الفصل 10 : لماذا يجبُ أنْ تُصبح أمبراطورًا
“يا صاحب السمو الدوق، الآنسة هيسيتيا قد وصلت!”
صوتٌ مرتفع كاد يزلزل القصر كلّه جعل جميع الفرسان، وليس الدوق كايلوس وحده، يوجهون أنظارهم نحوي.
وحالما تعرف عليّ الفرسان، انحنوا جميعًا مؤدين التحية.
“لَمْ أسمع أنكِ ستزورين اليوم.”
قال ذَلك وهو يدفعُ خصلات شعره المبتلة بالعرق إلى الخلف واقترب مني.
عندها فقط أدركت أنني حتى لَمْ أقم بأبسط إجراءٍ وهو إبلاغه مُسبقًا بزيارتي. كنتُ متعجلةً للحصول على إجابةٍ مؤكدة، فاندفعتُ إلى هُنا دوّن تفكير.
“كما في المرة الأولى، يبدو أنْ اقتحام المكان دوّن سابق إنذار هو إحدى هواياتكِ.”
قالها وهو يضعُ السيف الخشبي الذي كان بيدهِ جانبًا.
“لو كنتِ قد أعلمتني مُسبقًا، لما استقبلتكِ بهَذا الشكل.”
“أعتذر، لقد أسأتُ التصرف. كنتُ مستعجلةً لأن لدي أمرًا أودّ الحديث به مع سموك…”
“لا تقولي إنْ الأمر يتعلق بفسخ الخطوبة؟”
“عفوًا؟”
انفجر ضاحكًا عندما رأى رد فعلي.
‘آه، إنه يسخرُ مني.’
هدأ قلبي الذي كان قد انتفض للحظة.
في كل مرةٍ أرى فيها هَذا الجانب منه، أفاجأ بمدى اختلافهِ عن الصورة التي كنتُ أحتفظ بها له في ذهني.
فهو الآن يبدو مُختلفًا تمامًا عن ذَلك الرجل الذي رأيتُه ذات مرة في الحفلة الراقصة بالقصر الإمبراطوري.
كما أذكر، كان دائمًا واقفًا بمفردهِ في القاعة المركزية الفخمة داخل القصر.
لَمْ يكُن هُناك أحدٌ يقترب مِن الدوق المنبوذ، ابنٌ غير شرعي لَمْ ينل اعتراف الإمبراطور، وكان هو أيضًا يتعامل مع الجميع ببرودٍ تام.
حينها، وأنا أراه واقفًا وحده، دوّن أنْ يُظهر أيَّ مشاعر، ظننتُ أنه رجلٌ حتى لو طُعن، فلَن يخرج مِن جسده قطرة دمٍ واحدة.
هل كان دائمًا هَكذا؟ أم أنْ شخصيته تغيّرت مع عودتي إلى الحياة؟ كلما تعرفتُ عليه أكثر، بدا لي أكثر غموضًا.
“على أيِّ حال، جيد أنكِ جئتِ. لدي أيضًا سؤالٌ أودّ أنْ أطرحهُ عليكِ.”
رفع يده عاليًا، وعلى الفور، غادر الفرسان وكرونو المكان، ولَمْ يبقَ في الحديقة سوانا.
“أودّ أنْ أعرف معنى السيف الذي أعطيتني إياه البارحة.”
“معنى السيف؟”
“نعم. قلتِ إنني أستحقُ الحصول عليه. ماذا كنتِ تعنين بذَلك؟”
مرّت في رأسي على الفور محادثتي مع والدي.
‘هل قال إنهُ يريد أنْ يصبح إمبراطورًا؟’
لا، هَذا مستحيل. كان ذَلك التفكير المشؤوم يتردد داخلي مع صدى صوت والدي.
غصة.
كان صوت بلع ريقي مُرتفعًا بشكلٍ غير طبيعي. أمسكتُ بأطراف أصابعي المرتجفة دوّن وعيّ، وحاولت أنْ أهدئ نفسي.
