ديتريش صرخ بصوت عالٍ ، مما جعل إيرين ترتجف ..
لقد كان من المفاجئ أن تصل تلك الأخبار إلى مسامع ديتريش مباشرة ..
عند سماع ذلك ، توقفت كلوي ومايكل عن التدريب واقتربا من ديتريش .
“أي رسالة توصية؟”
سأل مايكل ، فأجاب ديتريش:
“ألم تقولي ذلك من قبل؟ إنها حصلت على رسالة توصية كفارس مبتدئ!”
كما توقعت ، لم يكن ديتريش من اكتشف الأمر ، بل كلوي هي من أخبرته ..
ولكن كان من الغريب أن كلوي أخبرت ديتريش بهذا الأمر ..
“هل الامير الأول هو من كتب رسالة التوصية؟”
مايكل تمكن سريعاً من استنتاج الحقيقة ،
ترددت إيرين للحظة بسبب الأنظار التي تركزت عليها ، لكنها اومأت بالإيجاب ..
‘على أي حال ، سيُعرف الأمر في نهاية المطاف ..’
لم يكن هناك فائدة من الإنكار ..
لكن سرعان ما شعرت بعدم الارتياح ، لأن وجوههم تحولت إلى ملامح قاتمة فجأة ..
“هل من الضروري أن تذهبي؟”
سأل ديتريش ، كلوي ومايكل لم يكونا مختلفين كثيراً في نظراتهما أثناء انتظار إجابتها ..
“ألم تحاولي التأقلم معنا هنا؟”
كان سؤال ديتريش دقيقاً لدرجة جعلت إيرين تتردد ..
‘من الظاهر ، قد يبدو أنني كنت أحاول التأقلم …’
ولكن في الحقيقة ، لم تكن تسعى للتقرب منهم ، بل كانت تركز على تعزيز مكانتها في ليكاون ..
ومع ذلك ، من خلال حديثها مع دوق ليكاون ، أدركت أن التقرب منهم لا يتعلق بمكانتها ..
فهي في الأصل لم تكن في وضع يسمح لها ببناء مكانة هنا ..
“هل كنتِ تستخدمين علاقتكِ معنا كوسيلة لتحقيق أهدافكِ؟”
“……”
كلوي أصابت الهدف مباشرة ، تفاجأت إيرين داخلياً ، لكنها لم تجب ..
اتسعت عينا ديتريش في صدمة ..
“هل هذا صحيح؟”
“نعم.”
عندما رأت وجهه المتأثر ، شعرت إيرين بعدم الراحة أكثر ..
ومع إجابتها ، ساد صمت خانق ..
كان الجميع ينظر إليها بنظرات عميقة دون أن يتكلموا ..
وفي الوقت الذي لم يستطع فيه أحد فتح فمه بسهولة ، قالت كلوي بثقة:
“حسناً ، لا أعرف ما هو هدفكِ ، لكنني لا أمانع ..”
تشككت إيرين في صحة ما سمعت ..
هذا ليس من نوع الكلام الذي قد تقوله كلوي المعتزة بنفسها ..
ويبدو أن الآخرين شعروا بنفس الشيء ، إذ فتح ديتريش فمه في دهشة ، بينما نظر مايكل إلى كلوي بعينين متسعتين قليلاً ..
“لكن سأقول هذا بوضوح ، أريدكِ أن تبقي هنا …”
رفعت كلوي ذقنها بجرأة وبوجه لا يحمل أي خجل ..
“أحياناً، يجب أن تكوني صادقة ، أليس كذلك …”
فجأة تدخل مايكل قائلاً:
“لقد تدربت في القصر الإمبراطوري من قبل ، وأنا أعلم أنه لا يوجد شيء يمكن تعلمه هناك …”
ألقى كلماته بحماس شديد:
“بيئة التدريب سيئة للغاية ، عليكِ أن تتدربي وحدكِ بدون أي معلم ، وكل شيء يعتمد على نفسكِ فقط …”
إيرين ، التي كانت تعرف أكثر من أي شخص آخر أن كلامه محض افتراء ، أطلقت ضحكة خفيفة بلا وعي ..
فقد كانت هي نفسها قد شغلت منصب نائب قائد في الفيلق الملكي ، كانت نوايا مايكل وأكاذيبه واضحة تماماً لها ..
وبعد لحظة من الصمت ، فتحت إيرين فمها لتقول:
“سأفكر في الأمر…”
ثم عادت لمواصلة تدريبها على المبارزة ، موضحة بتصرفاتها أنها لا تنوي متابعة الحديث ..
