بعد بضعة أيام ، سمعت إيرين شائعة تنتشر في قصر الدوق ، مما أصابها بالدهشة ..
حدث أمر غير مسبوق في تاريخ العائلة ..
‘هل صحيح أن الدوق ليكاون قرر الوقوف بالكامل إلى جانب راينهارت؟ ..’
كانت على علم بأن الحديث الذي دار في الحفل أدى إلى توتر العلاقة بين الدوق والإمبراطورة ..
لكن إرسال الدوق رسالة رسمية يعلن فيها دعمه لراينهارت كان أمرًا لم يحدث من قبل في تاريخ العائلة ..
ما إن دخلت إيرين إلى مكتب الدوق حتى بادرت بالكلام:
“هل كان قرارك بالوقوف إلى جانب الأمير الأول بسبب ما حدث معي في الحفل؟”
نظر إليها الدوق ليكاون ، سيدريك ليكاون ، بصمت لفترة قصيرة بسبب السؤال المفاجئ قبل أن يفتح شفتيه ببطء ويتحدث ..
“ليس الأمر كذلك ..”
أدركت إيرين حينها حقيقة الأمر ، سيدريك ليكاون…
لم يكن بارعًا في الكذب على الإطلاق ..
‘حقًا ، كذبه يبدو واضحًا جدًا ..’
كانت نظراته المرتبكة ، وطريقة تحديقه التي لا يعرف إلى أين يوجهها ، وصوته المتوتر والغير طبيعي ، كلها دلالات واضحة ..
كانت كذبه جلية كما لو أنها تنظر إلى نفسها وهي تكذب ..
“فهمت ، إذن…”
لم تحاول إيرين أن تفضح كذبه وتجاوزت الأمر بهدوء …
مد الدوق رسالة لها دون أن يظهر أي تغيير في ملامحه ، وكأنه لا يدرك أنه انكشف ..
كانت الورقة البيضاء مرسومة عليها شجرة ذهبية ، رمز الكنيسة ..
“هناك رسالة من البابا ، يطلب التحقق من حالتكِ بسرعة ويأمر بزيارتكِ لهم …”
في نفس الوقت ، تذكرت إيرين الفتى الذي نسيت أمره لوهلة ..
‘آلان كريستيان ..’
مرت كلمات كان قد قالها لها في الحفل بذاكرتها ..
“ولكن لماذا لم تأتِ إلى الكنيسة؟ كنا ننتظركِ ..”
“رجاءً ، تأكدي من المجيء ، لدي أمر شخصي أريد التحدث معكِ بشأنه …”
لابد أن ما يريد الحديث عنه كان أمرًا هامًا جعله يدعوها شخصيًا. .
هل ستسمع تلك القصة منه إذا قابلته هناك؟
“سنسافر الآن …”
“الآن؟”
بهذه السرعة؟
رغم نظرتها المليئة بالتساؤلات ، طلب الدوق ليكاون من مساعده لوجان تجهيز الأمور على الفور ..
لم يكن لديها وقت للدهشة من هذا الاستعداد السريع ..
في غمضة عين ، كان كل شيء جاهزًا ، ووجدت نفسها تُقاد إلى العربة دون أن
تدرك تمامًا ما يجري ..
—
أمام بوابة الكنيسة ..
لم تكن الكنيسة بعيدة عن أراضي ليكاون ، لذا وصلوا إليها قرب منتصف النهار ..
كان هناك فارس ، يبدو أنه من فرسان الهيكل ، يقف كحارس أمام البوابة الرئيسية ..
“هل أنتم من عائلة ليكاون؟”
“نعم ..”
بمجرد أن أجاب سائق عائلة ليكاون ، فُتِح الباب الضخم ليكشف عن القلعة البيضاء الناصعة …
كانت قلعة الكنيسة متناظرة بشكل مثالي ، تمتاز بجمال مقدس وهيبة لا تخفى …
“مرحبًا بكم ..”
