مع نسائم أوائل الخريف اللطيفة، يُقام كلّ عام في هذا الوقت حفل رقصٍ ضخم في القصر الإمبراطوري احتفالًا بذكرى تأسيس الإمبراطورية.
في العادة، لا تُقام حفلات الرقص في القصر الإمبراطوري إلا عند وقوع مناسباتٍ عظيمة في الدولة أو زيارات وفود أجنبية، لذا فهي أحداثٌ نادرة.
وكان حفل ذكرى التأسيس مِن بين أضخم المناسبات السنوية، لذا كان كثير من النبلاء يستعدّون لها باكرًا.
وكانت الاستعدادات الأكثر حماسًا من نصيب النساء النبيلات، وتحديدًا في اختيار الفساتين. فحتى الفساتين الجاهزة كانت تشهد منافسةً شديدة، فما بالك بالفساتين المصمّمة خصيصًا.
وكانت المصمّمات المشهورات لا يقبلن العمل على أكثر من فستان واحد في كلّ مرّة.
لذا كان نبلاء العاصمة يبذلون جهدًا كبيرًا في العثور على مصمّمة استثنائية تُصمّم لهم فستانًا فريدًا.
ومن بين جميع المصمّمات، كانت الأبرز دون منازع.
‘باولا ستايسي’.
فهي مَن صمّمت فستان حفل ظهوري الاجتماعي الأوّل، وكذلك فستان زفافي من تيسيوس سابقًا.
ونظرًا لمهارتها الفائقة، كان من الصعب جدًّا حجز موعدٍ معها، حتى بالنسبة للنبلاء.
لا أعرف كم مضى من الوقت ونحن في العربة، لكنّ لوحة محلّ مشغل باولا بدأت تلوح أمامنا من النافذة.
فتحتُ الباب المُزيَّن بقماشٍ أحمر وأخضر، وكان أوّل ما لفت نظري داخل المحلّ هو الفساتين الفاخرة المعلّقة… وشخصيّاتٌ غير متوقّعة.
“أوه، آنستي! لم أتوقّع رؤيتكِ هنا.”
ابتدرتني النبيلة الجالسة على الأريكة بابتسامةٍ معرفة.
“نعم، سيدة توبينيا، كونتيسة تريجي. مضى وقتٌ منذ آخر لقاء.”
كانت زوجة الفيكونت توبينيا قد خدمت مع كونتيسة تريجي سابقًا كوصيفةٍ للإمبراطورة ليتيا.
وكانت أيضًا من النساء اللواتي جلسن بجانب الإمبراطورة خلال حفل الشاي الأخير.
“صحيح، أليس كذلك؟ أظنّها أوّل مرّةٍ نلتقي فيها منذ ذلك الحفل؟”
غمزت السيدة توبينيا وهي تتظاهر باسترجاع ذاكرتها.
لكن الحقيقة أن ذلك الحفل لم يمضِ عليه حتى شهر واحد. وكانت طريقتها تلك متعمّدةً تمامًا.
“نعم، يبدو الأمر كذلك. هل أتيتِ لتطلبي من باولا تصميم فستان؟”
نظرتْ إليّ بابتسامةٍ خفيفة، مِما أثار فضولي وحنقي في آنٍ واحد.
“أخبار؟ أيُّ أخبار؟”
“سمعتُ أنّكِ على علاقةٍ جيدةٍ جدًّا مع دوق كايلوس. لا أدري كيف انتشرت تلك الشائعات سابقًا بينكِ وبين تيسيوس، في حين أن علاقتكما بهذا القرب! حقًّا… من يفهم الشائعات؟ أليس كذلك؟”
كما توقّعت.
رغم نبرتها الوديّة، كانت كلماتها مملوءة بالسم.
لقد تظاهرت بالقلق عليّ بينما كانت تتهكّم عليّ بسبب فضيحةٍ سابقة تتعلّق بي وتيسيوس.
وكانت الكونتيسة تريجي الجالسة بجوارها ترتشف الشاي دون أن تُبدي اعتراضًا.
‘هل تريدين التحدّي؟’
خفضتُ رموشي مبتسمةً بخفّة كما لو أنّني بريئة تمامًا.
“صحيح، لا مفرّ من ذلك. فكلّما ارتفعتِ في المكانة، زاد مَن يحاول تشويه سمعتكِ. الجرذان تتجمّع من كلّ مكان طمعًا ولو بفتات.”
ارتجف كتف السيدة توبينيا حين نطقتُ بكلمة “جرذان”.
توقّفتُ للحظة ثم رفعتُ نظري نحوها ونظرتُ مباشرة في عينيها.
