ارتخت أطراف راينهارت ، وعاد إليه رشده أخيرًا ..
“…لقد اقترفتُ فعلًا شنيعًا.”
أي جريمة هذه التي ارتكبها؟ تنهد راينهارت وهو يشعر بذنبٍ ساحق وكرهٍ لذاته يتدفق نحوه كموجٍ عارم ..
“أعتذر ، جلالتك ..”
جثا رون على ركبتيه ..
“سأتقبل العقوبة على تطفلي بكل رضا.”
“لا، لم يكن تطفلاً ، بل كان ما ينبغي أن يُقال ، إن عدم الصراحة هو ما كان ليكون الخطيئة الحقيقية.”
استعاد راينهارت هدوءه المعتاد ، لكن عينيه توقفتا للحظة عند مدخل القاعة ، فلا بد أن إيرين الآن تقاتل في مكانٍ بعيد ..
“أرجوكِ…”
كل ما كان يتمناه هو ألّا تموت ..
نظر إليه ألين وقال:
“اذهب إلى غرفة الصلاة ، لعل دعاءك يصل إلى الحاكم ويحقق رجاءك …”
عند تلك الكلمات ، ثبت راينهارت عينيه الخضراوين على ألين بنظرة حادة ، كمن أدرك شيئًا مهمًا ..
شعر ألين بانزعاج داخلي ..
‘لقد كشف سري بهذه السهولة…’
تنهد راينهارت ، وعلى وجهه ملامح من فهم كل ما يجري ..
‘قراءة أفكار الآخرين… قدرة مزعجة ومفيدة في آنٍ واحد …’
أشاح ألين بنظره خجلًا بعدما دخلت فكرة راينهارت إلى رأسه ، لم يكن يتوقع أن يُكتشف بهذه السرعة ، بل شعر بقشعريرة ..
اقترب راينهارت منه ..
“لقد تصرفتُ بسوء أمام البابا أيضًا.”
“…لا، لم تفعل.”
سادت لحظة من التوتر بين الاثنين ، ثم اعتذر راينهارت بأدب:
“أعتذر منك ، ركّز على طقس التطهير ..”
ومع انتهاء كلماته ، اتجه راينهارت إلى غرفة الصلاة ، وكانت خطواته ثقيلة بشكلٍ لافت.
*. *. *.
“تبا! ما بال هؤلاء الحمقى المجانين! إلى متى سيستمرون في التدفق؟!”
صرخ ديتريش بوجهٍ غارقٍ في العرق ، وبسبب صراخه العالي دون قصد ، جذَب انتباه الوحوش التي اندفعت نحوه دفعةً واحدة ..
“أوه ، لااا؟!”
تنهدت إيرين وقفزت نحوه ..
رسم سيفها خطوطًا أنيقة وهي تقف بجانب ديتريش المذعور أمام الكمّ الهائل من الوحوش ..
– شقق!
تساقطت الوحوش تحت سيفها كما تتساقط أوراق الخريف ..
“هيه ، كيف فعلتِ ذلك؟ كأنها… سحر أو شيء ما؟!”
سمعت إيرين صوت إعجابه ، لكنها تجاهلته تمامًا ، لم يكن الوقت مناسبًا للرد على تعليقاته التافهة ..
لكن كيم تاي هيون… لا، أين ذهب ذلك الشيطان العلوي؟
بدأ القلق يتسلل إليها، إذ لم تستطع رؤيته في أي مكان ..
وبينما كانت تقتل الوحوش والشياطين السفلى المتدفقة ، فتحت كل حواسها لأقصى حد ..
لا أثر له ..
كان من الغريب أن يتمكن من إخفاء أثره بهذا الشكل التام ، شعرت بأنها تغفل عن شيء ما ، وكان ذلك الإحساس يعتصرها ..
وفجأة…
“آآااااه!”
أطلق أحد الفرسان صرخة مروّعة وسقط أرضًا ..
كان جسده قد اسودّ بالكامل .
أسرع الكهنة نحوه في محاولةٍ لعلاجه ، لكن الوقت كان قد فات ..
تلوّث…
هل تسلل ساحر ظلام إلى هذا المكان؟
نظرت إيرين حولها ..
