كم رغبت في أن تمسكه من تلابيبه وتسأله مباشرة، لكنها كظمت رغبتها بصعوبة.
فقد رأت بالفعل أثناء التحضير للتبرع ثلاثة خدمٍ يتهامسون فيما بينهم قائلين أن سيدتهم لم تعد طيبة فحسب، بل أصابها الجنون أيضًا.
ولو قامت بحماقةٍ أخرى الآن، فلن تُعرف بأنها “الابنة التي أصبحت خيّرة”، بل “الابنة التي فقدت عقلها”.
وليرييل لم تكن تريد أن تُطرد من المنزل كفتاةٍ متمرّدة ذات نوايا طيبة، بل كانت تخشى أن تُحبس فيه كالمجنونة.
“لم تزُرني منذ حفل الخطوبة، فظننتُ أنكَ منشغلٌ للغاية، لكن أن تذهب معي إلى التطوع؟ ألا يبدو هذا مرهقًا أكثر من اللازم، سموّك؟”
اضطرّت ليرييل أن تردّ بأدبٍ رسمي، محافظةً على أقل قدرٍ من اللباقة الممكنة. ففي نظرها، كان فيريك تريان، بطل الرواية الذي سيرتبط لاحقًا بالقديسة المجنونة، العدو الأول الذي يجب تجنبه.
“رعاية الشعب هي أعظم واجبٍ على ولي العهد. وما سأفعله الآن جزءٌ من تلك المسؤولية، فلا تُرهقي نفسكِ بالتفكير فيه.”
“إن كان الأمر كذلك، فربما من الأفضل أن تؤدي عملكَ هذا لاحقًا، بشكلٍ منفصل…….”
“وفي الوقت الذي تنتشر فيه الأحاديث عن خطيبتي التي تجوب البلاد ناشرةً أعمال الخير، أبقى أنا وحيدًا في القصر؟ غير معقول. سيسقط حينها قدري وهيبتي.”
كان فيريك رجلًا لا يُستهان به. فقد اختار بعناية تامة الأسباب والمبررات، حتى لم يبقَ لليرييل ما ترد به.
‘حقًا…..لماذا تصر على مرافقتي؟!’
ساد صمتٌ طويل وهي غارقةٌ في حيرتها، أما صبر فيريك فقد نفذ.
لقد كان صبره، منذ لقائه بها، مثل شمعةٍ أوشكت فتيلتها على الانطفاء.
“!”
ثم اقترب منها فجأة، منحنياً برأسه نحوها. و تدلّت خصلات شعره الذهبي الباهت برقة نحوها.
ظنّت ليرييل للحظة أنه على وشك أن يُقبّلها. فشهقت مذعورة، لكنه تجاوز خدها واقترب من أذنها، وهمس بصوتٍ منخفضٍ غليظٍ تردّد صداه في أعماقها بنبرة متهكمة،
“قلت لكِ من قبل، سأنزع قناعكِ. أتظنين حقًا أني لا أعرف ما تخفينه؟”
و ظنّت ليرييل أن سمعها يخدعها.
هل…..يعرف نواياي؟ هل يعلم أنها تحاول أن تتظاهر بالطيبة لتُطرد من عائلة تينيبريس الشريرة؟
‘لا يمكن أن يكون ذلك صحيحًا!’
ما لم يكن قارئ عقول أو ساحرًا نفسيًا، فلا سبيل له لمعرفة ذلك.
لكنها أخيرًا أدركت مقصده الحقيقي. لقد أساء الفهم…..وبشدة.
هكذا إذًا، علم أنها ذاهبةٌ للتطوع، فظن أنها تُخفي نوايا مشبوهة. هل كان يراقب كل تحركاتها؟
فزفرت بهدوء، محاولةً تفسير موقفها بنغمة متماسكة،
“كما قلتُ سابقًا…..أنا فقط أريد أن أصبح إنسانةً طيبة.”
“آه، بالطبع. وسيكون من الرائع أيضًا أن يرفع هذا من مكانة عائلة تينيبريس، أليس كذلك؟”
“ليس هذا ما أقصده…….”
“إذًا ماذا تقصدين؟”
لم يكن الحوار ليسير بسهولة. ففيريك قطع كلماتها بحدة وهو يسخر علنًا منها، تمامًا كما كانت هي تفعل به سابقًا.
“أتريدين مني أن أصدق حقًا أنكِ أصبحتِ طيبةً فجأة؟”
‘لا، أريد فقط أن تتركني وشأني، فهل هذا كثير؟!’
حبست الرد في صدرها بصعوبة.
