الفصل 13 : حفلة شاي في القصر الإمبراطوري ²
ما إنْ انفتح الباب مع نداء الحارس، حتى ظهرت الأميرة.
شعرٌ أحمر كالنار، وعينان بلون الزمرد الداكن. ومع كل خطوةٍ تخطوها الأميرة، كانت خصلات شعرها القرمزي تتمايل على ظهرها.
فقامت السيّدات النبيلات اللاتي تجمعن في المكان مِن أماكنهنّ وركعن على ركبهنّ في آنٍ واحد.
“نُقَدِّمُ تحيّتنا إلى زهرة الإمبراطورية، صاحبة السمو الأميرة آرياجين فرينيان.”
“زهرة؟ إنه وصفٌ مبالغٍ فيه.”
ورغم ذَلك، بدا على الأميرة أنها لَمْ تكره هًذا الوصف، بل ابتسمت برضا.
“سمعتُ أنَّ والدتي تُقيّم حفلة شايٍ بسيطة اليوم، فقررتُ أنْ أُمرّ لزيارتها.”
راحت الأميرة تُلقي نظرةً بطيئة حول المكان، إلى أنْ توقفت نظرتها عندي.
“آنسة هيسيتيا أيضًا موجودة.”
تظاهرت بأنها لَمْ ترني مِن قبل، ورفعت يدها إلى فمها مُبديةً ردّة فعلٍ مبالغًا فيها.
“تشرفتُ برؤيتكِ، سمو الأميرة.”
“سمعتُ أنَّ خطوبتكِ تمت مؤخرًا؟ متأخرةٌ بعض الشيء، لكن أُهنّئكِ.”
“أشكركِ، سمو الأميرة.”
شعرتُ بنظرتها الخضراء الفضولية تُمشّطني ببطء مِن قدميّ حتى رأسي.
حاولتُ أنْ أبدو مُتماسكة، فشدّدتُ على أصابع قدميّ وعدّلتُ جلستي.
اتجهت نظرةُ الأميرة إلى عنقي.
“عقدكِ جميلٌ فعلًا.”
“آه…”
وقبل أنْ أُجيب، قاطعتني إحدى السيّدات النبيلات الجالسات في آخر الطاولة وقد لمع بريقٌ في عينيها.
“أليس هَذا مِن إنتاج منجم الأحجار الكريمة الذي تملكه عائلة الماركيز؟”
كانت ملامحها مألوفةً لكنني لًمْ أتذكر اسمها تحديدًا، وبدا مِن ملابسها ومكان جلوسها أنها إحدى زوجات كُبراء النبلاء، على الأرجح مِن طبقة الكونتات.
“منجمُ الأحجار؟”
رددت الأميرة باهتمامٍ على كلام النبيلة المجهولة.
“نعم، سمعتُ أنْ قيمة منجم الأحجار الكريمة الذي تملكه عائلة ماركيز هيسيتيا لا تُقدّر بثمن. ويُقال إنْ الأحجار المُستخرَجة منه تضاهي أحجار العائلة الإمبراطورية مِن حيث الجودة–”
لكن النبيلة التي كانت تتحدث بحماسةٍ توقفت فجأةً وكأنها أدركت زلّتها، ونظرت نحو الإمبراطورة، فخفضت صوتها خجلًا.
وسُمع بعدها صوتُ تنهدٍ خفيف مِن كونتيسة تريجي وهي تنقر لسانها.
“لا شك أنْ منجم عائلة الماركيز رائع، لكن لا يُمكن مقارنته بما تملكه العائلة الإمبراطورية.”
أخذت الإمبراطورة تُعدل قرط الياقوت الأزرق المُعلّق في أذنها وهي تُظهر امتعاضها.
“كيف يُعقل أنْ نقارن بين ممتلكاتٍ خارجية وتلكَ التي تملكها العائلة الإمبراطورية؟ الفارق شاسعٌ أصلًا، أليس كذَلك، كونتيسة هيرينغس؟”
ألقت كونتيسة تريجي نظرةً حادة نحو النبيلة التي نادتها بكونتيسة هيرينغس.
“أعتذر… كنتُ فقط أشرح لصاحبة السمو الأميرة…”
توجّهت كونتيسة هيرينغس بنظرةٍ مُتوسّلة نحو الأميرة، وكأنها تستنجدُ بها، لكن الأميرة التي أثارت هَذهِ الفوضى منذُ البداية، كانت تتابع ما يحدُث وكأنه مسلٍّ بالنسبة لها فحسب.
