هكذا ، اقتاد الفرسان راينهارت بعيدًا
هكذا يجب أن يكون الأمر ..
لأول مرة ، أخلفت إيرين وعدها بالبقاء إلى جانبه ..
كان قلبها مثقلًا ، لكن الوقت كان وقت اتخاذ القرار ..
لا أريد أن يموت أحد بسببي ..
ورغم أن راينهارت قال إنه يشعر بنفس الشيء
إلا أنها أدركت في النهاية أن ما كانت تفعله لم يكن إلا أنانية منها ..
“كياااااه!”
صرخات تعالت من كل الجهات ..
فقد كانت الشياطين والوحوش تخرج من الفجوة ..
وكان الخط الدفاعي الأخير في الجنوب ، حيث يوجد ألين كريستيان ، والمكان نفسه الذي اقتيد إليه راينهارت ..
“غررر–!”
انقض عليها أحد الوحوش أيضًا ..
قفزت إيرين بسرعة فوق جسده ، وطعنت عموده الفقري بسيفها ..
سقط الوحش مع صرخة بشعة ..
رأى الفرسان طريقتها في القتال ، فأدركوا نقطة ضعف الوحوش ، وبدأوا يهاجمون أجسامهم من الأعلى ..
عددهم كبير جدًا ..
قبل عودتها بالزمن ، كانت الوحوش والشياطين تخرج من الفجوات بوتيرة أبطأ وبأعداد أقل ..
لكن الآن ، الأمر مختلف تمامًا ..
“هيه ، كأنهم كانوا ينتظرون هذه اللحظة!”
صرخ ديتريش وهو يقترب من جانبها ، متوترًا ومرتبكًا ..
لا يجب أن يكون هكذا ..
شعرت إيرين بالقلق فجأة
فرأت من خلفه أحد الشياطين يمد مخالبه الطويلة نحوه ..
“ديتريش!”
صرخت إيرين ، إذ كان في وضعية مكشوفة تمامًا ..
لكن كلوي ظهرت في اللحظة المناسبة ، وقطعت عنق الشيطان ..
“أحمق ، لا يفكر بشيء.”
قالت كلوي ببرود ..
اهتز ديتريش من كلماتها الجليدية ..
“كدت أموت لتوّي…”
“يبدو أنك ترغب في الموت فعلًا ، بهذه الطمأنينة.”
نظر إليها ديتريش بنظرة ضيق ، ثم استعد للقتال من جديد ..
استؤنفت المعركة ..
نظرت إيرين نحو خط الدفاع الأخير ..
ما يزال صامدًا ..
لحسن الحظ ، جيش ساكار كان له دور كبير في تثبيت الوضع ولم يُدفعوا بسهولة للخلف.
شششخ!
كانت الوحوش والشياطين الخارجة من الفجوة تُقطّع بلا رحمة بفؤوس وقاذفات
ساكار العملاقة ..
أسلحة لا يمكن استخدامها إلا من قبل من يمتلكون قوة تفوق المعدل الطبيعي ..
بالفعل ، لمواجهة الوحوش ، هذا النوع من السلاح أفضل بكثير ..
التقت عيناها بعيني هاكان ، فرمى نحوها فأسًا ضخمًا ..
“…؟”
أمسكت إيرين بالفأس أمامها بذهول ..
“بما أن ابنتي يبدو أنها تود استخدامه …”
قال ذلك وهو يبتسم ابتسامة واسعة ..
ضحك سيدريك بسخرية وهو يقف إلى جانبه.
“ومنذ متى أصبحت ابنتك؟”
تجاهل هاكان تعليقه بخفة ، ولوّح بفأسه بقوة.
– بووم!
انشطر جسد الوحش إلى نصفين ..
ابتسم هاكان بوجه مطمئن وقال:
“هل من المعقول أن يكون بهذه السهولة؟”
سيدريك أيضًا ، بعدما رأى ذلك ، قطع رقبة أحد الشياطين بخبرة ومسح الدماء السوداء من سيفه بحركة أنيقة خالية من الزوائد ،
تجسيدًا للرقي والنبل في القتال ..
