كان مظهره بالتأكيد ناعمًا ودافئًا مثل نسيم الربيع، ولكن حين اختفى تعبير وجهه أصبح يبدو بارداً للغاية.
هل هذا أمر مفاجئ لدرجة أن يبدل تعبيره بهذا الشكل الواضح؟
“……تريدينَ التوقف عن كونكِ القديسة؟”
أومأتُ برأسي بقوة.
ثم بدأت أُفرغ الأعذار التي فكّرتُ بها أثناء الطريق.
“حين زرتُ العائلة هذه المرّة ، خطرت لي أفكار كثيرة. شعرتُ أنّ هذا المنصب لا يناسبني.”
“…….”
“حينَ أحاولُ ارتداء ثوب لا يناسبني، أشعر بتوتر كبير و أغضب بشدّة . لذلك انتهى بي الأمر بارتكاب الكثير من التصرفات الوقحة تجاهكَ و تجاه جميع من في المعبد.”
جمعت يديّ و انحنيت برأسي نحو إيريك.
“أقدّم اعتذاري عن كلّ ما فعلته في الفترة الماضية. و إنْ لم يكن ذلكَ كافيًا، فسأعتذر لكلّ شخصٍ على حدة.”
حتى لو لم أكن أنا من ارتكب تلك الأفعال ، فإن تقديم الاعتذار لا يكلّف شيئًا إن كانَ سيساعدني على الهروب من القصة الأصلية.
مقارنةً بما فعلته أمام رئيس مركز الشرطة الذي كنت أنحني أمامه رغم أنه كان يرهق مرؤوسيه من أجل النتائج ، فإن هذا لا يُعد شيئًا.
“……كلامكِ مفاجئ جدًّا لدرجةِ أنكِ أربكتِـني.”
“لم أكن أظنُّ أنني سأقول مثلَ هذا الكلام أيضًا. لكنني لن أغيّرَ رأيي مجددًا ، لذا أرجو أن تتفهم موقفي.”
“أعتذر ، لكن لا يمكنني قبول قراركِ . من فضلكِ، اسحبي كلامك.”
لم أكن أتوقع أن يوافق فورًا ، لكن ردّةَ فعله أكثر حزمًا مما ظننت.
“على أيّ حال، أنا لست القدّيسة الحقيقية، لذا لا فائدة كبرى مني، أليس كذلك؟”
“سيّدتي.”
“آه، هل هو بسببِ التّبرعات التي تأتي من عائلة كيريس؟”
مع تضاؤل قوّة المعبد، قلّ عدد أتباعه ، و تضاءلت التبرعات أيضًا.
و لهذا فإن المعبد يعتمدُ حاليًا بشكلٍ شبه كامل على تبرّعات عائلة كيريس.
و إذا تخلّيتُ عن كوني القدّيسة ، فإن التبرعات ستنقطع أيضًا ، و لذلكَ لن يرحّبوا بهذه الفكرة.
“لا تقلق بشأنٍ ذلك. فقط دع أمرَ تركي لهذا المنصب سرًّا . على أيّ حال ، لا يمكنني العودة إلى العائلة في الوقت الحالي.”
“ليست التبرعات وحدها السبب . كما أن هذا يُعد خداعًا لعائلة كيريس ، أليس كذلك؟”
و لـماذا يقلقُ بشأنِ هذا؟
“ألَا يُعدّ خداعًا أيضًا حينَ نجعل الناس الطيبين يثقون بي و أنا لست القدّيسة الحقيقية؟”
تجمّدَ وجه إيريك. كأنّ قلبه طُعن بمسمار حاد.
“بدلاً من الاستمرار في خداع الأشخاص الطيبين بسببي، أليس من الأفضل خداع عائلة كيريس التي نصّبت قديسة مزيفة من أجل مصالحها؟”
“…….”
“يمكننا فعل ذلك بسهولة إن تعاونّا . لذا أرجوك أعد النظر في الأمر ، يا رئيس الكهنة.”
رغم توسلاتي الجادة ، ظلّ إيريك صامتًا لفترة طويلة.
“حتّى لو كانَ ما تقولينه صحيحًا ، لا يمكن.”
حرّكَ شفتيه مرات عدة ، ثم نطق أخيرًا بجواب غير مُرضٍ على الإطلاق.
