انتشرت قريبًا في جميع أنحاء الإمبراطورية أنباء مفادها أن إيرين ليكاون ستصبح الإمبراطورة ..
“حسنًا، الأمر لم يكن مفاجئًا على أي حال…”
“كنت أشعر أن هذا ما سيحدث في النهاية.”
تفاعل مواطنو الإمبراطورية مع الخبر وكأنه أمر متوقّع وطبيعي ، بل إنهم رأوا أنه لو اختار الإمبراطور امرأة أخرى ، لكان الأمر هو المستغرب حقًا ..
خصوصًا أولئك الذين حضروا مراسم التتويج بأنفسهم ، قالوا إن نظرات الإمبراطور إلى إيرين كانت تفيض حبًا وعشقًا ..
“لكن ، ألا يبدو ذلك رومانسيًا للغاية؟ أتمنى أن أعيش حبًا أسطوريًا كهذا ولو مرة واحدة…”
“في تلك الحالة ، عليكِ أن تموتي ثم تعودي للحياة!”
“لا، شكرًا، سأكتفي بحب عادي …”
ضحكت الفتيات وهن يتبادلن الحديث عن الإمبراطور والإمبراطورة ..
كانت وجوه المواطنين ، وقد تخلصت البلاد من التلوّث ، مشرقة يعمّها السلام والطمأنينة.
كان راينهارت قد خرج في جولة متخفّية ، وشعر بالامتنان حين رأى ذلك المشهد البهيّ ،
ثم التقطت أذناه حديثًا من جهة أخرى ، فأنصت باهتمام ..
“أليست السيدة إيرين مذهلة حقًا؟”
“أنا من معجبيها منذ وقت طويل.”
كانت أصوات شبّان هذه المرة ، عندها تلألأ بريق بارد في عيني راينهارت ، وهمّ بالنهوض ، لكن “رون”، الذي كان برفقته ، ضغط على كتفه ليمنعه …
“…جلالتك ، إن تصرّفت هكذا ، فستُفسِد هدف هذه الجولة المتخفية.”
قالها هامسًا ، فقد كانت هذه الجولة تهدف إلى الاستماع لرأي الشعب بشأن زواج الإمبراطور بإيرين ..
كان راينهارت قد طلب مسبقًا من الصحف استخدام عبارات إيجابية ، لكنه أراد أن يرى رأي الناس الحقيقي ..
“…لحسن الحظ ، يبدو أن الرأي العام جيد.”
ذكّره رون بهدفه الأساسي على عجل ..
“أجل ، صحيح.”
قال راينهارت وهو يسحب غطاء رأسه بإحكام وينهض ..
“أنا آسف ، في الآونة الأخيرة بدأت أفقد السيطرة على غضبي بسهولة…”
“في مكتبك لا بأس ، لكن في الخارج… حاول التماسك قليلاً.
كان “رون” يتفهّم الأمر؛ فقد ظل راينهارت يكبت في نفسه الغضب والمرارة طويلًا ..
لطالما تمتم باللعن في مكتبه كلّما قُدِّمت له قضايا لا تُعقل، وهو أمر ما كان ليحدث أبدًا في أيام ولاية العهد ..
لكن لا ينبغي أن يفعل ذلك في الخارج ..
فراينهارت لم يعد مجرد ولي للعهد ، لقد أصبح الإمبراطور ..
وإن شاع بين الناس أن الإمبراطور فقد أعصابه بسبب كلام عن محبوبته وأثار الشغب بين المواطنين…
فأي فضيحة ستكون تلك؟
كان رون ، بصفته فارسًا مخلصًا ، يحمل على عاتقه مسؤولية الحفاظ على كرامة الإمبراطور وهيبته ..
والآن ، بعد أن غابت إيرين ، لم يبقَ من يستطيع إيقافه سواه ..
يا أيتها الفارسة الشجاعة ، التي لا تتوانى عن توجيه النقد…
لقد شعر بغياب إيرين أكثر من أي وقت مضى.