الجنود من ساكار وليكاون لاحظوا هذا التنافس الغريب بين الاثنين ، وبدأوا يتبادلون النظرات المتوترة ..
إنها معركة كرامة غير معلنة!
ساكار ضد ليكاون
المنافسة بينهما بدأت رسميًا ..
—
في تلك الأثناء ، وبينما كان ألين يبحث في الكتب المقدسة لتحضير طقس التطهير ،
وقع بصره على رجل مألوف ..
“… لقد وصل …”
راينهارت ، الذي اقتيد على يد الفرسان ، بدا في حالة يُرثى لها ..
قرأ ألين أفكاره بسهولة ، وشعر بانزعاج غير مبرر ..
لا أصدق أنه أصبح على هذه الحال في لحظة ..
لم يكن يحب قراءة مشاعر الآخرين ، لأنها ترهقه ، لكن مشاعر راينهارت كانت طاغية جدًا ، دخلت إلى ذهنه بوضوح دون إذن ..
كانت مشاعره في أقصى درجاتها ..
كتلك التي تظهر في وجوه من قرروا الموت ،
تلك المشاعر التي رآها ألين في وجوه كثيرين ، والتي غالبًا ما كانت تسبق الموت بأيام ..
هاه ..
كان آلان دائمًا يشعر بالذنب لأنه لم يستطع منع ذلك ، وكان يحمل في قلبه حقدًا على السماء ..
“لمَ منحتني هذه القدرة؟ ما الخطيئة التي ارتكبتها في حياتي السابقة لأستحق هذا العذاب؟”
هذا العالم البائس… الأفضل أن يفنى ..
كان هناك الكثير من الناس الذين يعانون ،
لكن كلمات إيرين جعلته يدرك كم كان قصير النظر وأنانيًا ..
“الكثير من الناس ماتوا ، يا صاحب القداسة.”
آلان ، الذي رأى الكهنة المقرّبين منه ، وأعزاءه يُصابون ويواجهون الموت ، شعر وكأن غطرسته تمزق صدره ..
“أنا الآن أُعدّ طقس التطهير ، لذا على سمو ولي العهد التوجه إلى غرفة الصلاة.”
غرفة الصلاة ، التي يُقال إنها أقرب نقطة للحاكم ، قد تمنحه بعض السكينة ..
آلان ، خلافًا لطبعه ، تدخل بعاطفية ..
“هاه…”
راينهارت لم يتحرك ، مطأطئ الرأس ، كأن لا يستطيع تصديق ما يجري ..
كلمات إيرين ظلت ترنّ في عقله ، كأنها صدمة لا تزول ، وتذكر بوضوح صورتها وهي تتقيأ الدم بدلًا عنه بعدما شربت الشاي ..
“سمو الأمير!”
قرأ آلان أفكاره ، وأمسك بكتفيه وهزّه بقوة ،
لكن راينهارت أبعد يديه ونظر خارجًا ..
“…لا، لا أستطيع ، يجب أن أذهب إلى ساحة القتال …”
“سموك ، كلمات السير إيرين صحيحة ، حين تنتهي هذه المعركة ، لن يكون هناك من يقود الإمبراطورية سواك …”
حتى رون ، الذي عادة لا يتحدث ، نصحه بإخلاص ..
راينهارت شدّ على أسنانه ، ووسط الصمت المتوتر ، قال:
“إذا مُتّ ، فليتولى أحد آخر قيادة الإمبراطورية.”
“سموك!”
صُعق الجميع .
كان ذلك أشبه بوصية ، بتخليه الطوعي عن العرش ..
آلان هز رأسه بيأس ، أما رون ، الذي لم يفقد الأمل بعد ، فأمسك بذراع راينهارت ، لكن
في عيني الأخير الخضراوين ، ظهرت نظرة قاتلة ..
