بفرحٍ غامر ، نهضت إيرين واقفة ..
لقد نجحت في إنقاذه من تحت الأرض!
“جلالتك ، لقد استيقظتَ سالمًا…”
لم تكمل جملتها حتى عانقها راينهارت بقوة.
” هذا ما كان عليّ أن أقوله…”
وكان في نهاية كلماته نبرة دامعة ، بدا له كل شيء وكأنه حلم ، حضنها كان دافئًا ،
وذلك الدفء كان أشبه بالوهم ..
“هل لي أن أتحقق من حالتها؟”
اقترب ألين وسأل ، حينها فقط أدرك راينهارت حالتها ، فتراجع بسرعة ..
“لقد تم تطهير التلوث بالكامل…”
أدرك ألين تمامًا أن نعمة الحاكم قد مستها ، فتراجع هو الآخر ..
“لا أظن أن لي دورًا آخر هنا ، لقد تعافت تمامًا.”
أذهلت كلمات ألين الجميع ..
“كيف… كيف يكون هذا ممكنًا؟”
“إنها نعمة من الحاكم ..”
أجاب راينهارت بدلًا عنها.
“قال إنها نعمة لقاء إتمامها واجبها كمُكلفة بمهمة سماوية.”
لم يذكر شجاره مع الحاكم ، فلا الطرفان خرجا بمظهر جيد ..
“لذلك ذهبت إلى قاعة الصلاة؟”
سأل رون بعد أن استوعب الأمر أخيرًا ..
“نعم ، كنت واثقًا أن النعمة ستُنزل …”
نظر ألين إلى راينهارت بنظرة يشوبها الشك ..
“الحاكم… أو هذا الذي يُسمى حاكماً ، لا يمنح نعمته بهذه السهولة…”
همس ألين ، وكان ديتريش القريب منه ينظر إليه مستغربًا ..
هل هذا الرجل… فعلًا البابا؟
يالها من مفارقة ، أن أكثر شخص لا يؤمن بالحاكم هنا هو البابا ذاته ..
راوده الشك بأنه ربما جاسوس من الكنيسة المعارضة ، لكنه تراجع عن شكوكه عندما تذكر أنه أكمل طقوس التطهير ببراعة ..
لكن لا أدري… ثمة شيء غريب فيه ..
لم يستطع ديتريش أن يبعد عينيه عن ألين
وفوق هذا… أشعر بالغضب؟
لماذا لم يُعالج إيرين أولًا؟
بسببه ، تصرف أمام الجميع كالأحمق باكيًا ،
اشتعل وجه ديتريش خجلًا ..
أتمنى لو أستطيع الفرار ..
من تعابير وجهه المتقلبة بشكل درامي ، بدا أن كلوي قرأت أفكاره بوضوح ، إذ سخرت منه بابتسامة ساخرة ..
“لقد استمتعت بمشهد الأخوّة المؤثر هذا ، ديتريش.”
“اغههه- لا تقولي كلامًا كهذا.”
كان على وشك أن يقول لها “اخرسي” دون تفكير ، لكنه تراجع حين التقت عيناه بعيني كلوي الحادتين ، فأشاح ببصره محرجًا ..
أما إيرين ، فقد بدأت تشعر بالحرج من تمسّك راينهارت بها دون أن يتركها ..
“جلالتك…”
“فقط ، لحظة أخرى …”
نظرت إيرين حولها ، كل الأنظار كانت موجهة نحوهما ..
وشعرت بخجل شديد جعل وجهها يحمرّ بشدة.
“هناك الكثير من الناس…”
“لا يهمني.”
لكن إيرين كانت في موقف صعب ، فبالنسبة لها، كان هذا مهمًا ..
وفجأة، شعرت بشيء رطب على كتفها ..
رفعت رأسها تتفقد السقف بحثًا عن مصدر المياه ، لكنه كان سليمًا تمامًا ..
هل… جلالته يبكي؟
شعرت بالارتباك ..
وحين نظرت في عينيه ، رأت الدموع تنهمر على خديه ..
عندها ، لم تستطع دفعه بعيدًا ..
بل وبدأت تشعر بشيء غريب يتسلل إلى داخلها ..
جسدي دافئ…
رغبت فجأة في الهروب من هذه المشاعر الغريبة التي لم تعهدها من قبل ..
وفي الوقت ذاته ، لم تكن ترغب في دفع راينهارت بقسوة ..
كانت مشاعرها متضاربة ..
ما الذي ينبغي أن أفعله…؟
لو كانت تلك المشاعر من قبل ، لزالت بسهولة ،
لكن الآن ، كان الأمر مختلفًا ..
فقد بقيت هذه المشاعر مشتعلة ..
روحي… قد عادت بالكامل ..
شعرت في أعماقها أن نصف روحها الذي كان مفقودًا قد عاد ..
مهمتها انتهت ..
قررت إيرين أن تكون صادقة مع نفسها ..
“جلالتك ، أشعر بالخجل.”
عند كلماتها ، تراجع راينهارت أخيرًا عنها
وكان خدّاها مشتعليْن احمرارًا ..
“…آه.”
للمرة الأولى ، خارج أوقات التدريب ، يرى راينهارت وجنتيها محمرتين ، فاستولت عليه رغبة غريبة ..
انشدّت عيناه إلى شفتيها الحمراوين ..
هناك الكثير من الناس…
تذكّر كلمات إيرين ، فقاوم تلك الرغبة
لو لم يتمالك نفسه الآن وارتكب حماقة ، قد تُصاب إيرين بخيبة أمل فيه ..
الفرص كثيرة بعد الآن.
فهي على قيد الحياة .
