وصلها صوت خافت عند أذنها ، كان دافئًا وحنونًا ..
“…حسنًا.”
لكن نبرة صوته كانت ترتجف ، وقد نقلت مشاعره العميقة إليها ، فاحمرّ وجه إيرين بحرارة ..
شعرت بغرابة تجاه نفسها ، إذ كانت هذه أول مرة تختبر فيها هذا الشعور …
في تلك اللحظة ، دوّى صوت بايل في عقل راينهارت:
– أقنعها الآن ، وإن حاولت أي خدعة ، فسيصبح جسدك وعاءاً لي ..
كان تهديدًا واضحًا بأن ينتهي به المطاف مثل لويد ….
تجمّد وجه راينهارت للحظة ، كان قد عقد العزم منذ أن دخل هذا المكان ، أن ينقذها مهما كلف الأمر ..
فأبعد إيرين عن صدره برفق ، ووضع يديه بلطف على كتفيها ..
“يا إيرين ، لدي ما أقوله.”
“ما هو؟”
تحرّكت شفتا راينهارت ، مترددًا في اختيار كلماته ..
كانت يداه المرتجفتان على كتفيها تُنذر بشيء ما ..
شعرت بشيء غريب ، شيء ينذر بالخطر ..
“لا، لا تقل شيئًا.”
دفعت يديه عنها بسرعة وقد قرأت عينيه ،
غمرها خوف فطري ورهبة مفاجئة ..
(علي أن أمنعه)
شعرت أن ما سيقوله سيغيّر كل شيء بطريقة لا رجعة فيها …
فتراجعت خطوة إلى الوراء ..
“لا…”
اقترب منها بإصرار لا يلين …
“إيرين، استمعي ، هذا أمر.”
أمسك بكتفيها بإحكام من جديد ، عيناه الخضراوان ، التي تشبه لون الغابة ، أمسكتا بنظراتها كأنهما تقيدانها ..
لم تستطع إيرين أن تتحرك أو تتفوه بكلمة ..
رأت عزيمته الصلبة ، فاستسلمت في النهاية ..
“…سأتبع الأمر. ..”
دارت في عينيه مشاعر من الارتياح ، ممزوجة بمرارة ..
لقد أخبره الحاكم:
إن أيقظها من الوهم وأدركت حقيقته ، ستستفيق ..
“هذا المكان وهم صنعه بايل ، لذا أفيقي من هذا الوهم …”
وكان يعلم ، إن قال هذه الحقيقة…
“أنا أيضًا وقعت في وهم بايل …”
فلن يتركه بايل بسلام ..
–كيف تجرؤ ، أيها الإنسان الحقير؟!
كما توقع ، دوّى صوت صارخ غاضب في رأسه.
“آه!”
أمسك راينهارت رأسه من شدة الصداع ، كأن جمجمته على وشك أن تتحطم ..
“هل أنت بخير؟”
سألته إيرين بقلق وهي تفحصه بعينيها ، لكنه دفع يدها عنه ، وحدّق بها بعينين مشتعلة قائلاً:
“استفيقي من هذا الوهم ، إيرين ليكاون!”
وهم… وهم؟
قال إن هذا وهم؟ أن هذا العالم الذي اعتقدت أنه الواقع… ليس سوى خداع؟
(ربما… ربما هو وهم حقًا.)
في اللحظة التي تسللت فيها تلك الفكرة إلى ذهنها ، اختل توازن جسدها فجأة وسط شعور بالغرابة والضياع ..
تشررخ–
كل شيء أمامها بدأ يتحطم ويتناثر كقطع من زجاج المرايا ..
– هاه ، بشري وتجرؤ على إذلالي؟.
صوت غارق بالغضب الراكد دوّى في رأسها ،
وفي اللحظة ذاتها ، بدأ العالم الذي أمامها ينهار …
وبين الشظايا المتكسرة والأرض المتداعية ، كان راينهارت يسقط في الهاوية ..
“يجب أن أنقذه.”
بلا تردد ، ألقت إيرين بنفسها نحوه ، محاولة الإمساك به، لكنها لم تستطع ..
“…إيرين ، اقتليني …”
همهمته الخافتة وصلت إلى أذنها كأنها نسيم بارد ..
وفي تلك اللحظة ، شعرت برعب عميق ، ثم – فتحت عينيها.
“آه!”
لهثت إيرين ، تتنفس بصعوبة ..
ما رأته قبل لحظات من مشهد ساحة المعركة لم يكن له أي أثر الآن ..
“إيرين!”
صوت ديتريش يناديها من خلف الضباب الأسود ..
“يا آنسة ، هل أنتِ بخير؟!”
“…سموه ، الأمير؟”
لم تستطع أن تنسى المشهد الأخير الذي رأته لراينهارت ..
قلبها امتلأ بالقلق ..
ما الذي يحدث؟
ما زالت تشعر بالاضطراب والتشتت ..
رفعت عينيها ، فرأت عمودًا أبيضًا يرتفع نحو السماء ..
كان ذلك دليلًا على بدء طقس التطهير ..
“آه…”
في تلك اللحظة ، أدركت تمامًا أنها أخيرًا قد عادت إلى الواقع ..
وخفق قلبها بعنف ..
أخيرًا ، بعدما أدركت إيرين تمامًا أنها عادت إلى الواقع، بدأ قلبها يخفق بشدة …
“…راينهارت ، وأبي…”
أرادت التأكد من سلامتهما ..
تذكرت كيف أن سيدريك أصيب بجراح خطيرة أثناء محاولته مهاجمة باييل ، وشعرت بألم شديد يعتصر قلبها ..
