الفصل 21 : هجومٌ غير متوقّع ¹
ركضتُ على عجل خلفه بعدما اختفى فجأةً داخل الزّقاق.
لكن خطواته كانت سريعة جدًّا، فلم أستطع رؤيته مهما أسرعتُ في المشي.
كم من الوقت مضى وأنا ألهث في إثره داخل الزّقاق؟
حينها، سُمِعَ صوتُ أنينٍ من داخل الزّقاق. فتقدّمتُ بخطًى قلقة نحو مصدره.
وحين استدرتُ عند المنعطف، ظهرت هيئةً بشريّةً باهتة في عمق الزّقاق المُظلم.
هناك، كان رجلٌ منهارٌ يستند بظهره إلى الحائط، وأمامه كان كايلوس يمسك بعنقه بإحكام.
“إلينيا. تراجعي إلى الخلف.”
ارتبكتُ من نبرته القاتلة وتراجعتُ خطوةً إلى الوراء.
“مَن يكون هذا الشّخص؟”
“أنا على وشك أن أكتشف. لقد كان يلاحقنا منذ لحظات.”
في اللّحظة التالية، رفع كايلوس الرجلَ من عنقه إلى الأعلى. التقت عيناهما بينما كان الرّجل مرفوعًا في الهواء.
على زاوية فم الرّجل المرتعب، كانت هناك بقعة دمٍ حديثةٌ جافّة.
“من أرسلك؟”
سأل كايلوس بصوتٍ قاسٍ ونظرةٍ حادّة. أما الرّجل الذي كان في قبضته فقد كان يرتجف من الخوف.
“أ… أنتم مخطئون… ثمّة خطأ ما…”
“لا تُثرثر بكلامٍ فارغ.”
تفوّه كايلوس بعبارتهِ الباردة بينما كان الرّجل يردّ بصوتٍ مرتجف.
“إن كنتَ لا تريد الكلام، فبإمكاني مساعدتك حتى تغيّر رأيك.”
هدّده بصوتٍ خفيضٍ ومخيف.
“توقّف!”
صرختُ فالتفتَ برأسه ناحيتي.
“ما فائدة تهديد شخصٍ لا يريد الكلام؟ لا تُضِع وقتك سُدًى. لا نعلم حتى إن كان هو حقًّا من كان يلاحقنا.”
“إلينيا، هذا الرّجل بالتّأكيد كان…”
زمّ كايلوس عينيه كأنّه كان يهمّ بقول المزيد.
“آه… أشعر بدوار. يبدو أنّني مشيتُ كثيرًا.”
مالتْ بجسدي كما لو كنتُ سأسقط، وأسندتُ يدي إلى الجدار. وعندما بدأتُ أترنّح وكأنّي على وشك الانهيار، هرع إليّ ليسندني.
اقترب من أذني وهمس بصوتٍ بالكاد يُسمع:
“بماذا تفكّرين؟”
“ذلك الرّجل خائف.”
بعدما سمع همسي، ألقى كايلوس نظرةً سريعةً على الرّجل من خلفه.
الرّجل كان ما يزال يرتجف عاجزًا عن التصرّف، ومع ذلك، كان يضغط على شفتيه بإحكام كأنّه لن ينطق بحرف.
“على أيِّ حال، لن نحصل على إجابةٍ منه ونحن نُبقيه هنا. خاصّةً في مثل هذه الظّروف.”
“هاه…”
تنهد كايلوس تنهيدةً منخفضة. فنظرتُ إليه هامسة:
“دعنا نتركه يذهب الآن. لكن ضَع من يراقبه من الخلف.”
“شخصٌ يراقبه؟”
“نعم، ولكن من أجل ذلك علينا أولًا أن نُرافقه على الأقل حتّى العربة…”
تطلعتُ حولي متردّدةً في الكلام. لم يكن في المكان جنودٌ لأنّنا تركناهم عند العربة بما أنّها كانت قريبةً من الممر.
“لا حاجة لذلك.”
“ماذا؟ ولكن…”
رفع رأسه قليلًا وأشار إلى الأعلى. فنظرتُ حيث أشار وتوقّفتُ عن التّنفس من شدّة الدّهشة.
“هاه…!”