تقدَّم عدد من الأشخاص يرتدون أثوابًا بيضاء لاستقبال دوق ليكاون وإيرين ..
وما إن دخلا القلعة حتى هرع ألان إليهما ..
“يا آنسة! لقد أتيتِ حقًا!”
كان شعره الأزرق الفاتح يرفرف تحت الضوء الأبيض ، وكأنه ملاك نزل من السماء ، ليبدو مشرقًا للغاية …
إلى جانبه كانت تقف سيرينا ، التي ابتسمت بحرارة لدى رؤية إيرين ..
“تبدين بصحة أفضل مما كنتِ عليه في المرة السابقة …”
“…هل يبدو ذلك حقًا؟”
كان في كلمات سيرينا تلميح واضح أثار ضيق دوق ليكاون ، وبدت ملامحه داكنة ..
“تفضلي باتباعي!”
تقدم ألان ليأخذ بيد إيرين تلقائيًا ، غير أن دوق ليكاون وقف أمامها ، حاجبًا إياها عنه ، مما دفع ألان لرفع رأسه والتحديق فيه بذهول بعد أن أُجبر على ترك يدها …
“إيرين ، سوف يصل قداسة البابا قريبًا.”
“آه! لكنه الآن يصلي وسيخرج بعد وقت طويل!”
قال ألان مبتسمًا بمرح ، وأعاد إمساك يد إيرين وسحبها برفق ..
شعرت إيرين بارتباك كبير بسبب سرعة الأحداث ، فالتفتت لتنظر خلفها ..
كان دوق ليكاون يراقب ألان بنظرة استياء وحيرة ..
لكن سيرينا تحدثت إليه فورًا وقالت:
“لقد وصل قداسة البابا.”
“…حسنًا، سأذهب الآن ..”
ابتسم الدوق بخفة ، إذ أدرك أن الفتى الجريء قد كذب حول قدوم البابا ..
أما إيرين ، التي لم يخطر ببالها هذا الأمر على الإطلاق ، فقد تُركت لتتبعه إلى غرفة الصلاة ..
داخل غرفة الصلاة ، نظرت إيرين إلى الفراغ الذي يملأ المكان وهي تشعر بالارتباك ، بدا لها أن هناك خطبًا ما ..
“ألم يكن قداسة البابا يصلي؟”
“بالطبع لا، هذا كذب!”
نظرت إليه إيرين بدهشة وتساؤل ، وكأنها تريد معرفة مغزى ما يجري ..
“لقد كنت دائمًا أرغب في التحدث معكِ على انفراد ، كم كنتُ أشعر بخيبة الأمل من الاجتماعات التي تجري في الأماكن
المزدحمة!”
هل كان الأمر يستدعي كل هذه الرغبة؟
ألقت عليه إيرين نظرة حائرة ، فابتسم وبدأ يتحدث ..
“إنها المرة الاولى أقابل شخصًا يعاني مثل
هذا النقص في روحه!”
“…حقًا؟”
لكن كلماته التي أعقب ذلك أصابتها بصدمة ..
“نعم ، نصف روحكِ مفقودة …”
شعرت بقشعريرة تسري في جسدها بالكامل ، هل روحها نصف مفقودة؟
“ألم تكن هذه مجرد إصابة؟”
“في الحقيقة ، حتى الملوثات لا يمكنها أن تسبب ضررًا للروح نفسها؛ كل ما يمكنها فعله هو السيطرة على العقل فقط …”
بمعنى آخر ، كان ألان يكذب أمام سيرينا والدوق حين تحدث عن وضعها ..
“ما الذي حدث لكِ تحديدًا؟ هذا النوع من الأمور لا يمكن أن يحدث إلا بتدخل إلهي!”
“هذا… أنا لا أعرف ..”
كانت لدى إيرين بعض التخمينات ، لكنها كذبت ..
