لكنّ ما جعل تيسيوس يشعر باليأس لم يكن هذا الأمر بعينه.
‘ماذا تقول؟ أنه قدّم ماذا؟’
عندما سمع اسم المقاطعة المألوف يهمس في أذنه، اختفى اللون من وجه تيسيوس.
لم يكن مخطئًا. الأرض التي قدّمتها إلينيّا للإمبراطور كانت في الأصل ملكًا له، الأرض التي خسرها من بيد ليزي.
ومع ذلك، لم يستطع التقدّم للاعتراض. فلو تجرّأ على المطالبة بملكية الأرض الآن، فسيُفتح الحديث بلا شك عن ليزي.
فمنذ البداية، لم يكن قد أبلغ البلاط الإمبراطوري بحيازته للأرض، ناهيك عن أنّه هو من سلّم الأرض بنفسه إلى ليزي.
أيًّا كان ما سيقوله، فلن يستطيع الهروب من المسؤولية.
لذلك، لم يستطع تيسيوس قول أيِّ شيء، وراح يراقب كيف تذهب دُرّته الذهبية إلى الإمبراطور.
‘إلينيّا…’
خرج طعم الحديد من شفتيه التي قضمها بلا وعي.
***
في كلّ الأحوال، كان أمرًا لا بدّ من فعله. هذا ما قرّرت أن أُقنع به نفسي.
في اليوم الذي عدتُ فيه بعد التفكير في الهدية التي سأُقدّمها للإمبراطور، تذكّرتُ الأرض التي انتزعتها من ليزي.
أرض موقع مناجم فولاذ السراين. إن كان حقًا يوجد فيها فولاذ سيراين، فسيكون ذلك مفيدًا لعائلتي دون شك.
لكن كان عليّ أن أنظر أبعد من ذلك.
فلو انكشف أصل هذه الأرض في وقتٍ لاحق، ولو ظهر أنّها حصلت عليها بطريقةٍ غير شرعية، فستكون مشكلةً كبيرة.
وفي أسوأ الحالات، قد يُتّهم المرء بالخيانة لمجرد امتلاكه أرضًا تُنتَج منها مواد أسلحة.
طبعًا، كلّ هذا افتراضٌ في حالة سارت الأمور بشكل سيء.
على كلّ حال، فإنَّ الاحتفاظ بهذه الأرض كان بمثابة الاحتفاظ بقنبلةٍ موقوتة قد تنفجر في أيِّ لحظة.
لذلك، كان عليّ أن أستفيد من هذه الأرض قبل أن تنفجر.
وكان أفضل مَن يمكنني أن أُقدّمها له هو الأوّل في الإمبراطورية، الإمبراطور أتيون.
ما إن أُقدّم له هذه الأرض، فلن تُطرح مسألة مصدرها بعد الآن.
فالإمبراطور، ما دام قد أصبحت الأرض بين يديه، لن يهتم كثيرًا من أين جاءت.
بل ربّما تكون فرصة ليتقرّب كايلوس من الإمبراطور أكثر.
وفي نهاية المطاف، إن أصبح كايلوس إمبراطورًا في المستقبل، فستؤول الأرض إليه على أيِّ حال.
عندما وصلت إلى هذا الحدّ من التفكير، أمرت العربة أن تتوجّه فورًا إلى مقاطعة تيغوليت.
أبلغتُ مدير المقاطعة بتغيّر مالك الأرض وتحقّقت من وجود المناجم فيها.
صحيحٌ أنَّ الأمر استلزم بعض النفقات، لكنّه كان ضروريًا.
“مناجم فولاذ السيراين؟ يا لها من هديةٍ عظيمة حقًا. أُقدّر نيتكِ الطيبة، الآنسة إلينيّا… وأنت أيضًا، دوق كايلوس.”
ما إن أنهى الإمبراطور كلامه بعد أن نظر للحظة إلى كايلوس، حتى دوّى صوت الإمبراطورة ليتيا الحادّ.
“مناجم فولاذ السيراين؟ من أين حصلتما على هذه الأرض؟”
لكنّ كلامها لم يكتمل. إذ قاطعها الإمبراطور ووقف من مجلسه.
“نكتفي بهذا. ليتيا.”
بدت الإمبراطورة وكأنّها ما زالت تودّ قول شيءٍ وهي تنظر إلينا، لكنّها اضطُرّت للحاق بالإمبراطور مرغمة.
“أبي! ما الذي يجري هنا؟ هل هذه هي الأسباب التي كنت تزور بها القصر الإمبراطوري مؤخرًا؟ لِمَ لم تُخبرني مسبقًا؟!”
ما إن غادر الإمبراطور، حتى هرعتُ إليه وسألته بانفعال.
“كانت هذه أوامر الإمبراطور بعدم إخبار أحدٍ بالأمر حتى يُحسم. وكان عليك أن تتوقّعي شيئًا كهذا منذ قرّرتِ فسخ الخطبة. يجب أن تكوني شاكرة أنَّ الأمر انتهى بهذا الشكل فقط.”
كان والدي يبدو هادئًا على غير العادة.
“أن اكون شاكرة؟ كيف يكون هذا جيدًا بأيَّ حال؟ أنا والدوق كايلوس قد أقمنا حفل خطوبةٍ أمام كلّ النبلاء، فكيف يتم التراجع عنه الآن؟ هل هذا معقول؟”
“وهل تريدين معارضة أوامر الإمبراطور؟”
“…..”
نظر إليّ والدي بصمتّ وأنا أعضّ شفتي بلا ردّ، ثمّ تحدّث بنبرةٍ أهدأ.
