“ذكية كما توقعت …”
ارتفعت زاوية فم راينهارت من جانب واحد بابتسامة ، في تلك اللحظة ، توجهت نظراته نحوها ..
“سحر الوهم!”
تجنبت إيرين نظرته بسرعة ، وغطت عيني راينهارت بيدها ..
لم تستطع أن تطعنه …
فهذا كان جسد راينهارت ..
إن كان بايل بداخله ، فماذا حدث لراينهارت؟ ‘
رغم أن اللحظة كانت قصيرة ، إلا أن آلاف الأفكار طعنت صدرها كالخناجر ….
كانت يدها التي غطت عينيه ترتجف بشدة.
“…ماذا فعلت بجلالته؟”
سألت بصوت مرتجف ، فضحك بايل ، ولأن مظهره كان مظهر راينهارت ، شعرت بالألم في قلبها ..
“لقد ضحّى بنفسه من أجلكِ ، أليس هذا نبيلاً؟”
سخر بايل ، وكانت الكراهية والغضب ظاهرتين عليه بوضوح ، نتيجة لوضع لم يختره ..
أمسك بمعصمها ، ذاك الذي غطى به عينيه ، وشعرت بقوة قبضته الهائلة …
عضّت إيرين شفتها ..
‘ما الذي يمكنني فعله؟ ..’
هل ابتلع روح راينهارت حقاً؟ شعرت بالذعر والارتباك ، ولم تعد تدري ما يجب عليها فعله
“يا إلهي…”
للمرة الأولى ، توجهت إلى السماء بنداء داخلي ، كان نداءً يائساً.
‘أنقذ جلالته ، أرجوك ..’
لكن لم يكن هناك من رد ..
غلت نيران الغضب في داخلها ..
أن تشاهد أحداً آخر يضحي من أجلها ، دون أن تتمكن من فعل شيء… مرة أخرى؟
‘ ثم ، لا بأس إن انتهى هذا العالم البائس ..’
في اللحظة التي بدأت فيها قبضتها تفقد قوتها ..
“أدّي مهمتكِ ..”
“لا أريد ..”
“هذا هو دوركِ …”
“لا أملك أي إحساس سامٍ بالمهمة.”
مجرد إنسانة ، لا أكثر ، لم يكن هناك سبب يدعوها لإنقاذ البشرية على حساب من حولها.
“ابحث عن شخص آخر للقيام بالمهمة.”
“رغم أنني أعدت لكِ الزمن ، تقولين هذا الكلام؟”
غضب الحاكم كان واضحًا في صوته ..
عندها ، فهمت إيرين لماذا كان ألين يكره الحاكم بشدة ..
“لم أطلب أن تعيد لي الزمن.”
لقد فُرضت عليها مهمة لم تطلبها ..
ألين قاوم ذلك بشكل سلبي ، أما هي فكانت مختلفة ..
“إن لم تنقذ روح راينهارت ، فسأترك هذه اليد.”
“أتهددينني؟”
“نعم، إنه تهديد …”
لم تُنكر إيرين ، إن كان بوسعها إنقاذ روحه بتلك الطريقة ، فستفعل أي شيء ، تمامًا كما ضحّى هو بنفسه من أجلها ..
”إذا ما تم القضاء على روح بايل ، فربما تعود روح راينهارت لتملأ ذلك الفراغ ، فهي لم تُبتلع بالكامل بعد ..”
“أخبرني بكيفية القضاء عليه.”
”لا يوجد إلا طريقة واحدة… أن أتجسد بنفسي وأقوم بذلك ..”
“ثم ، تجسد.”
أجابت إيرين ببساطة ..
” الغاية الحقيقية لبايل… هي القضاء عليّ والتربع سيدًا على هذا العالم ..”
“وإن كنت تخشاه ، فراقب نهايتك بصمت ..”
لم تأتِ أي إجابة من الحاكم ، ففي نهاية المطاف ، إن فني هذا العالم ، فلن يكون لوجوده معنى ..
.”..احميني ..”
كانت هذه آخر الكلمات ، قبل أن تشعر وكأن خيطًا ما قد انقطع فجأة ..
ثم تحوّل الضوء الأبيض الذي غطى طقوس التطهير إلى لون أصفر باهت ..
وفي اللحظة نفسها ، خرج أحدهم من مبنى الفاتيكان …
“صاحب القداسة! إلى أين أنتم ذاهبون؟”
“قلت لكم ، لست صاحب قداسة!”
كان ذلك ألين كريستيان ، قالها بوجه مشدود مليء بالجدية:
“أنا الحاكم!”
بالطبع ، لم يصدقه أحد ..
“هل فقد عقله؟”
تمتم ديتريش بدهشة ..
أما وجه راينهارت ، أو بالأحرى بايل ، فقد امتلأ بالحماس والنشوة ..
“أخيرًا… تجسدتَ.”
تمتم بايل ، وإيرين ، التي التقطت كلماته ، تحركت بسرعة ..
كما توقعت ، كان بايل قد اقترب كثيرًا من ألين ..
“مت …”
حين رأت يده التي تحمل السيف تتجه نحو عنق ألين ، لم تتردد ..
ركلته بكل قوتها ، فطار بعيدًا ..
“سامحني يا جلالتك …”
وفي الوقت نفسه ، اجتاحها شعور بالذنب ، لأنها ركلته ، رغم أن ذلك كان جسد راينهارت.
“كيف لك أن تقول شيئًا كهذا علنًا؟”
قالت إيرين باستياء ، فأشار ألين ، أو الحاكم ، إلى الكهنة الواقفين خلفه …
“لقد أزعجوني طوال الطريق إلى هنا ، فخرج الكلام من فمي دون قصد…”
وبينما نظرت إليه بعينين مشتعلتين ، أشاح بنظره كأنه خائف منها …
“أنتِ أكثر رعبًا مما تخيلت حين رأيتكِ على الحقيقة …”
“قبل أن أجعلك ترى رعبًا حقيقيًا ، أنقذ روح جلالته حالًا.”
