“آه، نعم! ابنتي غير حذرة وقد ارتكبت خطأً مخزيًا. هل أُصيبتِ بأيِّ أذى؟”
ورغم أنَّ يد ابنته كانت متورّمةً ومحمَرّة بوضوح، فإنَّ البارون لم يُلقِ عليها نظرة، بل ظلّ ينظر إليّ بقلقٍ شديد.
“لا بأس. لكن يبدو أنَّ على البارون أن يهتمّ بابنته أكثر قليلًا.”
“نـ… نعم؟ ما الذي تقصدينه؟”
سألني البارون بوجهٍ حائر، وقد بدا أنّه لا يفهم مغزى كلامي.
“سمعتُ أنَّ الآنسة ليزي تلقّتْ مؤخرًا هديةً عبارة عن أرض.”
“ابنتي؟ أرض؟”
“لكنها تقول إنها لا تستطيع الكشف عن مصدر تلك الأرض. ولم تُبلّغ القصر الإمبراطوري بها أيضًا. ألا تُدرك مدى فداحة هذا الجُرم؟”
“آه… هذه أول مرةٍ أسمع بذلك! أقسم بذلك! حقًّا!”
“ومع ذلك، لا يمكنها الكشف عن مصدر الأرض التي تلقّتها كهدية؟ هل تواعد شابًا من عائلةٍ نبيلة؟ إذًا ما كان معنى حديثنا السابق؟ هل كذبتَ عليّ؟”
تعمّدتُ العبوس ورفعت صوتي مظهرةً غضبي.
وعند رؤيتي على هذه الحال، ازداد وجه البارون شحوبًا.
“هذا مستحيل! كيف تجرؤين، أيتها الفتاة! ألم لا تُسرعين بالاعتراف؟!”
وبهذه السرعة، تحوّلتْ ليزي إلى فتاةٍ فاسدة كانت تُواعد رجلًا سرًّا، وتلقّتْ أرضًا كهديّةٍ بشكلٍ غير قانوني، حتى باتتْ عاجزةً عن قول كلمةٍ واحدة، وبقيَ وجهها شاحبًا وهي تُفتح فمها من الصدمة دون أن يخرج صوت.
حتى البارون الذي كان ينظر إليها بدأ وجهه يزداد شحوبًا.
راقبتُهما بصمت لبعض الوقت، وعندما شعرتُ بالملل من طول الصمت، تكلّمتُ بنبرةٍ أكثر هدوءًا.
“لا خيار آخر، إن تُركَ الأمر على هذا الحال، فستنال الآنسة وكذلك البارون عقوبةً لا مفرّ منها. لذا، سأُقدّم المساعدة هذه المرّة.”
قلتُ ذلك وأنا أُحدّق في البارون وكأنّي أتفضّل عليه.
“سلّموا لي الأرض التي قيل إنِّ الآنسة تلقّتها كهدية. بما أنَّ عائلتنا تمتلك أراضي كثيرة، فسأُسجّلها باسم أحد أقاربنا من الفروع الجانبيّة، ولن تكون هناك مشكلة.”
على أيِّ حال، بما أنّي اكتشفتُ الأمر، فقد فات الأوان على التهام تلك الأرض بصمت.
ربما كانوا سيُحاولون الاستفادة منها لو لم يُكشَف الأمر، لكن في الوضع الحالي، فهم غريزيًّا أنَّ هذا هو أفضل حلّ، ولذلك بدأ البارون يتذلّل بسرعة.
“شكرًا لكِ! كم أنتِ حكيمة يا سموّ الدوقة!”
“ما زلتُ ‘خطيبةً’ فقط. استخدام اللقب الرسمي يبدو مبكرًا قبل الزفاف، أليس كذلك؟”
عندما شدّدتُ على كلمة ‘خطيبة’، ارتجفتْ ليزي التي كانت تقف خلفه.
“ما هذا الكلام؟ أنتِ بالفعل بمثابة الدوقة الآن!”
‘آه، لم أعُد أتحمّله.’
ابتسمتُ ابتسامةً مصطنعة تجاه مجاملة البارون.
ومع ذلك، فقد حقّقتُ ما أردته. خلف البارون الذي لم يتوقّف عن التملّق، كانت ليزي بوجهٍ أحمر قانٍ من الغضب.
كان وجهها محمرًّا بشدّة حتى بدا كأنّه سينفجر في أيِّ لحظة.
من الطبيعي أن تغضب، بعد أن سُلِبَت أرضها أمام عينيها.
كنتُ أستطيع أن أرى قلبها يحترق تمامًا أمامي.
‘لذا، كان عليكِ أن تبقي هادئة.’
لا بدّ أنّها أدركت الآن: التمرّد الغبيّ لا يجلب سوى المتاعب.
وأيضًا، هناك خصومٌ يجب الحذر منهم، وخصومٌ لا يجب تحدّيهم.
ربّما يُمكنها اعتبار ذلك درسًا من دروس الحياة. فمقارنةً بما فعلته بي، هذا لا يُعَدُّ شيئًا.
أخذتُ وثيقة الأرض مع وعدٍ من البارون بتحويل الملكيّة إليّ، وغادرتُ القصر.
‘يا لها من نَسمَةٍ عليلة.’
لسببٍ ما، كان الهواء الذي استنشقته اليوم يشعرني بانتعاشٍ خاص.
