كان وجهها لم يعد يحمّر فقط، بل بدا كبركانٍ مشتعل يتوهج من شدّة الحرارة.

شربت ليرييل كأسها دفعةً واحدة كأنها تشرب ماءً. ويبدو أن منظرها أضحك فيريك، فوضع كأسه – الذي شرب نصفه فقط – على الطاولة وأطلق ضحكةً خفيفة.

ولأنه لم يضحك كعادته بعمق، بل بسهولةٍ وعفوية، بدا أكثر وسامةً مرتين، فازداد غيظها.

وكانت قد عزمت للتو على شرب كأس أخرى.

“…….”

توقّف-

فجأة قطع فيريك ضحكته. وتحوّل وجهه إلى ملامح جادة، وبدأ يحدق بها بثبات.

“هاه؟” 

رمشت ليرييل بدهشة، مرتبكةً بطريقةٍ مختلفة هذه المرة.

‘ما الذي يحدث؟ هل ثمل؟’

لكن هذا مستحيل؛ فهو لم يشرب سوى نصف كأس. مهما كان ضعيف التحمل، لن يظهر تأثير الشراب بهذه السرعة.

‘إذًا لماذا؟’

وبينما تحدق به في حيرة،

“!”

مدّ يده فجأة. نحو وجهها. وبشكلٍ أدق….نحو شفتيها الملطختين بلون النبيذ.

“شفاهكِ..…”

و لامست همسته أذنها.

‘شفاهي؟ هل اتّسخ شيء؟’

ربما تلطخ أحمر الشفاه على الكأس لأنها شربت بسرعة.

لم يكن واضحًا ما قصده، لكن هناك حقيقةٌ واحدة مؤكدة: من المستحيل السماح له بلمس شفتيها بهذا الشكل المحرج أمام كل هؤلاء الناس.

“يا…..يا صاحب السمو.”

تراجعت ليرييل خطوتين قبل أن تلمسها يده.

صحيحٌ أن خطيبين يلمسان شفاه بعضهما ليس أمرًا فاضحًا، لكن المشكلة أنهم يقفون الآن في وسط القاعة الرئيسية التي تضم أكثر من مئتي شخص.

وفوق ذلك، كان الجميع قد اجتمعوا لسماع نخب ليرييل قبل قليل. حتى ليرييل التي لا تبالي عادةً بنظرات الآخرين لم تستطع احتمال هذا القدر من الانتباه.

وبين الهمسات، سمعت كلماتٍ متفرقة مثل: “إنهما شابّان” و“لا مفر من حرارة العمر”، فاشتد ارتباكها.

فابتعدت خطوةً أخرى رافعة يديها لإيقافه.

“لا داعي! سـ…..سأمسحها بنفسي!”

ورغم قولها ذلك، لم يهدأ نبض قلبها أبدًا. فمجرد أن فيريك أراد مسح شفتيها بيده جعل دقات قلبها تعلو.

كان ولي العهد، لكنه لم يهمل تدريبه يومًا، فكانت مفاصله عريضةً وأصابعه خشنة. حتى تخيّل أن يضغط بإبهامه العريض على شفتيها جعل رأسها يدور.

وبمحاولةٍ لطرد تلك الفكرة، سارعت لفرك شفتيها بإبهامها وسبّابتها.

سيخرب أحمر الشفاه الجميل الذي وضعته، لكن لا بأس؛ يمكن وضعه مجددًا. الأهم الآن تهدئة فيريك.

“ليرييل.…؟”

آه….لكن شيئًا ما لم يكن طبيعيًا. فشفاهها كانت رطبة….أكثر من اللازم. و مهما مسحت، ظلّ شيء يلتصق بأصابعها. 

حتى لو شربت كأسًا كاملةً دفعة واحدة، فهذا غير منطقي.

فرفعت يدها ببطء أمام عينيها. وكان هناك سائلٌ أحمر قاتم لوّن أصابعها بالكامل.

كان دمًا. دمًا قانٍ يتدفق من فمها.