وأثناء تفقدها للمكان ، لمحت عبر الضباب الأسود جسدين ممددين على الأرض ..
“ديتريش! هل والدي وسموه بخير؟!”
“والدي فاقد للوعي ، أما ولي العهد فهو … لحظة.”
حتى ديتريش بدا مرتبكًا وقد شعر بشيء غريب ..
حاول رون أن يهزّ راينهارت بسرعة ، لكنه لم يتحرك إطلاقًا ..
لم يكن هناك سوى أنفاس خفيفة تدل على أنه ما زال حيًا ..
“إيرين! سموه لا يستفيق!”
إيرين قد استيقظت ، لكن راينهارت لم يفعل ،
ما الذي يحدث؟ شعرت إيرين باضطراب كبير يعصف بعقلها …
ضحك باييل ساخرًا ..
“هاه!”
في تلك اللحظة ، توجه بنظره نحو إيرين
“لا يجب أن تراه.”
تجنبت إيرين نظرته في اللحظة الأخيرة ، ثم أمسكت بسيفها وانطلقت في الهواء ..
“إن تلاقت أعيننا ، سأقع في فخه من جديد ..”
اتخذت قرارها ووجهت سيفها الحاد نحو عينه الأخرى ..
رغم الهجمات الحادة وخسارته لإحدى عينيه ، بقيت حركات باييل مرنة وسريعة ..
لكنه كان يدير رأسه باستمرار محاولًا الإمساك بعينيها ..
ثم – حدث ذلك ..
“ثغرة!”
لم تفوّت إيرين تلك اللحظة ، وهاجمت عينه الأخرى بلا تردد ..
-بووخ!.
لم يستطع باييل تفادي حركتها ، فتحطمت كلتا عينيه ..
“آغغ!”
أطلق باييل أنينًا مؤلمًا وسقط على ركبتيه ..
“آه… ها… هاهاها!”
ورغم الألم ، انطلق يضحك بجنون ..
ضحكته بعثت القشعريرة في أوصال كل من كان هناك ..
ثم، انهار على الأرض ..
“م-ما الذي حدث؟ هل انتصرنا؟”
تمتم أحد الفرسان بتردد ، لكن إيرين كانت تعلم بالفطرة… أن الأمر لم ينتهِ بعد ..
“سموه!”
مع صرخة رون ، فتح راينهارت عينيه
كانت ملامحه هادئة للغاية ، بشكل مقلق ..
أسرعت إيرين بالاقتراب منه ..
“سموك ، هل أنت بخير؟”
“…آه.”
لكن نظرات راينهارت كانت غريبة ، ضبابية ، وشاردة ..
أحست إيرين بقلق عميق يعصف بها ..
“أنا بخير …”
رمش راينهارت ببطء ..
تنهدت إيرين براحة خفيفة ..
“هل هذا يعني أنك استيقظت من الوهم أيضًا؟”
“…يبدو كذلك.”
نهض مترنحًا، فأسرع رون لمساعدته ..
ثم سأل راينهارت:
“كيف يسير طقس التطهير؟”
أجابه أحد الفرسان:
“لقد أُنجز منه النصف تقريبًا.”
“يجب أن أراه بنفسي.”
أومأ برأسه وبدأ يتحرك ، لكن إيرين شعرت أن هناك شيئًا غير طبيعي ..
‘لقد كان يحتضنني بلطف شديد…’
لكن منذ أن استيقظ من الوهم ، لم تكن نظرته نحوها دافئة أبدًا ..
كانت كمن ينظر إلى شيء ، لا إلى شخص ..
“سموك ، أليس من الأفضل التوجّه إلى غرفة الصلاة بدلًا من المزار؟”
اقترح رون ذلك ، ظنًا منه أن ذلك سيتيح للبابا التركيز على طقس التطهير ..
لكن نظرة راينهارت أصبحت باردة كالثلج ..
“كيف تجرؤ على مخاطبتي بهذه الطريقة؟”
“…أعتذر.”
رغم أنه اعتذر بإخلاص ، شعر رون بأن هناك أمرًا غريبًا ..
‘هذا ليس سموه كما أعرفه ..’
حتى إيرين شعرت بنفس الشيء ..
راينهارت الذي كانت تعرفه ، كان دائمًا يحترم آراء رون ..
لم يكن أبدًا بهذه السلطوية ..
“أنا كذلك أوافق رأي السير رون ، يا سمو الأمير.”
وقفت إيرين أمامه ، مانعة إياه من التقدّم ..
“توجّه إلى غرفة الصلاة ، رجاءً.”
“…أيرين ..”
نظراته إليها كانت ممتلئة بالضيق ..
نظرات لم ترها منه من قبل ، فأصابها الرعب ….
ذلك الشخص الذي كان ينظر إليها دائمًا بودّ ، بل ويشاركها بالحكمة..
أين ذهب؟
وفجأة ، لمحت جثة لويد ..
كان بلا أي حركة… بلا نفس ..
خفق قلبها بقوة ..
‘هذا الشخص أمامي…’
‘ليس راينهارت ..’
فجأة تذكّرت كلماته الأخيرة داخل الوهم:
“…أيرين ، اقتليني …”
كان أمرًا مريبًا منذ البداية ..
وإن لم يكن راينهارت… فمن يكون؟
لم يكن هناك مجال للشك ..
“…باييل.”
تمتمت إيرين بصوت خافت:
“باييل…”
بدأت حدقتا راينهارت تتحوّلان تدريجيًا إلى السواد ..
ترجمة ، فتافيت …
التعليقات لهذا الفصل " 121"