بعد نقاشٍ طويل حول تصميم الفستان وتفاصيل الزينة، خرجتُ أخيرًا من المتجر.
رافقتني باولا حتى الباب، وكانت تلوّح لي مودّعةً وهي تبتسم بحيويّةٍ مبهجة.
يبدو أنَّ القماش الذي جلبتُه معي قد أشعل بداخلها رغبةً جامحة في الإبداع.
‘بما أنني أنهيتُ أمر الفستان، فالخطوة التالية هي…’
عليَّ أن أُفكّر في الهدية التي سأُقدّمها للإمبراطور يوم الحفل.
فحفل تأسيس الإمبراطورية لا يُقام فقط احتفالًا ببداية الدولة، بل هو أيضًا مناسبةٌ رسميّة لإظهار الاحترام والتقدير للإمبراطور الذي قاد البلاد طوال تلك السنوات.
لذا، كان النبلاء المشاركون يُحضّرون دائمًا هدايا لتقديمها، وأصبحت هذه العادة تقليدًا غير مكتوب استمر لسنواتٍ طويلة.
وكان بعض الانتهازيين السريعين يستغلّون المناسبة للتقرّب من الإمبراطور، فيبالغون في هداياهم، مما جعل هذه الهدايا ترتبط ارتباطًا وثيقًا بنفوذ العائلة ومكانتها.
في السنة الأولى من خطوبتي إلى تيسيوس، قدّمنا منجمًا صغيرًا من الأحجار الكريمة تملكه العائلة.
ولذلك، كان لزامًا عليَّ أن أُحضّر هدية تضاهي تلك أو تفوقها، حتى لا يبدأ الناس بالحديث عني.
خصوصًا الآن، بعد أن خُطبتُ إلى كايلوس، الشخص الذي يُعدّ بمثابة شوكة في خاصرة الإمبراطور.
أحتاج إلى شيءٍ لا يقلّ فخامةً عن هدايا باقي النبلاء، لكن يترك في نفس الوقت انطباعًا قويًا لدى الإمبراطور.
‘ما الذي يمكن أن يكون مناسبًا؟’
عندها لمعت في ذهني فكرة.
أسرعتُ إلى نافذة العربة وفتحتها.
“…لنذهب إلى هناك.”
استجاب السائق لأمري، فشدّ اللجام، ثم انطلقت العربة بسرعة وسط صوت أنفاس الخيول المتلاحقة.
***
كان كايلوس يضغط بيده على جبينه في محاولة لتهدئة أفكاره المتضاربة.
لكنّ الأمر لم يُفلح، بل زاد رأسه ازدحامًا وضجيجًا.
كان رأسه ينبض بالألم. فلو كانت الأمور تسير كالمعتاد، لكان قد استيقظ منذ الفجر وتوجّه إلى ساحة التدريب ليُلوّح بسيفه عشرات المرات.
لكن منذ الليلة الماضية، لم يستطع النوم بسبب الأفكار المزعجة التي لا تفارقه.
قضى الليل جالسًا أمام مكتبه، ساهرًا بعينين مفتوحتين حتى بزوغ الفجر.
ما زال غير قادرٍ على استيعاب ما حدث.
فمنذ أن غادر القصر الإمبراطوري، لم يتلقَّ أيِّ تواصلٍ من الإمبراطور طيلة أكثر من عشر سنوات.
ثم فجأةً، بالأمس فقط، وصلته دعوةٌ مكتوبة بخطّ يد الإمبراطور.
وإن لم يكن ذلك كافيًا ليثير حيرته، فإنَّ مضمون الدعوة كان أغرب.
فقد كُتب فيها: “يُرجى الحضور مع خطيبتكَ.”
‘ما الذي يفكّر به الإمبراطور بحقّ السماء؟’
“…جلالتك، سموّ الدوق!”
استفاق كايلوس من أفكاره على صوت كرونو، وكان قد خدش جذع الشجرة بسيفه من دون أن يدري.
“تبًّا.”
تنهّد كايلوس وهو يتحسّس الخدوش التي تركها في الجذع، متنهّدًا وهو يُمرّر أصابعه على ملمس الخشب الخشن.
“هل أنتَ بخير، سيدي؟”
“فقدتُ تركيزي للحظة.”
كان كرونو يُحدّق في قائده بقلق.
فبعد أن خدمه لأكثر من عشر سنوات، كان يعلم أنَّ كايلوس رجل لا يتأثّر بسهولة.
لكنّه الآن بدا مختلفًا. بدا عليه التوتّر والارتباك.
ومن يستطيع أن يلومه؟
حتى كرونو نفسه شعر بالصدمة حين رأى تلك الدعوة.
لا أحد يعلم ما الذي دفع الإمبراطور فجأةً إلى إرسال دعوة كهذه، لكن المؤكّد أنَّ الأمور بدأت تتغيّر.
تغيّراتٍ صغيرة بدأت بالتسلّل، كزلزالٍ صامت لا يراه أحد.
***
مرّ الوقت سريعًا، وأشرقت شمس يوم التأسيس أخيرًا.
“آنستي، أقولها دائمًا، لكنّكِ اليوم حقًا… مذهلة!”
ضحكتُ بخفّةٍ على مديح كايا المعتاد.
“شكرًا، كايا.”
‘بصراحة، أنا نفسي أعتقد ذلك.’
لكنّي لم أجرؤ على قولها بصوتٍ عالٍ.
