أمسكت إيرين بسرعة بالسلسلة الحديدية الملتفّة حول عنق راينهارت ..
– طَنين!
كانت السلسلة مقفلة بقفل معدني ، لكن لم يكن هناك مفتاح في متناول اليد …
“من أين جاءت هذه السلسلة؟”
نظرت إلى اتجاه السلسلة الممتدة ، لكنها كانت تختفي في البعيد ، حتى بدت لا نهائية ..
حاولت كسرها بقوتها الجسدية
“اغههه…”
لكنها كانت صلبة جدًا ، لم تتحرك حتى مع أقصى ما بذلت من جهد ….
ويدها ، التي كانت تضغط على السطح الخشن للسلسلة ، بدأت تنزف دماً ..
“هاه…”
“…سيدتي.”
نادى صوت خافت عليها ، فاقتربت على الفور من راينهارت ..
يبدو أن وعيه قد بدأ بالعودة ، وبدأ الضوء يعود إلى بؤبؤيه ..
انعكس وجهها في عينيه الخضراوين ..
“سموّ الأمير ، هل أنت بخير؟”
“هذا ليس حلمًا، صحيح؟”
“ليس حلمًا.”
ابتسمت إيرين برقة ، لكن راينهارت لم يبتسم ،
بل على العكس ، ارتسمت على وجهه ملامح باردة ومخيفة ..
“لماذا جئتِ إلى هنا ، يا إيرين؟”
كان صوته بارداً ، حادًا ..
“…وجئتِ بجسدكِ ، لا بروحكِ ..”
نظراته نحوها كانت مليئة بالدهشة… واليأس العميق …
تفاجأت إيرين من رد فعله غير المتوقع ..
ظنّت أنه سيكون سعيدًا… فقد جاءت لتنقذه ..
“لقد فعلت المستحيل لأجل إنقاذكِ…”
“لم أطلب منك ذلك ، لم أطلب منك أن تنقذني بهذه الطريقة.”
قالت إيرين بنبرة حازمة ، فرأت الغضب يطفو على وجه راينهارت ..
“وأنا كذلك… لكنكِ دفعتِني إلى داخل القصر ، دون رحمة …”
“لقد فعلتُ ما تمليه عليّ واجباتي كفارس.”
“فارس؟! ها!”
ضحك بسخرية، وكأن كلماتها لا تعني له شيئًا
أمام هذا الانفعال الشديد ، بدأت تشعر بأن هناك خطأ ما في ردّه ..
‘لماذا يعاملني هكذا؟ ماذا فعلت؟ ..’
شعرت بالحيرة ..
كل ما أرادته هو إنقاذه ..
لم تره من قبل يُظهر هذا الكم من الغضب ..
“لم أعد بحاجة إلى فارس ، لماذا تُصرّين دائمًا على…!”
ارتفعت نبرته ، ومشاعره باتت كالنيران المشتعلة ..
“…إذلالي؟”
“لم تكن نيّتي ذلك—”
“إذا جئتِ لإنقاذ سيدكِ ، فالأفضل أن تتراجعي وتخرجي من هنا! اذهبي لتخدمي سيدًا آخر!”
صرخ وهو يشير إليها بإصبعه ، بدأ جلد عنقه يُخدش من شدة الغضب والانفعال ، لم ترَ إيرين راينهارت بهذا الشكل من قبل ، مما أربكها بشدة ..
“كيف يمكنك أن تقول شيئًا كهذا؟!”
لم تستطع إيرين الصبر أكثر ، قلبها كان يرتجف ، والغضب كان يتصاعد بداخلها
لماذا… لماذا يستهين بمشاعرها هكذا؟!
“هل مشاعري بهذا القدر من التفاهة بالنسبة إليك؟!”
عضّت شفتيها حتى سال منها الدم ،
وامتلأت عيناها بالدموع ..
“مجرد كوني فارسة لا يجعل من مشاعري شيئًا يمكن تجاهله أو التقليل منه!”
كانت غاضبة… غاضبة منه ..
لقد عانت كثيرًا وبذلت جهدًا كبيرًا للعثور عليه.
“أتعتقد أن الوصول إلى هنا كان أمرًا سهلاً؟!”
عند كلماتها تلك ، انطفأت نار الغضب في عيني راينهارت فجأة ..
وامتلأ وجهه بالخجل والارتباك ..
“…لم أقصد ذلك ، إيرين …”
“لا أرغب في خدمة سيدٍ آخر …”
اشتعلت عيناها الحمراوان كأنهما بركان متفجّر ..
“فلتأمرني بالموت ، إن شئت …”
“…”
راينهارت ، الذي كان وجهه شاحبًا بالأصل ، ازداد شحوبًا وهو يخفض عينيه ..
أدرك لتوّه ما كانت تكنّه في قلبها
ارتعشت رموشه الطويلة ..
“…لا أستطيع الخروج من هنا ، يا إيرين ..”
وكادت أن تسأله: “لماذا؟”
لكن فجأة ، قاطعها صوت امرأة حادٌّ ونقيّ:
“لأني أنا من قيّدَه ، إنه ملكي …”
ظهرت امرأة ذات بشرة شاحبة وشعر أسود طويل ..
قرنان مزدوجان على رأسها كشفا أنها ليست بشرًا ..
نظرت إيرين إلى المفتاح الذي تمسكه بيدها ، بعين باردة ..
“إن أخذتُ هذا المفتاح…”
أستطيع تحرير راينهارت ..
قررت بسرعة ..
“أوه ، لدينا نفس لون الشعر؟ كم هذا مدهش.”
تجمّد وجه راينهارت من الصدمة ..
“اهربي ، إيرين!”