“كنتُ أعني حرفيًا ما قلت. صاحب السمو الدوق يستحقُ ذَلك السيف.”
“أستحقُه؟”
“نعم. لأنكَ تستحق أنْ تُصبح إمبراطورًا.”
“……”
“صاحب السمو؟”
لَمْ ينبس بكلمة. جلس هُناك فقط، يُحدق بي بصمت.
وسرعان ما بدأ القلق يغمرني أكثر.
‘لماذا لا يُجيب؟ لماذا لا يقول شيئًا؟’
وبعد صمتٍ طويل بدا وكأنه بلا نهاية، فتح فمهُ أخيرًا.
ولكن الإجابة التي سمعتُها بأذني كانت صادمةً إلى درجة أنني لَمْ أصدقها.
“لا حاجة لي بتلكَ الأحقية.”
تجمدتُ للحظة، غير قادرةٍ على استيعاب ما سمعتُه، وخرجت الكلمات مِن فمي دوّن تفكير:
“هل أنتَ بكامل وعيّكَ؟”
ارتجفت حاجباه قليلًا.
“لا، أعني… ما قصدكَ بقولكَ إنكَ لا تحتاج إلى حق أنْ تُصبح إمبراطورًا؟ لَمْ أفهم حقًا…”
“كما قلتُ تمامًا. لا أنوي أنْ أصبح إمبراطورًا. لا الآن، ولا في المستقبل، ولا إلى الأبد.”
“ولكن… لماذا؟”
“لأنني لَمْ أفكر يومًا أنني أرغبُ في اعتلاء ذَلك العرش.”
“لكن، صاحب السمو الدوق، أنتَ الأول في ترتيب الوراثة. أنتَ الأوفر حظًا…”
“وما السبب الذي يجعلني مُضطرًا لأن أصبح إمبراطورًا؟”
“عفوًا؟”
“أسألُكِ، يا إلينيا، ما السبب الذي يوجب عليّ أنْ أصبح إمبراطورًا.”
آه، ها نحنُ مجددًا. كما في المرة السابقة، هو يسأل، وأنا أبحث عن إجابةٍ على سؤاله.
‘ما كان السبب الذي يجعل مِن الضروري أنْ يصبح إمبراطورًا؟’
لَمْ أفكر في ذًلك مطلقًا. كان كل ما في الأمر أنْ شخصًا آخر يجبُ أنْ يعتلي العرش لإيقاف تيسيوس، وأنتَ كنت الأنسب ضمن السيناريو الذي وضعتُه.
لكن العرش الإمبراطوري مكان جليل. اعتقدتُ أنْ الجميع يتمنون اعتلاءه، وبالطبع أنتَ أيضًا.
غير أنْ…
‘ليس كذَلك؟’
بدأت أفكاري تتشابك، وكأنَّ الضباب اجتاح عقلي.
الآن، ماذا يجبُ أنْ أجيب؟
***
طوال حياتي، كنتُ أؤمن أنْ كل ما أفكر بهِ هو أمرٌ بديهي. لَمْ أعرف يومًا الحرمان مِن شيءٍ أردته، ولَمْ أفشل في تحقيق هدفٍ رغبتُ به.
لَمْ أشكك يومًا في رغبتي، ولَمْ أحاول حتى أنْ أفعل.
كنتُ غافلة. غافلةً عن عجرفتي، وعن كايلوس.
‘ماذا كنتُ أعرف عنه حقًا؟ ابنٌ غير شرعي للإمبراطور، ذو شعرٍ أسود وعينين بلون الزمرد، يسري في عروقهِ دمٌ نبيل لكنه لَمْ يُعترف به كفردٍ مِن العائلة الإمبراطورية. وأيضًا…’
عندها فقط أدركتُ مدى غبائي.
أنا لا أعرف شيئًا. لا أعرف ماذا يدور في ذهن هَذا الرجل الواقف أمامي، ولا كيف عاش، ولا ماذا يُحب أو يكره.