كان المشهد مُزعجًا للغاية، حيث بدت كونتيسة هيرينغس في غاية الحرج، مترددةً بين مراقبة نظرات كونتيسة تريجي والإمبراطورة، ولَمْ أعُد أحتمل الموقف.
‘آه… لا مفرّ.’
رغم أنني لَمْ أكُن راغبة في التدخل، لكنني لَمْ أستطع الوقوف مكتوفة الأيدي، فقررتُ أنْ أدافع عن الكونتيسة هيرينغس.
“مهما بلغ منجم الأحجار الكريمة الخاص بعائلتنا مِن قيمة، لا يُمكن أبدًا مقارنته بأحجار العائلة الإمبراطورية. ما حدث يبدو أنه زلّةٌ ارتكبتها الكونتيسة دوّن قصد. أرجو مِن جلالتكِ الصفح عنها بسعة صدر.”
“مَن لا يعلم قد يخطئ. لكن يبدو أنْ على كونتيسة هيرينغس أنْ تكون أكثر حرصًا في كلامها وسلوكها مِن الآن فصاعدًا.”
أومأت الإمبراطورة برأسها على مضض. ثم انحنت كونتيسة هيرينغس باتجاهي شاكرة.
بادلتُها ابتسامةً خفيفة ثم عدتُ لأنظر إلى الأميرة مِن جديد.
“رغم أنْ أحجارنا لا ترقى لمستوى ما تملكه العائلة الإمبراطورية، فإنَّ راقت لكِ، سمو الأميرة، أُهديكِ لاحقًا أجمل الأحجار التي ننتجها مِن منجمنا.”
“أشكركِ، يا آنسة.”
ابتسمت الأميرة برقة. ولما شدّدت على عبارة “لا ترقى لمستوى العائلة الإمبراطورية” عمدًا، رمقتني كونتيسة تريجي بنظرةٍ جانبية، لكنها لًمْ تقل شيئًا.
أما الإمبراطورة فقد قبضت على يديها فوق الطاولة بقوّةٍ مِن شدة الغضب.
وانتهت حفلة الشاي، التي لَمْ يُفهم منها الغرض الحقيقي، أخيرًا. وبينما كنتُ أستعدّ لركوب العربة عائدةً إلى القصر، سمعتُ مناداةً مِن خلفي.
“آنسة! آنسة هيسيتيا!”
التفتُّ لأجد كونتيسة هيرينغس تُسرع ناحيتي وهي ترفعُ تنورتها كي لا تتعثر.
ولمّا وصلت إليّ، كانت تلهثُ وقد ارتفع كتفاها مِن شدّة التعب.
“ما الأمر، كونتيسة هيرينغس؟”
“بشأن ما حصل… أشكركِ جزيل الشكر.”
“لا عليكِ، لَمْ يكُن أمرًا كبيرًا. لكن يبدو أنّه يجب أنْ تكوني أكثر حذرًا أمام جلالة الإمبراطورة مِن الآن فصاعدًا.”
“نعم… يبدو أنّني جررتُ على نفسي هَذا الموقف لأنني قاطعتكِ. لو لَمْ تساعديني آنذاك، لَكان الأمر… حقًا…”
عندما نظرت إليّها عن قرب، تذكّرتُ أخيرًا. اسم هَذهِ المرأة الواقفة أمامي وقد احمرّت وجنتاها هو توليا هيرينغس.
هي تُدعى الآن السيدة هيرينغس تبعًا لاسم زوجها، لكنها كانت قبل الزواج آنسةً من عائلة الكونت ريبيلي.
عائلة الكونت ريبيلي لا تُقارن بعائلة الكونت تريجي، لكنها كانت إحدى العائلات التي حافظت على اسمها لفترةٍ طويلة.
جدّتُها كانت وصيفة الإمبراطورة السابقة، وجدّها أيضًا شغل منصب قائد فرسان القصر الإمبراطوري.
ورغم أنَّ والدها، الكونت ريبيلي، قد أضعف وضع العائلة منذُ أنْ ورث اللقب، فإنَّ شبكة العلاقات والنفوذ التي بُنيت على مدار الزمن لا تزال قائمة.
راودني شعورٌ بأنَّ هَذا قد يكون فرصةً جيدة.
“كل ما فعلتُه هو القيام بواجبي فحسب. في الأصل، كل ما حدث كان نتيجة محاولتكِ توضيح أمرٍ يتعلّق بعائلتنا.”