صرخ بها ، لكن إيرين لم تتحرك ..
“اسمي جيلا ، وأنتِ إيرين ، أليس كذلك؟”
قالت ذلك بابتسامة فاتنة ..
عينان بنفسجيتان بديعتان كأنهما مرصّعتان بأحجار الجمشت سحرتا المكان ..
‘ما هذا؟’
في اللحظة التي التقت فيها عيناها بعيني جيلا، شعرت إيرين أن وعيها بدأ يتلاشى ، كان الأمر يشبه ما حدث مع بايل ..
“إيرين! لا تنظري في عينيها!”
صرخ راينهارت ..
عندما أمسكت إيرين بسيف الحاكم بإحكام ، استعاد عقلها صفاءه على الفور ..
“هذا السيف يحميني من التلاعب بالوهم.”
أدركت إيرين الحقيقة في لحظتها ..
ويبدو أن جيلا لاحظت الأمر ، إذ نظرت إلى يد إيرين حيث كانت تمسك بالسيف ..
“تحملين شيئًا ممتعًا حقًا.”
بمجرد أن نطقت بتلك الكلمات ، اقتربت جيلا من إيرين بشكل مفاجئ ، ومدّت يدها نحو السيف …
لكن إيرين بالكاد تمكّنت من تفاديها في اللحظة الأخيرة ..
‘ما هذه السرعة؟ ..’
سرعة خارقة تفوق حدود البشر ، كادت تفقد سيفها لولا رد فعلها السريع ..
“إيرين! اهربي!”
رغم صراخ راينهارت ، لم يظهر على وجه إيرين أي تردّد ..
لو كانت ستفر ، لما دخلت بوابة الأبعاد من البداية ..
“يا لها من بشرية رشيقة!”
قالت جيلا بعينين متسعتين وبملامح بريئة مصطنعة ..
“لم أرَ بشرًا مثلكِ من قبل.”
ابتسمت ابتسامة ساحرة ، وكأنها تشعر بروح التحدي تُشعلها ..
من أطراف أظافرها السوداء الطويلة ، بدأت مادة بنفسجية بالتقطر ..
بمجرد أن رأتها ، شعرت إيرين غريزيًا أن لمس تلك الأظافر يعني النهاية ..
“إيرين!”
صرخ راينهارت بفزع ..
في تلك اللحظة ، هجمت جيلا باتجاهها ، لكن إيرين تصدّت بأعجوبة بأستخدام سيف الحاكم …
طنننغ!
“أظافرها كأنها نصل سيف.”
رغم أن الضربة كانت مباشرة، لم تتضرر أظافر جيلا ..
فجأة ، ظهرت إلى جانب إيرين ، ومزّقت ملابسها بأظافرها ..
“يا للأسف.”
قالت جيلا بلهجة ساخرة ..
اضطرت إيرين إلى الاعتراف في داخلها:
“هذه ليست شيطانة عادية.”
ابتسمت جيلا بفتنة غريبة ..
“أنتِ أول بشرية تصمد أمامي لهذه المدة في قتال… مثير للاهتمام، لكن—”
نظرتها تحوّلت ، وبدأت تتوجه بخطوات بطيئة نحو راينهارت ..
“ماذا أفعل؟ ليس لدي أي نية للتخلي عن هذا الرجل.”
لمست وجه راينهارت برقة متملّكة ..
وارتسم على وجهه تعبير من الإذلال الشديد ..
“لم أرَ رجلاً بهذه الجاذبية من قبل ، ولا أنوي التفريط به أبدًا.”
تقلصت ملامحه بالألم ..
“وفوق ذلك ، ليس غبياً.”
أضافت جيلا بنبرة إعجاب خبيث ..
“ذكيّ للغاية… مثالي ليكون عبدي.”
ابتسمت جيلا برضا عميق ..
عند تلك اللحظة ، لم تفوّت إيرين الفرصة ، وانقضّت نحوها ..
طاخ!
انتزعت المفتاح من يد جيلا ، ثم تدحرجت على الأرض لتستعيد توازنها .
“هاه… هاه…”
أنفاسها كانت متقطعة ، فقد استهلكت الكثير من طاقتها ..
“…أوه ، هذا يُعدّ غشًا.”
تغير تعبير جيلا فجأة إلى برود قاتل ..
في لمح البصر ، كانت قد اقتربت من إيرين مجددًا ..
تفادت إيرين هجومها بتدحرج جديد ، لكن الأرضية الخشنة مزّقت جسدها بالجراح ..
“لم أعد قادرة على الدفاع فقط.”
إنذار أحمر كان يدوي داخل عقلها ..
منذ المرة التي ماتت فيها قبل العودة بالزمن ، لم تشعر بهذا الخطر من قبل ..
أمسكت بسيفها بإحكام ، وانقضّت نحو جيلا ،
رفعت الأخيرة أظافرها في المقابل .
“إيرين! لا!”
صرخ راينهارت ، لكن إيرين لم تتردد ..
طعنة!
غرست أظافر جيلا السوداء في بطن إيرين ، الألم كان وحشيًا، لكنها تماسكت ..
“لا يمكنني التراجع الآن.”
وفي اللحظة نفسها، اخترق سيف إيرين بطن جيلا بقوة ..
“آآااه!”
صرخت جيلا من الألم ..
من مكان الجرح ، انبعث ضوء أبيض ، لا دم ..
وضعت يدها على جرحها ، وعيناها فقدتا تركيزهما ..
“م-ما هذا…؟”
للمرة الأولى ، ظهر الذعر على وجهها ..
ثم، سقطت على الأرض دون حراك ..
ترجمة ، فتافيت …
التعليقات لهذا الفصل " 124"