“هيه!”
كان ذلك ديتريش ، الذي دخل الغرفة مسرعاً بوجه شاحب كالثلج ..
“هل أنتِ مريضة؟ ماذا يحدث؟”
“…لا.”
ردت إيرين وهي تشعر بالارتباك من مبالغته ، يبدو أنه قلق ، ولكن هل هناك داعٍ لكل هذا التهويل؟
“ثم ، لماذا لم تأتي لتناول الطعام؟!”
“مجرد…”
ترددت إيرين وحاولت التهرب من الإجابة ،
لكن محاولتها للهروب لم تنجح معه إطلاقاً ..
“أوه ، ما المشكلة! تكلمي! لن أغادر حتى تخبريني!”
“…لماذا أنت عنيد هكذا؟”
نظرت إيرين إليه بدهشة بينما جلس على الطاولة بعناد ..
كان وجهه ممتلئاً بالاستياء ، وشفتيه مزمومتين ، وبينما كانت تفكر كيف تطرده ، سمعت طرقاً آخر على الباب ..
“من هناك؟”
رد ديتريش ، ثم فتح الباب على مصراعيه ،
دخلت كلوي بخطوات واثقة وهي تعقد ذراعيها ..
“لماذا أنت هنا؟”
“أنا أسكن هنا! وما شأنكِ؟!”
“ألا تعرف غير هذه الكلمات؟”
علّقت كلوي بازدراء ، فحاول ديتريش الرد لكنه اكتفى بإطلاق أنفاسه بانزعاج ..
“أوه ، كم أنتِ مزعجة!”
كادت إيرين أن تضحك بلا وعي من تعليقاته ، لكن كلوي ، التي لاحظت ذلك بسرعة ، عبست بعدم رضا ..
“هذا يعني أنك تعترف بأنك سخيف.”
“آه! بحق السماء!”
صاح ديتريش بغضب مكتوم ..
في هذه الأثناء ، دوّى طرق آخر على الباب ، ودخل مايكل ..
“ما الذي يجري هنا؟”
تساءل بينما كان ينظر بهدوء إلى إيرين
“على كل حال ، لماذا لا تأكلين؟ ولماذا لم تذهبي إلى التدريب؟”
تذكرت إيرين أنها سمعت هذا من قبل ، في وقت سابق عندما كانت تحاول التدريب على الرغم من إصابة كاحلها ..
“عدم الأكل وعدم التدريب سيسبب خسارة العضلات سريعاً ، وإذا فقدتِ العضلات ، سيضعف دعم جسدكِ وستتعرضين للإصابة بسهولة…”
“أعلم ، أعلم ذلك .”..
قاطعت إيرين حديثه قبل أن يسترسل
“إذا كنتِ تعلمين ، فلا تتصرفي على هذا النحو …”
تكرار الحديث بالطريقة ذاتها جعل إيرين تشعر بالملل ، فاستلقت على السرير وسحبت البطانية فوق رأسها ..
“دعوني لوحدي.”
“ما الأمر إذن؟!”
“يقولون أحياناً إنكِ تحتاجين إلى أن تكوني صريحة لفهم الأمر ..”
اقتربت كلوي وتحدثت بجدية ، بينما أيّدها مايكل وهو واقف بجانبها ..
“ألم تخبريني بذلك أيضاً؟”
وقفوا ينتظرون بصبر إجابة إيرين ، كانت تختبئ تحت البطانية ، تتصارع مع مشاعرها ،
هل يمكنها أن تخبرهم حقاً…؟
‘حسناً… الآن هو الوقت المناسب للحديث ..’
اتخذت قرارها ، أخذت نفساً عميقاً ثم فتحت شفتيها المرتجفتين ببطء ..
“أنا… لست الابنة الحقيقية لوالدي…”
“…ماذا؟”
عندما ألقت بقنبلتها تلك ، أصبحت وجوههم شاحبة من الصدمة ..
مع رؤيتها لردود فعلهم ، شعرت إيرين بأن قلبها بدأ يهدأ ..
