“هاه…”
نظرت إيرين إلى الدم المتدفق من بطنها ..
لم يكن أحمر ، بل كان أسود ، من يسيل منه مثل هذا الدم عادةً هم الشياطين ، أو
“الملوَّثون.”
أدركت إيرين على الفور أنها في حالة تلوّث ..
مزّقت كمّ ردائها ولفّت به جرح بطنها بشكل عشوائي ، ثم عضّت على أسنانها وتقدّمت نحو راينهارت ، كان الألم لا يُحتمل ..
“…سيدتي ، هل أنتِ بخير؟”
كان راينهارت قد تابع القتال من مسافة ، لذا لم يدرك أنها مصابة …
“أنا بخير …”..
قالت إيرين بنبرة حاولت أن تبدو هادئة ، ثم استخدمت المفتاح لفكّ السلسلة الحديدية حول عنقه ..
— طق ..
ما إن تحرر راينهارت حتى اقترب منها فورًا ، يتفحّص حالتها بعينين قلقتين. ..
ثم توقّف نظره عند نقطة معينة …
“…سيدتي ، إيرين…”
اهتز صوته وهو يرى الدم الأسود يتدفّق من بطنها ، وامتلأت عيناه الخضراوان بالدموع ….
“لماذا… لماذا خاطرْتِ بحياتكِ فقط من أجل إنقاذي…”.
وسرعان ما انحدرت دموعه على خديه ، عضّ على شفتيه ، وطأطأ رأسه .
“إنه مجرد جرح بسيط ، لا يزال بإمكاني الحركة …”
قالت إيرين بهدوء ، رغم أن الألم كان أشبه بنار مشتعلة في بطنها، لم تكن تريد أن تقلقه ..
“علينا أن نصل إلى البوابة بسرعة …”
فعند اكتمال طقس التطهير ، ستُغلق البوابة ..
“يجب أن نصل قبل أن يكتمل الطقس ..”
—
“تأجيل طقس التطهير؟! ما الذي تعنيه بذلك؟”
في تلك الأثناء ، كان آلان قد عاد إلى المعبد وركز كامل انتباهه على طقس التطهير ، حين فزع فجأة بدخول متطفلين اخترقوا صفوف الفرسان المقدسين ..
“لا يجب أن تكونوا هنا!”
( شياطين..)
بصراحة ، آلان كان جبانًا إلى حد ما ، أدار رأسه ببطء ليرى أن الداخلين هما كلوي وديتريش …
شعر بالارتياح لكونهما ليسا شياطين ، ولو للحظة ..
لكن سرعان ما راودته فكرة مفزعة: لو كانا شياطين ، لكان على الأقل يستطيع مواجهتهما وقتالهما ..
“أختي الصغيرة عالقة تحت الشق!”
“وماذا في ذلك؟”
نظر آلان إليهما بدهشة ، نهاية العالم تقترب ، فما أهمية تلك الأخت في ظل هذه الكارثة؟
“عندما يكتمل طقس التطهير ، سيُغلق الشق ، ولن تتمكن الغراب من الخروج!”
صرخ ديتريش غاضبًا ، وأمسك بتلابيب آلان ورفعه عن الأرض ، لم يستطع آلان ، بجسده الضعيف ، مقاومته على الإطلاق ..
“ما الذي تفعله؟! إنك تتجاوز حدودك مع صاحب القداسة!”
“أر… أرجوك ، لا تقتلني!”
شعر آلان بالقشعريرة من نبرة التهديد والقتل الواضحة في عيني ديتريش الزرقاوين ..
(هل… هل سيقتلني؟ هل سيقتلني ثم ينتحر؟ اللعنة…)
أمكنه قراءة نوايا ديتريش بوضوح ، وفي تلك اللحظة ، وقفت كلوي إلى جانبه ..
“ديتريش ، لا تقتله ، إن قُتل ، قد ينهار طقس التطهير بالكامل …”
نظرت كلوي إلى آلان ، عيناها الزرقاوان اخترقتا أعماقه ، وفي تلك اللحظة ، سمع صوت أفكارها يتردد بوضوح في عقله:
(إن لم تؤجل الطقس ، سأجعلك تتمنى الموت ألف مرة …)
بدأت يدا آلان بالارتجاف ، لقد كانت تعني ما قالته تمامًا ..
