“أرسلتُ لكِ الدعوة فعلاً، لكني لم أتوقع أبدًا أنكِ ستأتين……لذلك أنا حقاً، حقًا سعيدةٌ بزيارتكِ لي!”

“سـ….سعيدة..…؟”

“نعم!”

ابتسمت ليرييل بصفاء. 

لم تكن تلك الابتسامة الساخرة التي ترفع فيها طرفًا واحدًا من شفتها. كانت ابتسامةََ صادقة تنبع من القلب.

ومع هذا المشهد الذي لا يشبه أيًا من ذكرياتها، راحت إينغيلا تغوص أعمق في دوامة الارتباك.

هل هي مبتهجةٌ حقًا بقدومها؟ أم أنها تسخر منها بمهارةٍ بالغة؟ لم تعد قادرةََ على التمييز.

“لأنني كنتُ دائمًا أريد الاعتذار منكِ يا إينغيلا.”

والجملة التالية كانت أشد وقعًا.

“كنتُ صغيرةََ حينها ولم أفهم الكثير. مهما كانت حفلة الظهور الأول مهمة، فما كان يجب أن أصفعكِ فقط لأن الموعدين تزامنا قليلًا. كنتُ قاسية، أليس كذلك؟”

“ذلـ….ذلك….أعني……”

“أنا آسفة حقًا.”

لم تكن تتوقع أن تُلقي لسرييل باعتذارها بصوتٍ جاد كهذا!

وبينما كانت تتكلم، راحت الهمسات تتعالى حولهما، إذ أن صاحبة حفل الميلاد تمسك بيد فتاة غريبة وتعتذر لها بعمق……مشهدٌ لا يمكن تجاهله.

انتبهت إينغيلا لنظرات الناس فتراجعت ساحبةََ يدها بسرعة.

ولو للحظة، كادت تنخدع بهذا التصرف الغريب، لولا أن رؤية الحشد المتجمع جعلتها تفهم نوايا ليرييل على طريقتها.

مذهولةََ حد الرعشة ثم مندفعة حد الانفجار، صرخت إينغيلا بصوتٍ مرتجف، فلم يعد هناك ما تخسره.

“تعتذرين؟ هذا كذب، صحيح؟ لا يمكن أن تكوني جادة!”

كان بريق الدموع قد ارتسم حول عينيها، دليلًا قاطعًا على سنة كاملة من الألم.

“لو كنتِ آسفةََ حقًا، لبحثتِ عني منذ زمن! أنتِ ومن معكِ……عذبتموني وعذبتم أسرتي حتى أُجبرنا على مغادرة العاصمة إلى المقاطعة، والآن؟ الآن تعتذرين في حفل ميلادكِ؟”

ضحكت إينغيلا ضحكةً ساخرة واضحة.

“طبعًا تريدين أن يراكِ الجميع وأنتِ تتظاهرين بالاعتذار! ولو لم أتقبل اعتذاركِ، فماذا سيقولون عني؟”

‘أنتم جميعًا سواء!’ 

هذا ما قالته بنظراتها وهي تُلقي على الجمع نظرةً مسمومة.

“سيقولون أنكِ حاولتِ أولًا، و أنني أنا من أفسد الجو في يوم ميلادكِ!”

فتلاشت ابتسامة ليرييل أمام كلمات إينغيلا الغارقة بالوجع.

‘ها قد انكشفت حقيقتكِ أخيرًا.’

هذا ما ظنته إينغيلا وهي تفسر تعابير ليرييل كما يحلو لها……رغم أنها كانت مخطئةّ تمامًا.

“أسألكِ مجددًا……هل أنتِ آسفة حقًا؟ بصدق؟”

صرخت إينغيلا بتحدٍّ، وكأنها تدفع الحوار نحو الهاوية.

“إذاّ ستتفهمين إن صفعتكِ، صحيح؟ لقد صفعتِني ثلاث مراتٍ حينها، واحتجت أسابيع لزوال التورم!!!”