تراجعوا بخيبة أمل واضحة على وجوههم ..
“آه…”
بعد فترة وجيزة ، ألقت إيرين بالسيف الخشبي على الأرض غير قادرة على التركيز ..
‘تباً ، لا يوجد قرار سهل ..’
—
مرّ أسبوع منذ ذلك الوقت ..
لم تتخذ إيرين قرارها بعد ، كانت غرفة الطعام التي يجتمع فيها جميع أفراد الأسرة تسودها أجواء غريبة من الجدية ..
حتى الدوق ، الذي لم يكن يشارك عادة في وجبات الطعام ، أصبح يحضر باستمرار منذ ذلك الحين …
في البداية ، اعتقدت أنه مجرد صدفة ، لكنها بدأت تدريجياً تلاحظ أنه كان يفعل ذلك من أجلها ..
‘عليّ أن أتخذ قراراً قريباً ..
رغم أن رسالة التوصية لم تكن محددة بمهلة زمنية ، إلا أنها كانت تمثل بالنسبة لراينهارت شيئاً ذا قيمة كبيرة ..
كان يمكنه استخدام هذه التوصية لقبول أبناء عائلات نبيلة أخرى ، مما يتيح له تشكيل تحالفات مع تلك العائلات ..
لهذا السبب ، كان الأمر ذا أهمية كبيرة ، ولم يكن بإمكانها تأجيل الرد إلى الأبد ..
إضافة إلى ذلك ، كلما طال انتظارها ، بدا أن أفراد عائلة ليكاون تزداد حالتهم النفسية سوءاً تدريجياً ..
“إلى أين تذهبين؟”
عندما لم تتجه إيرين إلى ساحة التدريب بعد الانتهاء من تناول الطعام ، وسارت نحو غرفتها ، سألها ديتريش ..
“إلى غرفتي.”
“ماذا ستفعلين هناك…؟”
“سأكتب رسالة.”
“إلى من؟”
سألها مايكل ، الذي اقترب منها فجأة ، أدركت إيرين حينها أن الأشقاء الثلاثة كانوا يحيطون بها الآن ..
كانت تعرف بالفعل لماذا أتوا إليها ..
تنهدت بعمق قبل أن تجيب:
“إلى سمو الامير الأول …”
تجمدت وجوههم مثل الجليد ..
تجاوزتهم إيرين ودخلت غرفتها ..
داخل الغرفة ، بحثت عن ريشة الكتابة وأمسكتها بيدها ..
كان الدوق قد حذرها من استخدامها ، طالباً أن تسلمه له ، لكنها رفضت ..
“حان الوقت لاستخدامها الآن …”
جلست إيرين وبدأت في كتابة الرسالة ..
—
قصر الامير الأول ..
في وقت مبكر من الصباح ، كان هناك مكان يضيء بشكل استثنائي ، ألا وهو مكتب العمل حيث كان يتم العمل منذ بزوغ الفجر ..
كان راينهارت يداعب قلمه الذهبي بوجه بدا عليه بعض التعب ..
‘لقد حان الوقت تقريباً لتصل الرسالة…’
مع مرور الوقت بعد إرسال رسالة التوصية ، بات من الصعب عليه التركيز على عمله ..
‘ربما كان عليّ أن أضيف طلباً لتلقي الرد في موعد محدد ..’
شعر ببعض الندم ، لكنه لم يرغب في إجبار إيرين على اتخاذ قرار بشأن أمر مهم تحت ضغط الوقت ..
“ستصل يوماً ما…”
قال ذلك بهدوء ، ولم يمضِ وقت طويل حتى حلّ وقت الظهيرة ..
“سموك! لقد وصل رد من السيدة!”
هرع المساعد ، وهو يحمل رسالة بيده ، إلى المكتب ، كان وجهه يعكس سعادة واضحة ، فقد عانى هو الآخر من تباطؤ وتيرة عمل الامير في الآونة الأخيرة ..
‘وأخيراً ستنتهي هذه المعاناة! ..’
“ماذا؟!”
رغم أن المساعد لم يذكر اسم السيدة التي أرسلت الرسالة ، إلا أن راينهارت كان متأكداً أنها من إيرين ..
دقّات قلبه تسارعت بشكل غير معتاد ..
ولكن ، سرعان ما تغيرت ملامح وجهه عندما اقترب منه ضيف غير مرغوب فيه ..
“لماذا أنت هنا؟”
كان الحارس الشخصي رون ، الذي اقترب مبتسماً قائلاً:
“أنا أيضاً فضولي!”