“كيف يمكنني استعادة النصف الآخر؟”
“عادة ؤ إذا كان الأمر بإرادة إلهية ، فمن المحتمل أن هناك حكمة إلهية خلفه…”
ضغطت إيرين شفتيها لتتخذ شكل خط مستقيم ، ذكر الحاكم فجأة جعلها تشعر
بعبء ثقيل ..
“للتأكد من ذلك يعتمد على وحي إلهي ، لهذا السبب أحضرتكِ إلى غرفة الصلاة ، في مثل هذه الحالات ، تحتاجين إلى وحي لمعرفة الحقيقة بدقة …”
تقدم ألان بخطوات واثقة نحو التمثال في منتصف غرفة الصلاة ، ثم أشار إليها لتتبع خطواته ..
سارت إيرين ببطء خلفه حتى وقفت أمام التمثال ..
كان التمثال منحوتًا بدقة مذهلة وبراعة فائقة ، وأشعة الشمس التي اخترقت السقف جعلته يلمع بشكل ساطع ..
‘يُقال إن البابا يشبه وجه الحاكم …’
شعرت إيرين وكأنها تفهم مغزى تلك الشائعة ، إذ كان وجه التمثال يشبه ألان ، الذي اقترب ليهمس لها نصيحة ..
“لا تحتاجين إلى إظهار احترام أو إيمان عميق ، فقط توسلي ليظهر الوحي ، ففي بعض الأحيان يظهر الحظ ويتحقق ذلك …”
كانت نصيحته خالية تمامًا من الروحانية ، كما توقعت ..
ضم يديه وأغمض عينيه وكأنه يصلي ، ليحثها على تقليده ..
بدت حركته مفعمة بالتقوى والإخلاص لدرجة أنها ابتسمت قليلًا وتبعت خطاه ..
“…”.
كم من الوقت مضى وهما على هذه الحال؟
عندما بدأ جسدها يشعر بالملل ، غمرها إحساس غريب وكأن عقلها قد انفصل عن الواقع ..
جاء الصوت أخيرًا ..
كان صوتًا محايدًا يتردد داخل رأسها ، شعرت إيرين مباشرة أنه الوحي الذي كان ألان يتحدث عنه ..
“يا ابنتي ، احمي شجرة العالم من التلوث ..”
لماذا أنا بالتحديد؟ تساءلت إيرين في عقلها ، فهي لم تكن ترى نفسها كإنسانة تستحق مثل هذا التكليف العظيم …
“لقد فشل هو في مهمته …”
أدركت إيرين على الفور من هو المقصود بـ”هو”. كان الحديث عن كيم تاي هون ..
إذن المهمة هي منع تلوث شجرة العالم ..
كانت تعرف مسبقًا أن كيم تاي هون فشل في مهمته من خلال القصة الأصلية ..
وكانت تخطط لإسناد هذا الدور إلى راينهارت .
“أنتِ الشخص المناسب لهذه المهمة …”
أرادت إيرين أن تنكر كلماته ، لم تكن واثقة من نفسها ..
كيف يمكنها أن تنقذ هذا العالم؟ لقد دفعت ثمنًا باهظًا فقط لتسترجع الوقت ..
“إذا منعتِ التلوث ، ستصبحين كاملة ..”
بمعنى أن روحها التي فقدت نصفها ستستعاد إذا ما أوقفت التلوث ..
أنا لست واثقة من نفسي ، فكرت في داخلها ، لم تكن ترى نفسها كإنسانة قادرة على إنقاذ العالم ..
لكنه لا يزال خيارًا أفضل من كيم تاي هون ..
عاد وعيها ليصبح أكثر استقرارًا ، شعرت أن الاتصال بالوحي قد انقطع. .
فتحت عينيها وهي غارقة في شعور من الحيرة ..
بدأت تفهم لماذا لم يكن لدى ألان إيمان
عميق ..
ترجمة ، فتافيت …
التعليقات لهذا الفصل " 57"