إيرين التزمت الصمت للحظة ؤ لم تتخيل حتى في أحلامها أن تتفاقم الأمور إلى هذا الحد ..
أن تصل الأخبار إلى هاكان أيضاً ..
شعرت أنه من الضروري أولاً أن تصحح الخطأ الذي وقع فيه سيدريك ..
“أولاً ، عليك أن تعيد النظر فيما إذا كان من الممكن أن أصبح الإمبراطورة …”
لكن سيدريك كان حازماً ..
“لا حاجة لإعادة النظر ، من تصرفات جلالته ونظراته إليكِ ، يمكنني الحكم بيقين …”
يبدو أن رأيه قد ترسخ تماماً ..
“كانت نفس النظرات التي كنت أنظر بها إلى إستيلّا …”
لمعت في عينيه لمحة حزن عميقة للحظة.
(يبدو أنه قد حسم أمره تماماً.)
أدركت إيرين أنه لم يعد هناك مجال للحوار ، فقررت التراجع ..
“حسنًا… إذا كان هذا هو رأي جلالته ، فسأنقل الرسالة فورًا. ..”
“يجب أن تفعلي ذلك …”
كانت نظرة سيدريك حاسمة ، لم تستطع إيرين أن تفهم لماذا بدا بهذه الجدية ، لكنها أومأت برأسها ..
ارتسمت على وجه سيدريك راحة خفيفة ..
(هل هذا أمر يدعو للقلق من الآن؟)
تساءلت في نفسها ، لكنها ما إن تذكرت مشهد راينهارت وهو يقبّل خدها–
(ربما لا تكون فرضية بلا أساس…)
واعية لاحمرار وجهها ، غادرت إيرين المكتب بسرعة ..
عادت إيرين إلى القصر الإمبراطوري وارتسمت على وجهها علامات الاستغراب بسبب الأجواء المشوشة ..
“ما الذي يحدث هنا؟”
لاحظت خادمات يتهامسن فأدارت نظرها نحوهن ..
“أنا مظلوم!”
في تلك اللحظة ، سُمِع صوتٌ مدوٍّ من أمام بوابة القصر ، كان رجُل في منتصف العمر ، يبدو من النبلاء ، يبكي بحرقة بينما كان يُسحب على يد الفرسان ..
وبينما كانت الخادمات يتهامسن بنظرات قلقة ، قالت إحداهن:
“هل ارتكب خيانة ضد جلالة الإمبراطور؟”
“لا بد من ذلك ، جلالته الرحيم لا يمكن أن يتصرف هكذا بلا سبب…”
وافقت إيرين على كلامهن في نفسها ، لا بد أن راينهارت اتخذ القرار الصائب بإقصاء هذا النبيل ..
فتحت خطواتها قائلة:
“هيا، لنخرج بسرعة.”
ومع استعجال الفرسان ، بدأ النبيل يبرر موقفه ، كما لو كان يصرخ من شدة الغضب:
“لقد قدمت مجرد نصيحة لصالح الإمبراطورية…!”
في ظروفٍ عادية ، كانت لتتجاهله ، لكن الكلمات التالية جعلت خطواتها تتوقف فجأة:
“كل ما فعلته أنني قدمت قائمة بالمرشحات لمنصب الإمبراطورة!”
اقتربت إيرين من النبيل الذي كان يدافع عن نفسه ..
“هل قدمتها لجلالة الإمبراطور؟”
“ن-نعم…”
تعرف النبيل على وجهها ، فازداد شحوبًا ، فقد كانت العلاقة بين الإمبراطور وإيرين مشهورة حتى داخل القصر ، بدا على وجهه أنه يفكر: “يا لسوء حظي ، أن أقع بيد هذه بالذات…”
أما إيرين فكانت تفكر وهي تنظر إليه:
(لا بد أن لجلالة الإمبراطور غايته من هذا الأمر…)
لكن إن كان قد أمر بطرده فقط لأنه قدم قائمة بالمرشحات ، فقد يُتهم داخليًا بالاستبداد ..
“أطلقوا سراحه.”
رد الفرسان بحزم:
“لا يمكن ، هذا بأمر من جلالته ..”
“…حسنًا ، سأذهب لمقابلة جلالته ، فقط انتظروا قليلاً …”
تبادل الفرسان نظرات مترددة ، ثم تكلم أحدهم ، ويبدو أنه صاحب القرار بينهم ..
أسرعت إيرين إلى مكتب الإمبراطور، وطرقت الباب ، لكنها لم تنتظر جوابًا ، بل فتحته بعنف.
“من يجرؤ على—”
كان راينهارت منشغلاً بقراءة الوثائق حينها ، وبصوت بارد تمتم بالكلمات ، لكن وجهه أشرق بابتسامة حين رآها ..
“لم أتوقع أن تأتي بهذه السرعة —”
“جلالتك.”
تجمد تعبير وجه إيرين ..
“لقد تم اقتياد أحد المسؤولين منذ قليل ، ما السبب؟”
اختفت الابتسامة عن وجه راينهارت ، وكأنه فهم سبب صرامتها ..
“لقد تجاوز سلطته ، لذا عاقبته.”
“تقديم أسماء مرشحات لمنصب الإمبراطورة لجلالتكم ، هو من واجبات المسؤولين.”
“حتى لو لم أطلب ذلك؟”
“نعم.”
عقدت إيرين حاجبيها بقلق ، راينهارت لم يكن كعادته ، كان غير عقلاني ، ما الذي حلّ به؟ لم يكن يومًا كذلك…
(هل هذا هو حقًا الرجل الذي أعرفه؟)
من كان دومًا هادئًا ورزينًا ، أصبح الآن يطرد مسؤولاً لمجرد تقديمه قائمة مرشحات؟
“إذا لم تميزوا بين العام والخاص ، فذلك يؤدي إلى الطغيان …”
“…”.