“لا تفكري بأمورٍ غريبة . المكان الذي يجب أن تكوني فيه هو هنا.”
وقفَ إيريك من مكانه ، و نظر إليّ بوجه جامد ، ثم أخذَ الأطباق الفارغة و خرج من الغرفة.
هل غضب؟ هل ضايقه أنني أصبت جوهر المشكلة؟
لكن كلامي لم يكن خاطئًا.
‘كنت أظن أن أكبر مشكلة هي التبرعات ، و أنـه سيتركني أرحل إن حُلّت ، لكن…’
أليست هذه فرصة جيدة للتّخلصِ من القدّيسة المزيفة التي لا تُفيد بشيء سوى بإحداث المشاكل، مع ضمان استمرار تلقي الأموال؟
ظننتُ أن إيريك في الرواية كان ذكيًا بما يكفي ليوافقَ بسهولة ، لكن يبدو أنّني كنت مخطئة.
“لكن ، لستُ أنا من يستسلم بسهولة.”
من أكون أنا؟ أنا روح الإصرار التي لا تتراجع حتى في عمل التمويه للقبض على المجرمين ، محققة في وحدة الجرائم الخطيرة.
لنجرّب و نرى مَن سينتصر ، أنتَ أم أنا.
*****
خرجَ إيريك من غرفة القدّيسة و تـوجّه نحو غرفة الطعام.
لكنه لم يقطع سوى مسافة قصيرة حتى عقد وجهه و أسندَ جسده على الحائط.
نظرته نحو الصّينية التي يحملها كانت معقدة للغاية.
في الأصل ، لم تكنْ هذه وظيفته.
لكن نظرًا لأنّ الخادمات و الخدم الصغار الذين يعملون في المعبد كانوا يخافون من أوريديل كثيرًا، أصبحت المهام البسيطة الخاصة بها من نصيبه.
و بما أنه هو مَـنْ وافقَ على وجود القدّيسة المزيفة، كانَ إيريك يتولى خدمتها دومًا بصمت.
ولعلّ هذا الأمر أعجبها ، فقد كانت أوريديل تبتسم برضًا و هي تستغله كخادمٍ أكثر فأكثر.
“لكن اليوم…”
كان مختلفًا.
لم تكن في عينيها نظرةَ احتقار على الإطلاق.
و لا شعور القلق الذي يخالج مَن يخشى أن يُطرد إن لم يسحقْ الآخرين.
بل كان هناكَ بريقٌ من الثقة ، لم يسبق له أن رآه فيها.
“ما الذي حدثَ بحق السماء؟”
فقط بضعة أيام.
حين غادرت المعبد ، كانت تصعد إلى العربة بوجه يقول “سئمتُ من هذا المكان البغيض” ، لكنها عادت بعد أيّام و قد أصبحت شخصًا مختلفًا تمامًا.
“هل هو أمر دبره الكونت كيريس؟”
الشّخص الوحيد القادر على تغيير أوريديل بهذا الشكل…
هو الكونت كيريس.
هل يُعقل أن يكون هذا كله خطة من الكـونت كيريس لاختبار المعبد؟
“يا صاحب السمو !”
رفعَ إيريك رأسه عند سماعه الصوت الذي يناديه، و كان يفكر بوجه جدي.
كان ديتريش وورن ، الذراع اليمنى له و كاهن رفيع المستوى في المعبد ، يقترب منه.
بما أن وجهه المعتاد الذي كان يتصرف دائمًا بدهاء مثل الثعبان بدا متجمّدًا ، فلا بد أنه سمع بأن أورديل عادت أبكر مما كان متوقعًا.
“مرّةً أخرى بهذه الطريقة… دعني أحمل هذا.”
انتزعَ ديتريش الصينية من يد إيريك على الفور.
كان من بين الأشخاص الذين يكرهون أورديل، التي كانت تستغل الكاهن الأعلى كخادم لها.
وبالفعل، مَن في هذا المعبد يحبّ أورديل؟
“الكاهن الأعلى، لماذا ملابسكَ بهذا الشكل؟”
اكتشف ديتريش، متأخرًا، أن ملابس إيريك، التي كان ينبغي أن تكون نظيفة ومرتبة، كانت مجعّدة تمامًا، فعبس وجهه.
“هل يُعقل أن تلكَ السيدة أمسكتكَ من ياقتكَ؟!”
بالفعل، من السّهل أن يُساء الفهم.