—
في هذه الأثناء ، كانت إيرين تنظر إلى الخدم والوصيفات وهم ينقلون حاجياتها إلى جناح الإمبراطورة ..
كان المتاع بسيطًا جدًا: سيف ، وزي رسمي ، وملابس تدريب ..
“هل هذا كل شيء حقًا؟”
أومأت إيرين برأسها ، تبادل الخدم النظرات بدهشة ..
بالنسبة لهم ، كان قلّة العمل أمرًا جيدًا ، لكن أن تكون هذه كل ممتلكاتها؟ بدا الأمر غريبًا حقًا.
“آه ، نسيت شيئًا.”
وحين عرض أحد الخدم أن يحضره بدلًا منها ، رفضت بلطف وتوجهت بنفسها إلى مسكنها القديم ..
وما إن دخلت غرفتها ، حتى وقعت عيناها على حجر مألوف ..
ليفيدور ..
كم كان من حسن الحظ أنها استعادته في وقت مبكر ..
ترددت لحظة:
هل أتخلص منه… أم آخذه معي؟
لكن ترددها لم يدم طويلًا ، وضعت الحجر في صدرها واحتفظت به ..
صحيح أن العالم في القصة الأصلية انتهى بالخراب ، لكن الحاضر مختلف ، إذ يسوده السلام ..
ومع ذلك، كانت إيرين تعرف — من تجربتين سابقتين — أن ذلك السلام يمكن أن ينهار في أي لحظة ..
—
عندما عادت إلى جناح الإمبراطورة ، استُقبلت بتقديم وصيفتها الجديدة ..
“اسمي جلينا ميتشل ، وهؤلاء هن الفتيات اللواتي سيقمن بخدمة جلالتكِ من الآن فصاعدًا.”
وعند إشارتها ، انحنت الوصيفات جميعًا بانسجام ..
“إنه لشرف لنا أن نخدمكِ ، مولاتي.”
مولاتي ..
لماذا بدا هذا اللقب غريبًا عليها إلى هذا الحد؟
لم تُنادى بـ”السيدة إيرين” بل بـ”مولاتي”.
تصلبت ملامحها للحظة ..
“هل هناك ما يزعجكِ ، مولاتي؟”
سألتها جلينا باهتمام ، فأجابت إيرين وهي تهز رأسها:
“لا.”
“رجاءً تحدثي براحة ، فأنتِ صاحبة هذا المكان ، مولاتي.”
“…حسنًا.”
رغم أن مشاعر الضيق تزايدت داخلها ، إلا أنها لم تُظهر شيئًا ..
لم يكن من المقبول خرق نظام الطاعة والانضباط في القصر الإمبراطوري لمجرد شعور شخصي ..
“ما هذا الذي في يدكِ؟”
رأت إيرين ما تحمله جلينا ، فبادرت بالسؤال
كان فستانًا فاخرًا مزينًا بخيوط ذهبية ..
“سأساعدكِ في تبديل ملابسكِ …”
وقبل أن تجد الوقت للاعتراض ، كانت أيدي الوصيفات قد بدأت بتغيير ثيابها ..
بمهارة وخفة نزعن عنها زيها الرسمي وألبسنها الفستان الفخم ..
“واو… ما أروعكِ!”
تعالت أصوات الإعجاب من الوصيفات
وقفت إيرين أمام المرآة ..
منذ أن أصبحت بالغة ، لم ترتدِ سوى الزي العسكري ، والآن ها هي ترتدي فستانًا بهذا البذخ ..
لم تشعر وكأنها تنظر إلى نفسها ..
ربما هو أثر الصدمة بعد العودة بالزمن ..
وبينما كانت تحدق بصمت في انعكاسها ، جذبتها الأيدي نفسها مجددًا لتُجلَس أمام طاولة الزينة ..
وبدأن في تزيين وجهها ..
كانت لمساتهن ناعمة ودقيقة ..
“انتهينا ، سمعنا من جلالته أنكِ لا تفضلين قضاء وقت طويل في الزينة ، لذا جعلناه بسيطًا ، هل يُرضيكِ ذلك ، مولاتي؟”
“…نعم.”