وبينما كانت العربة تبدأ في التحرك، خُيّل إليّ أنّني سمعتُ صرخةً ممزّقة لامرأة من داخل القصر، لكنّ الأمر لم يكن يهمّني كثيرًا.
***
“ماذا قلتِ للتو؟”
دوّى صوتٌ بارد في الغرفة، كان منخفضًا لكنّه مغموس بالجليد.
كان الهواء الذي يلامس الجلد قارسًا.
“أ… أوه…”
اهتزّ جسد ليزي مثل ورقةٍ في مهبّ الريح، عندما رأت العينين الزرقاوين الباردتين تتجهان إليها.
وجه الرجل الذي اعتاد الابتسام بلطف لم يكن يظهر عليه الآن سوى قسوة وحشيّة.
كان هذا هو تيسيوس.
رجلٌ قادر على إذابتك بلطف كأنّه يذيب حلوى على لسانه، لكنّه يتحوّل إلى وحشٍ مفترس عند أوّل خلل.
أمام ذلك الرجل، شعرت ليزي وكأنّها فريسةٌ عالقة في مخالبه.
‘هل عاملها بنفس الطريقة؟’
من المؤكّد أنّه لم يفعل.
خطيبته السابقة، إلينيا هيسيتيا، كانت سيّدةً من عائلة ماركيز مرموقة، وكانت أكثر مِن ضروريّةٍ له.
لكن ليزي لم تكُن كذلك.
هي فقط ابنة بارون من منطقةٍ نائية، لا يُعرف عنها شيء، وكلّ ما تملكه هو قصرٌ صغير وأرضّ قاحلة لا تصلح للزراعة.
مهما حاولت، فإنَّ تلك الحقيقة لم تتغيّر منذ عشرات السنين… إلى أن التقت به.
لقاؤها بتيسيوس كان بداية الأمل بالنسبة لها.
أملٌ ضئيل في أنّها ستخرج يومًا ما من هذه المستنقعات وتجلس إلى جواره.
والدها الذي لا يرى فيها إلا سلعةً يبيعها بأعلى ثمن، وعائلتها التي لا قيمة لها سوى اسمٍ فارغ من أيِّ مجد… لم تكن سوى أغلال تُقيّدها.
وتيسيوس كان الحبل الوحيد الذي قد ينتشلها من ذلك المستنقع.
صحيح أنّه كان مخطوبًا لغيرها، لكنها لم تُبالِ. هو لا يُحب إلينيا.
وكما يقول دائمًا، إلينيا هي فقط الوسيلة الأمثل لنيل ما يريد.
بمجرّد أن يُحقّق هدفه، سيتخلّى عنها.
وحين تسقط تلك السيدة في الطين، فإنَّ من ستأخذ مكانها هي ليزي.
كم يبدو ذلك أشبه بقصص سندريلا المثالية.
لطالما آمنت ليزي، بعد قراءتها لقصص الأميرات، أنَّ النهاية السعيدة قد تكون لها أيضًا. على الأقل، حتى اليوم.
“ما الذي فعلتِه بالأرض؟”
نطق تيسيوس كلماته ببطء وكأنّه يطحنها بأسنانه، ونظر نحو ليزي.
حاولت ليزي إخفاء ارتجافها وردّت بصوتٍ مضطرب:
“إل… إلينيا، تلك المرأة، أخذتها.”
“إلينيا هيسيتيا أخذت الأرض؟ ما معنى هذا؟ فسّري لي فورًا!”
يجب أن أكون هادئة. أيُّ خطأ آخر الآن يعني نهايتي.
لم يكن من المفترض أن تصل الأمور إلى هذا الحد. كلّ ذلك بسبب تلك المرأة اللعينة، إلينيا!
اغرورقت عينا ليزي بالدموع، وبدأت تتحدّث بأسى.
“جاءت فجأة، وبدأت تُهدّدني وتُطلق تبريراتٍ سخيفة… ثمّ أخذت الأرض منّا. هددتنا أنا ووالدي بالتبليغ لدى الإمبراطور، فلم يكن لدينا خيار.”
ارتفع حاجب تيسيوس قليلاً.
“وكيف عرفت أن الأرض عندك؟”
“لـ… لا أعلم. لكنّي لم أُخطئ بشيء! أنا مظلومة!”
أخفت أنّها هي من أرسلت شخصًا لمراقبة إلينيا، أو أنّها كانت أول من تحدّث عن الأرض دون قصد.
لو اعترفت بذلك، فقد يتخلّى عنها إلى الأبد.
لقد ضحّت بالكثير لتبقى قربه!
ويجب أن تبقى كذلك، خاصّة الآن… والكرسيّ بجانبه لا يشغله أحد.
“تبًّا… اللعنة.”
همس تيسيوس بمرارة.
كانت الكلمات التي لم يُفصح عنها تظلّ عالقةً في صدره.
لم يكن يُريد لتلك الحمقاء أن تعرف مدى أهمية تلك الأرض التي خسرتها للتو.
تلك الأرض التي منحها لها سرًّا كانت خصبةً وغنية، وموقعًا مناسبًا ليُخفي فيه جزءًا من أمواله.
ظنّ أنّه سيكون أقلّ إثارةً للريبة إن جعلها باسم ليزي بدلًا من اسمه، لكن تلك الحمقاء فقدتها خلال أقل من أربعة أشهر.
لأوّل مرة، شعر تيسيوس أنّه ارتكب خطأ في تقديراته.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 23"