إلى خلفية صوتية لتغطية أحاديثهم.
‘الأمور خرجت عن مسارها.’
كان من المفترض أن يُظهر كايلوس الليلة قدراته أمام الجميع، ويتخلّص من سمعته السيئة، ويعزّز موقعه كوريثٍ شرعي.
لكنّ الانحراف المفاجئ في الأحداث لم يُربك خطّتي فقط، بل وضع كايلوس في موقفٍ حرج أيضًا.
الشيء الوحيد الذي يُمكنني اعتباره مكسبًا هو أنَّ مناجم فولاذ السيراين ساعدت في تغيير صورة عائلة الدوق.
لكنّه لم يكن كافيًا. لم يكن هذا ما أردناه.
‘كلّ هذا بسببه.’
لم أتوقّع أن يورّط تيسيوس الإمبراطور في الأمر.
كيف يمكنه أن يطلب المساعدة من الرجل نفسه الذي أراد أن يزيحه من مكانه؟
ربّما… لكونه رجلًا بوجهين، كان قادرًا على ذلك.
“إلينيّا.”
سمعتُ صوتًا مزعجًا من خلفي.
‘يُقال إنّ حتى الشيطان لا يحتمل أن يُذمّ في الجحيم.’
“لستَ برجلٍ نبيل كما يبدو.”
استدرتُ نحو مصدر الصوت.
“يا للخجل، هذا يزعجني.”
تقدّم تيسيوس نحوي بابتسامةٍ متصنّعة.
“أوه، أظنّ أنّه يجب أن أقول: تهانينا على فسخ الخطبة؟ شعوري غريبٌ حيال ذلك.”
قالها بنبرةٍ ساخرة، رافعًا زاوية شفتيه.
‘هاه!’
هززتُ رأسي ساخرةً من وقاحته. تمنّيت لو أصفعه فورًا.
لكنّ شخصًا تقدّم قبلي وخطا خطوة للأمام.
“إنّه تأجيل، لا فسخ. هل اعتدت ألّا تُنصت للآخرين حتى يُكملوا حديثهم؟”
كان كايلوس قد وقف أمامي فجأةً، يرمق تيسيوس بنظرةٍ حادّة.
وأكمل وهو يسخر:
“أم أنّك لا تعرف الفرق بين ‘فسخ’ و’تأجيل’؟”
تجمّد وجه تيسيوس.
كان الجميع في القاعة قد بدأ يُراقبنا. لو انفجر الآن، فسيُصبح مجرّد مادة للفرجة.
فكّر قليلًا، ثم كتم غضبه بصعوبة.
“…سواء تأجيل أو فسخ، ما أعلمه أنَّ خطوبتكما لم تعد سارية.”
“علاقتي بإلينيا ما زالت سارية، لكن يا دوق تيسيوس…”
أخذ كايلوس نفسًا طويلًا، ثم قال بصوتهِ العميق الجذّاب.
“هل هناك نهايةٌ أوضح من فسخ الخطوبة؟”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 31"