فوجئت إيرين قليلًا من أن راينهارت يعرف عنها هذا النوع من التفاصيل ..
لكن ما أزعجها أكثر… هو أنها بدأت تعتاد على كل ذلك ..
إلى أي حد يعرفني حقًا؟
ورغم ذلك ، فقد كان هذا الهدوء وهذه الراحة… أفضل بكثير من الحياة التي قضتها في صراع مستمر ..
فقررت أن تستمتع قليلًا بهذه السكينة ..
القاعة المركزية في القصر الإمبراطوري
كانت مزينةً بشكل جميل بأزهار بيضاء ، وقد فُرِش بساط أزرق فاخر في الممر ..
توقفت الوصيفات والخدم للحظة عند رؤية المقاعد المخصصة للضيوف ..
كان دوق ليكاون وهاكان يجلسان جنبًا إلى جنب بملامح متجهمة ..
“جلالة الإمبراطور يدخل الآن!”
دخل راينهارت مرتديًا زيه الأبيض ، يخطو بخطى واثقة فوق البساط ..
انبثق من عيني ليكاون وهاكان بريق بارد حاد ، لو كانت النظرات تقتل ، لربما حدث ذلك لتوّه ..
ارتعد بعض الضيوف من هالة التوتر ، لكن راينهارت ، الذي كان محط تلك النظرات ، لم يتأثر مطلقًا ..
“جلالته أقوى مما توقعنا…”
“بالفعل.”
همس بعض النبلاء لبعضهم البعض ..
فمنذ اعتلائه العرش ، كانت هيبة راينهارت تتصاعد يومًا بعد يوم ..
وكأنه كان ينتظر هذه اللحظة طيلة حياته ،
قام بتصفية جميع النبلاء المؤيدين للإمبراطورة السابقة ، وأعدم الفاسدين منهم ،
تفاجأ مستشاروه الذين ظنوا أنه سيكون معتدلًا ومتسامحًا من قوة حسمه وسرعة قراراته …
قال كلمة واحدة بعد اعتلائه العرش:
“التلوث خطرٌ يُهدد أمن الإمبراطورية.”
ولم يُعارضه أحد ، فقد عانت الإمبراطورية كثيرًا بذلك ..
وفجأة
“جلالة الإمبراطورة تدخل الآن!”
ظهرت إيرين ..
“واو…”
“يا للدهشة!”
“لم أتصور أن أراها بهذا الشكل يومًا.”
دخلت إيرين وهي تمسك بطرف فستانها ، تمشي على البساط بخطوات حذرة ..
كان الطريق طويلًا ، وكأنها ستتعثر في أي لحظة بسبب طول الفستان ..
لا يعجبني هذا الفستان أبداً ..
نظرت إيرين إلى الفستان نظرة ضيق ، ثم رفعت عينيها إلى راينهارت ، الذي كان يبتسم لها بود ..
“يبدو أن الفستان لا يُعجبكِ.”
لم تتفاجأ هذه المرة من قدرته على قراءة أفكارها ..
لكنها سألته على سبيل المزاح:
“هل تعلمتَ قراءة الأفكار؟”
فأجاب مبتسمًا بلطف:
“لستُ آلين كريستيان ، لكن… أنتِ صريحة جدًا في تعابير وجهكِ ، مولاتي.”
كانت عيناه حين ينظر إليها دافئتين مطمئنتين ..
ثم بدأت كلمات التهنئة:
“في مثل هذا اليوم الجميل من الربيع ، يسعدنا أن نشهد هذه المناسبة ، نتمنى للحبيبين حبًا خالدًا ومجدًا لا ينتهي.”
وسط تصفيق وتهليل الحاضرين – باستثناء ليكاون وهاكان – اقترب راينهارت وإيرين وتبادلا قبلة ناعمة على الشفاه ..
ترجمة ، فتافيت ..
التعليقات لهذا الفصل " 134"