ابتسمتُ للسيدة بطريقةٍ لينة قدر الإمكان. فاشتدّت قبضتُها على طرف فستانها واحمرّت عيناها.
“شكرًا لكِ، آنسة. حقًا لا أعلم كيف أعبّر عن امتناني…”
“سأدعوكِ لزيارتنا في القصر لاحقًا. سيكون مِن الجيد تناول الشاي والتحدث معًا.”
“بالطبع! فقط استدعيني، فدعوة الآنسة مرحّبٌ بها دائمًا!”
كان هَذا هو الرد الذي أردته.
***
القصر الإمبراطوري المُزيّن ببذخ.
الإمبراطورة ليتيا كانت جالسةً على الأريكة، شاردةً في تفكيرٍ عميق. ثم ما لبث أنْ ارتسمت على وجهها ابتسامةٌ غامضة لا يُعرف سببها.
الأميرة آرياجين، الجالسة مُقابل الإمبراطورة، بدت وكأنها تُريد أنْ تسأل الكثير مِن الأسئلة بسبب هَذهِ الابتسامة الغريبة.
“أمي، بماذا تُفكرين بحق السماء؟ وما قصة حفل الشاي هَذا اليوم؟”
نظرت الإمبراطورة ليتيا إلى ابنتها العزيزة أمامها بعينين ممتلئتين بالمحبة.
“آرياجين.”
“نعم، أمي؟”
“أنتِ تُشبهين جلالة الإمبراطور أكثر مِن أيِّ شخصٍ آخر.”
شعرٌ أحمر كالنار، وعينان بلون الزمرد. مِن بين الأبناء العِدة للإمبراطور الذين وُلِدوا وانتهت حياتهم القصيرة، لَمْ يكُن أحدٌ يشبهه بقدر آرياجين.
وكان قلبُ ليتيا يتفتّت دومًا حزنًا كلما نظرت إلى ابنتها، التي تُشبه والدها أكثر منها.
“لو كنتِ قد وُلِدتِ صبيًا فقط…”
آرياجين هزّت رأسها كأنها سئمت مِن سماع هَذا الكلام الذي تكرّر طوال عشرات السنين.
“مهما قلتِ، هَذا لًن يُغيّر جنسي الآن.”
“صحيح، لكن الظروف قد تتغيّر.”
“ما الذي تعنينه؟”
تملّك وجه آرياجين تعبيرٌ حائر، وكأنها لا تفهم المقصود.
“أقصد دوق تيسيوس.”
“ما شأن دوق تيسيوس فجأة؟”
“لَمْ تعُد لديهِ خطيبةٌ الآن.”
ارتسمت على وجه آرياجين ملامحُ الشك.
“لكنني بالفعل ذاهبةٌ إلى مملكة رين…”
“هُناك، لَن تصبحي سوى ملكة. أما إنْ اخترتِ أنْ تكوني بجانب دوق تيسيوس، فسيكون الوضع مُختلفًا. ما دمتِ لا تستطيعين أنْ تصبحي سيدة القصر الإمبراطوري…”
تلألأت عينا الإمبراطورة ليتيا بطمعٍ لا يُخفى.
“آرياجين العزيزة… هل ترضين بمكانة ملكة فحسب؟”
***
ما إنْ عدتُ إلى القصر حتى ألقيتُ بجسدي المنهك على السرير. وبمُجرّد أنْ لامس ظهري اللحاف الناعم، شعرت بكلّ قواي تنحلّ.
“آنستي! يجبُ أنْ تبدّلي ملابسكِ أولًا!”
كايا، التي لحقت بي إلى الداخل دوّن أنْ أشعر، كانت واقفةً بجانب السرير حاملةً ملابس جديدة.
لَمْ يكُن أمامي خيارٌ سوى أنْ أُرغم جسدي المُتهالك على النهوض.
“كيف كان الحفل؟ ماذا قالت جلالة الإمبراطورة؟”
“كان مُجرد حفل شايٍ عادي. جلسنا نتبادل الحديث مع كوب مِن الشاي.”
‘رغم أنْ موضوع الحديث كان بعيدًا كلّ البعد عمّا توقعت.’
تنهدتُ تنهيدةً خفيفة بينما كنتُ أنزع فستاني. كايا، التي سمعت تنهدتي، نظرت إليّ لكنها لَمْ تطرح أيِّ أسئلةٍ إضافية.
استلقيتُ مُجددًا على السرير وبدأتُ أسترجع في ذهني ذَلك اليوم… اليوم الذي عدتُ فيه تَوًّا مِن الموت.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 13"