“اذهب بعيداً.”
صرخ راينهارت وهو يلوّح بيده كأنه يطرد ذبابة ، مما جعل رون يبتعد بوجه متجهم ..
تنهد راينهارت طويلاً ، وفي داخله كان يستهجن نفسه على ردة فعله المبالغ فيها بشأن رسالة توصية عادية ..
كان من المفترض أن تكون الموافقة أمراً بديهياً ، لأنها أعربت عن رغبتها في أن تصبح فارسة مقربة منه ..
‘لماذا أشعر بهذا القلق إذن؟ ..’
سرعان ما أدرك مصدر هذا القلق ..
لو كانت ستوافق مباشرة ، لكانت قد أرسلت الرد بسرعة ، كان هذا التفكير يسيطر عليه دون وعي ..
ابتلع راينهارت ريقه الجاف وفتح الرسالة ..
[أشكرك بعمق على رسالة التوصية ، يا سموك ، ولكن ما زال لديّ أمور يتعين عليّ القيام بها هنا ، لذا سيكون من الصعب عليّ القبول في الوقت الحالي ، وفي المستقبل ، سأخوض الاختبار مع الآخرين بصورة عادلة لدخول الفيلق.]
كان الرد رفضاً لبقاً ، لم يخالف توقعاته المتشائمة ..
اتسعت عيناه واهتزت حدقتاه ، إذ كانت هذه أول مرة يمر بموقف كهذا ..
شعر بنوع من الدهشة المختلطة باللامبالاة.
‘هل يمكن أن يكون هذا رفضاً؟ ..’
قال رون بوجه مذهول:
“هل يعقل أنها رفضت فعلاً؟”
لكن راينهارت لم يكن في حالة ذهنية تسمح له بالرد على كلامه ..
لم يفعل سوى عض شفتيه ، غير قادر على استيعاب الوضع ..
‘قالت إنها تريد أن تكون بجانبي وتساندني..’
لكن أفعالها بدت مختلفة تماماً عن كلماتها ..
تصرفت وكأن ثقتها به كانت أهم شيء ، ومع ذلك ، عندما منحها الفرصة ، رفضت بهذه الطريقة ..
شعر بالاستياء من رسالتها الصريحة والبسيطة ، وبدأت موجة خفيفة من الغضب تتسلل إليه ..
“كاذبة.”
كانت هناك ملاحظة إضافية مكتوبة في نهاية الرسالة ، لكنه شعر وكأنه لا يملك الشجاعة الكافية لقراءتها ، فظل يحدق بها بعينين شاردتين ..
وفجأة ، سقط شيء من داخل ظرف الرسالة ..
كانت أشبه بحجر صغير ..
نظر راينهارت إلى هذا الشيء بعينين متشككتين ، متسائلاً إذا ما كان قد تم وضعه في الظرف عن طريق الخطأ ..
لكن فكرة أنها ربما أرسلته له عن قصد أعادت إليه شجاعته ، فتابع قراءة الرسالة إلى نهايتها.
[الحجر المرفق هو حجر “ليفيودور”.
لقد استخدمته في إقليمي للعثور على الساحر الأسود ، وأعتقد أنك ستحتاجه يوماً ما ، أتمنى أن تعتني به جيداً.]
كما توقع ، تضمنت الرسالة معلومات عن الحجر ..
قرأ راينهارت التفاصيل بسرعة ، ثم نظر إلى الحجر مجدداً بعناية ..
“ليفيودور؟”
كان يعرف ما هو ..
في إحدى حصص اللاهوت السابقة ، سمع عن وجود تعويذة مقدسة قادرة على كشف التلوث ..
كان يُقال إنها فريدة من نوعها في العالم ، مما يجعل الحصول عليها أمراً بالغ الصعوبة ..
‘إذاً ، لقد استخدمته في إقليمها ..’
كانت هناك حادثة وقعت مؤخراً في إقليم ليكاون ، حيث تم الكشف عن اثنين من السحرة السود وجاسوسين تابعين لهم ..
من الواضح أن الرسالة تشير إلى تلك الحادثة ..
وهذا يعني أن الحجر الذي أُرسل إليه لم يكن مزيفاً ، بل كان تعويذة مقدسة حقيقية ..
“…هاه.”
أطلق راينهارت تنهيدة عميقة دون أن يدرك ،
كان ما مر به حتى الآن سلسلة من الأخبار المذهلة التي تركته في حالة صدمة تامة ..
ترجمة ، فتافيت ..
التعليقات لهذا الفصل " 47"