الفصل 11 : المفاجأة
الإمبراطورة ليتيا بيل فرينيان، زوجة الإمبراطور الحالي وقرينته الرسمية، كانت بالأصل أميرة من مملكة ديوس، حليف الإمبراطورية، وقد امتازت بتأثيرها البارز منذُ صغرها.
قبل أنْ يتم الحديث بشكلٍ رسمي عن زواج ولي العهد ـ الذي أصبح لاحقًا الإمبراطور ـ مِن الإمبراطورة ليتيا، كانت الإمبراطورية تمرّ بظروفٍ عصيبة مِن عدة نواحٍ.
فمنذُ العهد السابق، استمرت الصراعات بين الإخوة غير الأشقاء مِن أجل العرش، ومعارك ترتيب الهيبة بين العائلات المُرتبطة بهم، مِما أثار رياح الدم داخل الأسرة الإمبراطورية.
وفي النهاية، بعدما تم القضاء على الأخ غير الشقيق للإمبراطور ـ الذي كان يقود التمرد ـ وعلى العائلات المُتحالفة معه، انتهت رياح الدم التي عصفت بالأسرة الإمبراطورية.
غير أنْ الإمبراطورية فقدت خلال تلكَ العملية عدة عائلاتٍ رئيسية كانت تحمي الداخل والخارج، مِما أحدث ثغراتٍ على الحدود العسكرية للإمبراطورية.
رُبما كان بالإمكان سد هَذهِ الفجوات مؤقتًا بإدخال قوى بديلة، ولكن لو طال أمد هَذا الوضع، لوقعت الإمبراطورية بلا شك تحت تهديد الدول المجاورة التي كانت تتحين الفرصة.
لا سيما أنْ الأراضي الإمبراطورية القريبة مِن الحدود العسكرية كانت واسعةً وخصبة، وغنيةً بالموارد الغذائية، فضلًا عن احتوائها على كمياتٍ كبيرة مِن المعادن النادرة، الأمر الذي جعلها مطمعًا للعديد مِن الدول.
ونظرًا لما خلفته الحرب الأهلية الطويلة مِن إنهاك داخل الأسرة الإمبراطورية، فقد كان لزامًا تجنب أيُّ حربٍ أخرى مهما كلّف الأمر.
في تلكَ الأثناء، بدأت تصل عروض خطبةٍ بين الأميرة مِن مملكة ديوس وولي عهد الإمبراطورية، وسرعان ما قبلت الإمبراطورية هَذا الزواج دوّن تردد.
بفضل التحالف مع مملكة ديوس، تم سد الفجوات التي كانت تهدد حدود الإمبراطورية، وتعززت سلطة الإمبراطور الذي اعتلى العرش بعد أنْ أزال كل التهديدات.
وبعد استقرار البلاد، اتخذ الإمبراطور بجانب الإمبراطورة ليتيا عدة محظيات مِن العائلات العليا في الإمبراطورية.
غير أنْ أبناءه مِن المحظيات جميعهم ـ لسبب ما ـ لَمْ يتجاوزوا سن التاسعة، حيث ماتوا مرضًا أو قضوا في حوادث.
باستثناء الابنة الكبرى مِن الإمبراطورة، كان الناجي الوحيد مِن أبناء الإمبراطور هو الدوق كايلوس.
قطع الدوق كايلوس زهرةً حمراء واحدة مِن نوع فيرريستا كانت أمامه.
“لَمْ يكُن هُناك حتى مساحةٌ صغيرة أزرع فيها زهرةً كهَذهِ. لَمْ يكُن يدخلها ضوء الشمس، فلَمْ يكُن بإمكان أيِّ شيءٍ أنْ ينمو. كانت والدتي أحيانًا تحدثني عن موطنها، عن الزهور التي كانت تتفتح طوال فصول السنة الأربعة.”
سقطت الزهرة التي كانت في يده بلا حول ولا قوة. دُهست الزهرة على الأرض تحت كعب حذائه وتفتتت.
“رغم ذَلك، هل ينبغي لي أنْ أصبح الإمبراطور؟ مِن أجل ماذا؟”
سال سائلٌ أحمر مِن بتلات الزهرة المدهوسة، وشعرتُ أنْ ذَلك السائل أشبه بالدم.