كان هناك ظلّ إنسانٍ نحيل على سطح المبنى. وبسبب ثيابه الدّاكنة، كان من الصّعب رؤيته من النّظرة الأولى.
أخفضتُ رأسي بسرعةٍ لأُخفي ملامح الدّهشة على وجهي، وأخذتُ نفسًا عميقًا.
“مَن يكون هذا؟”
“لا تقلقي. إنّه حارسي.”
‘الآن وقد فكّرتُ بالأمر.’
مع أنّنا كنّا في ممرٍّ قريب، إلّا أنَّ غياب أيِّ مرافق خلفه كان أمرًا غريبًا.
ظننتُ أنّه تخلّى عن مرافقيه عمدًا، لكنّ الحقيقة أنَّ هناك من يرافقه دون أن يُلاحَظ.
‘لكن، منذ متى؟’
هذا يعني أنَّ ذلك الرّجل كان معنا منذ لحظة خروجنا من قصر الدّوق، لكنّني لم أُدرِك وجوده على الإطلاق.
رغم أنَّ ذلك أيضًا ينطبق على ذلك الرّجل الآخر.
“آه…!”
بينما كنّا نتحدّث، بدا أنَّ الرّجل الذي كان في قبضة كايلوس رأى الفرصة سانحة، فنهض فجأةً وركض هاربًا.
كايلوس، الذي كان ما يزال يحدّق إلى الأعلى، حرّك شفتيه موجّهًا أمرًا إلى الرّجل فوق المبنى: “تَبَعه.”
وبمجرّد صدور الأمر، اختفى الرّجل كأنّه لم يكن هناك.
***
لا أدري بأيِّ عقل عدتُ إلى قصر الدّوق. خلال الرّحلة في العربة، خيّم الصّمتُ على المكان.
كايلوس أيضًا ظلّ ينظر بصمتٍ من النّافذة، كأنّه غارقٌ في التّفكير.
في الحقيقة، لقد شعرتُ ببعض الصّدمة لمعرفة أنَّ لديه حارسًا بتلك المهارة.
صحيح أنّني لا أعرف الكثير عن قوّات الدّوق، لكنّني لم أتخيّل أن يكون بينهم من يُخفي حضوره بهذا الشّكل.
لمّا دخلنا إلى غرفة الاستقبال، فتح كايلوس فمه أخيرًا.
“إيلينيا، من تظنّين أنه يقف خلف هذا؟”
“لا. ليس لديّ أدنى فكرة.”
في هذا الوضع، لم يخطر في بالي أحدٌ يمكنه أن يضع مراقبًا خلفي.
“كايلوس، ماذا عنك؟”
“لا علم لي بالأمر أيضًا. إنّه أمرٌ غريب.”
دق دق-
طرَق أحدهم باب غرفة الاستقبال.
“ادخل.”
دخل الرّجل الذي كان فوق سطح المبنى، مرتديًا السّواد. انحنى بتحيّة، وعلى خصره سيفٌ يثبت أنّه من فرسان القصر.
“هل اكتشفت شيئًا؟”
“نعم. لقد لاحقتُ الرّجل حتّى وصل إلى مكانٍ معين.”
“أين؟”
نظر الفارس نحوي بتردّد، وكأنّه يتساءل إن كان من المناسب قول ذلك أمامي.
لاحظ كايلوس تردّده، فهزّ رأسه مشيرًا إليه بأن يتكلّم.
“كان المكان هو منزل بارون ديلّيا.”
“ديلّيا؟ من يكون هذا؟”
زمّ كايلوس حاجبيه من عدم معرفته بالاسم.
لكنّني لم أكن كذلك. حين سمعتُ ذلك الاسم، انفلتت منّي ضحكةٌ قصيرة.
إذا كان هناك من يملك السّبب والسّلطة لإصدار أمرٍ بمراقبتي في ذلك البيت، فلا يوجد غير شخصٍ واحد.
‘ليزي ديلّيا.’
تمتمتُ بالاسم بين شفتيّ، وشدّدتُ قبضتي حتى تجعّد طرف فستاني بين أصابعي.
“هل تعرفينه؟”
زفرتُ نفسًا كنتُ قد حبسته لأتماسك، ثمّ أجبتُ:
“…نعم. للأسف. اترك هذه المسألة لي. سأعتني بها بنفسي.”
