مرّ شهرٌ بالفعل منذ إقامة الزواج الإمبراطوري ..
كانت إيرين وراينهارت يجلسان معًا في الجناح المخصص في قصر الإمبراطورة ..
كانت إيرين تشعر بالحاجة الشديدة للتدريب على المبارزة ، إذ بدأ جسدها يحكها شوقًا للتمرين ..
لكنها حاولت كبح جماح نفسها بعدما رأت ردة فعل جلينا المفزوعة عندما رأتها تتدرّب في الجناح سابقًا ..
عليّ أن أتدرّب سرًا في غرفتي ..
غرفة النوم في قصر الإمبراطورة كانت واسعة بما يكفي لتكون ساحة تدريب مثالية ..
أريد أن أتدرّب الآن…
نظرت إيرين بطرف عينها إلى راينهارت الجالس ملاصقًا لها ، والذي لا يبدو أن لديه نية للمغادرة ..
“جلالتك ، ألا تذهب إلى مكتبك؟”
“أنهيت كل العمل …”
“لكنني رأيتُ للتو جبلًا من الأوراق على مكتبك ، وتقول إنك أنهيتها؟”
“نعم.”
ثم احتضنها راينهارت بقوة ..
“إيرين ، لا بد أنكِ تتدرّبين سرًا في مكانٍ ما.”
“نعم ..”
“في غرفة النوم ، أليس كذلك؟”
“… نعم ..”
رغم أنها اعتقدت أنها بدأت تعتاد على فطنته ، إلا أن حدسه ما زال يُفاجئها من حين لآخر ..
“هل زرعتَ جاسوسًا ليراقبني؟”
“بالطبع لا.”
“فكيف عرفتَ إذًا…؟”
“ألمس جسدكِ كل يوم ، أليس من الطبيعي أن ألاحظ؟”
احمرّ وجه إيرين بسرعة ..
سارعت بتفحص المكان حولها لتتأكد من بُعد الخادمات عن سماع الحديث ، لحسن الحظ ، كنّ على مسافة كافية ..
“هذا حديث غير لائق يُقال في الخارج.”
“لكنني أقول الحقيقة فقط.”
كانت محادثتهما وكأنها صراع بين ندّين لا يستسلمان بسهولة ..
“كما أنك تزداد وقاحةً مع الأيام …”
“نحن زوجان الآن ، فماذا في ذلك إن كنتُ كذلك؟”
منذ الزواج ، أصبح راينهارت لا يخجل من التقرب منها جسديًا أكثر من أي وقت مضى ..
قبلة ..
قبّل راينهارت شفتي إيرين ..
“…جلالتك.”
اشتعل وجه إيرين بالاحمرار ، وابتسم راينهارت وهو يراها بذلك الشكل ..
ابتسامة فاتنة كأنها نُحتت من تمثال ..
“عندما أراكِ تتفاعلين هكذا ، أرغب بفعل ما هو أكثر …”
“نحن في الخارج …”
“وهل هذا يعني أنني أستطيع فعل ما أريد في الداخل؟”
“لم أقصد ذلك…”
لم تستطع إيرين إنكار أنها تنجرّ مع كلماته ..
“هناك عيون تراقب.”
“أيعني إن لم يكن هناك من يراقب ، فالأمر لا بأس به؟”
نظر راينهارت بطرف عينه نحو الخادمات ،
شعرت إيرين بشعور سيء، فسارعت إلى وضع يدها على فمه ..
“لا تطردهن! ماذا تنوي فعله في الخارج؟!”
أن تقوم بإسكات فم الإمبراطور بيدها؟ أمر لا يُمكن تصوّره من فرط الجرأة ..
لكن لم يكن لديها الوقت للتفكير في مدى جسارة فعلتها ..
حاول راينهارت إزالة يدها ، لكنها كانت أقوى منه ..
“سأتركك إذا وعدتني ألا تطردهن …”
أومأ راينهارت برأسه بأسف واضح ..
“أنت محافظة لأنكِ كنتِ فارسة.”
“…ولا أظن أنكم ، أصحاب الدم الملكي ، تملكون حق القول بهذا.”
أمامها كان الرجل الذي يُقال عنه النسل الإمبراطوري النقي الوحيد ..
“أنا الإمبراطور ، لكنكِ لا تتنازلين أمامي ولو مرة؟”
نظر إليها راينهارت بنظرة حزينة بعض الشيء
“إذا أردتَ من يتنازل لك ، ابحث عن أخرى.”
“أتقصدين أن أُدخل محظية للقصر؟”
“نعم ..”
لم تكن إيرين مرتاحة حقًا لما قالته ، لكنها لم تستطع تحمل هذا النوع من المزاح في الخارج ..
“إذاً لا تمانعين أن أكون مع نساء أخريات؟”
نظر راينهارت إليها بعينين غاضبتين ..
لكنها لم تكن تدري ما الذي أغضبه بالضبط ، فتحدثت:
“لن أشعر بالسعادة بالطبع ، لكن إن كان هذا ما يريده جلالتك ، فليس لي حيلة.”
“أحقًا تظنين أن مشاعري لا تتعدى هذا الحد؟”
“لم أقصد ذلك يا جلالتك—”
وقف راينهارت فجأة ، بوجه مجروح ..
“لا أريد رؤية وجهكِ اليوم.”
“ماذا؟”
بدأت إيرين تُراجع حديثها بسرعة ، محاولة معرفة إن كانت قد أخطأت بشيء ..
