انتهى الاجتماع ..
وحين دخلت إيرين إلى مكتب راينهارت ، بدت عليها ملامح القلق ..
“هل سيكون كل هذا على ما يرام ، جلالتك؟”
“هل من مشكلة؟”
“أخشى أن يتجه الأمر نحو حكمٍ قائم على الخوف …”
أجاب راينهارت ببرود:
“هل تظنين أن من تغاضوا عن أفعال الإمبراطور الراحل والإمبراطورة ، كانوا فقط من أتباعها؟”
كان يعلم أن الكثيرين كانوا على دراية بما يحدث ، لكنهم آثروا الصمت ..
شعرت إيرين بالحرج ، وقالت بتردد:
“أعتذر عن تدخلي الساذج …”
“أنتِ ، لا بأس عليكِ …”
قالها بابتسامةٍ عذبة تشبه ورقة صنوبر نديّة.
ثم أردف بصوت خافت كأنه يحدث نفسه:
“لكن غيركِ… قد لا يكون الأمر كذلك ..”
نظرت إليه إيرين في حيرة ، لا تفهم ما يقصده ..
ثم بدّل الموضوع وقال:
“علينا أن نهتم أولًا بالجنود والفرسان الذين أصيبوا في المعارك مع الوحوش والشياطين ،
وأن نوصل تعويضًا لعائلات من فقدوا حياتهم …”
قالت إيرين بحذر:
“هل لي أن أقترح شيئًا؟”
“ما هو؟”
الجنود الذين يموتون في ساحة المعركة أو يُصابون بشدة ، لا يطلبون سوى أمر واحد:
“الشرف كفرسان ..”
لقد وُلدوا ليسعوا خلف الشرف ، لا المال ولا الأوسمة ..
“أتمنى أن يكون هناك شكلٌ يُظهر تضحيةَ هؤلاء وشجاعتهم للعامة …”
راينهارت حدّق أمامه ، وقد لمعت عيناه الخضراوان بفكرة ..
“… نصبٌ تذكاري.”
“يجب أن ننحت أسماءهم عليه ..”
عضّت إيرين شفتيها بتأثر ..
لو كُتب اسمها على ذلك النصب حين ماتت ، لما ندمت على شيء ..
“سيُسعدهم ذلك حقًا.”
نظر إليها ، وكانت عيناه مليئتين بدفءٍ لا يخفى…
نظرة رجلٍ يُكنّ لها مشاعر تفوق مجرد الامتنان ..
اتجهت نظرات راينهارت نحو المساعد إيزاك
“مع ذلك ، إن أنهينا الأمر بذلك فقط فسيكون الأمر مقتضبًا ، لذا جهز تعويضًا ومكافأة أيضًا.”
“نعم، سأتحدث مع قسم المالية.”
غادر إيزاك المكتب ..
“مقتضب؟ هذا شرف عظيم لي كفارس!”
شعرت إيريني بالغضب لسببٍ ما ، من منظور فارس ..
“أتعلمين ، الحفاظ على المكانة يظل جزءًا مهمًا من الشرف …”
“…لا أعرف ذلك جيدًا.”
المكانة ..
كانت كلمة بعيدة كل البعد عن إيرين .
“في الواقع ، ليس هناك الكثير من الفرسان ممن سيرضون بمجرد كتابة أسمائهم على شاهدة القبر ، الأمر الأهم هو المكافأة والتعويض ، عليهم الآن أن يعيشوا من دون راتب …”
“…أفهم.”
لم يكن أمام إيرين إلا أن تقتنع بإجابة راينهارت الواقعية ..
فقد كانت شخصًا لطالما وثق فقط في إيمانه كفارس ..
“المال.”
لم تكن تدرك قيمته جيدًا ، كل ما كانت تفعله هو التدريب ، وقتال الوحوش ، وحماية الأمير.
لذلك شعرت فجأة بالخجل من جهلها الذي انكشف بسبب عدم اهتمامها بالأمور الأخرى ..
وفي الوقت ذاته ، بدا لها راينهارت شخصًا متفهمًا لما يفكر حتى في مثل هذه التفاصيل ، مما جعل قلبها يميل نحوه ..
‘ما الذي يحدث لي؟ ..’
منذ أن استيقظت بعد انتهاء الحرب ، لم تخمد هذه المشاعر بسهولة …
فكلما رأته ، ينبض قلبها بشكل غير منتظم ، ويزداد نبضها ، وتحمرّ وجنتاها..
“ما خطبكِ ، يا إيرين؟”
لم تستطع أن تشرح هذه المشاعر التي لم تعهدها من قبل ، كانت تمامًا كما شعرت عندما احتضنها راينهارت بقوة في ذلك الوقت
لذا توصلت إلى نتيجة ..
“أشعر أنني لست بخير ..”
“ماذا؟ أنتِ؟”
هبّ راينهارت واقفًا واقترب منها
رأى وجهها الأحمر فعلاً وأصبح جديًا ..
“لستِ بخير؟ أين؟ منذ متى؟ ما الأعراض؟”
إيرين تمرض؟ كان أمرًا غير مسبوق ..
بدأ راينهارت يشعر بالقلق وانهال عليها بالأسئلة ..
‘لا يمكنني أن أفقد إيرين …’
لقد أصبحت وفاتها بالنسبة له مصدر صدمة
فحتى موت والدته في ذكرياته القديمة ، طغت عليه الآن فكرة فقدانها ..
احمرّ وجه إيرين أكثر عندما اقترب راينهارت منها مجددًا ..
‘ما هذا؟ مرة أخرى….’
سألها راينهارت بجدية بعدما لاحظ ملامحها:
“هل كنتِ تعانين من مرض ما؟”
“لا، ليس الأمر كذلك.”
