“يا لها من مصادفة عجيبة ، أن يظهر فجأة كتاب قديم لم يُعثر عليه من قبل ، والشخص الوحيد القادر على قراءته هو الأمير الثاني؟”
ابتسمت الدوقة بخفة ..
“هل يمكن أن يكون ذلك بركة من الحاكم؟! ..”
وسرعان ما أدرك النبلاء أن كلماتها لم تكن مجرد ثناء على قدرات الأمير الثاني ، بل كانت إشارة إلى الشك في هذه الأحداث المتوالية ..
ابتسم كيم تاي هيون بسخرية ، وكأنه كان يتوقع هذا النوع من الشكوك ..
“إذن ، ما رأي الدوقة في الأمر؟”
ردت عليه الدوقة بيتزيل ، وهي تنشر مروحتها بحركة رشيقة:
“أعتقد أنه من الأفضل أن نترك جميع الاحتمالات مفتوحة ، لا ضرر في ذلك …”
كانت هذه إشارة واضحة على أنها لا تنوي الاستمرار في هذا النقاش ..
عندها ، تقدم كيم تاي هيون خطوة إلى الأمام وقال بثقة:
“حسنًا ، سأقرأ هذا الكتاب القديم الذي تم اكتشافه حديثًا بنفسي …”
رفع الكتاب وبدأ يقرأ بصوت ثابت:
“عندما يعمّ الفساد ، سيحين موعد دمار العالم ، والخلاص لن يكون إلا لمن يمتلك جوهر الشمس …”
ساد صمت مشوب بالذهول ، ثم تبعه همهمات مندهشة بين الحاضرين ..
كان الأمر وكأن النص يعكس الوضع الراهن تمامًا ..
“جوهر الشمس ..”
عادةً ما كان هذا المصطلح يشير إلى إمبراطور إمبراطورية “إلفيوس”، مما يعني أنه يخص أحد أفراد السلالة الحاكمة ..
اتجهت أنظار الجميع نحو كيم تاي هيون ..
ففي تاريخ الإمبراطورية ، كان جوهر الإمبراطور يتمثل في “الحكمة”، وهو ما بدا أنه أثبته في هذه اللحظة بقدرته على قراءة الكتاب ..
‘هاها، البشر سهلون للغاية.’
بذل كيم تاي هيون جهده لإخفاء ابتسامته المتشفية ، فقد كان سعيدًا برؤية النبلاء ينخدعون بسهولة ..
لكن، على عكس البقية ، لم يكن وجه الإمبراطورة مبتهجًا ، كانت تراقب الإمبراطور بحذر ، وكأنها تحاول قراءة أفكاره ..
“لا يمكننا اعتبار هذا دليلًا كافيًا على امتلاك جوهر الشمس…!”
“إذا كان بإمكانه قراءة اللغة القديمة ، فما الذي نحتاج إليه أكثر من ذلك؟”
تصاعد الجدل بين أنصار ولي العهد وأنصار الأمير الثاني ..
عندها ، قطع راينهارت النقاش بصوت هادئ:
“انتظروا لحظة ..”
التفتت إليه الأنظار ، فأردف:
“هناك شخص آخر يمكنه قراءة الكتاب القديم ..”
“ماذا؟ هل يمكن لسمو ولي العهد أن يقرأه أيضًا؟”
أضاءت وجوه النبلاء الداعمين له بالأمل ، لكنه هز رأسه نافيًا:
“لا، لا يمكنني قراءته …”
فخيّم الصمت المخيب على أنصاره ..
“إذن… من يستطيع قراءته؟”
تحركت عيناه ببطء نحو شخص معين ، وعندما أدرك الحاضرون من كان يقصد ، اتسعت أعينهم بصدمة ..
“السيدة إيرين ليكاون؟”
في تلك اللحظة ، تذكرت إيرين ما حدث في الليلة الماضية ..
“سأعلّمك اللغة القديمة ، سموك …”
كانت قد اقترحت على راينهارت أن يتعلمها ، لأن ذلك سيجعل الموقف أكثر ميلًا لصالحه ..
لكن ما أدهشها هو مدى سرعة تعلمه ..
لم يستغرق الأمر منه حتى ساعتين لإتقان اللغة القديمة بالكامل ..
ورغم ذلك ، عندما فكرت في الأمر مرة أخرى ، أدركت أنها لا تريد أن يكون هو من يواجه كيم تاي هيون …
بل أرادت أن تطيح به بنفسها ..
وعندما طلبت ذلك ، لم يطرح راينهارت أي أسئلة ، بل وافق مباشرة ..
“بهذه الطريقة ، لن تتمكن الإمبراطورة من المساس بكِ بسهولة.”
قال ذلك بنبرة غامضة ..
