في ذَلك اليوم، قدّمت له سيفًا إمبراطوريًا مُرصّعًا بكنز العائلة كمَهر خطوبة.
ومنذُ ذَلك الحين، تغيّر موقع كايلوس بشكلٍ ملحوظ. فرغم أنَّ قصر الدوق ظلّ هادئًا بعد حفل الخطوبة، إلّا أنْ غياب الزوار لا يعني أنَّ أحدًا لَمْ يهتمّ بالأمر.
فقد بدأت الرسائل والدعوات التي أُرسلت سِرًّا وخفية تصل تباعًا إلى قصر الدوق.
ومع أنْ معظمها جاء مِن نبلاء لا يملكون سُلطةً تُذكَر، إلا أنْ بعضهم كان على صلةٍ بالقصر الإمبراطوري، وبعضهم كان له نفوذٌ لافت في مجاله.
ولهَذا السبب بالذات، بات كايلوس يُكثّف التمارين بشكلٍ غير اعتيادي في الآونة الأخيرة.
رغم أنه لَمْ يُصرّح بذَلك لكايلوس.
ومع تغيّر موقع كايلوس تدريجيًا عمّا كان عليه سابقًا، لَمْ يعُد مقبولاً أنْ يُستهان بالفرسان المقرّبين منه.
كان عليهم أنْ يُظهروا مهارةً لا تشوبها شائبة، لكن مِن دوّن أنْ يُفصحوا عن كامل قدراتهم.
فعلى الصعيد العلني، كان معروفًا بوجود فرقة فرسان تتبع لكايلوس، لكنّ مستوى قوتهم لَمْ يكُن واضحًا على وجه التحديد.
وكان كلّ ما يُشاع هو أنهم مجموعةٌ مِن أبناء عامّة الشعب أو مِن أبناء النبلاء مِن الطبقة الدنيا أُطلق عليهم اسم فرسان، لا أكثر.
وهَذا كان ما قصده كايلوس.
فرسان دوقية كايلوس يملكون ثقةً تامة بقدرتهم على مقارعة فرسان القصر الإمبراطوري مِن دوّن أنْ ينهزموا، ولديهم مِن المهارة ما يُبرّر تلكَ الثقة.
لكن إنْ تسرّب هَذا الأمر إلى الخارج، فلا شك أنهم سيُصبحون هدفًا للإمبراطور ولأطرافٍ أخرى تُشكّل تهديدًا.
لذَلك، كانوا يكتفون بالتدريب الأساسي بالسيوف الخشبية في ساعات وجود الخدم، ثم يُجرون تدريباتهم الحقيقية بسرّيةٍ في أوقاتٍ أخرى.
وكان كايلوس نفسه يُشاركهم في التدريب على المُبارزة خلال تلكَ الفترات.
في البداية، لَمْ يكُن مِن السهل تفهّم لماذا يُمارس المبارزة يوميًا رغم أنه يمتلك بالفعل مهاراتٍ مُتميّزة كمبارز، لكن مع مرور الوقت ومعرفة المزيد عن وضعه، بات مِن الطبيعي التفكير أنه لًمْ يكُن أمامه خيارٌ آخر.
فَمَن ذاق طعم الخسارة مرّة، لا يرغبُ بأنَّ يخسر مُجددًا. ولكي لا يخسر، عليهِ أنْ يُصبح أقوى بنفسه.
كان كايلوس واقفًا يُراقب تدريب الفرسان بصمت، ثم أدار نظرهُ إلى سيفه.
نظر مطوّلاً إلى السيف الذي أمسك بهِ في يده دوّن أنْ يُبدي أيّ نيةٍ لاستخراجه مِن غمده.
راح يُمرّر يدهُ على الجوهرة المُثبتة على الغمد، وكأنّه غرق في التفكير للحظات، ثم استدار ودخل إلى القصر.
وعندما رأى ظهرهُ الحزين وهو يبتعد، خُيّل إليّه مشهد لشخصٍ يقفُ إلى جانبه بمودّة.
‘أتمنّى أنْ يأتي ذَلك اليوم سريعًا.’
حوّل كرونو نظرهُ مُجددًا إلى الفرسان.
“ركّزوا! ماذا يحصل للنصل إنْ غفلتم ولو لحظة؟”
صرخ الفرسان بصوتٍ واحد وكأنهم يؤدّون نشيدًا جماعيًا:
كان الفجر لا يزال في بداياته، والشمس لَمْ تُشرق بعد. ورغم ذَلك، كان هُناك صوتُ صراخٍ ينبعثُ مِن داخل القصر.
‘كرونو.’