قرأت في عينيه خوفًا صادقًا ، فقررت أن تصارحه بحقيقتها ..
“في الواقع… أشعر أنني أزداد سوءًا كلما اقتربتَ مني ، يا سمو الأمير.”
“…ماذا؟”
تزعزعت نظرات راينهارت بسبب ردها غير المتوقع ، لكنه بدا وكأنه أدرك شيئًا فجأة ، وظهرت نظرة مهووسة في عينيه …
اقترب منها أكثر ، فتراجعت خطوة للخلف ، لكنه أمسك بها قبل أن تبتعد ..
“هل قلبكِ يبدأ بالخفقان بسرعة وتشعرين بحرارة في جسدكِ؟”
“…دقيق جدًا.”
تفاجأت إيرين لأنه وصف حالتها بدقة تامة ، وشعرت بقلبها يخفق أكثر بمجرد أن أمسك بيدها ..
“هل شعرتِ بهذا مع لويد؟”
“…لا، أبدًا.”
أجابت بثقة ، لم تشعر مع لويد أبدًا بهذا الخفقان أو السخونة ..
“أفهم.”
بدا راينهارت سعيدًا بشكل غريب بعد سماعه لإجابتها ، لا، بل بدا في غاية السعادة ..
كان من النادر أن تراه يبتسم هكذا ..
نظرت إلى تلك الابتسامة على وجهه الوسيم ، فاشتعل وجهها خجلًا من جديد ..
“لأنكِ تحبينني ، يا إيرين …”
“…عفواً؟”
قالها راينهارت وهو يبتسم ، وكانت عيناه تنضحان بالمحبة وهو ينظر إليها ..
كان في عينيه أيضًا شيء من الفرح ..
“لأنني أيضًا أشعر بذلك كلما رأيتكِ ، وحتى الآن …”
أمسك بيدها ووضعها على صدره ، كان قلبه ينبض بسرعة ..
أسرعت إيرين بسحب يدها ..
هذا النوع من القرب… كان محرجًا .
فبدت على راينهارت ملامح انزعاج لم يخفِها.
“…أعتذر.”
هل تصرفت بشكل غير لائق؟ فاعتذرت له
“لا، لا داعي لأن تعتذري ، يا إيرين …”
لكن ملامحه لم تكن مرتاحة ، وقد بدأ يزعجها ذلك كثيرًا ، ولو كان الأمر من قبل لما أعارته كل هذا الاهتمام… لمَ هذا التغير؟
‘هل هذا هو ما يعنيه أن يعود النصف الآخر من الروح؟’
كانت إيرين مشوشة ، ومع ذلك ، عندما لاحظت أن عينيه لا تفارقانها ، شعرت بدغدغة في قلبها واحمرار في خديها ..
“هل تستطيعين الاستمرار في أداء مهام الحراسة بهذه الحالة؟”
سأل راينهارت بنبرة تحمل نية متحمسة ، كان يأمل أن تتخلى عن الفروسية وتبقى إلى جانبه ..
فلو فعلت ، سيكون بإمكانه أن يحتفظ بها إلى الأبد في أحضانه – علنًا ..
“سأبذل جهدي …”
لم تلحظ إيرين نظرته المتملكة ، وردّت بخجل ..
‘حصن منيع تمامًا.’
قرر راينهارت أن يفتح قلبها ببطء ، رويدًا رويدًا ..
‘لأنها تأخذ الفروسية على محمل الجد أكثر من اللازم ..’
لو طلب منها الآن أن تتخلى عن الفروسية وتصبح شريكته ، فقد تنفر منه ..
لذا غيّر خطته وقرر إغواءها تدريجيًا ..
“يا إيرين ، أعاني من صداع بسبب الإرهاق ، هل يمكنكِ مساعدتي قليلًا حتى أصل إلى غرفة العلاج؟”
“نعم.”
ترددت إيرين للحظة عندما أدركت أنها ستضطر للمسه ، لكنها تذكرت أن ذلك أمرٌ من الأمير ، ولا بد أن تطيعه ، فأسندته بذراعيها
كان ينبعث منه رائحة طيبة خفيفة …
‘رائحته طيبة حقًا.’
تذكرت ذلك العطر حين احتضنها بقوة ، عندما لامست رائحته أنفها الآن ، ازدادت مشاعرها اضطرابًا ، وفكرت في جانب من ذهنها:
‘رون موجود إلى جانبه …’
لماذا لم يطلب من رون؟
رون أضخم منها جسدًا ، وكان سيكون أكثر قدرة على مساعدته في السير بثبات…
‘لا بد أن لديه سببًا آخر …’
قررت ألا تشغل بالها بالتساؤل أكثر ..
فهو مريض ، ولو بدأت توجه له الأسئلة ، فقد يزداد صداعه سوءًا ..
وأثناء الطريق إلى غرفة العلاج ، أصبح وجهها يزداد احمرارًا كجزرة ناضجة ..
فراينهارت كان يتكئ عليها أكثر من اللازم بحجة تعبه ، ما زاد من ملامسات الجسد بينهما ..
“هل المريض هنا؟”
بالطبع ، أشار طبيب القصر إليها ، كان وجهها وجسدها يشتعلان حمرة ..
“يبدو أنكِ تعانين من حمى شديدة ، سأفحصكِ حالًا …”
اقترب منها الطبيب ، لكنها هزّت رأسها بسرعة.
“…لا ، ليس أنا ، سمو الأمير قال إنه يعاني من صداع ، لذا أحضرته إلى هنا.”
“أفهم …”
أومأ الطبيب برأسه ، وإن كان يرمق راينهارت بنظرة فيها شيء من الريبة ..
ترجمة ، فتافيت …
التعليقات لهذا الفصل " 130"