“بما أن السّيدة القديسة فقدت وعيها فور وصولها، تجعدت ملابسي أثناءَ مساعدتها على الوقوف.”
في الحقيقة، أورديل هي مَن تمسكت به وتشبثت به، لكن لم تكن هناكَ نية خلف ذلك.
بل كان مجرّد يأسٍ من أجل البقاء.
نعم، يجب أن يكونَ الأمر هكذا.
أزاح إيريك عن ذهنه لمسة أورديل التي ظلت تتكرر في ذاكرته دونَ سبب واضح.
“…ماذا؟ مَن فقد الوعي…؟”
اتسعت عينا ديتريش، وتذبذبت حدقتاه الزرقاوان بشدة، وكأنه لا يستطيع التصديق.
“كانت تشعر بالجوع بشكلٍ غير معتاد اليوم.”
عندها فقط أدركَ ديتريش أن جميع الأطباق فوق الصينية التي أخذها كانت فارغة.
هذه كانت أول مرة تنهي فيها أورديل، التي كانت دائمًا تشتكي من طعام المعبد، طعامها تمامًا بهذه الطريقة.
“بما أن حالتها الصحية ليست جيدة، ستكون أكثر حساسية من المعتاد. لذا احرص على ألا يقترب الأطفال الخدم من غرفة السيدة القديسة في الوقت الحالي.”
عند سماعه الأمر بحماية الأطفال من أورديل، أومأ ديتريش برأسه بقوة.
“وأمر آخر، راقبوا تصرفات السّيدة القديسة في الوقت الحالي.”
بدا أن الأمر غير متوقع، فقد اتّسعت عينا ديتريش مرّةً أخرى.
فإيريك كان يترك أورديل تفعل ما تشاء، حتى وإن استخدمت أموالَ المعبد كما يحلو لها.
“لا أقصد أن تمنعوها من فعلِ شيء، فقط راقبوا ما تفعله. فهي ليست حادّة الملاحظة، لذلك لن تلاحظ بسهولة.”
“أه، نعم. مفهوم.”
ورغمَ استغرابه، لم يرفض ديتريش.
فرغمَ أن الأمر أشبه بأمر بمراقبة شخص، لكنه لم يشعر بعدمِ الراحة لأنه لا يحبّ السّيدة القديسة أصلا.
وبينما كان يراقب ديتريش، أدارَ إيريك نظره إلى خارج النافذة.
كانت الشمس تبعث نورها المتألق على الأرض كلها كعادتها.
كان يتساءل عن مدى صحّة تصرفه، بقبوله وجود قديسة مزيفة، وهو أمر لا يختلف عن تدنيس الحاكم، فقط من أجل بقاء المعبد الأعلى.
حتى وإن تم عقابه ، فسيقبل ذلكَ برضا.
“بدلًا من خداع الناس الطيبين بسببي، أليس من الأفضل خداع عائلة كيريس التي نصبت قديسة مزيّفةً من أجل مصلحتها؟”
كلمات أورديل تلكَ بقيت مغروسة في قلبه كشوكة، مما جعله يشعر بعذاب الضمير أكثر من أي وقت مضى.
* * *
بمجردِّ خروج إيرك، بدأت أتحركُ بنشاط.
لا نية لي للجلوس والانتظار بصبرٍ حتى يوافق.
هدفي اليوم واحد.
العثور على الأموال السرية التي أخفتها أورديل!
فتشت أرجاءَ الغرفة بجد.
تحت السرير، في درج المكتب، حتى الدرج المزدوج الذي قد يكون موجودًا…
إلى متّى فتشت بهذا الشّكل؟
سرعانَ ما توصلت إلى نتيجة، بدلًا من العثور على الأموال السرية.
“هذه الغرفة فاخرة جدًا.”
غرفة نظيفة بلا ذرة غبار، وزينة فاخرة مرصعة بالجواهر.
سرير كبير يتسع لخمسة بالغين، وأثاث يبدو غالي الثمن حتى من النظرة الأولى.
هذه الغرفة التي بدت واسعة جدًا على شخصٍ واحد تشبه غرفة شخصٍ ثري.
“لكن ، من المفترضِ أنّ معبد الشمس لا يملك المال.”
عندما تذكرت إعداد الرواية، نظرت حول الغرفة بوجهٍ مضطرب.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 3"