في ظهيرة مشمسة ..
دخلت إيرين إلى المكتب بدلًا من ساحة التدريب بعد أن استدعيت من قبل الدوق ..
لم يمضِ وقت طويل حتى أطلق الدوق سؤاله ، ولم يستطع إخفاء ابتسامة خفيفة تعكس رضاه:
“لماذا رفضتِ رسالة التوصية؟ قد يكون هذا القرار الأفضل لكِ في بعض النواحي ..”
كانت إيرين تتوقع هذا السؤال ، فأجابت بسرعة:
“لأنني أردت تجربة خيار مختلف ..”
أرادت أن تتخذ خيارًا مختلفًا عن حياتها السابقة…
صحيح أن دخولها الفيلق في عمر الثانية عشرة كان بالفعل خيارًا مختلفًا عن حياتها الماضية ، لكنها أرادت هذه المرة أن تسلك طريقًا مختلفًا جذريًا ..
“خيار مختلف؟”
ردًا على سؤاله ، حولت إيرين الموضوع ببراعة قائلة:
“لقد أرسلت حجر ليفيودور إلى سمو ولي العهد …”
“…أعلم ذلك ..”
“إذن ، قد يُفسر الأمر على أنه بموافقة ضمنية منك …”
تألقت عينا الدوق بنظرة حادة فور سماع كلماتها ..
“كنتِ تتوقعين ذلك وأرسلتِه على هذا الأساس ، أليس كذلك؟”
أومأت إيرين برأسها وأجابت:
“نعم ، استندت إلى تلميحات من حديثنا السابق …”
“أي حديث تعنين؟”
“أخبرتني ذات مرة إنك تعلم أن آرائك ليست بالضرورة الإجابة الصحيحة للعالم …”
لم تستطع أن تنسى تلك اللحظة ، كانت الوحيدة التي رأت فيها عينيه متشبعتين بالندم العميق ..
“…صحيح ..”
تغيرت نظراته الزرقاء إلى شيء أكثر عمقًا وكآبة ..
“لكن رغم ذلك ، أنا واثقة من أمر واحد ..”
“وما هو؟”
ظهرت لمحة من الاهتمام في نظرات الدوق ..
أمام هذا الاهتمام غير المألوف منه ، ردت إيرين بثبات وهي تحدق في عينيه:
“أنا واثقة أن استمرار الحياد لن يؤدي إلا إلى طريق الانهيار …”
تجمد وجهه للحظة ..
“لذلك أعتقد أن عائلة ليكاون يجب أن تقف إلى جانب الامير الأول ..”
بينما كانت تقول ذلك ، لم تستطع السيطرة على قلبها الذي ينبض بشدة ..
كانت تعلم أن كلامها كان وقحًا ، حتى لو جاء من مايكل نفسه ، لم يكن ليجرؤ على قول مثل هذا أمام الدوق ..
“إذا كنت تعتقد أن الحفاظ على الوضع ا.لراهن هو الإجابة ، فلا أملك شيئًا آخر لأقوله ..”
“…هاه.”
زفر الدوق بتعب وهو يعبس قليلاً ..
“إذن ، هذا هو سبب اتفاقكِ مع الامير؟”
“نعم ..”
لم تنكر إيرين ..
لم يعد هناك معنى لإنكار ذلك الآن ، على العكس ، أرادت أن تعبر عن موقفها بوضوح ..
ومع ذلك ، كانت قلقة بشأن رد فعل الدوق ،
لو طردها فورًا بسبب وقاحتها ، لما كان ذلك مفاجئًا ..
لكن على عكس توقعاتها ، لم ينتقدها ..
“لا أفهم لماذا تفعلين ذلك ، بالنسبة لكِ ، نحن مجرد مصدر للألم …”
“…لكنني ، على أي حال ، ما زلت واحدة من عائلة ليكاون …”
لم تعد ترغب في إنكار الجراح أو التظاهر بعكس الحقيقة ..
ظل الدوق ينظر إليها بصمت ..
“كلامكِ يشبه كلامه تمامًا ..”
“عفواً؟”
“سأسمع السبب الحقيقي لاحقًا ، لكن عندما تقومين بمثل هذه الأمور ، عليكِ من الآن فصاعدًا مناقشتها معي أولًا ..”
بدا وكأن دوق ليكاون تعمد تغيير الموضوع ، ثم أصدر أمرًا واضحًا بالمغادرة ..
نظراته التي تنم عن ارتياح غريب جعلت إيرين تشعر بالدهشة ..
‘كنت أتوقع أن أتلقى توبيخًا على الأقل ..’
مرت الأمور بسرعة أكبر مما توقعت ..
عندما عادت إيرين إلى غرفتها لتبديل ملابسها ، توقفت متفاجئة أمام بابها ..