اشتعل الغضب في قلبها ، هذا ليس وقت المزاح أو الكلام الفارغ .
كم هو مستفز تردده ، وكأن الأمر لا يعنيه كثيرًا ..
بينما من حوله ، كانت الأرواح معلّقة بين الحياة والموت ..
‘لأنه حاكم، فالأمر لا يهمه؟ ..’
هل يراهم مجرد كائنات ملحقة ، لا قيمة لها؟
“ليس كما تظنين… لقد بذلت كل ما أستطيع.”
قرأ الحاكم أفكارها ، ورد بوجه متصلّب ، لكنه لم يكن يبدو جادًا على الإطلاق ..
لكن إيرين لم تكن في مزاج يسمح لها بتقبل أعذاره الواهية ..
وماذا يجب أن أفعل؟”
“اقتليه.”
“…ماذا؟”
تجمدت إيرين للحظة ، غير مصدّقة ما سمعته ، هل سمعت حقًا ذلك؟
أخرج الحاكم من صدر ألين سيفًا أبيض ناصعًا ، وناوله لها …
“إنه سيف يُفني أرواح الشياطين ، اقتليه بهذا.”
“وماذا سيحدث لجلالته؟”
“لن تقتلي راينهارت… بل بايل …”
لكن كلمات الحاكم الغامضة لم تُشعر إيرين بالطمأنينة ..
ماذا لو لم يُفنى بايل وحده؟ ماذا لو ابتلع بايل روح راينهارت بالكامل ، ومات الاثنان معًا؟
ماذا لو فُني للأبد…؟
راودها الشك ، وتتابعت الهواجس في عقلها ،
شعر الحاكم بقلقها واضطرابها ، فقال:
“ليس لدينا وقت ، تجسّدي في هذا العالم يستنزف طاقة ألين الروحية ، ولذا لا أستطيع البقاء طويلاً.”
لكن كلماته لم تُربك إيرين ..
ففي الحرب ، الوقت نادر دائمًا ..
وتذكرت كيف سقط خط الدفاع قبل عودتها بالزمن ..
لذا سألت بصرامة:
“أريد أن أعرف مصير جلالته بشكل مؤكد ..”
“…روحه الآن في الجحيم لا توجد وسيلة لإنقاذها …”
دقّ قلبها بقوة ، بلا توقف ..
روحه في الجحيم؟
نظرت نحو بوابة البُعد أمامها ..
هل هو هناك… محبوس هناك؟
تخيلت ما قد يعانيه هناك… لم تستطع تحمّل الفكرة ..
كل هذا… بسببي…
بسببي أنا وحدي…
قال الحاكم بصوت خافت:
“يا طفلتي ، لا تفكري في القيام بذلك العمل الطائش… لا تذهبي لإنقاذه.”
لكنها لم تجبه ..
انتزعت السيف من يده ، وانطلقت باتجاه بايل ،
أدرك بايل ماهية السيف على الفور ، فتغيرت ملامحه ، وابتعد متوترًا ..
وجّه نظراته الغاضبة نحو الحاكم …
يجب أن أقتل ذلك اللعين أولاً…
انشغاله كلفه غاليًا ..
طعنة!
غرست إيرين السيف مباشرة في صدر بايل ،
لم يخرج دم ، بل تسرب نور أبيض من موضع الطعنة ..
“آااااااااه!!”
صرخ بايل من الألم ، وسقط جسد لاينهارت أرضًا ..
“جلالتك!”
صرخ رون وهو يندفع نحوه بسرعة ..
لم يكن رون قد سمع الحديث مع الحاكم ، فأمسك بياقة ثوب إيرين بغضب ..
“لقد… ضحى بنفسه من أجلكِ ، كيف يمكنكِ أن…؟”
لكن قبضته لم تكن قوية ..
فهو أيضًا أدرك في قرارة نفسه أن من كان داخل الجسد لم يكن لاينهارت ، بل بايل ..
“اللعنة… كخ.”
بدأت دموع رون تنهمر ..
حاول كبحها ، لكنه انفجر أخيرًا بالبكاء ..
تجاهلت إيرين المشهد بصعوبة ..
“أخرج روحه من ذلك الجسد ، واستعد لمراسم التطهير!”
صرخت إيرين نحو الحاكم …
قرأ الحاكم أفكارها ، وصرخ بارتباك
“يا ابنتي!”
لكنها ركضت دون تردد ..
إلى حيث كانت شجرة العالم ..
إلى المكان الذي انفتحت فيه البوابة ..
“إيرين! هيه ، إيرين!”
سمعت أصوات أفراد عائلتها تناديها ، لكنها تجاهلتهم واستمرت في الجري …
“عليّ إنقاذه.”
عليّ إنقاذ جلالته… هذا كل ما فكرت فيه ..
وأخيرًا وصلت إلى حيث كانت شجرة العالم ، حيث ظهرت بوابة الأبعاد ..
رأت الباب الأسود يتماوج أمامها ..
راحت تتفادى هجمات الشياطين والوحوش الخارجة منه ، وترد عليها بينما تشق طريقها للأمام ..
كانوا كثيرين جدًا ..
“كييياااااه!”
خدش أحد الوحوش الطائرة وجهها بمخالبه ..
“آه!”
سرعان ما امتلأ وجهها بالجروح ..
ثم ، وصلت أخيرًا ..
أمام بوابة الأبعاد ..
التعليقات لهذا الفصل " 122"