‘نعم. قد تكون محقًا.’
كما قال، لا يوجد الآن سببٌ قاطع يدفعه ليصبح الإمبراطور.
لكن، هل سيبقى الحال على هَذا النحو؟ منذُ أنْ تخلّيت عن تيسيوس والتفتُّ إليّه، بدأت أشياءٌ كثيرة بالتغير.
“سموكَ مُحق. لا يوجد سببٌ يُلزمك بتولي العرش في الوقت الراهن. لكن لا أحد يعلم كيف ستؤول الأمور لاحقًا. حتى لو لَمْ ترغب أنتَ في اعتلاء العرش، فإنَّ الآخرين قد لا يفكرون بالطريقة ذاتها.”
“الآخرون؟”
وجّه نظره إلي.
“هُناك الكثير مِمَن يرغبون في العرش. وبالنسبة لهم، فإنَّ وجودي ووجود سموك سيكونان أكبر عقبةٍ في طريقهم.”
عندها، تذكرتُ كلمات والدي مِن جديد.
‘هَذهِ ليست مشكلتكِ وحدكِ. ما فعلتِه جرّ العائلة بأكملها إلى هَذا الأمر.’
وهَكذا، وجدتُ نفسي أكرر كلمات والدي.
رغم أنني كنتُ أدرك هَذا مُسبقًا، إلا أنْ شعورًا بالتهكم والفراغ اجتاحني.
***
لَمْ أدرِ كيف انتهى الحديث بيننا.
عدت إلى القصر هاربةً بعد أنْ تركت له فقط وعدًا بأنني سأخلق له سببًا ليُصبح الإمبراطور.
بسبب ارتخاء أعصابي، شعرتُ بآلامٍ شديدة في مؤخرة رقبتي وظهري كله.
لاحظت كايا سوء حالتي، وقد قدمت لي شايًا دافئًا.
“آنسـتي، هَذا شايٌ دافئ. إذا ارتشفتِ منه قليلًا، ستتحسن حالتكِ.”
“شكرًا لكِ.”
“هل حدث شيءْ في قصر الدوق؟”
“هل يبدو عليّ ذَلك بوضوح؟”
“نعم. تبدين وكأنكِ جروٌ تعرض لتوبيخ قاسي مِن صاحبه.”
“ماذا؟ جرو؟!”
كاد الاختناق أنْ يغلبني مِن وقع كلمتها. أما هي، فنظرت إلي بوجهٍ يملؤه الاستغراب، غير مدركةٍ لردة فعلي.
مدت لي منديلًا بقلق.
“آنسـتي، هل أنتِ بخير؟”
عندما أخذتُ المنديل منها، توقفتُ أخيرًا عن السعال.
“هل قلتِ… جرو؟ عني أنا؟”
“لا! أقصد… كنتُ أضرب مثلًا فقط…”
عندها فقط، أدركتُ ارتباكها، وأطرقت رأسها خجلًا وهي تراقبُ ردة فعلي.
“كفى، لا تكرري هَذا الكلام أمام والدي!”
“طبعًا! ما لَمْ أكُن أرغب في الموت…!”
“يبدو أنكِ تعرفين أنْ هَذا الكلام يستحق ذَلك، أليس كذلك؟”
“هيهيهي.”
لَمْ أتمالك نفسي مِن الابتسام أمام ضحكة كايا الخجولة.
‘ترى، هل كنتُ بهَذا القدر مِن الانكسار…؟’
رغم أنْ ما حدث اليوم كان صادمًا، إلا أنني كنتُ أكثر انكماشًا مِما ظننت.
“بالمناسبة، ما هَذا الشيء؟”
لفت نظري ظرفٌ صغير موضوع فوق الطاولة.
“آه صحيح! وصلت إليكِ دعوةٌ مِن القصر الإمبراطوري.”
“مِن القصر الإمبراطوري؟”
“نعم، أحد الخدم مِن القصر جلبها بنفسه.”
ناولَتني كايا الظرف. وكان يحمل ختمًا ذهبيًا يُثبت أنه صادر عن القصر.
مزقت الظرف المغلف باستخدام سكين الورق الموضوع فوق الطاولة.
“ما محتوى الرسالة، آنستي؟”
اقتربت كايا فضولية تُحدق في الدعوة.
