أُغلِق الصدع ، ومضى أسبوع منذ ذلك الحين ،
وفي جلسة طارئة للمائدة المستديرة ، تم التوصل إلى نتيجة حاسمة:
يجب ملء العرش الإمبراطوري الشاغر .
وطبيعي أن يُذكر اسم مرشح واحد فقط لذلك المقام:
راينهارت إلفيوس ..
فهو الوريث الشرعي ، وصاحب ذكاء حاد ، وقد أثبت كفاءته طوال الفترة الماضية …
اجتمع النبلاء المؤثرون من وسط المملكة ، وظهر راينهارت برفقة إيرين
التي دخلت بصفة حارسته الشخصية ..
عندها ، تحدث أحد النبلاء المخضرمين من التيار المعتدل:
“جلالتك تضع ثقة كاملة في السيدة إيرين ليكاون ، ونخشى أن هذا قد يؤثر على قراراتك السياسية مستقبلاً …”
كان الموضوع حساسًا للغاية ، وساد الصمت بين الحاضرين ….
المتحدث لم يكن سوى مركيز هايلد ، أكثر النبلاء نفوذًا في المركز ..
توجه راينهارت بنظرات حادة نحوه ، وقال:
“الإمبراطور الراحل نفسه خضع لرغبات الإمبراطورة السابقة ، بل آمن بالسحر الأسود الذي مارسته …”
“تصريحك هذا يوحي بأن السيدة إيرين على علاقة بالسحر الأسود …”
ردّ هايلد بنبرة باردة ..
كان كلام راينهارت حادًا ، مليئًا بالعاطفة ،
ورغم أن الفكرة التي أراد إيصالها لم تكن كذلك ، إلا أن مثاله كان كافيًا ليثير الشكوك ،
بل بدا وكأنه أثبت صحة قلق النبلاء بشأنه ،
وقد أدرك راينهارت ذلك بنفسه ..
فقال بنبرة حاسمة:
“إن كان هذا ما يقلقك ، فلن أعتلي العرش ..”
ثم وقف فجأة ، وأعلن انسحابه دون أن يبدِ أي تردد ..
كانت ملامحه تشير إلى أنه لا يشعر بأي تعلق بالعرش ..
هرع جميع النبلاء للوقوف في وجه قراره
“جلالتك ، نرجوك ، تراجع!”
فلو لم يعتلِ راينهارت العرش الآن ، لعمت الفوضى في قلب المملكة ، وكان على النبلاء والوزراء أن يتحملوا العواقب وحدهم ..
“إن كنتم تتهيّأون للطعن في كفاءتي قبل حتى أن أعتلي العرش ، فما الذي سأستطيع فعله بعد أن أعتليه؟”
قال راينهارت بنبرة قاطعة ..
“لم يكن ذلك طعنًا… بل مجرد مخاوف شيخ عجوز ، نرجو أن تتغاضوا عنها.”
قال مركيز هايلد وهو يتراجع خطوة للوراء ، بينما كان العرق يتصبب من جبينه …
لكن راينهارت لم يلين:
“لقد تعاملتم مع تابعتي وكأنها شخص دنيء وخبيث ، وهي من اختياري ، لذا فذلك إهانة موجهة لي شخصيًّا.”
سادت القاعة موجة من الصمت ، واتضح أن راينهارت لا ينوي السماح لأحد أن يذكر اسم إيرين ليكاون بعد الآن ، وكأنه جعله من المحرمات ..
“لن نذكرها ، يا جلالتك… لذا نرجو أن تهدأ.”
تراجع النبيل المخضرم ، ولم يجرؤ أحدٌ آخر على الاعتراض ..
جلس راينهارت مجددًا ، وقال ببرود:
“فلنعد إذن لمناقشة مسألة وراثة العرش ..”
وفهم النبلاء ضمنًا أن هذه المناقشة لن تكون سوى تنفيذ لرغبة راينهارت ..
“إن كانت هناك آراء أخرى ، فلا تترددوا في طرحها …”
قالها وهو يحدّق بجميع الحاضرين ..
لكن من الذي يجرؤ على قول شيء ، بعد أن أجبر أحد أكبر النبلاء على الاعتذار؟
“أرى أن جلالتك ، بما أنك الوريث الشرعي وتعرف دهاليز السياسة جيدًا ، فأنت الأحق بتولي العرش…”
قالها شاب من النبلاء بعد أن نظر حوله مترددًا
“جيّد ، هل هناك من يعارض؟”
قال راينهارت وهو يمسح بنظره الحاضرين
أما أنصار الإمبراطورة الراحلة فقد تم تطهيرهم جميعًا مسبقًا ، كونهم مستفيدين من السحر الأسود ، وتم اتهامهم بتعريض الشعب للخطر ..
ولم يبقَ في هذا المكان سوى أنصاره والمعتدلين ..
“لا اعتراض.”
قال أحد النبلاء من معسكر ولي العهد ..
“ولا أنا.”
“ولا أنا كذلك.”
توالت الردود بالموافقة ..
ثم وقعت عينا راينهارت على مركيز هايلد:
“وماذا عنك ، يا مركيز هايلد؟”
“أنا أيضًا… لا أعترض …”.
قالها وهو يمسح عرقه بمنديله ..
(لقد تغير تمامًا).
لم يكن ذلك ولي العهد الهادئ كما عرفوه من قبل ..
أصبح يفرض رأيه بحد السيف ..
كان الإمبراطور الراحل يمارس سلطته بأساليب خفية ، أما راينهارت ، فكان يفعلها علنًا ، كما لو أنه يحمل سيفًا في فمه ، ولا يخشى خوض معركة ..
كان القلق على المستقبل يزداد في نفس الماركيز العجوز ، لكنّه علم أن التلفظ به الآن لن يؤدي إلا إلى..