‘ماذاء.…؟’

حينها فقط أدركت أن نبض قلبها لا يهدأ بل يتسارع جنونيًا. والدوار….كان يزداد.

بدأت الأرض تتقلب تحت قدميها وكأنها تنقلب رأسًا على عقب. و السقف يدور….وأطراف الضوء تتوهج وتتلاشى، فتغدو رؤيتها ضبابية.

“هـا….هاه.…”

أصبحت أنفاسها قصيرةً ومضطربة. وفي تلك الأثناء، ظل الدم يتدفق من فمها، يبلل ذقنها، وينحدر إلى عنقها ويصبغ صدرها.

قطرة… قطرة…

كان صوت الدم وهو يرتطم بأرضية الرخام الصلبة واضحًا. لكنها بالكاد كانت تسمعه؛ إذ غطّى أذنيها طنينٌ حادّ مزعج ملأ سمعها بالكامل.

“ليرييل!!!”

في تلك اللحظة لم تستطع ليرييل الصمود أكثر، فسقطت جانبًا.

“كيااااه!!!”

وانطلقت صرخةٌ حادّة أطلقتها إحدى السيدات الشابات ودوّى صوتها في القاعة.

ولحسن الحظ، قبل أن ترتطم بالأرض أمسكها فيريك بسرعة بين ذراعيه. ساعدا ذراعاه القويتان على حمل الجسد المنهار، لكنهما لم يقدرا على منع الحياة من الانفلات منها.

استلقت ليرييل في حضن فيريك، تلهث بأنفاسٍ قصيرة ومتقطعة. و عيناها الخضراوان الملبدتان بالضباب رفعتا نظرهما إليه.

قزحية عينَيه المشتعلة بالصدمة كانت ممتلئةً بها بالكامل. فنظرت ليرييل إلى تلك العينين المفعمتين بالمشاعر بنظرةٍ شاردة.

‘لماذا….تنظر إليّ هكذا؟’

التجهم المطبوع على ما بين حاجبيه، شفاهه المنطبقة بقوة، والوتر المشدود على صدغيه وجبهته….

كان شكله يبدو وكأنه غاضب، لكن في نظر ليرييل بدا حزينًا، وكأنه على وشك البكاء. لذلك لم تستطع أن تفهم.

لم تستوعب هذا الموقف الذي يعاملها كما لو أنها ستموت في أي لحظة.

كانت فقط تشعر بدوارٍ طفيف بسبب قلة النوم خلال الأيام الماضية للتحضير لحفل الميلاد وكلمة النخب. و ظنت أنها ستتحسن بمجرد أن تستريح قليلًا.

وبينما كانت أفكارها تتقلب، أدركت ليرييل فجأة شيئًا.

لم تكن هذه المرة الأولى التي ترى فيها هذا النوع من الصدمة في وجهه.

“لقد وعدتِ بأنكِ ستلبّين لي طلبًا واحدًا، مقابل أن أساعدك في الاستعداد لمهمة التطوع، هل تتذكرين؟”

“…….”

“اطلبيه الآن. ولا تفكّري حتى في الإغماء. تشبّثي بوعيِك بأي شكل! نحن لم نُنهِ ما بيننا بعد!”

ذلك كان في الليلة التي اختبأ فيها القمر خلف الغيوم. حين كانت تغرق في البئر وتفقد وعيها بسبب انخفاض حرارة جسدها، كان فيريك يصرخ هكذا إليها.

قال لها ألا تفكر في الموت. أنه لم يستطع بعد أن يردّ لها الألم الذي سبّبته له، ولن يسمح لها بالراحة وحدها. توسّل إليها وهو يمسك بجسدها البارد.

والمشاعر التي ظهرت على وجهه حينها….تشبه كثيرًا ما تراه الآن.

كان يائساً….ومشتعلاً بالرجاء.

ولم تدرك ليرييل أنها على حافة الموت إلا عندما لاحظت ذلك. ثم….استولى عليها الخوف متأخرًا.