‘على أي حال ، كان عليّ أن أفصح عن
هذا الأمر …’
رغم أنها لم تتوقع أن تكشف الأمر بهذه السرعة ، إلا أنها شعرت بالارتياح ..
“إذن… ابنة من أنتِ؟”
“نيوب ليكاون.”
كانت وجوههم مشدوهة وهم يصمتون ، مستغرقين في التفكير ..
تساءلت إيرين عما كانوا يفكرون فيه ، لكنها أدركت بسرعة أن ذلك لا معنى له ..
‘الآن سيعود كل شيء إلى طبيعته ..’
فهي ليست أختهم الحقيقية ، ولم يعد لديهم سبب لرعايتها كما لو أنها من عائلتهم ..
“لماذا لم تخبرينا من قبل؟”
“لأنني عرفت بالأمس فقط ..”
ردت إيرين بهدوء على صوت ديتريش المرتعش ، كانت عينيه تفيض بالدموع ..
“لماذا يحدث هذا لنا؟! لماذا تجعليننا نشعر بالذنب طوال الوقت؟”
كلوي ومايكل ، اللذان كانا يعضّان شفاههما بصمت ، حاولا كبح دموعهما ..
تحدثت كلوي بصوت متأثر ..
“…هذا ليس خطأ إيرين ..”
لم يعارض ديتريش كلماتها ، وبقي صامتاً ،
بعد صمت طويل ، فتح مايكل شفتيه أخيراً
“…أنتِ تظلين أختي ، لا يهم أبن من تكونين .”
أومأت كلوي بالموافقة ..
كانت ردة فعلهم غير متوقعة تماماً ، مما جعل إيرين تشعر بالارتباك ..
اهتزت مشاعرها بشدة كما لم يحدث من قبل
ثم فجأة شعرت بالدموع تتدفق على وجهها ، فعضت شفتيها لتمنع نفسها ..
لكن عينيها كانتا بالفعل ممتلئتين بدموع غزيرة…
*. *. *.
وقت العشاء في قاعة الطعام ..
لأول مرة منذ فترة طويلة ، حضر الدوق لمشاركة العشاء ..
جلس الجميع باستثناء إيرين في أماكنهم ، لكن الجو كان مختلفًا تمامًا عن المعتاد ..
“لماذا أخفيتم هذا عنا؟”
لم يستطع مايكل أن يكبح نفسه وبدأ بالحديث ، أدرك سيدريك ما كان يقصده ابنه ، فتغيرت ملامح وجهه إلى الكآبة ..
أضافت كلوي بنبرة حادة:
“حتى لو كانت هناك أمور ملحة ، كان يجب أن تلمّح لنا على الأقل …”
“أنا أيضًا…!”
كان صوت ديتريش مبللًا بالحزن وخفت تدريجيًا ..
“كم عانت .. كم جعلتها تعاني …”
تنهد سيدريك بعمق ، وظهرت على وجهه علامات الهم الثقيل ..
“أنا آسف ..”
ساد الصمت الثقيل في المكان ..
كانت أنظارهم جميعًا مثبتة على مقعد واحد فارغ ، وهو المقعد الذي كانت تجلس فيه إيرين دائمًا ..
“هل ستتوقف عن القدوم نهائيًا الآن؟”
تمتم ديتريش بصوت حزين ..
“من الذي لن يأتي؟”
سمع الجميع صوتًا مألوفًا ، فالتفتوا بسرعة ليروا إيرين واقفة عند مدخل قاعة الطعام .
اتجهت إيرين بثقة نحو مكانها المعتاد وجلست ، لتجد أدوات الطعام نظيفة تمامًا أمامها ..
“كان بإمكانكم البدء بالأكل دون انتظاري ..”
قال الدوق: “لقد جلسنا لتونا.”
كان هذا كذبًا واضحًا ، الجميع كانوا ينتظرونها بناءً على طلب ديتريش ، الذي أصر على أنها قد تأتي ..
“لنبدأ العشاء.”
رفع الدوق السكين ، لكن عينيه لم تفارقا وجه إيرين ..