قالت كلوي بصوت خافت لكنه ثابت:
“صاحب القداسة ، أختي خاطرت بحياتها كفارس لحماية سيده ، وقفزت إلى الشق دون تردد ، أعلم أن هذا طلب أناني ، لكن أرجوك… أجل الطقس لبعض الوقت فقط ، أختي هناك ستخرج قريبًا ، أرجوك ، صدقني …”
ذرفت كلوي دموعها وهي تتوسل بكل احترام ، عندها فقط، بدأ غضب الفرسان المقدسين يهدأ قليلاً ..
“إذن ، ذهبت لإنقاذ سيدها.”
بصفتهم فرسانًا يحمون صاحب القداسة ، شعروا بتعاطف عميق مع موقف إيرين ، فلو كان صاحب القداسة قد سقط في الشق ، لما ترددوا لحظة في إنقاذه ..
لم يعد الأمر مجرد شأنٍ يخص الغير ، شعر بعض الفرسان بالشفقة ، وانحازت قلوبهم تدريجياً إلى صف كلوي ..
ثم انهمرت دموع كلوي وهي تنظر إلى آلان ..
“أرجوك… أتوسل إليك …”
(سيكون من الأفضل أن تختار بعقلانية… من أجل مستقبلك.)
قرأ آلان أفكارها مرة أخرى ، وسرت قشعريرة باردة في عموده الفقري ، لقد كانت تمثل… تمثل ببراعة ..
(حتى لو أكملتَ طقس التطهير وأنقذت العالم، سأجرك إلى الهاوية بيدي ، سأفعل أي شيء ، أي شيء ، لأدمّرك تمامًا.)
اهتز آلان من شدة تصميمها وعزيمتها القاتلة ..
“…حسنًا ، حسنًا ، سأؤجل الطقس.”
اتخذ قرارًا مؤقتًا بإيقاف الطقس ، كان قرارًا ناتجًا عن تهديد خفي… تهديد لا يعرفه أحد
“كما توقعت… لا تزال تُقدّر حياة كل إنسان.”
قال أحد الفرسان بإعجاب ..
تنهد آلان في سرّه ، خفية عن أعين الجميع.
(إيرين ..)
فكرة وجود صديقته داخل الشق زعزعت قلبه للحظة. ..
ومع ذلك ، كانت حياة الكثيرين على المحك ، كان ينوي الاستمرار بطقس التطهير ، في النهاية …
فحياة الكهنة والفرسان لا تقل أهمية في عينيه ..
(لكن مع ذلك…)
حوّل نظره خلسة ، وهناك ، رأى كلوي تبتسم له بامتنان ، تلك الابتسامة التي بدت مرعبة أكثر من أي تهديد ..
(قرار جيد ، آلان كريستيان ، على الأقل أنقذتَ مصيرك.)
يا لها من امرأة مخيفة… إلى درجة أنه لا يرغب في التعامل معها مجددًا ما دام حيًا ..
—
في تلك الأثناء ، كان راينهارت وإيرين يتحركان بسرعة ..
“يجب أن نصل قبل أن يكتمل طقس التطهير.”
كان راينهارت مدركًا لذلك ، لكنه عندما رأى حالتها الجسدية ، شعر بألم يمزق صدره ..
(لكن إن تركتُ مشاعري تتحكم بي…)
فهذا لن يكون سوى عبء إضافي عليها ، رغم ذلك ، لم يستطع راينهارت تجاهل إصابتها واقترب ليسندها ، لكنها دفعت يده جانبًا وقالت:
“أستطيع السير وحدي …”
فقد صمدت إيرين قبل عودتها بالزمن رغم الجراح العديدة التي أُصيبت بها ، مستندة فقط إلى قوتها الذهنية ..
“مساعدتك ، يا صاحب السمو ، قد تُبطئ حركتنا نحو البوابة.”
قالت ذلك بنبرة باردة وواثقة ..
قبل عودتها ، رأت الكثير من الجنود يُبادون فقط لأنهم حاولوا إنقاذ رفاقهم المصابين بدافع الوفاء ..
