ذهلتُ من مهارة كايلوس في رقصة الفالس التي بدأت مع أنغام الموسيقى المرِحة. كانت مخاوفي في غير محلّها، إذ أظهر كايلوس مستوى راقٍ في الرقص، فأرخيتُ جسدي له بالكامل.
وما إن بدأنا نحن أول خطوات الرقص في وسط القاعة، حتى بدأ النبلاء الآخرون، الذين كانوا يكتفون بالمراقبة، بالانضمام مع شركائهم إلى أرضية الرقص.
حينها، اقترب كايلوس من أذني وهمس بصوتٍ خافت:
“لا تقلقي، إلينيا. لن أُحرجكِ.”
رافق صوته الساخن أنفاسٌ دافئة لامست أذني.
شعرتُ في تلك اللحظة بانقباضٍ مفاجئ في جسدي، وقلقتُ من أن يشعر بيدي الموضوعة على خصري بذلك التوتر.
لكن سواء كان يعلم ما بي أم لا، فقد كان كايلوس يُحدّق بي ويبتسم بهدوء.
حتى لو بدا للبعض أن صفة جميل لا تليق برجل، إلّا أنّني لم أستطع وصف كايلوس سوى بها. وجهه الذي يواجهني كان جذّابًا بل ويبعث على الإغراء.
‘ربّما لم يكن فقط مثل الثعلب… بل هو ثعلبٌ حقيقي.’
في تلك اللحظة، تحوّل شكوكي إلى يقين.
كِدتُ أفقد تركيزي بسبب ملامحه، لكن سرعان ما تسلّلت إلى أذني همسات النبلاء المحيطين بنا.
“حين سمعت بخبر خطبتهما لم أكن أتوقّع ذلك، لكن عندما أراهما الآن… يبدوان مناسبَين لبعضهما كثيرًا.”
“صدقتِ. بل إنني مصدومةٌ نوعًا ما. هل دوق كايلوس كان دومًا بهذه الرقة؟”
“أنا أيضًا صُدمت! لم أكن أظنه بهذه اللطافة.”
“سمعتُ أن تلك الرقة مخصّصةٌ فقط للآنسة إلينيا.”
“حقًا؟ إن صحّ ذلك، فهو رومنسي أكثر مِما توقّعت! أتمنّى من زوجي أن يتعلّم منه شيئًا.”
“هاه! ستُغضبين زوجكِ بهذا الكلام. هوهو!”
كان كلّ منهم يتحدّث عن كايلوس، ويُعبر عن دهشته من شخصيته اللطيفة والمختلفة عمّا شاع عنه من شائعات.
في الواقع، بدا أن هذه الحفلة قد ساعدت على محو جزء من سمعته السيئة التي لفّه بها الغموض سابقًا، بل وبدأ الناس يرونه بصورة إيجابيّة.
شعرتُ أنّني حقّقتُ نصف هدفي من هذه الحفلة.
وما إن غرقتُ في هذا الشعور بالإنجاز وأسندتُ نفسي تمامًا إلى كايلوس، حتى توقّفت الموسيقى فجأةً وخيّم الصمت على القاعة.
ثم دوّى صوتُ المرافِق الملكي بصوتٍ جهوري.
“جلالة الإمبراطور يدخل الآن!”
انحنى جميع النبلاء في القاعة بانسجام، خافضين رؤوسهم باحترام.
وتقدّم الإمبراطور بخطى مهيبة بين الممر، متّجهًا نحو المقعد المخصّص له في الأعلى، المطلّ على القاعة.
انعكس نور الثريا الضخمة المعلّقة في السقف على تاجه اللامع وشعره الأحمر، فتألّق بشكلٍ باهر.
رفع يده قليلًا، ثم أنزلها ببطء، فرفع النبلاء رؤوسهم تباعًا.
“نُحيِّي مجد الإمبراطورية، جلالة الإمبراطور الجليل.”
وكان أول من بادر بالكلام هو الكونت تريجي، الذي وضع يده على صدره وانحنى.
“مرّت فترة، كونت تريجي. لا تزال بصحّةٍ جيّدة.”
قالها الإمبراطور بنبرة نصفها دعابة.
“ذلك بفضل جلالتك. طالما أنك تقود الإمبراطورية بهذه الحكمة، فإنِّ هذا العجوز لا يملك إلا أن يبقى قائمًا في مكانه. إنّه من فضل نعمتك فقط.”
“لا يزال لسانك حادًّا كما عهدتك.”
ردّ الإمبراطور ببرود على مدحه المبالغ فيه.
رفعتُ رأسي بحذر، ورأيتُ الإمبراطور يجلس على كرسي ذهبيّ مُزخرف في أعلى القاعة، وخلفه مباشرةً وقف…
‘أبي؟’
شعرٌ رماديّ خفيف وبدلةٌ عسكرية رسمية.
كان والدي يقف في الجهة اليمنى خلف الإمبراطور.
‘هل كانت المهمّة العاجلة التي استدعته صباح اليوم تتعلّق بالإمبراطور؟ ماذا يحدث؟’
تذكّرتُ فجأة أنّه كان يتردّد إلى القصر كثيرًا في الآونة الأخيرة.