واكتفى راينهارت بهذه الحقيقة في الوقت الحالي ، وقرر أن ينتظر لوقت لاحق ..
يعني فقط ، أن يقلّ عدد الناس من حولنا ،
فكّر بذلك ، وتظاهر بأنه يراعي مشاعرها قائلاً:
“هل تستطيعين الوقوف؟”
“نعم ، لقد اختفى الألم تمامًا.”
وقفت من مكانها بدهشة ، جسدها كان خفيفًا جدًا ..
“أنتِ حقًا بارعة في قلب مشاعر الناس.”
قالت كلوي وهي تنظر إليها بنظرة حادة ،
فأيدها مايكل قائلاً:
“شعرت وكأن قلبي سيتوقف ، حتى ديتريش انفجر باكيًا…”
“آه! لماذا تذكر ذلك؟!”
صرخ ديتريش وقد احمرّ وجهه بالكامل
التفت الجميع ينظرون إليه ، وبعضهم بالكاد كتم ضحكته ..
“ديتريش… بكى؟”
سألت إيرين غير مصدّقة ، ونظرت إليه بتمعن ، رأت أن عينيه متورمتان ، ليس من ضربة أو إصابة، بل من البكاء الحقيقي ..
“لكن ، لماذا كنت تبكي؟”
سألته إيرين .
“…هل أنتِ مختلّة نفسيًا؟”
سألها ديتريش بجدية.
تجاهلته وسألت مجددًا:
“إذًا لماذا بكيت؟”
“لن أخبركِ بذلك أبدًا ، أبدًا.”
قالها ديتريش بغضب ، ثم ركض خارج المعبد وهو يشتعل حنقًا ..
“…لا يزال يتصرف كطفل.”
هزّت كلوي رأسها ، هل كان الكبرياء أمرًا بهذه الأهمية؟
في الحقيقة ، نعم ، هو مهم
رغم أنها شعرت بشيء من التعاطف مع ديتريش ، فإنها كرهت نفسها لتلك المشاعر ،
أنني ، أنا ، أتعاطف مع ديتريش؟
أصابها شعور مفاجئ بالخزي ، فغادرت المكان على الفور ..
مايكل ، الذي راقبها وهو لا يفهم تصرفها ، التفت إلى إيرين وسأل:
“هل أنتِ بخير فعلًا؟”
“نعم.”
“ديتريش بكى ظنًّا أنه فقدكِ..”
لو كان ديتريش موجودًا ، لأقام الدنيا على مايكل بسبب هذا الكلام ..
لكن لحسن حظه ، كان قد غادر غاضبًا ، مايكل استغل ذلك ببراعة ..
“…بسببي؟”
لم يخطر لإيرين قط أن يكون بكاء ديتريش بسببها ..
أضعف مما توقعت ..
دائمًا ما يُقال إن من يتظاهرون بالقوة هم أكثر الناس رقة ، ويبدو أن هذا القول ينطبق عليه تمامًا ..
“ديتريش ليس ضعيف القلب ، بل…”
تحولت نظرات مايكل نحو راينهارت
كان راينهارت يحدق في إيرين دون أن يطرف له جفن ..
تذكّر مايكل لحظة احتضانه لها ودموعه الصامتة، وهي لحظة أثّرت في كل من رآها.
ساد الصمت ، والجميع نظر إلى ذلك المشهد بهدوء ووقار ..
ربما شعرت إيرين بالحرج حينها ، لكنها لم تدرك مدى عمق تلك اللحظة في قلوب الآخرين ..
ديتريش… لم يكن مثل راينهارت.
كانت دموعه أكثر صدقًا ، أكثر يأسًا ، كأن قلبه كان ينزف .
أدرك مايكل حينها أن راينهارت يحب إيريني بصدق ..
“البكاء على من نحب بعد موتهم أمر طبيعي لأي إنسان.”
قالها مايكل …
أما إيرين ، التي لم تكن تعرف حقيقة مشاعر راينهارت بعد ، فقد أومأت برأسها موافقة ..
“…نعم ، هذا صحيح.”
هي أيضًا ، قبل عودتها في الزمن ، ابتلعت الكثير من الدموع كلما فقدت رفيقًا في
الحرب ..
لكنها لم تكن تملك ترف البكاء آنذاك
فالقتال كان متواصلًا ، حياة أو موت ، دون أي لحظة راحة ..
“جلالتك!”
وفجأة ، صرخ رون بقلق حين انهار راينهارت فجأة ..
ركضت إيرين نحوه ، وتأكدت أنه لا يزال يتنفس ، لحسن الحظ ..
“قداستكم.”
نادته ، فسارع آلين إلى تفقد حالة راينهارت ،
تنهد بارتياح بعد فحصه ..
“مجرد إغماء بسيط ، يبدو أن جسده وذهنه قد أُرهقا بشدة …”
كان آلين يتفهم وضعه تمامًا ..
عندما ماتت إيرين ، كان راينهارت أكثر من عانى ، وأكثر من تلقى الصدمة ..
لولا أن الحاكم لم يعد إحياءها ، لكان قد تبعها في الموت ..
فكر آلين بذلك وهو ينظر إلى راينهارت بعبوس خفيف ..
ما هذا الحب؟ إنه ليس طبيعيًا أبدًا
“إنه بسببي …”
قالتها إيريني بصوت منخفض ، وشعرت بغصة في قلبها ..
تذكّرت كيف ضحّى بنفسه تحت الأرض لأجلها ، رقيق… وضعيف في أعماقه
أصبحت أكثر اقتناعًا بأن عليها حمايته ..
جددت عزمها مرة أخرى ، بكل حزم .
ترجمة ، فتافيت …
التعليقات لهذا الفصل " 128"