والآن ، كانت هي الجريحة ..
(لكن صاحب السمو…)
لن يسمح لها بالسقوط ، لقد كان رجلاً مستعدًا للموت من أجلها ، ولهذا السبب ، كان من الأفضل ألا تُظهر له ألمها ..
حتى لو كلفها ذلك حياتها وسقطت ميتة في منتصف الطريق ..
فذلك سيكون الأفضل له ..
“هل أنتِ حقًا بخير؟”
“نعم ، هذه إصابة بسيطة لا تؤثر بي.”
بدت نبرة إيرين هادئة تمامًا ، شكّ راينهارت للحظة ، لكنه اتفق معها بأن الوقت لا يسمح بالتوقف ، فواصلا التحرك بسرعة ..
(هاه…)
تنهدت إيرين في سرّها ، كانت على وشك أن تفقد وعيها ، لكنها تماسكت بكل ما أوتيت من قوة رغم أن بصرها بدأ يبهت ..
“يا سيّدتي…”
تغيرت ملامح راينهارت فجأة ، وكأنه شعر بشيء ..
“جبينكِ يتصبب عرقًا بارداً.”
“لأن الجو حار …”
“كلا ، وجهكِ شاحب للغاية.”
لو كانت تتعرق بسبب الحرارة ، لظهر الاحمرار على وجهها ، لكن وجه إيرين كان شاحبًا كالموت ..
نظر خلفها فجأة ..
وكان هناك أثر من الدم الأسود يتساقط من بطنها ، مرسوماً على الأرض كخطوات دامية.
“يا سيّدتي!”
أُصيب راينهارت بالذعر واندفع نحوها ، كانت القطعة القماشية التي تغطي بطنها قد أصبحت أكثر سوادًا مما كانت عليه ..
“لا تهتم بي ، تابع السير للأمام.”
دَفعت إيرين يده بعيدًا ..
“ليس الوقت مناسبًا لهذا.”
كانت عيناها الحمراوان تحدقان فيه مباشرة ، عندها أدرك أنه لم يسبق له أن كسر عنادها من قبل ..
بل، هل استطاع أحد يومًا أن يُثنيها عن عزمها؟
لا أحد… أبدًا.
“…في هذه الحالة…”
رفعها بين ذراعيه ، كان الأمر سريعًا لدرجة أن إيرين لم تستطع توقعه ..
“إن قاومتِ ، سيصبح الأمر أصعب.”
وانطلق راينهارت يركض وهو يحملها .
كل شيء حدث فجأة لدرجة أن إيرين لم تجد ما تقوله ..
أن يحملها ويجري هكذا… جعلها تشعر بذنب غريب، وأظلم وجهها من ثقل هذا الإحساس.
“إلى أين يجب أن أذهب؟”
“إلى هناك. ..”
أجابت وهي تحدد الطريق بدقة ، فقد كانت تدرك جيدًا طريق العودة أيضًا ..
“هل يُتعبك الأمر؟”
“أبدًا.”
بخلاف ما ظنت ، كان راينهارت يركض بسرعة كبيرة ..
خلافًا لما كانت تظن ، لم يكن يتكاسل في تدريبه القتالي ، ولهذا ، لم يكن حمل امرأة والركض بها أمرًا صعبًا عليه ..
(…إنه يبذل كل ما في وسعه فعلاً…)
إيرين ، التي لم تكن تعلم بذلك ، شعرت بشيء من الألم في قلبها… وتأثرٍ لا إرادي ..
(لطالما ظننته ضعيفًا…)
أن يجري وهو يحملها بهذا الصمت والصبر ذكّرها بنفسها ، لم تستطع إلا أن تتخيل مدى تعبه ومعاناته ..
توقفت خطوات راينهارت فجأة ..
“هل هذا هو المكان؟”
تبعته إيرين بنظرها نحو الأعلى ..
كان هناك شق تتسلل منه أشعة بيضاء… إنه الباب البُعدي ، نفس المدخل الذي دخلت منه ….
ترجمة ، فتافيت. ..
التعليقات لهذا الفصل " 125"