“هل جسدكِ بخير ، سيدة إيرين؟”
سأل راينهارت بلطف ، صوته مليء بالقلق الحقيقي ..
أومأت إيرين برأسها بخفة ، محاولة أن تبدو طبيعية ، رغم أن سؤالًا آخر كان يتردد داخلها
الرسالة… المهمة…
تلك الكلمات التي سمعَتها تتردد في رأسها ، وكأن شيئًا ما كان ينتظرها ، ثم تبخر فجأة ،
كبالون امتلأ بالحلم ، ثم فرغ بلا مقدمات ..
قال راينهارت بنبرة واثقة:
“الإمبراطورة لن يكون أمامها إلا خيار واحد الآن …”
“الدوقة بيتزيل ، أليس كذلك؟”
كان معروفًا في أرجاء الإمبراطورية أن الدوقة تمتلك واحدة من أعظم شبكات المعلومات ، كانت تعرف ما لا يعرفه أحد ، تسمع ما لا يُقال …
“صحيح… لا شيء يخفى عنها.”
ترددت إيرين للحظة ، ثم سألت ، والفضول بادٍ في عينيها:
“لكن ، لماذا رفضت علاقتها بك؟ أعني… كان من الواضح أنها تهتم بك …”
“ماذا؟”
بدت الدهشة على وجه راينهارت ، كأنه لم يتوقع السؤال قط ..
حدّق في وجهها ، في تلك النظرات التي تحمل البراءة والمكر معًا ، ثم زفر بخفة ..
“كان ذلك… معقدًا ، لم أكن أبحث عن شراكة تخدمني سياسيًا ، ولا عاطفيًا حتى …”
“لكنها كانت ستحميك ، لا أحد يجرؤ على الاقتراب من ظِلّها …”
أومأ بهدوء.
“أعلم… لكنها كانت تحاول أن تخلق مني شيئًا آخر ، أن تصنع صورة… لا شخصًا ، وأنا لم أكن مستعدًا لأكون دمية في يد أحد ، مهما كانت نواياه حسنة …”
ساد بينهما صمت خفيف ، فقط صوت تنفّس الليل يملأ الفراغ ..
“أحيانًا ، الحماية تُكلّف أكثر من الخطر نفسه.”
قالها وهو ينظر نحو السماء ، نحو القمر المحجوب خلف الغيوم السوداء ، كأنما يرى فيه شيئًا آخر… أو يتذكّر ..
وصلت إيرين إلى الحديقة بصحبة راينهارت ،
كان الليل قد أرخى سدوله ، والسماء ملبدة بالغيوم ، لا نجمة تُرى ، ولا ضوء قمر يدلّ الطريق ..
كل شيء كان ساكنًا ، ساكنًا بشكل غريب… كأن الليل يحبس أنفاسه ..
استدار راينهارت نحوها ، لم يكن في نبرته تلك الرقة المعتادة ، بل ثقلٌ ما ، شيء بدا وكأنه سيسقط من صدره أخيرًا ..
“الأمر الذي سأقوله الآن… لم أُخبر به أحدًا من قبل …”
توقفت إيرين ، قلبها دق ببطء ، لكن بثقل
كأن حدسًا غامضًا أخبرها أن هذا ليس بالكلام العابر ..
“تفضل ، أنا أُصغي …”
رفع راينهارت نظره نحوها ، وعيناه في ظلمة الحديقة لمع فيهما بريق عابر ، نصفه حزن ، ونصفه تردد ..
“كنت موجودًا… ليلة موت الإمبراطور …”
اختنق الهواء بينهما ..
لم تحتج إيرين إلى سماع المزيد لتدرك أن الكلمات التي تلي ، ستحمل معها شيئًا لا يُمحى ..
“لم أقتله… لكني لم أمنعه أيضاً …”
صمت ، كأن اعترافه سحب كل الأكسجين من صدره ..
“عرفتُ ما سيحدث ، علمتُ بالمؤامرة… ولم أفعل شيئًا ، ظننتُ أن موتَه سيكون السبيل الوحيد لإنقاذ الإمبراطورية من الفساد… لكن لم أتوقع ما حدث بعده …”
كانت إيرين تحدّق فيه ، وجهها بلا تعبير ..
“هل تطلب مني أن أتعاطف معك؟”
“لا.”
هزّ رأسه ببطء ، وابتسم بمرارة ..
“فقط… أردت أن تعرفي الحقيقة ، قبل أن يضع كل طرف قصته في فمكِ …”
“ولماذا أنا؟”
تقدّم خطوة نحوها ، وصوته بات أقرب من الهمس:
“لأني لا أريدكِ أن تكوني خصمي.”
“فحينها سأستمع ..”
قالتها إيرين بثبات ، وإن لم يخلُ صوتها من التردد الخفيف ..
“سأستمع ، وأحكم لاحقًا… لا أحد يستحق الإدانة قبل أن تُسمع حجته …”
راينهارت كان صامتًا للحظة ، بدا كأن شيئًا في عمق صدره يتحرك ، يتكسر ، أو يذوب ..
الريح الباردة ليلًا عبثت بأطراف شعره ، لكنه لم يتحرك ..
“هذا يكفي.”
قالها أخيرًا ، بصوت مبحوح ، أشبه بالهمس ..
“لستِ بحاجة لأن تخبريني بحكمكِ… مجرد أنكُ كنتِ مستعدة لتستمعي ، يكفي …”
استدار ببطء ، وعاد يواجه الظلام من حوله ..
“الإمبراطورية… تحتاج إلى من يتحمل وزرها ، لا من يتهرب منه …”
فكّر بذلك ، لكنه لم ينطق به ..
أما إيرين ، فقد بقيت في مكانها ، تحمل بين يديها شكًا لا تعرف إن كانت قادرة على احتضانه ، أو إن كان سيجبرها على حمل سيفها في وجه من وثقت به ذات يوم …
”هل قتلت جلالته؟…”
ترجمة ، فتافيت …
التعليقات لهذا الفصل " 105"