‘أنا….أموت؟’

كانت تحذر فقط من الموت على يد القديسة التي اتهمتها بالشر، لكنّها لم تتخيل يومًا أنها قد تفقد حياتها بطريقةٍ أخرى.

كان الأمر مجحفًا. مؤلمًا للغاية.

لم تكد تتخلص أخيرًا من لقب “الشريرة”، وها هي الآن تتعرض للتسميم. هذا لم يحدث حتى في القصة الأصلية.

بالطبع، لم يكن هناك أي محاولة لتسميم أنيلا لأنها قديسة، والسموم لا تؤثر فيها….لكن ليرييل مختلفة.

ليرييل تينيبريس لم تكن سوى شريرةٍ عادية لا تملك شيئًا سوى اسم عائلتها الدوقية.

لم تكن لديها قدراتٌ خاصة، ولا مواهب مميزة، خلافًا للبطلات الأخريات.

كانت إنسانةً عادية يمكن أن تموت بسهولةٍ بمجرد شرب كأس واحد خاطئ خلال يوم ميلادها.

‘لكن….لم أكن لأرغب أبدًا في اكتشاف هذا بهذه الطريقة.…’

ارتجفت قبضتها الصغيرة غاضبة، لكنها لم تصمد طويلًا. فالحياة كانت تتسرب من جسدها كما يتسرب الرمل من بين الأصابع.

كان البرد يسري من رأسها حتى قدميها، بردًا قاتلًا. حتى دفء جسد فيريك الذي يحتضنها بدا بعيدًا عنها.

وبينما كان وعيها يتلاشى تدريجيًا، خطر ببالها تساؤلٌ واحد غارقٌ في الضباب.

فتمتمت في داخلها بصعوبة.

‘من….؟’

من الذي فعل هذا؟

دار السؤال داخل رأسها المشتت دون أن تجد له جوابًا سريعًا.

ليس لغياب المشتبه بهم…..بل لكثرتهم.

فجميع من حضر حفل الميلاد كان يملك دافعًا لقتل ليرييل. حتى السيدة التي صرخت منذ قليل كانت قد تعرضت للإهانة من ليرييل قبل سنوات.

وابن الكونت القريب منها والذي فتح فمه صدمةً كان قد خسر ثلاثين بالمئة من أراضي عائلته لصالح تينيبريس قبل ثمانية أشهر وكان على وشك أن يفقد مكانته النبيلة.

أي شخص هنا يمكن أن يكون الفاعل. لكن….كان هناك شخصٌ واحد يثير الشبهات أكثر من غيره.

فحاولت ليرييل أن تحرك عينيها تبحث عن ذلك الضوء المقدس في مكانٍ ما.

‘مستحيل.…؟’

لقد حضرت خصمتها اللدودة إلى حفل ميلادها بلا مبالاة، ولم تظهر طوال الحفل حتى لحظة كلمة النخب.

والأهم…..أنها الوحيدة في القاعة التي تحمل في قلبها كراهيةً وحقدًا يكفيان لقتل أي شخص.

وبينما كانت ليرييل تبحث بعينيها المتعبة، وجدت أخيرًا الشخص الذي تريده بين الحشود.

كانت رؤيتها ضبابية، لكن تمييز تلك الفتاة لم يكن صعبًا. فحولها كان دائمًا يتفتح ضوءٌ ساطع لا يمكن تجاهله.

‘أنيلا….تلك اللعينة.…؟’

___________________________

يييييسسسـ- اقصد لااااااااااااا شربته ليرييل 😔

ليرييل ورعتي واحبها بس اذا هي الي شربته المشاكل كذا بتصير اقل 

المهم وين اهلها ابي اشوف صدمتهم وبالله لاتخلون انيلا تكفون عذبوها قطعوها اي شي

والخادم الي شافها في المطبخ لو مايتكلم يودع مستقبله عني علمته 

صح وفيريك وين دموعك ياقلبو؟

Dana