بدأ النبلاء يتهامسون بقلق ، كان الدخول إلى قاعة الحفل بعد الإمبراطور غاية في الوقاحة ..
لكن أن يكون المتأخر هو هاكان ، ملك مملكة ساكار؟!
امتلك هاكان بشرة برونزية ، مع شعر أسود قاتم وعينين حمراوين ، وهي السمات المميزة لمملكة ساكار ..
رغم أنه كان في الأربعينيات من عمره ، إلا أن جسده القوي المتناسق كان يشع هيبة متغطرسة ومليئة بطاقة وحشية لا يمكن ترويضها ..
كانت عيناه مائلة قليلًا للأعلى ، تضيقان بحدة مقلقة ، مما جعل النبلاء يشعرون بالرهبة الغريزية ويشيحون بأنظارهم عنه ..
“هاها! مضى وقت طويل ، جلالة الإمبراطور إلفيوس!”
ضحك هاكان بحرارة وهو يسير نحو الإمبراطور ، لم يكن يبدو عليه أدنى شعور بالاعتذار رغم تأخره ، وكأن هذا التصرف طبيعي تمامًا ..
أما الإمبراطور ، الذي اعتاد على وقاحته ، فقد رد عليه برباطة جأش:
“هل كنت بخير ، هاكان؟”
“أنا؟ كنت أقضي أيامي بانتعاش كامل ..”
أطلق هاكان ابتسامة مشرقة ، فشاهدته النبيلات مأخوذات بجاذبيته الواثقة ..
إيرين أيضًا راقبته بصمت ..
‘سمعته تقول إنه زير نساء شهير ..’
بعد بضع كلمات تبادلها مع الإمبراطور ، أنهى هاكان الحديث بلا اكتراث ، ثم سار مباشرة نحو دوق ليكاون ، وكأنه كان ينتظر هذه الفرصة تحديدًا ..
“كيف حالك ، أيها الدوق؟”
“…بخير ..”
رد سيدريك بوجه متيبس ، ولم يخفِ توتره ..
ابتسم هاكان بسخرية خفيفة ، ثم سأل:
“هل الأطفال بخير؟”
“نعم ، لحسن الحظ ..”
رد سيدريك بإجابة مقتضبة ، ثم استدار فجأة وغادر المكان دون أي نية لمواصلة الحديث ..
كان تصرفه حاسمًا ، وكأنه لم يكن يرغب أبدًا في تبادل حتى بضع كلمات مع هاكان ..
كان هذا التصرف قد يُفسر على أنه قلة احترام ، مما جعل النبلاء من حولهم يبتلعون أنفاسهم بقلق …
ثم راحوا يراقبون هاكان بحذر ، وكأنهم ينتظرون رد فعله ..
كان معروفًا عنه أنه يخفي قسوة متطرفة خلف قناعه المرح ..
رغم عدم وجود وريث رسمي له حتى الآن ، لم يجرؤ أحد من مستشاريه على الضغط عليه ، لأنه ببساطة… أي شخص تجرأ على التطرق لموضوع الوريث ، فقد لسانه إلى الأبد ..
‘هل يمكن أن نشهد حمام دم هنا؟! ..’
ابتلع النبلاء ريقهم بتوتر ..
لكن على عكس التوقعات ، لم يقل هاكان شيئًا.
اكتفى برفع كأسه وشرب بصمت ، بوجه خالٍ من أي تعبير ..
‘…لماذا يفعل ذلك؟ ..’
حتى إيرين ، التي كانت تراقب المشهد ، لم تستطع إخفاء دهشتها ..
لقد عاشت حياتها بجانب والدها سيدريك لسنوات طويلة ، مما جعلها تدرك تمامًا أن هناك شيئًا ما قد حدث بينهما ..
‘ما الذي جرى بينهما ليكونا بهذا العداء؟ ..’
التفتت لترى والدها يغادر القاعة ، لكنه كان يحدق بها مباشرة ، وعيناه تحملان نظرة حازمة ، كأنه اتخذ قرارًا مصيريًا ..
‘ما الأمر؟ ..’
زاد استغراب إيرين وهي تحدق في ملامح والدها الجادة والمشحونة بالعزم ..
راودتها رغبة قوية في الاقتراب منه وسؤاله عمّا يحدث ، لكنها قاومت ذلك الشعور ..
‘…لا تنسي واجبكِ ..’
حاولت أن تركز على واجبها في الحراسة ، لكنها وجدت الأمر أصعب من المعتاد ..
كانت هذه الأمسية مرهقة للغاية ..
أفكار كثيرة شتتت انتباهها ، ولم تستطع التخلص من شعور القلق المتزايد ..
وفي خضم هذه الاضطرابات ، اقترب منها شخص غير متوقع—هاكان ..
“هل أنتِ ابنة سيدريك؟”
“…نعم ، أدعى إيرين ليكاون …”
انحنت له إيرين بأدب ، رغم شعورها بالريبة من اقترابه المفاجئ ..
“حتى صوتكِ يشبهها.”
“من تقصد…؟”
“نيوب ليكاون ، هل تعرفينها؟”
تجمدت إيرين للحظة ..
نيوب ريكايون… كانت والدتها الحقيقية ..
“…نعم ، أعرفها.”
“من هي والدتكِ؟”
تألقت عينا هاكان بحدة وهو يطرح السؤال بلا أي تمهيد ..
لم تكن إيرين تتوقع أن يسأل عن أصلها بهذا الشكل المباشر ..