ضحك بخفّةٍ عندما سمع الصوت المألوف وهو يصرخ وكأنّه سيُسقط سقف القصر.
لو لَمْ يكُن قصر الدوق في طرف المدينة البعيد، لكان المارّة توقّفوا ونظروا إلى الداخل بفزعٍ عند سماع ذَلك الصوت.
مِن النافذة المُطِلّة على الحديقة الخلفية، كان يُمكن رؤية الفرسان يتدرّبون بحماسٍ، وفي مقدّمتهم كرونو، واقفًا بقامته الضخمة وهو يُلوّح بسيفٍ يبلغ نصف طوله مُوجّهًا إيّاه نحو الأرض.
ورؤيته بتلكَ الهيئة أعاد إليّه ذكرى لقائهما الأوّل.
***
عندما أُقيمت مراسم الجنازة، نُصّب كايلوس في الوقت ذاته دوقًا غمًا عنه، ثم طُرد مِن القصر الإمبراطوري بطريقةٍ مهينة.
وبنى قبرًا لوالدته في طرف حديقة القصر الفرعي، حيث يُمكن رؤية القصر الإمبراطوري مِن هُناك.
لَمْ يُرِد فعل ذَلك، لكنّه لَمْ يُرِد أيضًا تجاهل آخر أمنيةٍ حمقاء لوالدته.
ولَمْ يحضر الجنازة سوى بضع وصيفات مِن القصر الفرعي وهو فقط. وعندما أوشكت تلكَ الجنازة الكئيبة على الانتهاء، ظهر شخصٌ غير متوقّع.
“كايلوس.”
ما إنْ سمعت الوصيفات مَن يُناديه حتى أسرعن إلى خفض رؤوسهنّ بارتباك.
وهو نظر إلى الرجل الذي لَمْ يُناده أبدًا بـ ‘أبي’. رجل بشَعرٍ أحمر كالشمس وعينين خضراوين داكنتين.
الإمبراطور، الذي يحمل نفس عينيه اللعينتين.
“بدءًا مِن اليوم، ستُغادر القصر الإمبراطوري.”
“…نعم، يا جلالة الإمبراطور.”
لَمْ يُفاجَأ، فقد كان يتوقّع هَذا.
لا بدّ أنهم أرادوا إبعاده نهائيًا، ذَلك الابن غير الشرعي الذي يُثير القلق.
منذ أنْ وُلد، لَمْ يزر الإمبراطور والدته ولو مرةً واحدة. وباستثناء تقديمهِ لقصرٍ فرعي وعددٍ مِن الوصيفات، بدا وكأنّه قد أدّى واجبه تمامًا.
أحيانًا، كانت تصلُه عبر الوصيفات رسالةٌ واحدة مكتوبة بخطّ سيّئ لا تتجاوز سطورًا معدودة، وذَلك كلّ ما كان يحصل عليه.
لَمْ تُرِه والدته محتوى الرسائل قط، لكنه كان مُتيقنًا مِن أنّها لَمْ تكُن سوى تحيّات شكلية.
ومع ذَلك، بدَت والدته يوم استلام الرسالة أكثر سعادةً مِن أيِّ وقتٍ مضى. تلك الابتسامة التي ارتسمت على وجهها الشاحب بفعل المرض كان دافئًا كأشعة شمسٍ ربيعية.
لذا، كان في بعض الأحيان يرغبُ في حرق تلكَ الرسائل كلها، ثم ما يلبث أنْ يعدل عن ذَلك، متذكّرًا والدته وهي تتأمل الرسائل مرارًا وتكرارًا، تتحسّس الورق حتى يبهُت مِن كثرة لمسه.
ولكن، أنْ يركض فورًا بعد وفاة والدته ليكون أول ما يقوله: “اخرج مِن القصر الإمبراطوري”، لهو أمرٌ يصعب ابتلاعه.
“سأمنحُكَ لقب دوق.”
‘هل يُحاول الحفاظ على ماء وجهه؟’
فهو لا يستطيع أنْ يُخرج ابنه، المعروف لدى الجميع، دوّن شيء، لذَلك أراد أنْ يمنحه لقب دوقٍ شكلي على الأقل.
كان الغثيان يتصاعد مِن داخله كأنّه سيقذف ما في معدته في أيِّ لحظة.
“لقد أُعِدّ لكَ قصرٌ خاص، والعربة ستُقِلُّك إلى هُناك.”
توقف الإمبراطور قليلًا عن الكلام، ثم حدّق بهِ بصمت. توقّف نظره عند شعره.
“…لقد شبَّهتَ والدتَك.”