صمت راينهارت وكأنه لا يجد ردًا ، وبدت عليه ملامح العناد ..
كان هذا الوجه جديدًا كليًا على إيرين ، شعرت بالغربة نحوه ..
“جلالتك.”
“أنا أستمع.”
“إذن ، هل ستأخذ برأيي؟”
“…بشرط.”
شرط؟
لم تستطع أن تتخيل ما قد يكون ..
تحدث راينهارت بعد أن بدا وكأنه اتخذ قرارًا:
“كوني أنتِ الإمبراطورة.”
“ماذا… ماذا؟!”
صُدمت إيرين ، لم يمضِ على عودتها من قلعة ليكاون سوى ساعتين ..
كانت قد اعتبرت كلام سيدريك عن كونها الإمبراطورة مجرد هراء ..
لكن الآن ، أصبح ذلك حقيقة ماثلة أمامها.
قال راينهارت بابتسامة خفيفة:
“كما قلتِ ، أشعر أنني أتحول تدريجيًا إلى طاغية ، عندما أمسكت بالسلطة ، بدأت أفقد صبري ، في الاجتماعات ، أريد أن أطرد الأغبياء جميعًا ، أن أستبدلهم ، أن أقتلعهم ، أشعر برغبة في تحطيم كل شيء، هكذا ببساطة …”
رغم أنه تحدث مبتسمًا ، إلا أن كلماته كانت قاتمة ومقلقة ..
“أحتاج إلى شخص يمسك بزمامي.”
ما هذا الكلام…؟
“أتطلب مني أن أصبح الإمبراطورة لأجل هذا؟”
“نعم.”
لم تستطع إيرين إلا أن تضحك بدهشة ، لم تعلم إن كانت تعيش حلمًا ، كابوسًا ، أم مجرد خيال سخيف ..
“إن لم تكوني بجانبي ، قد أصبح حقًا طاغية.”
“…وما الذي كنت تفعله عندما كنت وليًا للعهد؟”
“كنت أخفي هذا الطبع السيء ، لأني كنت مضطرًا للبقاء على قيد الحياة.”
تحدث راينهارت بصدق وهدوء ، مما جعل إيرين تشك في أذنيها ..
“فأنت تحتاج إلى من يروض هذا الطبع، أليس كذلك؟”
سألت وهي بالكاد تصدق ..
ما هذا الجنون…؟
لكن راينهارت لم تتغير ملامحه ، وردّ بجديّة:
“نعم، وإن رفضتِ أن تصبحي الإمبراطورة ، فسأطرد كل مسؤول يقدّم لي قائمة مرشحات ، وأنا سأبكي.”
تهديد…؟
لكنه تهديد غريب نوعًا ما ..
“تبكي؟”
“لأني سأكون مرفوضًا.”
“…هل هذه طريقة للاعتراف؟”
“طلبكِ بأن تصبحي إمبراطورة ، أليس هذا اعترافًا؟”
كان وجه راينهارت جادًا تمامًا ، بينما أطلق رون ، الذي كان يقف إلى جانبه ، تنهيدة طويلة وهز رأسه ..
هل كان خطأً أن يخبره اليوم عن الفارس الذي كان يخطط للاعتراف بحبه لإيرين؟
“كنت أنوي أن أكون أكثر سحرًا ، لكني فقدت صبري ، وأخاف أن تلتقي أحدهم ، وتهربي معه …”
“…ماذا؟”
اتسعت عينا إيرين بدهشة لم تكن تتوقعها.
“أنا… أقع في حب أحدهم؟”
راينهارت شكر السماء سرًّا على كون إيرين لا تملك حسًّا قويًا بالملاحظة ..
ففي الحرس الملكي وحده ، كان هناك العديد من الفرسان الجدد الذين كانوا يعجبون بها.
لكنهم لم يجرؤوا على الاعتراف ، خوفًا من غضب الإمبراطور ..
ولو لم يُظهر راينهارت مشاعره تجاهها بهذه الوضوح…
“سيدتي ، هل تكرهينني؟”
“لا، لا أفعل.”
“ثم ، هل تحبينني؟”
“هذا…”
ترددت إيرين، لم تعرف كيف ترد على سؤاله المفاجئ ، بدا الموقف محرجًا للغاية ..
“لا تكرهينني ولا تحبينني؟ إذًا هل أنا في حالة حب من طرف واحد؟”
سأل راينهارت بجديّة ..
“…لا ، ليس حبًا من طرف واحد ..”
أجابت إيرين أخيرًا ، بعد أن تغلبت على ارتباكها ، عندها أضاء وجه راينهارت بابتسامة مشرقة ..
“ثم ، هذا يعني—!”
“من فضلك ، امنحني بعض الوقت للتفكير ، أنا في النهاية فارسة جلالتك …”
وكالعادة ، أجابت بردّ صارم لا يلين ..
“سيدتي ، لا تقولي إنكِ ستتحدثين عن الفروسية في هذه اللحظة بالذات!”..
قال راينهارت بنبرة فيها خيبة أمل واضحة ، فنظرت إليه إيرين بصمت ، وكأنها تلقت ضربة في الصميم ..
“إذًا لا مفر… سأضطر إلى فصلكِ من منصبكِ.”
“ماذا؟!”
“طالما أنني أصبحت طاغية ، فدعيني أكون طاغية بكل معنى الكلمة ، إن للسلطة لذة عظيمة!”
قالها راينهارت بابتسامة مشرقة ، بينما كانت إيرين تنظر إليه بدهشة وذهول ..
“هل كان جلالتك دائمًا هكذا؟”
ترجمة ، فتافيت ..
التعليقات لهذا الفصل " 133"