لم يكن هناك أي ثغرة واضحة تسمح لساحر ظلام بالتسلل ، ثم إن الوضع نفسه بدا مختلفًا ، لم يكن تلوّثًا تدريجيًا، بل انتشر في جسده بالكامل دفعةً واحدة …
“…أنت.”
خلف الفارس ، لمحَت إيرين شيطانًا متنكرًا على هيئة لويد ، وجهه الأبيض الناصع بدا غريبًا وغير بشري ..
لكن أكثر ما لفت انتباهها كانت عيناه السوداوان ، وتلك الحدقتان الحمراوان بداخلهما ..
كان قد تحول تمامًا إلى شيطان ، وابتسم ابتسامة عريضة مليئة بالخبث ..
“الطفل الصغير الذي بداخلي ما انفك يصرخ طالبًا الخروج ، فاضطررت للانشغال بتهدئته ، ولهذا تأخرت ….”
وهذا يعني أنه كان يختبئ خارج نطاق حواسها طوال ذلك الوقت ..
تجهم وجه إيرين وهي تشهد لأول مرة مثل هذه القوة القصوى ..
هل يُعقل أن هذا الشيطان هو السبب الرئيسي في دمار العالم؟
رغم أن طقس التطهير قد اكتمل ، إلا أن العالم انتهى إلى الخراب …
راودها شعور مرعب بأن الكيان الذي يقف أمامها قد يكون هو السبب في ذلك ..
“…الطفل الصغير ، هل تقصد كيم تاي هيون؟”
“ربما كان هذا اسمه ، لا أذكر تمامًا.”
هز الشيطان كتفيه بلا مبالاة، وكأن الأمر لا يعنيه ..
“ما رأيكِ بعقد صفقة معي ، أيتها المختارة؟”
اقترب منها وهو يتحدث ، فيما حبس الجميع أنفاسهم وهم يراقبانهما ..
إنه ليس مجرد شيطان علوي ..
شعرت إيرين بطاقة ساحقة من وجوده ، وقد غمرها إحساس بالاختناق لمجرد وقوفه أمامها ..
“إذا أردتِ تقديم نفسي ، فاسمي بايل ، أنا أحد من يراقب أعماق الجحيم من الأعلى …”
قال ذلك وهو يعقد ذراعيه بتعجرف ، في إشارة إلى أنه حاكم الجحيم السفلي ..
“ما نوع الصفقة التي تتحدث عنها؟”
سألته إيرين ، فتلألأت عيناه الحمراوان ببريق غريب …
“إن أصبحتِ شريكتي ، فسأدع أقرباءكِ على الأقل يعيشون.”
لعق شفتيه الحمراء بتلذذ ..
“لطالما راودتني خيالات… أن تكون مختارة الحاكم شريكتي.”
وبدأ يتفحص جسدها بنظراته من أعلى إلى أسفل ..
“حتى وجهكِ وجسدك.ِ.. لا بأس بهما.”
نظرت إيرين مباشرة في عينيه دون أن ترتجف ، كانت نظراته تنم عن احتقارٍ مطلق ، وكأنها أدنى منه بكثير ..
إهانة مألوفة ، ومع ذلك ابتلعت غضبها المشتعل بهدوء ..
“أيها اللعين المجنون! الموت أرحم من هذا!”
صرخ ديتريش من بعيد وهو يشتم ، تجمدت ملامح مايكل وكلوي كالجليد ..
“أنتِ حرّة في قراركِ ..”
قالها الشيطان بابتسامة استفزازية ..
“لكن تحمُّل العواقب سيكون عليكِ.”
حين التقت نظراتها بنظراته ، وجدت نفسها عاجزة عن الحركة ..
ما هذا؟
لم تستطع تحريك جسدها ، وشعرت وكأن قوةً خفية كبّلتها عنوة ..
وفجأة…
– فششش ..
ظهر مشهد غريب أمام عينيها ..
ما الذي يحدث؟
– فششش!
اندلعت نيران هائلة أمامها ، حاولت أن تحرّك بصرها بالقوة ، فرأت مدينة “جيدو” وقد تحولت إلى بحر من اللهب ..