“إنه ليس بعقله!”
شعر رون بخطر فوري ، أن يفقد المرء قدرته على الحكم السليم في لحظة كهذه…
“لماذا الآن بالذات؟!”
لم يسبق له أن رأى راينهارت بهذا الشكل ،
وكونها تحدث الآن تحديدًا جعله في حيرة وذعر شديدين ..
تساقط العرق البارد على جبين “رون”، لكنه لم يتراجع وفتح فمه بثبات ..
“سموك ، هل تعتقد أن السير إيرين كانت لتريد هذا؟”
توجهت عينا “راينهارت” إليه بنظرة حادة ، وكأنها تغرز الإبر في جسده كله ..
كانت نظرة تقول: “ماذا تعرف أنت؟”
جفّ حلق رون من شدة التوتر ، لكنه كان يعلم
لقد كان هذا وقته ليتحمل دور الناصح .
إيرين…
في تلك اللحظة ، شعر باللوم تجاهها ..
لو كانت تنوي هذا ، لما منحت الأمل لذلك الرجل من البداية ..
ورغم أنه فهم موقفها ، إلا أنه لم يستطع إنكار شعوره بالمرارة ..
“لن تموت ، إيرين ليكاون لن تموت ..”
رنّ صوت آلان الواضح ..
كان يتابع الموقف منذ البداية ويقرأ أفكار الجميع ..
وأدرك أنه لا مفر من تدخله ..
“لقد نزل وحي ، إيرين ليكاون لن تموت.”
اختار آلان الكذب الأبيض ..
ونتيجة لذلك ، خفّت النظرة اليائسة في عيني راينهارت ..
“…هل هذا صحيح؟”
“ألَم ينقذ الحاكم حياتها سابقًا؟”
رغم توتره ، تابع آلان كذبه بهدوء ..
راينهارت إلفيوس ..
ذاك الرجل كان ماهرًا في كشف كذب الآخرين ، من أفضل من قرأهم آلان في حياته.
ورغم أن آلان قادر على قراءة الأفكار ،
إلا أن راينهارت ، الذي لا يملك تلك القدرة ،
كان أكثر إزعاجًا له بسبب حدسه الحاد ..
“…أنت تكذب.”
للأسف ، التقط راينهارت الكذبة بدقة ،
نَفَس غير منتظم ..
أدرك آلان أن كذبته كُشفت ، فشعر باليأس ، ووجد نفسه ينظر إلى “رون” بشفقة.
تقدم رون ، والغضب بادٍ على وجهه ، وقال:
“وماذا ستفعل إذًا؟ هل تظن أن سموك قادر على إنقاذها؟”
كان يتحدث بصدق ، وغضب حقيقي يتخلل كلماته ..
“هل فكرت أن محاولتها إنقاذك ، قد تودي بحياتها؟”
“…”.
صمت راينهارت ، فيما كان الكلام أثقل من أي رد ..
تجمد وجه “راينهارت” بالكامل ، كأن دلوًا من الماء البارد قد صُبّ فجأة على بركان مشتعِل ..
“رجاءً ، عامِل السير إيرين باحترام بصفتها فارسة.”
كان “رون” يدرك جيدًا ما في قلبها ، فهو أيضًا فارس مثلها ..
لكنه كذلك كان يعرف قلب “راينهارت” بوضوح ، فقد خدمه كحارس شخصي منذ صغره ..
“الآن ، سموك لا تُظهر ذلك الاحترام ، بل تضع مشاعرك في المقدمة فقط ..”
قالها “رون” كطعنة صريحة ، رغم الألم الذي شعر به ..
كان يعلم كم ستؤذي هذه الكلمات “راينهارت”،
ومع ذلك ، لم يكن له خيار سوى قولها ..
تجمد وجه راينهاردت ، سُكب الماء البارد على مشاعره التي كانت مشتعلة مثل بركان نشط
ترجمة ، فتافيت …
التعليقات لهذا الفصل " 117"