دخل راينهارت إلى غرفة الصلاة ، وشعر – كما قال له آلان – براحة حقيقية في قلبه ..
“هوو…”
عندما ارتخى توتره قليلًا ، ترنح جسده وكاد يسقط ، فسند نفسه بسرعة على أحد التماثيل ..
“هل أنت بخير؟”
اقترب منه “رون” بنظرات قلقة ..
“أنا بخير.”
رفع راينهارت يده عن التمثال ، ثم رفع رأسه فجأة نحو الأعلى ..
كان هناك تمثال ضخم للحاكم …
لابد أن إيرين تلقت الوحي هنا ..
شعر بانقباض غريب في صدره وهو يتذكرها دون قصد ..
أغمض عينيه للحظة ، متمنيًا أن تخرج سالمة من المعركة، وبدأ في الصلاة ..
في تلك اللحظة ، شعر وكأنه يطفو ، وسمع صوتًا يتردد داخل رأسه:
{أخيرًا جئت! }
ارتجف راينهارت محاولًا فتح عينيه ، لكنه لم يستطع ..
أحس بأنه في موقف لا حول له فيه ولا قوة ، فتملكه القلق ..
{لا تقلق ، فأنا سيد هذا المكان ..}
لم يكن هناك سوى كائن واحد يمكن أن يكون سيد هذا المكان: الحاكم ..
أدرك راينهارت أنه يتلقى وحيًا ..
”لماذا تخاطبني؟ هل هناك أمر تريدني أن أفعله؟…”
سأل راينهارت داخله بكل احترام ..
{ كما توقعت… فطنتك سريعة، لقد وُلدت بالحكمة ..}
عندما سمع كلمات الحاكم ، شعر برغبة شديدة في فتح عينيه…
{إيرين في خطر …}
”ما الذي تعنيه بذلك؟ …”
{ملك الأعماق يسعى للنيل منها… لا، بالأحرى يريد في النهاية سلب روحها كسفينةٍ لتجسيدي في هذا العالم …}
”أحتاج إلى مزيد من التوضيح ، كيف يمكنه أن يسلب روحها؟ ولماذا يشكّل هذا خطرًا؟ …”
سأل راينهارت ، محاولًا كبح قلقه والحفاظ على هدوئه ..
{ كي يتمكن شيطان من الحصول على روح إنسان ، لا بد أن يتلبّس جسده ، أو يعقد معه صفقة ، لكن إن حاول تلبّس جسد المختارة المباركة مني ، فسوف يُمحى ، لذا لا سبيل أمامه إلا عبر الصفقة ، وهذا يتطلب موافقتها.}
”فما الخطر إذًا؟ …”
عاد راينهارت يسأل ، يشعر بانقباض يضغط على صدره ، أراد أن يعرف بالضبط ما الذي تواجهه إيرين …”
{إيرين الآن محبوسة في وهم من الماضي ، صُنع من ذاكرتها ، عليك أن تخرجها من هذا الوحل قبل أن تغرق فيه تمامًا ، وقبل أن تخضع لبايل …}
”لكن… كيف؟ …”
راينهارت أحس أن رأسه يدور ، كلما سمع أكثر ، ازداد ضياعًا ..
هل هذا ضمن قدرات البشر أصلًا؟
{اجعلها تدرك أنها في وهم ، الطريقة… موجودة في حكمتك أنت ، هذا أقصى ما يمكنني فعله ، سامحني …}
وهكذا ، انتهى الوحي ..
نظر راينهارت للحظة نحو التمثال الإلهي بشعورٍ من الفراغ ، ثم تحرك مباشرة ، لم يكن هناك وقت لتأخير ، فقد سمع كلمات الحاكم ..
.
“جلالتك!”
أوقفه “رون” فجأة ، مدهوشًا ، واقفًا في طريقه ، لكن راينهارت ، وقد أدرك سبب اعتراضه ، سارع بالتوضيح:
“لقد نزل وحي ، يجب أن أذهب إلى إيرين حالًا.”