كان كل من مايكل ، وكلوي ، وديتريش يقفون أمام غرفتها متجمعين كأنهم يؤدون دور الحراسة ..
:يبدو وكأنهم يؤدون دور الحراس أمام الباب ..’
تقدمت إيرين نحوهم ..
“لماذا تقفون هنا بدلاً من التواجد في ساحة التدريب؟”
“هيه! هذا سؤال نحن من يجب أن نطرحه عليكِ!”
صرخ ديتريش بمجرد أن رأى إيرين ..
“لماذا؟”
“لأنكِ لم تكوني في ساحة التدريب… لقد اعتقدنا حقًا أنكِ غادرتِ!”
أطلقت إيرين تنهيدة خفيفة قائلة:
“بخصوص ذلك ، قررتُ عدم الذهاب.”
“ماذا؟”
“حقًا؟”
“هل أنتِ جادة؟”
حتى كلوي ومايكل ، اللذان حاولا الحفاظ على رباطة جأشهما ، لم يستطيعا إخفاء دهشتهما وتحدثا بنبرة متفاجئة ..
لكن سرعان ما تبادلا النظرات المحرجة وأدارا وجهيهما في اتجاهين مختلفين ..
“لماذا قررتِ عدم الذهاب؟”
سأل ديتريش وهو يحدق بها بنظرات مليئة بالتوقعات ..
لم تستطع إيرين تحديد ما كان يتوقعه منها ، لذا أجابت بصدق:
“أردتُ تجربة خيار جديد ..”
“ما هذا الخيار الجديد؟”
كان وجه ديتريش يعكس حيرة تامة كما لو أنه لم يفهم شيئًا مما قالته ..
عدم فهمه لأسبابها في اتخاذ قرار مختلف عما فعلته في حياتها السابقة كان أمرًا متوقعًا ..
“لنرى ، ما الذي قد يكون عليه هذا الخيار ..”
كانت على وشك دخول غرفتها عندما قاطعها صوت شخص ما ..
“أعتذر ..”
توقفت عينَاها الحمراوان فجأة وهي تدرك من كان المتحدث ..
إنه مايكل …
“…”.
استدارت إيرين لتنظر إليه بنظرة متفاجئة ..
“هل سمعتُ ذلك بشكل خاطئ؟”
لكن نظرات الدهشة على وجوه كلوي وديتريش أكدت لها أنها لم تكن تتوهم ..
كان الجميع يحمل نفس التساؤل، “هل ما سمعته للتو حقيقي؟”
تابع مايكل حديثه قائلًا:
“إذا غادرتِ ، لن أحظى بفرصة أخرى للاعتذار …”
ثم أضاف بصوت هادئ ، وكأنه يعترف بخطأه:
“ما كان ينبغي أن أتصرف معكِ بتلك الطريقة… كنت أعلم أن هذا خطأ ، لكنني لم أستطع التحكم في مشاعري …”
رغم مرور الخدم بالقرب منه ، لم يبدو أنه مكترث لوجودهم واستمر في الحديث:
“أنا حقًا أشعر بالأسف الشديد على ذلك ..”
انحنى برأسه معتذرًا ..
لكن إيرين ، التي كانت تقف متجمدة ، شعرت وكأنها في حلم ..
لم تكن قد تخيلت قط حدوث مثل هذا الموقف ..
كانت ترى أحيانًا في أحلامها مشاهد تصرخ فيها أو تبوح بمشاعر الغضب تجاههم ، لكن ما حدث الآن تجاوز كل توقعاتها ..
أن تشهد مثل هذا المشهد حيث يعتذرون لها ،
في هذه اللحظة غير المتوقعة ، تسارع نبض قلبها بشكل ملحوظ ..
“أنا أيضًا آسفة.”
تحدثت كلوي بصوت هادئ ، كانت جديتها هذه المرة بعيدة تمامًا عن صورتها المعتادة المليئة بالكبرياء ..
“أعلم أن ما حدث لم يكن خطأكِ ، لكن إلقاء اللوم عليكِ كان تصرفًا جبانًا مني ..”
تجاه سيل الاعتذارات المفاجئ ، حولت إيرين نظرها إلى ديتريش ، كانت عيناه تمتلئان بالدموع ، وبدافع الإحراج السريع ، أشاح بنظره بعيدًا ..
“أنا أيضًا آسف!!!”
صرخ ديتريش بصوت عالٍ ، كانت اعتذاراته الحادة صاخبة لدرجة أنها جذبت أنظار الجميع نحوه ..
“آه!! قلت إنني آسف!!”
لم تستطع إيرين أن تحدد إن كان هذا اعتذارًا أم انفجارًا غاضبًا ، وجهه تحول إلى لون أحمر بسبب الإحراج ..