“إن رغبتِ بذلك.”

“ها! كنتُ أعلم أنكِ ستقـ-”

لكنها لم تكن تعلم.

“……ماذا؟”

“قلتُ أنه يمكنكِ صفع خدي إن أردتِ.”

فقدت ليرييل ابتسامتها، لا ضيقًا من صراخ إينغيلا، بل لأنها كانت آسفة……حقًا آسفة.

وانخفض صوتها بصفاءٍ هادئ.

“لم أعتذر لكِ لأُخفف عن نفسي، ولا لأُصلح سمعتي.”

وتقدمت خطوةً نحوها.

“بل لأن الاعتذار هو أقل ما يجب على المخطئ تقديمه.”

خطأ، اعتذار……كلماتٌ لا تشبه قط شخصية الشريرة التي عرفتها إينغيلا.

هل هذه حقًا ليرييل التي أعرفها؟ تساءلت أكثر فأكثر.

“ولم آتِ لزيارتكِ من قبل، لأنني خشيت أن يكون حضوري عبئًا آخر عليكِ.”

خفضت ليرييل عينيها ببطء. وكان في هذه الحركة الصغيرة اعتذار ثانٍ……أعمق من الأول.

ولو كان كل هذا تمثيلًا، لما احتاجت لكل هذه الكلمات. كانت قادرةً على رمي اعتذار بارد والذهاب.

“لهذا أرسلتُ الدعوة. فكرتُ أنه إن حضرتِ إلى حفلي، فمعناه أنكِ مستعدةٌ لمواجهتي……وأن بوسعي قول ما كان يجب قوله منذ زمن.”

لكنها لم تخدع. كانت تبذل أقصى ما تستطيع، وتفكر بصدق في ما يمكنها فعله لأجل إينغيلا……وهذا ظهر جليًا.

ثم ضمّت يديها وانحنت بعمق.

“أنا آسفة….حقًا آسفة.”

و لم تستطع إينغيلا تصديق ما تراه.

أمام أنظار الجميع……ليرييل تينيبريس، تلك التي لا تُقهر، تطأطئ رأسها وتطلب الصفح منها.

كان مشهدًا لم تره حتى في أحلامها.

دائمًا ما كانت صورة ليرييل الشريرة التي عذّبت إينغيلا تسكن رأسها، لكنها الآن أخذت تتلاشى رويدًا رويدًا، لتحلّ محلها ليرييل الحقيقية الواقفة أمامها، تلك التي تعتذر بصدقٍ عن خطئها.

“و….ولو قلتِ أنكِ آسفة….فهذا لا يعني….أن عليّ قبول اعتذاركِ.…”

“طبعًا لا. أعلم ذلك. لستِ مضطرةً لذلك.”

تمتمت إينغيلا بصوتٍ مرتجف، غير قادرة على تقبّل هذا التغيّر بسهولة، لكن ليرييل هزّت رأسها برفق، بصوتٍ رقيق يفهم كل ما يجول في قلبها.

ثم مدت يدها لتقبض من جديد، بحذر شديد، على يد إينغيلا التي كانت قد أبعدتها قبل قليل. فارتجفت إينغيلا دهشة هذه المرة……لكنها لم تسحب يدها.

“لستِ مضطرةََ إلى مسامحتي. من حقكِ أن تكرهيني. كل ما أريده….هو ألا تشعري بالألم بسببي بعد الآن. ولأجل ذلك……سأفعل أي شيء.”

“……”

ومع انتهاء كلماتها الأخيرة، دفعت إينغيلا يدها بقوةٍ من جديد. ثم رفعت يدها عاليًا……كما لو أنها ستصفع ليرييل بالفعل.

الجميع شهق خوفًا، لكن ليرييل ظلّت هادئةً تمامًا. كانت مستعدةً تمامًا لتلقّي الصفعة إن كان ذلك ما تريده إينغيلا.

“!”