“حقًا؟”
نظر رون إليه بريبة، لكن راينهارت رد بثبات:
“أتظن أنني سأكذب في موقف كهذا؟”
قرأ رون الصدق في عينيه الخضراوين الثابتتين، وتنهد بمرارة:
“آه ، يا إلهي…”
كان قد كاد يمنعه من الوصول إلى إيرين ، والآن ها هو الحاكم نفسه يرسل إليه وحيًا؟
ألقى رون بلومه الخافت على السماء، ثم تبع راينهارت بسرعة …
فهو في النهاية فارسٌ مخلص يحرس راينهارت دائمًا ..
—
وسط زحف الوحوش الذي لا يتوقف ، سُمع صراخ ..
“آآااه!”
أمامها سقط “آرثر”. تماسكت إيرين بسرعة ، وساعدته على النهوض ..
“آرثر! هل أنت بخير؟”
“إيرين ، اهربي من هنا!”
لكنها لم تجبه ، بل طعنت الوحش القادم نحوه وقتلته ..
لكنه لم يكن هنا قبل لحظات…
لماذا ظهر أمامي فجأة؟
لكن المشهد الذي امتد أمام عينيها كان حيًّا وواضحًا إلى درجة أنها لم تجد وقتًا للتفكير ..
كانت تواصل قطع الوحوش والشياطين الذين يندفعون نحوها بلا توقف ، تضربهم بسيفها مرارًا وتكرارًا ..
“إيرين!”
في تلك اللحظة ، لمحت وجهًا مألوفًا ، كان “لويد”.
تراجعت للخلف دون أن تشعر ، ما هذا؟ ما الذي يحدث؟
“الحمد لله أنكِ لم تصابي بأذى.”
“…نعم.”
شعرت إيرين بنوع من التناقض ، بشيء لا يتسق مع الواقع ، لكنها رغم ذلك أومأت برأسها ، نظراته القلقة ، لسبب ما ، بدت منفّرة… لكن فمها تحرك تلقائيًا ..
“ما حال طقس التطهير؟”
“إيزابيلا الآن تحاول فك شيفرة كيفية تنفيذ الطقس باستخدام الإنجيل الذي حصلت عليه من الفاتيكان …”
“فهمت ، كم من الوقت سيستغرق ذلك؟”
“هذا… لا أعلم بالتحديد…”
أدار لويد بصره بقلق وبدت الحيرة على وجهه ، بينما قطرات العرق تجمعت على جبينه ..
“على أي حال ، آرثر أُصيب ، نحتاج وسيلة لنقله.”
“…حسنًا.”
رمق لويد آرثر بنظرة تنم عن الانزعاج ، وكأنه عبء ثقيل ، لكن إيرين لم تلاحظ ذلك ..
فقد كانت مشغولة بالتصدي للوحوش والشياطين المتتابعين بلا هوادة ..
“آه…”
“انتظر قليلًا، وحدة الإسعاف ستصل قريبًا.”
قالت إيرين وهي تواسي آرثر ، بينما كانت الدماء تنزف من خصره بلا توقف ..
‘تبا… لماذا في هذا المكان بالذات؟ ..’
كانت هناك احتمالية كبيرة أنه أصيب في الأعصاب المتصلة بالنصف السفلي من جسده ، وإن لم يكن محظوظًا ، فسيعيش بقية حياته مشلولًا في نصفه السفلي ..
عضّت إيرين على شفتيها بتوجس من هذا الإحساس السيئ ..
“غرررر!”
“أوغ!”
“آآآه!”
تعالت صرخات الفرسان وزئير الوحوش من كل اتجاه ..
“إيرين ، سأذهب إلى إيزابيلا للحظة ، احمي هذا المكان …”
رغبت في رفض أوامره لا إراديًا ، لكن جسدها تحرك عكس وعيها ..
‘هناك شيء خاطئ.’
ورغم ذلك ، أطاعت إيرين أوامر لويد بجدية، وبقيت في مكانها ..
وبعد تكرار المعارك ، زال الاستغراب مؤقتًا ..
فقد انغمست كليًا في أجواء الحرب ..