‘والمضحك أنَّ عينيّ تُشبهان عينيكَ أنت.’
ابتلع كايلوس تلكِ الكلمات التي لَمْ يستطع قولها، ونظر إلى الإمبراطور نظرةً أخيرة.
تلاقى البصران للحظةٍ قصيرة في الفراغ، ثم انتهى كل شيء.
خرج الإمبراطور مِن القصر الملحق. مِن خلف السور، سُمِعَ صوت حوافر الخيل وهي تَدُقّ الأرض وصوت عجلات العربة وهي تتمايل.
***
ما إنْ وصل إلى القصر حتى استقبله هواءٌ بارد.
وقف هُناك مُتجمّدًا في الداخل الخالي مِن أيِّ دفء، إلى أنْ بدأ الخدم المؤقتون الذين تمّ استئجارهم مؤقتًا يدخلون إلى القصر مُترددين واحدًا تلو الآخر.
“آه… ماذا علينا أنْ نفعل؟”
سأل أحد الخدم، الذي رأى الدوق الصغير لأول مرة بعدما سمع عنه في الشائعات، وقد بدت عليه علامات التوتر.
أعطى كايلوس أوّل أمرٍ له بصفته سيّد القصر:
“رتّبوا الحديقة. سأزرعُ زهورًا.”
مرّ عامٌ على خروجه مِن القصر الإمبراطوري. أصبح وضع الخدم الذين يعملون في القصر وسير الأمور داخله وخارجه مستقرًّا إلى حدٍّ ما.
لكن مع مرور الأيام، أخذ شعور الوحدة يتفاقم في داخله. حتى عندما كان في القصر الإمبراطوري، لَمْ يكُن بجانبه سوى عددٌ قليل مِن الحرس وخادمتين أو ثلاث.
لأنه لَمْ يكُن يملك أيِّ قوة، لَمْ يكُن هُناك مَن يظل بجانبه، ولا مَن يقترب منه.
وفي المستقبل، إذا أراد أنْ يحمي ما سيغدو ثمينًا له، وما سيكون ملكه، فلا بد أنْ يملك مِن القوة ما يكفي لذَلك.
ولهَذا، وجب عليهِ أنْ يتخلّى عن أولئكَ الذين لا يملكون سوى الولاء للمال، أو مَن كانوا يراقبونه مِن بعيد مترقّبين فرصةً مِن دوق صغير.
وبعد بحثٍ طويل عن فارس يملك المهارة الحقيقية، سمع عن رجل فَقَد اسمهُ الآن، لكنه كان معروفًا سابقًا بمهارتهِ الفائقة كفارس.
قُتل والده وإخوته في الحرب، وبقي الابن الوحيد حيًّا، ثم فقد والدته بسبب المرض، وصدمة تلكَ الخسارة جعلته يتسكّع في أزقة المدينة الخلفية.
بمُجرّد أنْ سمع تلكً القصة، شعر كايلوس في قلبهِ أنَّ هَذا هو الفارس الذي كان يبحث عنه.
فًمَن يحمل جراحًا مشابهةً له، سيكون الأقدر على فهمه.
وبعد عدّة محاولاتٍ للبحث، عثر على كرونو، لكن مظهرُه كان صعبًا حتى على الاحتمال.
ما إنْ اقترب منه حتى شمّ رائحة الخمر القوية تفوح منه. لًمْ يكُن بشرًا، بل برميلًا مِن الخمر.
لكن، رغم ذَلك، فإنَّ عينيهِ، اللتين لًمْ تفقدا تركيزهما، كانتا تنظران إليّه بثبات. وعلى مقبض السيف المعلّق عند خصره، ظهرت آثار الاستخدام الطويل.
عندما تحدّث إليّه، لوّح بيدهِ وكأنه منزعج، ثم سكب الخمر في فمه مِن الزجاجة التي يحملها باليد الأخرى.
وفجأةً، خطرت له فكرة أنْ يختبره. أراد أنْ يتأكد بعينيه إنْ كان هو الفارس الذي سمع عنه.
ما إنْ أخرج خنجرًا مِن بين ملابسه، حتى تحرك فورًا إلى خصره. بسرعةٍ لا تُصدّق لرجل كان مخمورًا حتى لحظات مضت، أخرج سيفه وواجهه.
وفي تلكَ اللحظة، شعر بأنَّ قلقه لَمْ يكُن في محلّه، بل تيقّن مِن أنّه يجب أنْ يصطحب هَذا الرجل معه مهما كلّف الأمر.
وهَكذا، في ذَلك اليوم، حصل كايلوس على كرونو.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 17"