وقفتُ أتأمّل نفسي في المرآة مرّةً أخرى بتروٍّ.
كان الجزء العلويّ من فستاني مصنوعًا من قماشٍ فضّي يشعّ بهدوء، يرتفع قليلًا فوق الصدر ويُحدّد الخصر بإحكام، ويُضفي عليه فتحة الرقبة البسيطة أناقةً خالدة.
وانسدل الدانتيل من الخصر حتّى أطراف الفستان، مزخرفًا بزهورٍ صغيرة. أما جانبا الفستان فقد رُصّعا بحبّات ألماس صغيرة تلمع عند كلّ حركة.
“الصنعة فعلًا مختلفة.”
في تلك اللحظة، فهمتُ لماذا تُعتبر باولا واحدةً من أفضل المصمّمات في البلاد.
“علينا الإسراع! حان وقت الذهاب.”
بدت كايا أكثر حماسة منّي. راحت تُرتّب أطراف فستاني وتُردّد كم أنّني أبدو متألّقة.
“ستلتقين بدوق كايلوس عند القصر، صحيح؟”
تبعَتني كايا حتى العربة، وسألتني مرّةً أخرى وكأنها تريد التأكّد.
أجبتها بنبرة مطمئنة.
“قلتُ لكِ، سيلتقي بي عند بوّابة القاعة ليُرافقني.”
بدا عليها الارتياح أخيرًا، وما إن أغلقت الباب حتى انطلقت العربة نحو القصر الإمبراطوري.
عندما أصل، سيكون كايلوس في انتظاري عند مدخل القاعة ليُرافقني إلى الداخل.
ترى، كيف سيكون شكله اليوم؟
‘مهما ارتدى، سيبدو رائعًا بلا شك.’
تخيّلتُ للحظةٍ كيف سيبدو وهو يرتدي زيّ الحفلات الرسمي.
توقّفت العربة أخيرًا عند وجهتها.
وقبل أن أمدّ يدي لأفتح الباب، سُبقني أحدهم وفعلها.
كان كايلوس واقفًا أمام الباب، يمدّ لي يده، ويبدو عليه بعض التوتّر.
ما إن نزلتُ من العربة حتى وقعت عيناي عليه.
كان يرتدي زيًّا رسميًّا بلونٍ أزرق داكن، زاده بريق شعره الأسود الحالك جمالًا وهيبة.
وأسهمت خيوط الذهب المطرّزة على أكمام سترته وفي مقدّمتها، في كسر رتابة التصميم وإبراز أناقته.
وما إن سرقني منظره للحظة، وجدتُ نفسي وقد وصلتُ معه إلى مدخل القاعة، متشابكةً الذراع معه.
شعرتُ بقوّة يده من خلال تماسّ أيدينا. كان متوتّرًا بعض الشيء، خلافًا لعادته.
“هل أنتَ بخير؟”
سألته بقلق حين لاحظتُ ذلك.
“نعم، أنا بخير…”
توقّف لبرهة ثمّ نظر إليّ مطوّلًا.
“ما بكَ؟”
وكان ما قاله بعدها غير متوقّع أبدًا.
“…تبدينِ رائعةً اليوم.”
كلماتٌ بسيطة، لكنها جعلت وجهي يحمرّ على الفور.
‘كيف يُمكنه قول هذا بكلّ بساطة؟!’
في بعض الأحيان، يُخفي خلف مظهره الوقور شخصًا جريئًا ومفاجئًا.
يُلقي بتصريحٍ مباغت ثمّ يتصرّف وكأنَّ شيئًا لم يحدث.
تساءلت أحيانًا إن لم يكن ثعلبًا يرتدي جلد دبّ.
“تقولها وكأنّها أمرٌ عادي. يا لك من…”
أدرتُ رأسي بعيدًا لأخفي احمرار خدّي، فأطلق ضحكةً صغيرة لم أسمعها إلّا لأنني كنتُ قريبة.
ثم جذبني بلطف من ذراعي، وأخرج شيئًا من جيبه.
كان صندوقًا بُنيّ اللون بحجم راحة اليد.
“ما هذا؟”
فتحتُ الصندوق، فوجدتُ داخله زينةٍ شعر منحوتة على شكل زهرة ياقوتية حمراء.
“…هذه الزهرة…”
كانت على شكل زهرة فيريستـا، تلك التي تملأ حديقة قصره.
وقد بدت الزينة وكأنها تشعّ من داخلها.
“بما أنّه أوّل ظهورٍ رسمي لنا بعد الخطوبة، أردتُ أن أُهديكِ شيئًا مميّزًا. ويبدو أنّني وُفّقت في اختياري. إنها تليق بكِ تمامًا.”
ثمّ نظر إلى فستاني.
“هل أنا محقّ؟”
“أحسنتَ الملاحظة. صحيح.”
كانت الزينة على فستاني مستوحاة أيضًا من زهرة فيرِستـا، وقد طلبتُ هذا خصّيصًا من باولا أثناء تصميم الفستان.
أخرج كايلوس الزينة من الصندوق وثبّتها برفق على شعري.
“تليق بكِ فعلًا.”
ردّي الوحيد كان أن شبكتُ ذراعي بذراعه استعدادًا للدخول، ثمّ ابتسمتُ له بسعادة.
حين جاء دورنا للدخول، أعلن بأعلى صوت عن أسمائنا، وفتحت أبواب قاعة الحفل العظيمة على مصراعيها.
وهكذا بدأ رسميًّا حفل يوم التأسيس.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 26"