‘المزيد من الفوضى ..’
فآثر أن يتراجع ، خاصة وأن ولي العهد أظهر كفاءته مرارًا في الآونة الأخيرة ..
أما مسألة السيدة إيرين ليكاون ، فليست كافية ليثير القلق بشأن مستقبل الإمبراطورية…
فربما ما يكنّه لها ليس حبًا أعمى ، بل ولاءً ووفاءً تجاه تابعة يثق بها ..
“كنت أتكلم بدافع حرصي الصادق على سلام الإمبراطورية ، لكن يبدو أن جلالتك أساء فهمي …”
قالها الماركيز هايلد محاولًا تبرير موقفه ..
لكن عينا راينهارت أصبحتا أكثر برودة، وقال:
“ماركيز هايلد ، إن كنتَ حريصًا إلى هذا الحد على سلامة الإمبراطورية ، فلماذا لم تتصدَّ لأفعال الإمبراطورة الإمبراطور الراحل؟”
تلعثم الرجل ، لكن راينهارت تابع بحدة:
“أم كنتَ تظن أن الإمبراطور والإمبراطورة كانا يخدمان سلامة الإمبراطورية؟”
كان في كلامه اتهامٌ ضمني:
”هل كنتَ في صف الإمبراطورة؟ ..”
تجمّد الدم في عروق الماركيز ، وتصبب العرق على جبينه ..
“لـ… لا، بالطبع لا ، لقد كنتُ متهورًا في كلامي….”
قالها وقد اختنق صوته من التوتر ..
“من الأفضل أن تكون أكثر حذرًا في المستقبل …”
قالها راينهارت ببرود ..
بدأ الماركيز يتلعثم وهو يصاب بحالة فزع ، حتى تملكه الحازوق ..
“أشعر بأن صحتي لا تسمح لي بالبقاء طويلًا…”
قالها وكأنه يطلب المغادرة ، فأمر راينهارت أحد الخدم قائلاً دون أي تعاطف:
“رافقوا ماركيز هايلد حتى خارج القصر ، يبدو أن صحته لا تسمح بالبقاء …”
قام الخادم فورًا بمساعدته على الخروج ،
بينما كان النبلاء يراقبون المشهد بقلوبٍ خائفة ..
“يا إلهي…”
أدرك الجميع أن هذا الاجتماع لم يكن فقط لمناقشة وراثة العرش ، بل كان بمثابة استعراض للقوة ..
‘عبرة لمن يعتبر ..’
كانت رسالة واضحة:
أي اعتراض على رأي ولي العهد ، سيُقابل بطردٍ مهين أو ما هو أسوأ ..
وما جعل الأمر أكثر رعبًا هو أن راينهارت لم يشتم أو يهين ، بل استخدم الحقائق والطعن في التناقضات ..
ثم قال راينهارت بصوتٍ هادئ ونبرةٍ لا تحمل أي تهديد ظاهر:
“هل من كلمات أخرى؟ يمكنكم الاعتراض إن أردتم …”
لكن الجميع كان يعلم:
الاعتراض الآن…
يعني مصيرًا مشابهًا لماركيز هايلد ..
كان اجتماع اليوم بمثابة إعلانٍ واضح:
ولي العهد راينهارت ، لم يعد ذاك الحمل الوديع ..
“أعتقد أنه من الصواب أن يتولى جلالتكم العرش.”
“وأنا كذلك.”
“نعم، هذا ما نراه جميعًا!”
انضم الجميع إلى صفّه دون تردد ، فلا أحد أراد أن يُطرد من القصر مُهانًا مثل الماركيز هايلد ..
‘يا له من عار ..’
هكذا فكّر النبلاء الذين اعتادوا التمسك بالكبرياء والمكانة ..
كان واضحًا أن موقع الماركيز في البلاط قد بدأ بالانحدار ..
حينها تجرأ أحدهم وسأل:
“إن تفضلتم يا جلالة ولي العهد ،
هل لي أن أسأل من تنوون اختيارها كإمبراطورة مستقبلًا؟”
عادة ما يكون ان الوزراء هم من يتولون اختيار المرشحة لكن يبدو ان الوضع اليوم لا يمكن ام يكون مناسباً …
كانوا يعلمون أن مشاعر ولي العهد تجاه إيرين ليكاون ليست عادية ، ولا أحد أراد أن يُعرض نفسه للخطر عبر اقتراح بديل ..
ابتسم راينهارت بخفة وقال:
“أعتقد أن هذا القرار يمكن تأجيله حتى أتولى العرش رسميًا …”
ثم ألقى نظرة سريعة على إيرين الواقفة إلى جواره ..
وحين التقت عيناه بعينيها ، احمرّ خداه للحظة .
ورأى الحاضرون ذلك بوضوح ..
‘إذن ، القرار قد اتُّخذ …’
‘الإجابة واضحة …’
‘ربما كان في كلام الماركيز هايلد شيء من الحقيقة…’
فإيرين ليكاون لم تكن مجرد محاربة في سبيل الإمبراطورية ، لقد ضحّت بنفسها من أجل راينهارت ..
وهذه القصة انتشرت كالنار في الهشيم في جميع أنحاء الإمبراطورية ..
حتى أن البعض بدأ يُقدّس ولاءها ،
ويعتبرها تجسيدًا نادرًا للوفاء ..
“نحن نحترم قرار جلالتك …”
قالها النبلاء وهم يرضخون للأمر الواقع ،
فقد بات واضحًا لهم ، لماذا يقدر راينهارت إيرين إلى هذا الحد ، ولماذا يرى فيها أكثر من مجرد تابعة… بل شريكة للعرش ..
ترجمة ، فتافيت ..
التعليقات لهذا الفصل " 129"