عندها ، سأل سيدريك ، والدها ، بنبرة باردة:
“هل تقول إن إيرين قادرة على قراءته؟”
نظر إلى راينهارت بعينين حادتين ، وكأنه يتساءل لماذا يُقحم ابنته في مثل
هذه الأمور ..
لكن راينهارت لم يظهر أي انزعاج وأكد ببساطة:
“نعم ، هذا صحيح ..”
مقارنةً بالضغط الذي شعر به أمام إيرين نفسها، لم يكن ضغط سيدريك شيئًا يُذكر …
لكن الإمبراطورة تدخلت وسألت بحذر:
“ما دليلكم على أن السيدة إيرين يمكنها قراءة الكتاب القديم؟”
عندها ، تقدمت إيرين بخطوات ثابتة ووقفت بجانب كيم تاي هيون ، ثم قالت بثبات:
“لأنني حامل للوصية الإلهية …”
اتسعت أعين الجميع من الدهشة ..
“وصية إلهية…؟”
كان معظم الحاضرين يجهلون معنى “حامل الوصية الإلهية”، فبدت على وجوههم علامات الحيرة ، لكن الدوقة بيتزيل ، وعلى غير المتوقع ، تكلّمت بوجه هادئ …
“إذن ، لقد وقع عليكِ اختيار الحاكم …”
“هل يعني هذا أنكِ تلقيت وحيًا إلهيًا؟”
أومأت إيرين برأسها تأكيدًا ..
حدّق كيم تاي هيون بها بعينين مضطربتين ، فقد كان هذا تطورًا لم يكن في حسبانه ..
“وكيف تثبتين أنكِ حقًا تحملين الوصية الإلهية؟”
سارع كيم تاي هيون بالتشكيك ، لكن إيرين ردّت ببرود:
“قداسة البابا ألين كريستيان سيؤكد ذلك …”
لم يستطع كيم تاي هيون الرد ، فكيف يمكنه دحض شهادة رأس الكنيسة نفسه؟
أخذت إيرين الكتاب القديم الذي أحضرته من مكتبة القصر وبدأت تقرأ من الجزء الأخير:
“…الحياة السعيدة هي التفكير في المستقبل …”
كلما تابعت القراءة ، تغيّرت تعابير الحاضرين ، فقد كانت وجوه النبلاء ممتلئة بالرهبة ، بينما كان وجه كيم تاي هيون يعكس الخيبة ..
تابعت قراءة السطر الأخير من الكتاب:
“نحن من يصنع مصيرنا ..”
ثم أغلقت الكتاب وتحدثت بوجه خالٍ من التعبيرات:
“والآن ، سأقرأ الكتاب القديم الذي تم اكتشافه حديثًا …”
“انتظري!”
قاطعها كيم تاي هيون على عجل ، فالتفتت إليه الأنظار بريبة ..
“لـ… لحظة فقط…!”
حاول يائسًا منعها ، لكنه لم يستطع إيقافها ، تحرّكت إيرين بمهارة متجنّبة يده ، وقرأت بنبرة هادئة:
“راينهارت ، أيها الكلب المشؤوم ، أتمنى أن تسقط ميتًا …”
شحب وجه كيم تاي هيون فورًا …
“مـ… ماذا؟! هل هذا صحيح؟!”
“كيف يمكن لكتاب قديم أن يحتوي على مثل هذه العبارات؟!”
صدرت تأوهات الدهشة من الحضور ، بينما أضافت الدوقة بيتزيل بصوت هادئ لكن نافذ:
“من الواضح أن من يتقن اللغة القديمة يمكنه أيضًا تأليف كتاب مزيف بها …”
بدأ النبلاء يتهامسون فيما بينهم ، وفهم كيم تاي هيون أنه بات محاصرًا ، فصرخ بانفعال:
“هذا ليس صحيحًا! إنها تكذب فقط لتشويه سمعتي!”
ردّت عليه إيرين بنبرة ثابتة ، دون أن يطرأ أي تغيير على ملامحها:
“أنا لا أكذب …”
لم يكن هناك أي أثر للتردد في صوتها ، مما جعل الجميع يدركون من الذي يقول الحقيقة …
عندها ، نهضت الإمبراطورة من مكانها غاضبة:
“لويد! لقد خيبت أملي ، ابقَ في العزل لبعض الوقت!”
“أمّاه…!”
بدت على كيم تاي هيون ملامح صدمة ومرارة ، لكنه لم يستطع المجادلة أكثر ..
التفتت الإمبراطورة نحو الإمبراطور وانحنت بخضوع:
“مولاي ، أقدم اعتذاري نيابة عنه ، كان هذا تقصيرًا مني في تربيته …”
أطلق الإمبراطور تنهيدة ثقيلة ، ولم ينطق بكلمة ..
