الساعة السابعة صباحًا. في هذا الصباح الباكر الذي بدأ فيه أهل المعبد بالكاد يستيقظون.
بين الحديقة الكئيبة التي لم تُنظَّف إطلاقًا، كان هناكَ شيء يشبه خيطًا ورديًا طويلًا يهتز بخفّة كما لو كان كرة خيطٍ حريرية طويلة مربوطة.
“هاه… هاه…!”
وكانت أنفاس ثقيلة تصدر مع هذا المشهد، مما جعل الحديقة الموحشة أصلًا تبدو أكثر رعبًا.
“هذا الجسدُ اللعين الملعون!”
مع تتابع الشتائم القاسية، تبادلُ إيريك وسيث النظرات بسرعةٍ بعد أن خرجا إلى الحديقة.
لم يترددا طويلًا. سرعانَ ما شقا طريقهما عبر الأدغال الكثيفة التي نمت بشكلٍ عشوائي نحو مصدر الأنفاس الثقيلة.
” القديسة…؟”
في زاوية الحديقة على مقعد، كانت أوريديل مستلقيةً نصف مغمى عليها، مبللة بالكامل بالعرق.
القديسة التي اختفت بهدوءٍ من غرفتها بعد أن تركتها نظيفة تمامًا، كانت، بشكلٍ مفاجئ، تمارس الرياضة منذُ الفجر الباكر.
* * *
بالنّسبة لي، التي كنتُ محققة سابقًا، كانت الرياضة جزءًا طبيعيًا من حياتي كالتنفس.
لكي أتمكّنَ من الإطاحة بالمجرمين العنيفين، كان يجبُ أن أعرف فنون القتال أكثر من مجرّد الدفاع عن النفس.
لكن هذا الجسدَ الذي تقمصته…
على عكسِ جسدي الساّبق المتناسق والمليء بالعضلات، هذا الجسدُ ليس فيه حتى عضلات لتخسر!
لكنني لم أكن أعلم حينها… أن الصّدمة الحقيقية كانت شيئًا آخر.
“هاه… هاه… هذا الجسد الحقير…”
ما إن استيقظتُ عند السادسة صباحًا لأبدأ بتمارين التحمل الأساسية حتى تمنيتُ أن أسقطَ فورًا.
يا للعجب، لم أكن أجري، بل فقط مشيت قليلًا ومع ذلكَ شعرتُ بالدوار.
عندما بدأت تمارين التمدد، سمعتُ صوت تشقق كل عظمة في جسدي، كان عليّ أن أفهمَ عندها.
كيف تمكنتْ أوريديل الأصليّة من إثارة كل هذه الفوضى بجسد كهذا؟
“هل أنتِ بخير…؟”
إيريك ناولني ماءً باردًا بينما كنتُ مستلقية على المقعد بعد أن هزمني الدوار.
“شكرًا… لولاكما، لكنتُ مِـتُّ أثناءَ التمارين.”
أن أموتَ من ضيق التنفس أثناءَ المشي فقط؟
رغمَ أن هذه حياتي الثانية القسرية، لا أريد أن أموتَ بهذه الطريقة السخيفة.
“أي نوعٍ من التمارين كنتِ تقومين به…؟”
لا تسأل.
لا أستطيع أن أعترفَ حتى لو شُقّ فمي أنني أصبحتُ مثل مريضة حرجة بعد مشي بسيط فقط.
“هممم. لم أظنَّ أنكما ستأتيان بهذهِ السرعة. آسفة لأنني جعلتكما تأتيان إلى هنا.”
“لا بأس. أينما كنتِ، فإن من واجبنا أن نأتي.”
بمجردِّ أن أنهيتُ كلامي، أنكر سيَث فورًا ذلك بعينين مليئتين بالقلق.
بغضّ النظر عن شخصية القديسة، فقد كانت إجابته كفارسٍ مقدسٍ مخلصٍ يطيع القدّيسة فقط لأنها كذلك.
لهذا السّبب لم يتمكن إيريك من إخبارِ سيَث بأنها قدّيسة مزيفة.
ولهذا السّبب، حينَ ظهرت البطلة وكُشِفَت هوية أوريديل الحقيقية، غضبَ سيَث على إيريك بشدّة.
وكانَ أيضًا مَنْ حاولَ حماية أوريديل حتى النهاية في القصّة الأصلية.
ولكن عندما خانت أوريديل المعبد في النهاية، لم يكتفِ بأن يدير ظهره لها بل طعنها أيضًا.
كان مشهدًا رائعًا حين حملَ سيفه وهو يشعرُ بالخذلان من تلكَ التي كان يشفقُ عليها إنسانيًا.
…ولكن للأسف، الجسدُ الذي سيُطعَن به السيف في النهاية هو الجسد الذي تقمصته.