“أنتِ؟ هل ستكونين بخير؟”
سألني وقد لاحظ أنَّ ملامحي لم تكن عاديّة.
“نعم. لا بأس.”
في الحقيقة، لم أكن بخير. لا أعلم ما الذي تفكّر فيه تلك المرأة لتُقدم على هذا، لكن يبدو أنّها قد فقدتْ صوابها تمامًا.
وإن كانت لم تتعلّم شيئًا من الموقف السّابق…
‘لقد تجرّأتِ وتجاوزتِ حدّك.’
لم يعد في رأسي شيءٌ سوى سؤالٍ واحد: كيف أُدمّر تلك اللّعينة، ليزي ديلّيا؟
لكنّ الفارس الذي أفاد عن التّتبّع بدا وكأنَّ لديه شيئًا آخر ليقوله.
“… كان هناك مراقبٌ آخر أيضًا.”
نظرتُ أنا وكايلوس في الوقت نفسه إلى الفارس. وارتفعت حاجباه تعبّر عن انزعاجه.
“هل تقصد أنَّ مَن لاحقنا لم يكن واحدًا؟”
“نعم. كانا اثنين. ولم يكونا معًا. لكنّ الثّاني كان أفضل في إخفاء وجوده.”
“هل تبعته أيضًا؟”
سألتُه بعدما لم أستطع كبح نفسي.
“نعم. ربّما لم يشعر بنا إطلاقًا.”
“وأين ذهب؟”
“في الحقيقة…”
تردّد الفارس في الإجابة، ونظر نحونا بعينين متردّدتين.
بدأ صبري ينفد من تردّده، ولكن كايلوس سأله مجدّدًا:
“أجبني. إلى أين ذهب ذلك الرّجل؟”
***
في غرفةٍ مظلمة، دخل رجلٌ وتوجّه نحو عجوزٍ كانت تقف عند النّافذة، تنظر بفرحٍ إلى أحفادها وهم يركضون في الحديقة.
اختفى التّعبير عن وجهها في لحظة.
“لِمَ عدتَ باكرًا؟”
“الآنسة دخلت قصر الدّوق.”
“أيُّ قصر؟”
سألت العجوز بصوتٍ حادٍّ ونبرةٍ لاذعة.
“قصر الدّوق كايلوس. ولكن…”
“قصر كايلوس؟”
ارتسمت على وجه العجوز ابتسامةٌ ذات مغزى، ثمّ نظرت إلى الرّجل وكأنّها تنتظر المزيد.
“ماذا أيضًا؟”
“كان هناك مراقبٌ آخر يلاحق الآنسة. لكنّه قُبض عليه وهرب من الدّوق كايلوس.”
“مراقبٌ آخر؟ من أين؟”
“دخل إلى قصر البارون ديلّيا.”
“ديلّيا؟”
لمع بريقٌ في عيني العجوز. ثمّ سألت الرّجل:
“هل اكتُشف أمره؟”
“لا، لا تقلقي.”
تق.
سقط كيسٌ ثقيلٌ أمام الرّجل المبتسم.
“هذا أجرُك. أحسنتَ العمل.”
تفحّص الرّجل ما بداخل الكيس، ثمّ أشرق وجهه بالسّرور، وانحنى أمامها قائلاً:
“شكرًا جزيلًا. إن احتجتِ لي مجدّدًا، فلا تتردّدي، كونتيسة تريجي!”
ثمّ غادر بخطًى خفيفةٍ وسعيدة، بينما كانت العجوز تراقب ظهره بتعبيرٍ غريب.
وما إن غادر، حتّى نادت العجوزُ رئيسة الخادمات.
“تخلّصي من الرّجل الذي خرج الآن. افهمتِ ما أعنيه؟”
“نعم، مفهوم.”
هزّت الخادمة رأسها وكأنّها اعتادت على الأمر، ثمّ خرجت بسرعة.
نظرت الكونتيسة إلى الباب وهي تنقر بلسانها.
“تش… ثقةٌ زائدة عن الحدّ.”
ثمّ أعادت نظرها إلى الخارج، وهمست داخل الغرفة الهادئة.
“قصر بارون ديلّيا، هاه…”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 21"