عندها ، تحدث راينهارت بهدوء ، لكن بصوت يحمل نبرة قاطعة:
“إنكم تحاولون التغطية على جوهر المسألة ..”
ثبت نظره الحادّ على الإمبراطورة ، واستطرد:
“ما حدث لا يمكن تسويته بمجرد عزله ، يجب التعامل مع الأمر بصرامة …”
ابتسمت الإمبراطورة بسخرية خفيفة ، لكنها ردّت بنبرة سلسة:
“أي مبالغة هذه يا ولي العهد؟ لم يكن هناك أي نية للإضرار بأحد ، فكيف يكون هذا مكيدة؟”
لكن راينهارت لم يتراجع:
“عندما تكون النية واضحة بهذا الشكل ، ماذا يمكننا أن نسميها إذن إن لم تكن مكيدة؟”
بدأت ابتسامة الإمبراطورة تتلاشى تدريجيًا.
“وما الذي تقصده بوضوح النية؟”
لكن قبل أن يستمر الجدال أكثر ، رفع الإمبراطور يده ، ليوقف النقاش ..
بدا شاحبًا أكثر مما كان عليه عند دخوله القاعة …
“لويد ..”
“…نعم ، مولاي ..”
مسح كيم تاي هيون العرق البارد عن جبينه ، فقد كان يدرك تمامًا أنه بات في موقف لا يحسد عليه ..
“اخبرني الحقيقة …”
ارتجف صوته وهو يردّ:
“أنا لا أعلم شيئًا عن هذا الأمر! أقسم بذلك!”
اختار الإنكار حتى النهاية ..
أما الإمبراطورة ، فقد رمقته بنظرة احتقار ، وكأنها كانت تلومه على غبائه ..
‘يا لهذا الأحمق!’
لقد كان الأجدر به أن يعترف بذنبه الآن ، فهذا كان السبيل الوحيد للخروج بأقل الخسائر ..
ظنت أنها عثرت على روحٍ ذات قيمة ، لكنها اكتشفت أنها راهنت على الشخص الخطأ ..
حدّقت الإمبراطورة بكيم تاي هيون بنظرة احتقار ، وكأنها كانت تراه يفسد كل شيء في اللحظة الأخيرة ، ثم تحوّل بصرها إلى شخص آخر ..
‘إيرين ليكاون ..’
كانت عيناها الحمراوان ، الثابتتان كقرني وحيد القرن ، تتجهان مباشرة نحوها ..
كان في نظراتها حضور طاغٍ ، يجعل أي شخص يتراجع عند مواجهتها …
‘إذن… هي السبب …’
المحور الذي تدور حوله كل هذه الفوضى ..
كانت إيرين ليكاون من يقلب مسار الأمور ، بل وحتى ولي العهد راينهارت نفسه كان يحميها ..
‘حاملة الوصية الإلهية ..’
بعد أن تم الكشف عن هذا اللقب ، لم يكن أمام العائلة الإمبراطورية خيار سوى حمايتها علنًا ..
لم تستطع الإمبراطورة صرف نظرها عنها …
أما راينهارت ، فكان يراقب الموقف بصمت .
‘على الأقل ، لن يستطيعوا المساس بها الآن ..’
بعد أن تم إعلانها كحاملة للوصية ، أصبح للعائلة الإمبراطورية مبرر واضح لحمايتها ..
لم يكن ذلك مدفوعًا بمشاعره الشخصية ، بل لأنه لم يكن يريد أن تُمسّ كرامتها كفارسة باسمه بسبب أي إشاعات تربطها به ..
‘لكن ، إن استمرت الهجمات ضدها…’
حينها ، يمكنه التأكد تمامًا من ارتباط الإمبراطورة بسحرة الظلام ..
خفت بريق عينيه وهو يتأمل هذا الاحتمال …
‘الجرأة على المساس بحاملة الوصية الإلهية لا يكون إلا بدافع نية خبيثة تهدف إلى تدمير العالم نفسه …’
عندها ، نطق راينهارت بصوت بارد:
“هل تعتقدين ، يا صاحبة الجلالة ، أن إجبار أحدهم على العزلة هو العقاب المناسب لشخص حاول اغتصاب السلطة؟ تخيلي للحظة أنه ليس ابنكِ ، وأخبرينا برأيكِ بكل حيادية …”
كان في كلماته انتقاد واضح ، ليس فقط لكيم تاي هيون ، بل حتى للإمبراطورة نفسها التي كانت تدافع عنه …
ارتعشت شفتاها للحظة ، لكنها سرعان ما تمالكت نفسها وتحدثت بوجه هادئ …
ترجمة ، فتافيت …
التعليقات لهذا الفصل " 88"