“إلينيّا، فكّري بالأمر من زاويةٍ أخرى. الأمر ليس سيئًا كلّه. الإمبراطور قال إنها فترة تأجيلٍ فقط، وليس إلغاءًا نهائيًا. إن قمتِ بأداء المهمّة التي كُلّفتِ بها على أكمل وجه، فقد يتغيّر الوضع.”
“لكن…”
“تذكّري ما قلتُه لكِ. هذا لم يعُد أمرًا يخصّك وحدك. ثمّ ألا تظنين أنِّ وجود الدوق كايلوس في القصر سيكون أمرًا جيّدًا؟”
“…..”
صحيح أنَّ هذا منح كايلوس فرصةً دخول القصر الإمبراطوري بحرّية.
لكن… هل هذا كافٍ؟ ما يُقلقني حقًا هو أنّني لا أستطيع تخمين ما ينوي عليه الإمبراطور.
نظرتُ نحو كايلوس، الذي ظلّ صامتًا.
منذ أن أصدر الإمبراطور أوامره، بدا كايلوس وكأنّه غارقٌ في تفكيرٍ عميق.
‘ما الذي يحدث بالضبط؟’
شعورٌ غامض بعدم الارتياح اجتاحني أمام هذا المستقبل المجهول.
**
كان ماركيز هيسيتايا يراقب ابنته وهي تقضم شفتيها بقلق، وقد بدا التوتّر واضحًا عليها منذ سماع كلمات الإمبراطور.
كانت إلينيّا بالنسبة له الابنة الوحيدة، آخر من تبقّى له من العائلة.
ومنذ أن أعلنت عن فسخ خطوبتها فجأةً، وسارت نحو الارتباط بالدوق كايلوس، لم يقف الماركيز مكتوف اليدين.
خصوصًا أنَّ الدوق تيسيوس لم يكن ليدع الأمور تمرّ بهدوء.
كان يدرك، بخبرته الطويلة، أنَّ الهدوء أحيانًا لا يعني سوى اقتراب العاصفة.
وإن لم يستطع ثني ابنته عن قرارها، فعليه حمايتها.
كانت إلينيّا جوهرة حياته التي تركتها له زوجته الراحلة.
لذلك، ذهب إلى الإمبراطور.
طلب منه أن يحمي ابنته، وحاول أن يجد وسيلةً لتجنّب غضبه، لكنّ الإمبراطور قال له ما لم يتوقّعه أبدًا.
“…ماذا قلت، يا جلالة الإمبراطور؟”
“دع الطفلين يرتبطان. وأنت… كن درع كايلوس، يا ماركيز.”
درع؟ لأيِّ أحد؟
“جلالتك… من تطلب منّي أن أكون درعًا له؟”
سأل الماركيز بذهول وهو غير مصدّق لما سمعه.
“كايلوس دي فرينيان. ابن ميتيس… وابني.”
لم يكن قد سمع خطأ. الإمبراطور قالها بوضوح.
وكانت المفاجأة أكبر حين ذكر اسم والدته، ميتيس.
كان يُظَنّ دومًا أنَّ الإمبراطور لم يكن يُبالي بكايلوس ولا بأمّه.
هل كنّت مخطأ طوال الوقت؟
شعر الماركيز وكأنَّ رأسه تلقّى ضربة مطرقة.
“مركيز هيسيتايا —”
“نعم، جلالتك.”
“كم عدد أولادي يا ترى؟”
“…..”
تردّد الماركيز للحظة.
باستثناء الأمراء الذين توفّوا صغارًا، فإنَّ ابنة الإمبراطور الأولى، أرياجين، هي الوريثة الرسمية الوحيدة. لكن…
وكأنَّ الإمبراطور قرأ أفكاره، فأكمل:
“باستثناء الأطفال الذين فقدتهم، لدي رسميًا أرياجين فقط. لكن كما تعلم، لدي ابنٌ آخر على قيد الحياة… أخرجتُه بيدي.”
كانت وقفته أمام النافذة تنضح بمشاعرٍ يصعب التعبير عنها بالكلمات.
“…ابني.”
لفّ الابتسامة المُرّة شفتي الإمبراطور.
“جلالتك، أعذرني إن سألت، لكن… لماذا تطلب منّي أنا أن أكون درعًا للدوق كايلوس؟ ألا يكون من الأفضل أن تتولّى أنت هذا الأمر بنفسك؟”
“لا يُمكنني ذلك. ليس بعد…”
‘ليس بعد؟’
حين همّ الماركيز بطرح السؤال، قاطعه الإمبراطور:
“تينن.”
رفع الماركيز رأسه بدهشةٍ عند سماعه لاسمه يُنادى به.
تينن هيسيتايا.
لم يكن الإمبراطور قد ناداه باسمه منذ كان وليًّا للعهد.
لكنّه اليوم، بعد أن أصبح إمبراطورًا، ناداه باسمه للمرّة الأولى منذ عقود.
“هل يمكنكَ تلبية طلبي؟”
تقابلت عينا الإمبراطور الخضراء الداكنة بعيني الماركيز الفيروزية اللامعة في الهواء.
وفي تلك اللحظة، شعر الماركيز بشيءٍ غريب.
فهذا لم يكن طلب الإمبراطور، بل كان طلب وليّ العهد أفيون، الصديق الشجاع والطموح الذي عرفه في صباه.
ذلك الصديق الذي لم ينسه أبدًا.
فانحنى الماركيز ببطء وقال بهدوء
“نعم، يا جلالة الإمبراطور. سأتلقّى أمرك.”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 30"