يجبُ أن أستجمعَ قوتي وأُدَمِّر القصّة الأصلية.
“من الآن فصاعدًا، سأتمرن من الساعة 6 إلى 7 صباحًا قبل الإفطار، فأرجو أن تعلموا.”
“نعم، فهمت. إذًا سنضبطُ وقت الحراسة على ذلك…”
“إنّها مجرّد تمارين خفيفة فقط، ما الحاجة للحراسة؟ ثم إن معبدنا لا يزوره أحد، فما الخطر؟”
قلتُ ذلكَ دون تفكير، لكن وجه إيريك بدا حزينًا.
شعرتُ قليلًا بالذنب نحو كبير الكهنة الذي يقلق بشأنِ ضعف مكانة المعبد، لكنني لم أكذب.
الوضع بلغ حدًا أن الزوار انقطعوا تمامًا، بل إن الناس بدأوا ينسون وجوده نفسه.
لكن لا تقلقوا، سأجعل هذا المعبد يعجّ بالناس قريبًا.
“عدا الجواسيس، لا يوجدُ مَنْ يشكل خطرًا، فبدلًا من حراستي، من الأفضل أن تركزوا على ذلك. ما الذي تم إنجازه حتى الآن؟”
“لقد قمنا باحتجازِ كل الموجودين في المعبد وبدأنا التحقيق. نائب القائد يحقق مع الفرسان، والكاهن ديتريش يحقّق مع الكهنة.”
آه، هذان هما من يثق بهما سيَث و إيريك أكثرَ من أي شخصٍ آخر في المعبد.
إن كانا هما، فأنا أستطيع أن أثق بهما أيضًا.
“من خلالِ استجواب كينتو استطعنا انتزاع بعض الأسماء، لكن لا يمكننا التأكد، لذا سنجري عملية تحقّق متقاطعة.”
آه، الآن فهمت سبب رائحة الدم التي شممتها منذ قليل.
إذًا إيريك، الذي يُعدّ أفضل محقّقٍ في القصة، تولى الأمر بنفسه.
كينتو، الذي سخرَ من قدرة كبير الكهنة على استخدام السيف، لا بد أنه ذاق طعم تعذيب إيريك العظيم.
آه، أشعرُ بالقشعريرة.
“سنجري تحقيقًا شاملًا لاكتشاف الجواسيس، لذا لا داعي لقلقكِ يا سيدتي القديسة.”
قال سيَث، الواقفُ بجانبي، بصوتٍ حازم أيضًا.
عيناه الزرقاوان كانتا تلمعان بعزمٍ قاتل.
إنه حقًا جدير بالثقة، هذا الرّجل الذي يبدو وكأنه يريد أن يفتك بالجميع.
كم هذا مُرضٍ.
“أنا أثق فقط بك، يا قائد الفرسان. أرجو أن تعتني بالأمر. أما كبير الكهنة، فهل يمكن أن أتحدث معكَ على انفراد؟”
بعد أن أنهى مهمته، غادرَ سيَث تاركًا لي نصيحة بألا أمارس تمارين عنيفة.
تمارين عنيفة؟ لقد كنتُ فقط أتمدد و أمشي، ومن المحرج سماعُ هذا الكلام.
“قائد الفرسان لا يعرف بعد أنني لست القدّيسة الحقيقية، صحيح؟”
ما إنْ اختفى سيَث تمامًا عن الأنظار حتى سألت إيريك.
بدا أن إيريك قد عبسَ قليلًا.
“هذا…”
“ربما سيكتشفُ الحقيقة يومًا ما، لكنني لا أريد أن يكون ذلكَ الآن على الأقل.”
“نعم؟”
نظرت إلى إيريك مباشرة.
ثم قلت له الأمر بشكلٍ قاطع.
“سبقَ و قلتُ إنني سأغادر المعبد الكبير، أليس كذلك؟ أريدُ إلغاء ذلك. أعتذر بشدّة لتغييري المفاجئ في الكلام.”
خشيتُ أن يقول إيريك إنه لا بأس، و يمكنني المغادرة، فسارعت إلى إضافة:
“بدلًا من ذلك، أودّ من الآن فصاعدًا أن أؤدي واجبات القديسة التي كنتُ أرفضها بإخلاص. سأحافظ على كرامتي كقديسة، و لن أهرب من واجباتي.”
أنزلتُ نظري بحزن.
“بسبب شعوري بأن عائلتي نبذتني و جعلتني آتي إلى هذا المكان، لم أستطع أن أرتبط به عاطفيًا. لذلك قمتُ بأشياءٍ ما كان يجب أن أفعلها، وحاولت الهروب دونَ أن أتحمل المسؤولية، و أنا أعتذر بصدق عن ذلك.”
“…….”