لكن الخد لم يتلقى أي ضربة. و لم تُرسم أي علامة حمراء. لأن يد إينغيلا تجاوزت خدّها….وانزلقت لتطوّق رقبتها….ثم عانقتها بقوة.

“هـ….ههأ…!”

وانفجرت من أعماقها نبرة بكاءٍ مختلفة تمامًا عمّا قبل.

“هل تعلمين….كم عانيت طوال هذا العام؟!”

وانهارت إينغيلا فوق كتف ليرييل، تفرغ كل ما كبتته من غضب وألم على مدى سنة كاملة.

تفاجأت ليرييل قليلًا، لكن سرعان ما راحت تربت على ظهرها برفق بالغ. ولشدّة ما كان هذا اللطف موجع….أخذت إينغيلا تبكي بصوتٍ أعلى وأعلى.

امتلأ حفل الميلاد، الذي يفترض أن يكون سعيدًا، بصوت بكائها وحده……لكن ليرييل لم تهتم. و ظلّت تحتضنها وتواسيها، مرارًا ومرات، إلى أن هدأ صوتها قليلًا.

***

“هـ…هه…هاه…”

“هل هدأتِ الآن؟”

“نـ….نعم….”

بعد خمس عشرة دقيقة، كانت إينغيلا تمسح أنفها في غرفة الضيوف المنفصلة. و إلى جانبها، كانت عدة مناديل مبللة مبعثرة هنا وهناك.

لم تنتبه لذلك وهي تبكي بحرقة، لكن عندما رأت كومة المناديل المبللة أمامها، شعرت بالحرج يندفع دفعةً واحدة.

كيف لها أن ترتمي باكيةً في حضن من صفعتها وجعلت حياتها جحيمًا….لمجرد كلمات اعتذارٍ قليلة؟

ثم تنهدت بخفة، تحاول استعادة كبريائها بصوتٍ متحشرج.

“لا….لا تعتقدي أن اعتذارًا واحدًا سيجعل غيظي يزول!”

حدّقت قليلًا بعينيها المغرورقتين وهي تفكر في مطلبٍ مناسب، ثم تحدّثت

“لقد عانيتُ أكثر من سنةٍ كاملة! سأطالب بتعويض معنوي رسمي……وبخطاب اعتذار لعائلتي أيضًا! ثم….ثم….”

“سأفعل كل ذلك. وماذا أيضًا؟”

“أعني….ذلك.…”

و هزّت ليرييل رأسها فورًا بالموافقة، دون أدنى تردد.

“يمكننا كتابة عقدٍ إن أردتِ. هل تحتاجين شيئًا آخر؟”

بل إنها طرحت فكرة العقد بنفسها. وهنا……لم تجد إينغيلا ما تقوله.

لم تتخيل يومًا أن يأتي مثل هذا اليوم، لم تتخيله ولا رغبت به، والآن وقد صار أمامها….لم تعد تعرف ما الذي تريده حقًا.

وفجأة، تسربت ضحكات الناس من خارج الغرفة عبر شق الباب. فنظرت إينغيلا نحوها بشيء من التوق.

فلأكثر من عام، لم يكن هناك من تتحادث معه سوى الخدم….لذا كان هذا النوع من الاجتماعات الاجتماعية أشبه بذكرى بعيدة كانت تشتاق إليها بقوة.

ففتحت فمها بذهول وهي تهمس،

“أريد….أن أعود للمناسبات الاجتماعية.…”

وضغطت بقوة على المنديل المبلل بين أصابعها المرتجفة.

“وأريد….أن يعود والداي إلى العاصمة أيضًا. لقد اتحد الجميع ضدنا وطردونا……لا أريد أن يتكرر ذلك أبدًا.”

_______________________

طيب والله قوة تينبريس واو يسوون شي كل النبلاء وراهم ولا كأن فيه ملك✨

عالعموم هو طبيعي اني ضحكت يوم بكي انغيلا؟🌝

Dana