عندما أدركت أنه رفع صوته بسبب خجله ، كادت تبتسم دون وعي لكنها قاومت ..
في الواقع ، كان ديتريش يبدو استثناءً غريبًا في هذا المكان ..
لطالما اشتهرت عائلة ليكاون بوجوههم التي لا تكشف عن أي مشاعر ، حتى إيرين لم تكن استثناءً لهذا ..
حتى كيم تاي هيون ، في بعض الأحيان ، كان يطلب منها أن تبتسم لأنه لم يكن قادرًا على قراءة مشاعرها ..
لكن ديتريش كان استثناءً ، كانت كل مشاعره تنعكس بوضوح على وجهه ..
“لقد اعتذرنا جميعًا ، هذا يعني أننا يمكن أن نبدأ من جديد ، أليس كذلك؟”
قال ديتريش بحماس ، لكن كلوي ردت ببرود قائلة:
“كم أنت غبي ..”
“آه ، ولماذا؟!”
نظر ديتريش إليها بعدم فهم ، أما مايكل ، فاكتفى بالزفير بعمق مع تجاعيد ضيقة على جبينه ..
“…إجبار الآخرين على التسامح هو أكثر الأمور حماقة.”
قال مايكل بكلمات قاسية ، بدا ديتريش في حيرة وسأل بخوف:
“لماذا؟ الاعتذار والتصالح هو الترتيب الطبيعي ، أليس كذلك؟”
كان تعليقًا ساذجًا ومباشرًا يعبر عن طبيعة ديتريش البسيطة ..
لم تستطع إيرين أن تغضب من سذاجته البريئة ، لكن كلوي ومايكل كانا ينظران إليه وكأنهما على وشك الانفجار من الغيظ ..
“هل يجب أن نجعله يغمى عليه؟”
تمتمت كلوي بخفوت ، ورد مايكل بصوت منخفض:
“لا أعتقد أن ذلك سيكون فكرة سيئة.”
“أستطيع سماعكما!”
صرخ ديتريش بغيظ ودق بقدميه على الأرض …
“كيف لي أن أعرف إن كان ما قلته خاطئًا إن لم تخبروني بذلك؟”
“حقيقة أنك تحتاج إلى شرح ذلك…”.
“ألم تقولوا إن الصراحة مطلوبة أحيانًا؟!”
“يمكننا مناقشة ذلك لاحقًا ، أما الآن ، فمن الأفضل أن نترك إيرين وشأنها …”
أشار مايكل بنظره لإيرين ، وكأنه يدعوها للدخول إلى غرفتها ..
وجدت إيرين نفسها تُدفع بلطف نحو غرفتها وأغلقت الباب خلفها ..
بعد أن أصبحت وحيدة ، شعرت فجأة بموجة من المشاعر المختلطة تضغط على صدرها ..
“…ما الذي حدث للتو؟”
بينما كانت تقف هناك ، حاولت استيعاب ما جرى ..
شعرت بمزيج غريب من السعادة ، والحزن ، والغضب ..
تقطعت أفكارها فجأة ..
بدأت الدموع تنهمر بغزارة.
‘ما هذه المشاعر؟’
لكن أكثر ما أربكها هو هذه المشاعر التي اجتاحتها فجأة ..
كانت تظن أنها تخلّت تمامًا عن أي شعور تجاههم …
لكنها أدركت الآن كم كانت مخطئة ..
كانت تعتقد أن مشاعرها قد جفت تمامًا ، كأرض قاحلة في زمن الجفاف ..
ولكن الحقيقة أنها كانت محاطة بدرع من الهروب والدفاع عن النفس ..
لم تكن قد فقدت حساسيتها ، وإنما كانت تخفي مشاعرها بعمق ..
حتى عندما كشف الدوق حقيقة ولادتها ، لم تبكي بهذا الشكل ..
“آه …”
بقيت إيرين واقفة في مكانها ، والدموع تنساب على خديها ..
بهذا الشكل ، استغرقت وقتًا طويلًا لتترك مشاعرها تتدفق مع الدموع ..
لا تعرف كم من الوقت مر ..
كانت الشمس التي كانت في وسط السماء قد غابت ، تاركة خلفها مشهدًا خلابًا لشفق الغروب ..
استعادت إيرين أفكارها ، وهي تتذكر الحديث الذي دار منذ قليل ، وأخذت تفكر بصمت ..
‘ما هو التسامح؟’
لم يكن الأمر وكأنها لم تعد تحمل مشاعر استياء تجاه أفراد عائلة ليكاون ..
لكن الاعتذار الصادق الذي قدموه جعل ثقل ذلك الغضب والاستياء يخف كثيرًا ..
…لقد كان ذلك حقًا تجربة غريبة ..
ترجمة ، فتافيت ..
التعليقات لهذا الفصل " 48"