– آآآه!
كانت الصرخات تمزق الهواء ، والوحوش والشياطين تقطر أفواههم بالدماء ..
جثث مشوهة ومبعثرة في كل مكان ..
صرخات الناس المروعة ..
القصر ينهار .
وعائلة ليكاون… ميتة .
“إيرين!”
هزّ ديتريش جسدها من جانبها لينتشلها من الصدمة ..
“آه!”
شهقت إيرين فجأة واستعادت أنفاسها ..
نظر ديتريش إلى بايل بنظرة حذرة مملوءة بالريبة والاشمئزاز ..
“ما هذه القذارة التي فعلتها؟”
“كل ما في الأمر أنني أريتكم لمحة من المستقبل… في حال رُفض عرضي …”
ابتسم بايل بابتسامة ساحرة مشوبة بالخطر ، أمسكت إيرين برأسها المرتبك محاولة تنظيم أفكارها ..
لماذا يعرض عليّ صفقة؟
إن كان هدفه هو تدمير العالم حقًا ، فبوسعه قتل آلان كريستيان مستخدمًا قوته التي استطاعت حتى خداع حواسي ..
لكن بدلًا من ذلك ، اختار أن يعرض عليّ صفقة …
لماذا؟
كانت واثقة من وجود نية خفية خلف عرضه ،
لا يمكن أن يكون السبب مجرد رغبته في أن أتزوجه ..
نظرت في عينيه بثبات ، ووجدته لا يزال يبتسم براحة وكأنه يملك زمام الأمور …
“من تظن نفسك لتتجرأ وتتحدث عن الارتباط بها؟”
في تلك اللحظة ، ظهر هاكان بصوت بارد ، وهاجم بايل بفأسه القتالي ..
تفاداه بايل في اللحظة الأخيرة ، لكن قبل أن يلتقط أنفاسه ، اخترق سيف سيدريك صدره.
– طعنة!
سال دم أسود من فم بايل ، لكنه أمسك بسيف سيدريك وكسره دون تردد ..
“…!”
تعافى جرحه في لحظة ..
استدار بايل ببطء ، ونظره مليء بالوحشية.
شعرت إيرين بنذير شؤم ، فصرخت:
“أبي!”
– طعنة ..
في لحظة ، اخترق سيف بايل بطن سيدريك ..
“أبي!”
صرخ أبناء ليكاون واندفعوا نحوه ، لكن سيدريك رفع يده يمنعهم ..
“لا تقتربوا.”
ثم سعل بشدة ، وفاض الدم من فمه ..
وقفت إيرين بسرعة تحمي والدها ، واندفعت نحو بايل …
تفحّصت جسده بعينيها الحمراوين ..
ما نقطة ضعفه؟
طعنة في صدره لم تقتله ..
ووووم—
تحرك حجر “ليفيدور” الذي كانت تحمله معها ،
لاحظ بايل ذلك ، وحاول التراجع ، لكنها كانت أسرع ..
طعنت إحدى عينيه دون تردد ..
– طعنة!
“آه!”
انحنى بايل متألمًا، قابضًا على عينه بيده
ترنح جسده للحظة ..
عينه… هي نقطة ضعفه ..
العين التي نزفت دمًا أسود لم تتعافَ بسهولة كما تعافى صدره ..
“يبدو أن الصفقة لن تكون بهذه السهولة.”
ابتسم بايل ابتسامة ملتوية بعين واحدة ..
عندما التقت نظراته بنظرات إيرين مجددًا ، شعرت بجسدها يتجمد مرة أخرى …
– إيرين!
سمعت صوت أحدهم يناديها ، لكنه تلاشى حين اجتاحها الوهم من جديد ..
لكن هذه المرة، كان مختلفًا… حيًّا للغاية ..
“آآآآه!”
صرخات مألوفة ، ساحة معركة ، ورائحة دماء نفاذة ..
فهمت على الفور…
لقد سُحبت إلى داخل ذكريات حرب خاضتها في حياتها السابقة ..
ترجمة ، فتافيت ..
التعليقات لهذا الفصل " 118"