بينما أفكّر بذلك، تحوّل نظري مِن والدي إلى كايلوس الواقف بجانبي.
كان مُنحني الرأس دون أن يتحرّك.
“كايلوس؟”
ناديتُه بصوتٍ خافت.
رفع رأسه أخيرًا ونظر باتجاه الإمبراطور للحظة، ثم أدار وجهه فجأةً وكأنّه رأى ما لا يُطاق.
ربّتُّ على ظهر يده برفق دون تفكير.
فوجئ من تصرّفي وحدّق بي لبرهة، ثم تنفّس بعمق وأعاد ملامحه إلى هدوئه المعتاد.
لكنّ هذا الهدوء لم يدم طويلًا.
“…من أجل مجد إمبراطوريتنا، لن أتغاضى عن أيِّ أمرٍ يتعلّق بمصالح البلاد. وعلى هذا… وبما أنَّ الحديث جاء في وقته، فهناك أمرٌ يجب تسويته.”
“ما هو، يا جلالة الإمبراطور؟”
سأل الكونت تريجي، لكن الإمبراطور تابع كلامه دون إجابةٍ مباشرة.
“ليتقدّم كلّ من الدوق كايلوس دي فرينيان، والآنسة إلينيا هيسيتايا إلى الأمام.”
ما إن نطق الإمبراطور اسمي واسم كايلوس، حتى بدأت همساتٌ متوتّرة تنتشر بين الحضور.
تملّكني القلق، وكان كايلوس يبدو شديد التوتر حتى أنّه لم يلتفت لتعديل تعابير وجهه.
لم يكن أمامنا سوى التقدّم.
“نُحيِّي شمس الإمبراطوريّة، جلالة الإمبراطور الجليل.”
نظر الإمبراطور نحونا بنظرة غامضة.
“آنسة هيسيتايا، هل تعرفين لماذا طلبتُ منكما أن تتقدّما؟”
بدأت نغمة التوتّر تسري داخلي.
“معذرةً، لا أعلم، سموّك.”
“إنّه بخصوص خطوبتكِ من الدوق كايلوس.”
“….؟”
نظرتُ إليه بملامحٍ حائرة.
حينها، نظر الإمبراطور إلى والدي.
“ماركيز، هل تُوضح الأمر؟”
“أمركم، جلالة الإمبراطور.”
تقدّم والدي خطوة وقال:
“إلينيا.”
“نعم، أبي.”
“جلالة الإمبراطور قد رفض خطوبتكِ.”
“ماذا تقصد؟…”
تجمّدت ملامحي من الذهول والحرج.
رفض الخطوبة؟ أي أنَّ الإمبراطور يرفض رسميًّا خطبتي من كايلوس؟
ذلك لا يُصدّق.
صحيحٌ أنّه من المتعارف أن تُعرض زيجات النبلاء على الإمبراطور، لكن لم يسبق أن تدخّل بهذا الشكل في أمورهم الخاصّة.
“سأتولّى الأمر الآن.”
قال الإمبراطور مجددًا.
“كما قال الماركيز، لقد رفضتُ خطبة الدوق كايلوس من الآنسة إلينيا. لأن…”
تنفّس بعمق، ثم تابع:
“الزواج بين العائلات النبيلة أمرٌ بالغ الأهميّة. وقد كان كذلك بينكِ وبين دوق تيسيوس. ولكن بعد أن فسختِ الخطبة من طرفٍ واحد وتقدّمتِ للارتباط برجلٍ آخر مباشرةً… فذلك لا يُعدّ إهانة لدوق تيسيوس فحسب، بل إهانةً لي شخصيًّا، كوني مَن وافق على تلك الخطبة.”
وتابع بصوت أكثر حِدّة.
“وفوق ذلك… قدّم دوق تيسيوس اعتراضًا رسميًّا. إذ فُسِخت خطبته ليلة ما قبل الزفاف، وخُطبتِ لشخصٍ آخر مباشرةً. من الطبيعي أن يغضب.”
ما إن سمعتُ اسم تيسيوس، حتى عضضتُ على شفتي.
كان طعم الدم يملأ فمي.
فهمتُ أخيرًا ما يجري.
مهما كان من المستغرب أن أُخطب بعد فسخٍ سريع، لم يكن منطقيًّا أن يتدخّل الإمبراطور بنفسه في ذلك.
تيسيوس… لا أعلم ماذا قال للإمبراطور، لكن النتيجة الآن هي صدام بينه وبين كايلوس.
“مع ذلك، سموّك، لم يسبق لجلالة الإمبراطور أن تدخل في زيجات النبلاء الخاصّة.”
أخيرًا، تكلّم كايلوس بصوتٍ خافت بعد أن ظلّ صامتًا طوال الوقت.
حينها تحوّل نظر الإمبراطور إليه.
“هل هذا يعني أنّكَ تتحدّاني، يا دوق؟”
“أعتذر سموّك. لم أقصد سوى قول ذلك.”
أجاب كايلوس بهدوء كما اعتاد، لكنّ عيني الإمبراطور كانتا تتقدان بالغضب.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 28"