“وأنتِ أيضًا، يبدو أنَّ زوجكِ يكدّ كثيرًا في شؤونه الخارجية، فأتمنّى أن تهتمي به جيدًا. فكما تعلمين، الجرذان لا تتجمّع فقط خارج البيت، بل تتسرّب إلى داخله أيضًا.”
“…شكرًا لكِ على النصيحة، آنستي.”
رغم كلماتها التي شكرتني بها، بدا جسدها متجمّدًا نوعًا ما.
ورغم محاولتها التظاهر بالهدوء، لم تستطع إخفاء امتعاضها وهي ترتشف من كوبها.
في تلك اللحظة، تدخلت الكونتيسة تريجي التي كانت تُراقب المحادثة بصمت.
“كون العلاقة بينكما بهذا القرب أمرٌ رائع حقًّا. في النهاية، ما يهمّ هو الطرفان المعنيّان، لا الشائعات، أليس كذلك؟”
كانت كلماتها تبدو وكأنها تُدافع عني، لكن عبارة “المعنيّان بالأمر” كانت تحمل سخريةً خفيّة.
غير أن السيدة توبينيا، التي كانت تظن أن الكونتيسة تريجي ستقف في صفّها، انكمشت حماستها بسرعة.
أمّا أنا، فلم أكن واثقةً تمامًا من موقف الكونتيسة تريجي الحقيقي.
في تلك الأثناء، خرجت باولا من الداخل وهي تحمل صندوقًا كبيرًا ملفوفًا بعناية.
“سيداتي، لقد انتهى العمل على الفساتين. هل تودّان رؤيتهما؟”
نظرتا إليّ باستخفاف ثمّ هزّتا رأسيهما.
“لا، سنأخذهما كما هما.”
“حسنًا، سأطلب من أحد العاملين أن يحمل الصندوق إلى عربتكما.”
بإشارةٍ من باولا، حمل أحد الخدم الصندوق بسرعة.
“إذًا نراكِ في حفل الرقص. إلى اللقاء، آنسة هيسيتيا.”
خرجت الكونتيسة تريجي تُلقي التحية الرسمية، وما إن غادرتا حتى التفتت إليّ باولا بابتسامة مشرقة.
“أهلًا بكِ، آنسة هيسيتيا.”
“مرّ وقتٌ طويل، باولا. هل كنتِ بخير؟ أحتاج فستانًا جديدًا.”
“بالطبع، هل هو لحفل التأسيس؟”
“نعم. لكن هذه المرّة الوقت ضيّق، هل يُمكنكِ إنجازه؟”
في الحقيقة، بدأتُ الاستعداد لهذا الحفل متأخرةً هذه السنة.
فقد كنتُ مشغولةً بتحضيرات الخطوبة وحفل الشاي المفاجئ.
أومأت باولا مطمئنةً وهي تُرافقني إلى غرفة في الداخل.
“صحيح أنَّ الوقت ضيّق، لكن إن كان الأمر يخصّكِ، فبإمكاني التعامل معه. تعالي وألقي نظرة.”
كانت الغرفة مليئة بنماذج فساتين مختلفة ومتنوّعة في التصميم، وتألّقت كلّ واحدةٍ منها بألوانها الزاهية.
“ما رأيكِ بهذا؟”
عرضت عليّ فستانًا بياقةٍ دائرية وتفاصيل دانتيل غزيرة من الخصر حتى أسفل الساق.
كان باللون الأزرق الجميل، لكنّ شيئًا ما في قلبي تردّد.
“باولا، ألا يوجد غير هذا الفستان؟”
“هل لا يعجبكِ؟ إنّه من أكثر التصاميم رواجًا حاليًّا.”
نظرتْ إلى الفستان بقلق كأنها تخشى وجود عيب فيه.
“الفستان جميل، لكنّي أُفضّل شيئًا أقلّ بهرجة.”
أمالت رأسها في حيرة لسماعي هذا الطلب الغريب.
فحفلة التأسيس تجذب كلّ نساء الطبقة النبيلة، من الفتيات إلى السيّدات، وكلّهن يسعين للفت الأنظار أكثر من غيرهن، وبالتالي يطلبن الفساتين الأبهى.
مددتُ لها حقيبة صغيرة كنتُ قد أعددتها مسبقًا.
“ما هذا؟”
فتحت باولا الحقيبة وبدت عليها الدهشة وهي تُخرج ما بداخلها.
كان ذلك قماشًا يُستخدم لصنع الفساتين، لكنه مختلف تمامًا عن أيِّ قماشٍ رأته من قبل.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 25"