“من الآن فصاعدًا، سأخدمُ بإخلاص من أجل مستقبل المعبد الكبير كقديسة. و رغم أنني مزيفة و قوتي المقدسة ضعيفة… إلا أنني سأبذل جهدي.”
لقد تلقيتُ مهمّةً من النظام وأصبحت قديسة حقيقية، لكن لا أنوي الكشف عن ذلك.
مَنْ سيصدق أن على الشّخص تقديم مالٍ حتى يحصل على قوة قديسة؟
“عائلة كيريس لم تعد مهمّةً بعد الآن. بعدما عرفت النوايا القذرة للكونت كيريس الذي كنتُ أُعجب به، لم أعد أفهم لماذا كنتُ أبحث عن مودته.”
نعم، بصراحةٍ، هذا فعلاً شيء لا أفهمه.
لماذا كانت أوريديل في الرّواية الأصلية تتوق بشدّةٍ لعاطفة الكونت كيريس و عائلته الذين عاملوها كأداة؟
لو أنها تعلّقت بالمعبد بدلاً من ذلك، لكان بإمكانها أن تكون سعيدة حتى لو كانت قديسة مزيفة.
“أنا أعلمُ أنه من الصّعب أن تثقَ بي على الفور بسببِ أفعالي السّابقة. لذلك أطلب منكَ منحي فرصة. فرصةً لأخدم فيها المعبد و أعتذر لكلّ مَنْ تضرر بسببي.”
“…….”
“على الأقل، سأحرصُ على ألّا يعاني أحد في هذا المعبد من الجوع بعد الآن.”
لا أزالُ غير قادرة على نسيان ذلك.
وجبة الأطفال التي لم تكن سوى حساء مائي لا يحتوي على شيء سوى بعض الفتات، مع قطعة خبز يابسة.
والمتسببة في ذلك، كانَ أنا.
حتى وإنْ لم أكن أنا فعليًّا مَنْ فعل ذلك، شعرت بالذنب لمجرّد كوني في هذا الجسد.
لذا، إن لم أفعل شيئًا آخر، أردت على الأقل أن أحل هذه المشكلة تمامًا.
“آه! بالطبع، إذا ظهرتْ قديسة حقيقية لاحقًا، فسأتخلى عن هذا المنصب دونَ أي طمع، فلا تقلق.”
أنا أتولى هذا المنصب الآن لأنني مضطرة، ولا يوجد لدي أيّ طمع، و لا حتى القليل. فلا تقلق.
“……أيتها القدّيسة.”
بعد صمتٍ طويل، تكلّم إيريك.
نظرتُ بتوتر إلى إيريك الذي كان يمسك بمقبض سيفه.
“أنتِ صاحبة أعلى منصبٍ في هذا المعبد. لا تحتاجين إلى إذني. إذا رغبتِ بشيء، فافعليه.”
لم أكنْ أتوقع كلماتٍ مليئة باللّطف كهذه.
“منذُ اللحظة التي وطئت فيها قدماك هذا المعبد كـ‘قديسة’، كنتِ قديسة بالفعل. لذا لا تصفي نفسك بالمزيفة.”
“…….”
“سأتحمّلُ كل المسؤولية بصفتي مَنْ استدعاكِ إلى هذا المكان، لذا افعلي كل ما ترغبين به.”
وضعَ إيريك يده على صدره الأيسر و انحنى ببطء.
بسبب تعبيره عن الاحترام و الطاعة، لم أتمكن من قول شيء.
بعد كل ما تعرّضَ له من إهمال و احتقار و إذلال من أوريديل، كيفَ يمكنه أن يقول مثل هذا الكلام؟
بدأت أشعرُ بالخجل من اعتقادي بأنه لنْ يثق بي أبدًا.
“……سأبذلُ قصارى جهدي.”
لطالما كنتُ ممتلئة بالاستياء من حياتي الثانية التي بدأت بالإجبار، لكن ربما، قد لا تكونُ بهذا السوء.
أشعر أنني قد أتمكن من التعلّق بهذا المكان قليلًا.
* * *
بعد ذلك، قامَ كلٌّ من سيث و إيريك بقلبِ المعبد رأسًا على عقب.
كان كينتو ينهال على الجواسيس الذين اعترفوا تحت التعذيب، وكأنهم في آلة لفصل القمح عن القش.
وفي النهاية، تمَّ الكشف عن سبعة جواسيس.
و باحتساب كينتو، أصبحَ العدد ثمانية.
وكان من بينهم فارس مقدس ، تبيّن أنه هو من ساعد كينتو على الهروب حتّى.
“أنا آسف حقًا. و سأتقبل هذه العقوبة بصدر رحب.”
لذلكَ، بمجرّدِ أن التقاني في غرفة الاستقبال، ركع سيث مباشرةً، وكانت ملامحه شديدة الحزن.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 13"