‘عليّ أن أنجو.’
سيطر هذا الفكر على كامل كيانها ..
“غررر!”
شق! طَخ!
شعرت إيرين بوحدة قاتلة وسط المعارك التي لا تنتهي ..
‘أشعر بالوحدة.’
هل هناك نهاية لهذه الحرب؟ من أجل ماذا تقاتل؟ ما الذي تحاول حمايته أصلًا؟
عينها الحمراء بدأت تخبو شيئًا فشيئًا ، لم تعد تعرف ما الذي تحاول حمايته ، ولا من أجل ماذا تقاتل ..
‘لويد…’
في البداية ، كانت تقاتل مدفوعة بشعور بالواجب تجاهه ، أما الآن، فلم تعد تشعر بنفس الحماس أو الدافع ..
‘ربما يكون الموت أفضل من هذا.’
راودها شعور بالاستسلام ..
– هل ترغبين في الهروب؟
صوتٌ جهوري منخفض دوّى في رأسها ..
تفاجأت إيرين من الصوت الذي تداخل فجأة في عقلها ، وفي تلك اللحظة هاجمها أحد الوحوش ، وأصابها بمخالبه في ذراعها ..
“آه!”
اجتاحها ألمٌ فظيع ، نظرت إلى ذراعها ، كان اللحم ممزقًا ومتدليًا ..
‘إن لم أعالج هذا الجرح…’
كان هناك احتمال كبير أن تصاب بتسمم في الدم ، نظرت إيرين إلى الفريق الطبي البعيد عنها ..
‘هل يجب أن أُعالج أصلًا؟’
شعرت بأن رغبتها في الحياة بدأت تتلاشى تدريجيًا ، أرادت فقط أن تستسلم للراحة ..
أرادت الهروب من هذا الشعور بأنها تُركت وحيدة في هذا العالم ..
حتى لو كان ذلك الهروب هو الموت ..
– هل تودين عقد صفقة؟
رنّ ذلك الصوت مجددًا في عقلها ..
في تلك اللحظة ، توقفت حركة الشياطين والوحوش التي كانت تنقضّ عليها ، كما لو أن الزمن قد تجمّد ..
– إذا وافقتِ على الصفقة ، سأُخرجكِ من هنا.
‘أي صفقة؟’
– امنحيني روحكِ ..
‘وماذا ستكسب من ذلك؟’
– سأحقق أمنيتي التي طالما سعيت إليها ..
‘أمنية؟’
– لا حاجة لأن تعرفي التفاصيل ..
ترددت إيرين أمام كلماته ، يريد روحها ، ويدّعي أن بإمكانه تحقيق أمنيته بها ..
‘لا.’
رفضت بحزم ، كان الأمر مريبًا ، كيف تعطي روحها مقابل أمنية لا تعرف عنها شيئًا؟
كان طلبًا لا يُصدق .
– ثم ، لا يمكنني إنقاذكِ من هذا المكان ..
وفورًا ، عادت الوحوش والشياطين إلى الحركة ، شدّت إيرين على أسنانها ، ورفعت سيفها مجددًا ..
“ما الذي يحدث بحق الجحيم…؟”
متى سينتهي هذا كله؟ شعرت أن عقلها وجسدها يتآكلان معًا.
لم يعد لويد ولا إيزابيلا في الأفق ..
“…هل أنا الوحيدة هنا؟”
أدركت إيرين أخيرًا أنها وحيدة في ساحة المعركة هذه ..
غمرت عينيها الحمراوين مشاعر يائسة عميقة ، لقد تُركت وحدها في هذا العالم، في ساحة المعركة هذه ..
عادت إلى سطح ذاكرتها تلك الذكريات القديمة الملطّخة ، حين تُركت وحدها في مهمة سابقة.
‘مؤلم…’
شعرت بوحدة قاتلة ، وعزلة خانقة ، وتمنت من أعماق قلبها أن يظهر أي شخص أمامها… أي شخص ..
ترجمة ، فتافيت …
التعليقات لهذا الفصل " 119"