“إنها دعوةٌ إلى حفلة شاي.”
“حفلة شاي؟ مَن الذي دعاك؟”
ما إنْ وقع بصري على التوقيع في نهاية الدعوة حتى شعرتُ كأنَّ الدم يتجمد في عروقي.
“…جلالة الإمبراطورة. لقد دعتني غدًا إلى حفلة شاي في القصر.”
***
بعد تلقي الدعوة المفاجئة مِن القصر، لَمْ أستطع النوم حتى قد قضيتُ الليل مستيقظة.
ومع طلوع الصباح، دخلت كايا مسرعةً إلى غرفتي وبدأت بتزييني.
“لماذا يا ترى دعتكِ جلالة الإمبراطورة فجأةً؟”
قالت كايا وهي تغوص بنصف جسدها داخل الخزانة بحثًا عن فستانٍ مناسب لحفل الشاي، وقد بدا عليها الفضول رغم جهدها.
“لستُ أدري.”
‘رغم أنْ حفلات الشاي في القصر لَمْ تكُن أمرًا غريبًا سابقًا…’
لكن توقيت الدعوة كان مريبًا.
عادةً ما تصل دعوات مثل هَذهِ مع حلول الربيع، حين يبدأ الموسم الاجتماعي بجدية، ويقوم القصر الإمبراطوري بدعوة أبناء العائلات النبيلة المؤثرة حديثة الظهور.
لَمْ تكُن هَذهِ الدعوات مقتصرةً على الإمبراطورة وحدها، بل كانت تشمل حتى جواري الإمبراطور اللواتي يستخدمن تلكَ الحفلات ذريعةً لبناء علاقاتٍ مع نساء العائلات الرفيعة.
أما أنا، فقد تلقيتُ دعوةً مماثلة مرةً واحدةً فقط في السابق.
طبعًا، بعد خطبتي مِن تيسيوس، لًمْ يحدث أنْ تلقيتُ دعوةً مجددًا.
وفوق ذَلك، لَمْ يُعقد في السنوات الأخيرة الكثير مِن حفلات الشاي في القصر.
فخلال تلكَ الفترة، لَمْ تظهر عائلةٌ نبيلة جديدةٌ تستحق تسليط الضوء عليها، ولا حدث أمرٌ استثنائي يستدعي إقامة مثل هَذهِ المناسبات.
وبما أنْ حفلات الشاي التي تقيمها النساء رفيعات المنصب عادةً ما تكون لها أهدافٌ خفية، فإنَّ هَذهِ الدعوة لَمْ تأتِ بلا سبب.
‘وفي هًذا التوقيت بالتحديد، بحفلة شاي تستضيفُه جلالة الإمبراطورة…’
كان في الأمر الكثير مِن الريبة.
“لكن، ألا تعتقدين أنْ هَذا المظهرٌ بسيط للغاية لحفلة شاي في القصر؟”
قالت كايا بوجهٍ قلق، وهي تعدل طيات ملابسي.
“لا، هَذا جيدٌ بما يكفي.”
كان الفستان الأزرق الذي ارتديته أبسط مِن غيره، للوهلة الأولى قد لا يلفت الانتباه، لكنه مع كل خطوةٍ أخطوها، كانت تتدفق منه ألوان زرقاء خفية تُضفي عليهِ أناقةً خاصة وتبرز منحنيات جسدي برقة.
اليوم، كان عليّ أنْ أكون أكثر حرصًا في اختياري للباس، بحيث لا أطغى على صاحبة الدعوة، ولا أبدو باهتةً بلا أثر في ذات الوقت.
ولهَذا، لَمْ يكُن هناك خيار أنسب مِن هَذا الفستان.
“آنستي، دعينا نضيف فقط هَذهِ القطعة.”
فتحت كايا صندوق المجوهرات على منضدة الزينة وأخرجت عقدًا ضخمًا مِن الأميثيست وضعته حول عنقي.
كان الحجر الكريم المقطوع بشكلٍ دائري هديةً قديمة مِن والدي، جلبها مِن منجم الأحجار الكريمة الذي تملكه عائلتنا.
“هَكذا سيكون رائعًا. تبدين غايةً في الأناقة!”
أومأت كايا برضا واضح.
“شكرًا لكِ. إذن سأذهب الآن.”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 11"