شعرت على الفور أنه لا ينبغي أن تخبره بالحقيقة ..
حتى النبلاء المرافقون له بدوا مذهولين من صبره وهو ينتظر إجابتها ، فقد كان من غير المعتاد أن يظهر هاكان هذا القدر من التحمل ..
“…لا أعرف.”
“هل كانت من مملكة ساكار؟”
“هذا أيضًا ، لا أعرف ..”
كانت أسئلته مثيرة للشكوك ، وكأنه كان يبحث عن إجابة محددة ..
عندها ، تدخل سيدريك فجأة بصرامة ..
“ما الذي تريده من ابنتي ، جلالتك؟”
تألقت عيناه الزرقاوان ببرود مرعب ..
“آه ، مجرد فضول …”
“هل الفضول في مملكة ساكار يعني التدخل في شؤون العائلات الخاصة؟”
كان صوت دوق ليكاون حادًا لدرجة أن الجميع في القاعة حَبس أنفاسه ..
ابتسم هاكان ساخرًا ، وكأن كلام سيدريك يثير سخريته ..
شعرت إيرين بالغضب يغلي بداخلها ، لم تكن تحب هذا الرجل ..
“يبدو أنك تخفي شيئًا ، أيها الدوق ، هل أخطأت في شكوكي؟”
“نعم ، لقد أخطأت …”
أجابه سيدريك ببرود لا يتزعزع ، وواجهه بنظرة لا تحمل أي تردد ..
أحس النبلاء المحيطون بهم أن الجو أصبح مشحونًا بالخطر ، وبدأوا ينسحبون من المكان ببطء ..
“هممم ، حسنًا إذن ..”
رفع هاكان كتفيه بلا اكتراث ، ثم استدار مبتعدًا ..
لكنه عندما مر بجوار سيدريك ، همس بكلمات منخفضة:
“كنت أتساءل… هل يمكن أن تكون ابنتي؟”
تصلّب وجه سيدريك فجأة ..
لكن هاكان لم يلاحظ ذلك ، وابتعد بهدوء ..
بدأت إيرين تشعر أن هناك خطأً فادحًا يحدث هنا ..
‘هل يمكن أن يكون هاكان… والدي؟ ..’
تسارعت دقات قلبها بقلق ..
ردة فعل والدها كانت غريبة جدًا… وكأنه أُصيب في صميم الحقيقة ..
عندما بلغت الحفلة ذروتها ، وساد جو من الشرود بسبب تأثير الخمر..
اقترب راينهارت من إيرين بوجه هادئ تمامًا ..
“السيدة إيرين ، يمكنكِ التوقف عن الحراسة لهذا اليوم ، انتظري في غرفة الاستراحة حتى أستدعيكِ …”
حدّق الفارس آرثر ، الذي كان بجانبها ، إلى راينهارت بملامح مستغربة ، متسائلًا لماذا طلب من إيرين وحدها المغادرة ..
“…عفواً؟ آه… فهمت.”
رغم ارتباكها ، أومأت إيرين برأسها موافقة ..
لقد كانت بحاجة إلى بعض الوقت وحدها على أي حال ..
عند وصولها إلى غرفة الاستراحة ، اقتربت من النافذة وفتحت القضبان الحديدية للسماح للهواء بالدخول …
نسيم الليل البارد لامس وجنتيها بلطف ..
“هاكان…”
رجل ذو حضور خطير للغاية ..
كان حاكم مملكة ساكار بلا منازع ، بل إن الدول المجاورة كانت تتحاشى الصراع معه بسبب طبيعته الحربية ..
‘إذا كنت حقًا ابنته…’
لم يكن له وريث شرعي ..
وهذا يعني أن والدها قد ارتكب جريمة إخفاء وريثة العرش ..
ربما لهذا السبب كان والدها دائمًا حريصًا على إبقائها بعيدة عن الأضواء ..
‘لا يمكن… هل يُعقل ذلك؟ ..’
تذكرت فجأة ذلك اليوم ، قبل بضع سنوات ، عندما كانت برفقة والدها في طريق العودة بعد الاستيلاء على رافيدور ..
آنذاك ، اقترب أحد قادة جيش ساكار من والدها وسأله:
“هل تم تأمينه جيدًا؟”
فأجابه والدها ببرود:
“هل يهم ذلك؟”
“…إنه يفتقده بشدة.”
كان جنود ساكار يسألون عن شخص ميت ..
واليوم ، باتت تدرك من كان ذلك الشخص —والدتها ، نيوب ليكاون ..
وإذا كان الشخص الذي يفتقدها بشدة هو هاكان…
“كل شيء منطقي الآن …”
شعرت بضيق في صدرها ، رغم الهواء البارد المتسلل عبر النافذة ..
بعد لحظات ، دخل والدها سيدريك إلى الغرفة.
“أبي…”
نطقت إيرين مباشرة ، دون تردد:
“هل أنا حقًا ابنة هاكان؟”
تمنت أن ينكر ذلك ، تمنت أن تكون مخطئة…
لكن سيدريك بقي صامتًا لبرهة ..
كان نظره مضطربًا ، ثم أخيرًا فتح شفتيه وتحدث بصوت مرتجف:
“…نعم.”
سقطت كلماته الثقيلة داخل قلبها مباشرة ، وكأنها حجر ضخم يغرق في الماء ..
شعرت وكأن قلبها سقط معها ، ويداها بدأتا ترتجفان بلا سيطرة ..
ترجمة ، فتافيت ….
التعليقات لهذا الفصل " 76"