لم يكن الدوق الوحيد ، فقد انشغل بقية الإخوة بمراقبتها وهي تأكل ، بالكاد يلمسون طعامهم ..
‘ سأصاب بعسر هضم بهذا الشكل ..’
لم تعتد إيرين على أن تكون محط الأنظار أثناء تناول الطعام ، فتناولت قضمة من اللحم بتوتر ..
ولأنها لم تأكل شيئًا طوال اليوم ، صدر صوت قرقرة خافت من معدتها ، مما جعلها تشعر بالحرج وهي تواصل مضغ الطعام ..
لوّح الدوق للطاهي ، وقال:
“أحضر مزيدًا من اللحم ..”
“حاضر ..”
أسرع الطاهي وأحضر قطعة لحم جديدة ووضعها أمام إيرين ..
نظرت إيرين إلى اللحم الموضوع أمامها بنظرة متفاجئة ..
“أعتقد أنني ممتلئة بالفعل …”
قال الدوق: “لقد تخطيتِ وجبتي الإفطار والغداء ، لذا عليكِ أن تأكلي المزيد …”
“لكن إن أكلت كل هذا ، سأصاب بعسر هضم.”
“ثم ، كُلي بقدر ما تستطيعين دون أن تصابي بذلك …”
تحت ضغط نظرات الدوق ، بدأت إيرين تأكل على مضض ..
في تلك الأثناء ، كانت أطباق الآخرين ما زالت ممتلئة ، إذ كانوا مشغولين بمراقبتها وهي تأكل ..
انتهى العشاء الذي كان أطول من المعتاد ،
نظرت إيرين إلى طبقها الفارغ بنظرة مرهقة.
‘أشعر وكأنني سأموت ..’
بينما كانت تلمس بطنها المنتفخ ، فكرت أنها قد تنفجر من الشبع ..
اكتشفت لأول مرة أن الشعور بالشبع المفرط يمكن أن يكون صعبًا تمامًا كالجوع ..
خرجت إيرين من قاعة الطعام وهي تحاول تخفيف انزعاجها بالمشي داخل القصر ..
وصلت إلى مكان لم تره من قبل ..
من خلال فتحة صغيرة في الباب ، لمحت لوحات معلقة ..
“معرض اللوحات؟”
كان مكانًا غريبًا عليها ..
على عكس الممر الذي يحتوي على صور رؤساء العائلة ، كان هذا المكان مليئًا بصور أفراد العائلة الآخرين …
هل ستكون صورة نيوب ليكاون هنا أيضًا؟…’
دفعها الفضول لدخول الغرفة ..
بمجرد أن دخلت ، وقعت عيناها على صورة امرأة ، فتسمرت في مكانها وشعرت بقشعريرة تسري في جسدها ..
“…هذا…”
كانت ملامح المرأة مألوفة بشكل صادم ..
كان من المستحيل ألا تدرك أنها والدتها الحقيقية ، فقد كانت تشبه إيرين بشكل مذهل ..
إيرين ، التي تعرف مظهرها عندما تكبر ، لم تستطع أن تنكر أن نيوب ليكاون في الصورة هي والدتها الحقيقية ..
المرأة ذات الشعر الفضي والعينين الزرقاوين كانت واقفة بوقار ، وكتبت أسفل اللوحة اسمها:
[نيوب ليكاون]
كانت نيوب في اللوحة تنظر مباشرة إلى الأمام بفم مغلق بإصرار ، كان من المدهش كيف يمكن أن يُظهر الرسم سمات الشخصية
بهذا الوضوح ..
“هذه هي والدتي الحقيقية ..”
عندما نظرت إلى اللوحة ، شعرت بالفضول حول والدها ..
من هو الرجل الذي أحبته لدرجة أنها ضحت بشرفها من أجله؟
هل كان ذلك الحب يستحق كل هذا العناء؟
شعرت إيرين بالاضطراب ، وغرقت أفكارها في تعقيد هذه المشاعر المتداخلة ..
ترجمة ، فتافيت ..
التعليقات لهذا الفصل " 45"