(لا أفهم…)
كل ما قالته كان مجرد حقيقة ، فكل الأباطرة عبر التاريخ كان لديهم عشيقات ، ولم تكن تتوقع أن يكون عهدها استثناء ..
حتى حين تزوجته ، لم تتوقع منه ألا يتخذ غيرها ..
(يُقال إنك تستطيع معرفة أعماق البحر ، لا أعماق البشر…)
تقبّلت الأمر ببساطة .
“ولِم لا تعتذرين؟”
نظر إليها راينهارت بدهشة ..
“…أعتذر.”
“عن ماذا؟”
“لا أعلم.”
“هاه!”
تنهد راينهارت بذهول ، لكن وجهها الحائر بدا له بريئًا وجميلًا ، ما جعل قلبه يضطرب ..
“ألم أمنحكِ ما يكفي من الثقة؟”
“بلى ، جلالتك.”
“فلماذا تتحدثين عن العشيقات إذن؟”
“لأن كل الأباطرة السابقين كانت لديهم ، لذا كنتُ مستعدة نفسيًا لهذا.”
“ماذا؟!”
بدت الدهشة على وجه راينهارت ، لم يكن يتوقع هذا الجواب أبدًا ..
لطالما ظنّ نفسه فطنًا ، لكن هذه المرة… لم يتوقعها ..
اختفى غضبه الذي كان يغلي في لحظة ..
“…أنتِ غبية حتى النهاية.”
ثم فجأة ، عانقها بقوة ..
“لن يكون في حياتي شخص اخر ، أبداً.”
“كلماتك تحمل ثقلًا يا جلالتك ، لا تتفوه بها بسهولة ، إن تغيرت الظروف—”
“أي ظروف؟”
“قد تأتي ظروف خارجة عن سيطرتنا.”
كانت إيرين دومًا عقلانية ، راينهارت أحب هذا الجانب فيها… وكرهه في الوقت نفسه ..
“إن وصلت الأمور إلى حدٍّ لا أستطيع فيه السيطرة ، فسأتنازل عن العرش …”
“…أكرر ، الكلام مسؤولية ثقيلة—”
“أعلم ..”
قطّب راينهارت حاجبيه ، كأنها تعامل طفلًا لا يدرك العواقب!
وكانت نظراتها تقول ذلك بالضبط ..
(فتى غير ناضج…)
ربما لم تدرك إيرين هذا ، لكن راينهارت فهمه جيدًا ..
“لأني غير ناضج، لا يمكنني العيش بدونكِ.”
عانقها راينهارت بقوة ..
رائحة جسدها ، التي تشبه رائحة أوراق الصنوبر ، كانت دومًا ما تمنحه سكينة غريبة.
“يا جلالتك ، الجو حار…”
“إذن لنذهب إلى غرفة النوم ، سأساعدكِ على خلع ملابسكِ …”
احمرّ وجه إيرين فورًا ، وقد قرأت ما وراء كلماته ..
بدأت تشعر بأن حديثه بات مبتذلًا!
“أشعر بالبرد.”
“في أوائل الصيف؟”
“أنا حساسة تجاه البرد …”
“أمر جديد عليّ ، لم أكن أعلم.”
قطّب راينهارت حاجبيه بانزعاج أمام مقاومتها الواضحة ..
“همف…”
تنهد ساخرًا ، ثم غادر الجناح الملكي ..
“إلى أين؟”
“إلى جبل الأوراق المتراكمة… أقصد العمل.”
“كنت أعلم أنك لم تنهِه بعد.”
لم تتوقع إيريي أبدًا أنه أنهى كل عمله ، فكمّ المشكلات التي خلفها الإمبراطور الراحل يحتاج إلى وقت طويل لحلّها …
نظرت إليه وهي تفكر إن كانت قد صدّته كثيرًا ..
(لقد كان يُظهر حبه فقط…)
كان حبه لها معروفًا في القصر ، ولم يكن هذا سيئًا بالنسبة لها ..
بل كان… جيدًا ، لكنها فقط… تشعر بالخجل ، والحرج ..
“انتظر ، لحظة… قف هناك ..”
على الرغم من أسلوبه الفظ ، إلا أنه أنصت لكلماتها بإخلاص ..
توقف حين طلبت منه ، فاقتربت منه إيرين ووقفت على أطراف أصابعها ..
قبلة ..
طبعت قبلة خفيفة على وجنته ، ثم تراجعت بسرعة إلى الوراء ..
اتسعت عيناه بدهشة ..
“لا تنظر إليّ هكذا ، جلالتك إنسان ، لا وحش.”
نظراته المليئة بالطمع جعلتها توجه له كلمات تعيده إلى رشده ..
“اليوم ، سأتنازل عن كوني إنسانًا.”
شعرت إيرين فجأة أنها أثارت شيئًا خاطئًا ،
قبل أن تدرك ، كان راينهارت قد حملها بين ذراعيه ، وسحبها بلا مقاومة إلى غرفة النوم ..
“ماذا عن العمل…”
“سأستمد طاقتي من هنا أولًا.”
ابتسم بمكر ، وإيرين ، وقد أصبحت في الداخل ، أيقنت أنه لا مجال للعودة الآن ..
أمسك راينهارت وجهها ، وطبع على شفتيها قبلة طويلة وعميقة ..
“أحبكِ ، إيرين ..”
همس بها بصوت دافئ.
“…وأنا أيضًا.”
ردّت إيرين ووجهها يشتعل احمرارًا من حرارة صوته ..
<النهاية>
التعليقات لهذا الفصل " 135"