كنتُ أجهل كل شيءٍ عنه.
‘ورغم ذَلك، تجرأتُ على الادعاء أنني سأجعله إمبراطورًا.’
بأيِّ حقٍ كنتُ واثقة إلى هَذهِ الدرجة؟ على أيِّ أساس ظننتُ أنْ أفكاري وأفكاره تتطابق؟
ومِن بيننا، التقت عيناي بعينيه الخضراوين. هُناك، في أعماق نظرته، رأيتُ هوّة لَمْ ألحظها مِن قبل.
وفي تلكَ اللحظة، أمام هَذا العمق الخفي الذي لَمْ أعرفه، شعرتُ بعجزٍ لا مفر منه، وكأنني سقطتُ في حفرةٍ لا سبيل للخروج منها.
“إلينيا.”
“……”
ناداني وكأنهُ يحثّني على الردّ.
لكن الكلمات علقت في حلقي. وكل ما استطعتُ سماعه هو طنينٌ خافت، كصوت سربٍ مِن النحل داخل رأسي.
‘لو كان عليّ الآن أنْ أذكر لكً سببًا لتُصبح إمبراطورًا، فلَن أستطيع… ولكن…’
وفجأةً خطرت لي فكرة، فرفعتُ رأسي بسرعة.
“ماذا لو صنعتُ لكَ سببًا يجعلك ترغبُ بذَلك؟”
بدل الرد، نهض مِن مكانهِ بهدوء واتجه صوب الحديقة.
كان عبير الزهور التي ملأت حديقته يحمله النسيم حتى وصل إلى مكاني.
“سمعتُ أنْ زهرةً كهَذهِ كانت تُزهر دومًا في مسقط رأس والدتي، طوال فصول السنة.”
‘لماذا يتحدثُ عن والدته فجأة؟’
لَمْ أتمكن مِن تخمين قصده أو وجهة حديثه.
“أما في القصر الإمبراطوري، فلَمْ تتمكن والدتي مِن رؤية هَذهِ الزهور سوى خلال فصلٍ واحد، لبضعة أيام فقط. فوالدي، أيِّ الإمبراطور، لًمْ يمنحها شيئًا. حتى حديقةً صغيرة تزرع فيها بعض الأزهار، لًمْ يسمح لها بها.”
“……”
توقف للحظة، ثم أكمل:
“أليس هَذا مثيرًا للسخرية؟ أنْ يكون إمبراطور أمةٍ كاملة، ولا يستطيعُ حتى أنْ يرعى المرأة التي أحبها.”
لَمْ أستطع رؤية ملامح وجهه لأن ظهره كان مواجهًا لي، لكن صوته المُنخفض الممتلئ بالغضب المكبوت وصلني بوضوح.
“كانت والدتي دائمًا تقول إنها بخير. كانت تقول إنْ الرجل الجالس على ذَلك العرش لا يُمكنه أنْ يضيع وقته على امرأةٍ واحدة، وإنها راضيةٌ بما لديها الآن.”
توقف لبرهة، ثم استدار ناحيتي.
“وهَكذا ماتت والدتي. في قصرٍ صغير لا تصله أشعة الشمس، وهي تشتاقُ لشخصٍ لَمْ يأتِ قط.”
رأيت عند طرف ابتسامتهِ الساخرة مرارةً واضحة.
شعرتُ وكأنَّ شوكةً علقت في حلقي، فلَمْ أستطع النطق بحرفٍ واحد.
لَمْ أكُن أعرف عن والدته سوى بعض الشائعات المنتشرة. قيل إنها راقصةٌ عملت في القصر، وأنها حملت بكايلوس بعد ليلةٍ واحدة مع الإمبراطور عقب إحدى الولائم.
لكنني الآن أستطيع أنْ أتصور سبب موتها بتلكَ الطريقة البائسة.
لا شك أنْ للإمبراطورة يدًا كبرى في ذَلك.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 10"