‘تباً.’
كل ما أرادته هو القيام ببعض الأعمال الخيّرة لتُطرد من العائلة، لا أن تُصبح موضع شكٍ لدى خطيبها الذي يكرهها.
يا ليرييل تينيبريس، ما نوع الحياة التي كنتِ تعيشينها؟
‘بسبب الفوضى التي تركتِها، أنا الآن من تتحمل نظرات الريبة هذه!’
وبينما كانت تندب حالها مع صاحبة الجسد الأصلية، كانت الساعة تقترب من الموعد المحدد لزيارة دار الأيتام.
آن أوان القرار. إما أن تتخلى عن التطوع لتتفادى الذهاب معه، أو……
“لا أطلب منكَ أن تصدّقني، سموّك. سأُثبت لكَ بنفسي من خلال أفعالي.”
أن تذهب مع ولي العهد رغم كل شيء.
“فلننطلق إذًا، سموّك.”
“كما يجب.”
حين تراجعت خطوةً إلى الخلف، ابتعد فيريك أخيرًا وتراجع بدوره. لكن صوته الأجش ما زال يرنّ في أذنها كصدى ثقيل.
رؤية وجهٍ وسيم عن قرب لم تكن أمرًا سيئًا، لكنها كانت الميزة الوحيدة في موقفٍ كان كل ما عداه كابوسًا.
‘سأنهي هذا العمل التطوعي أولًا، ثم أُفكر لاحقًا. من يدري؟ ربما حين يراني أعمل بصدقٍ سيفهم أخيرًا الحقيقة ويزول سوء الفهم.’
وإذا زال سوء الفهم هذا……همم؟
وهي تصعد إلى العربة بجانبه، أحست فجأةً وكأنها نسيت أمرًا مهمًا.
لكنها لم تتمكن من التفكير أكثر، فقد التقت عيناها بعينيه الحمراوين المتقدتين من خلف باب العربة، يأمرها بالصعود فورًا.
جلست على المقعد الوثير المغطى بالقماش الفاخر، يليق بعربةٍ دوقية، ورفعت نظرها نحو ولي العهد الجالس أمامها.
أن تُبغَض من شخصٍ بهذا الجمال، ثم تموت على يده لاحقًا، يا له من قدرٍ تعيس.
‘حقًا، إن حياة الشريرة شاقة.’
في تلك اللحظة، بدأت ليرييل التي كانت تشتمها قبل قليل تبدو لها مسكينةً نوعًا ما.
‘انتظري لحظة، المتعبة هنا أنا! فأنا لم أرتكب أي خطأ!’
وبعد إعادة التفكير، لم تعد تراها مسكينةً على الإطلاق.
‘فموت ليرييل في الرواية كان نتيجة أفعالها، أما أنا التي تلبست روحها، فما ذنبي؟’
تذمّرت ليرييل في سرّها، محاوِلةً جاهدة أن تصرف نظرها عن ولي العهد وتنظر إلى الخارج.
كانت المناظر تمر سريعًا من خلف النافذة. و لم يكن الطريق إلى دار الأيتام يستغرق أكثر من عشر دقائق، لكن اليوم بدا وكأنه أبدٌ لا ينتهي.
***
“أهلًا بكم…….”
كان الكاهن يكذب.
“لقد كنا نتطلع إلى زيارة الآنسة.”
الكاهن لم يكن يتطلع إلى زيارتها أبدًا. بل كان يتمنّى أن تُلغي نيتها وتلغي زيارتها حتى في آخر لحظة.
وفي الواقع، حتى قبل الموعد بقليل، ومع عدم ظهور أي أثرٍ للعربة، لم يتمالك الكهنة فرحتهم وعانق بعضهم بعضًا.
لكن قبل دقيقة واحدة من الموعد، توقفت بعنفٍ أمام دار الأيتام عربةٌ تحمل شعار عائلة تينيبريس، فتحطمت كل آمالهم.
‘يا إلهي.’
ارتجت الأرض بصوت “دَرك!” و“هِيينغ!”، إذ فزعت الخيول من اللجام المشدود.
و خدشت العجلات الأرض بعنف، وتزحزحت العربة في اتجاه الكاهن لتتوقف أمامه بصعوبة، فيما بعثرت الرياح المتأخرة خصلات شعره للأعلى.
‘ليتها لم تأتِ! يا إلهي، لماذا يحد لنا هذا؟!’
صرخ الكاهن في سره وأخفى وجهه وهو ينحني.
و المرأة التي نزلت من العربة لم تكن سوى ليرييل تينيبريس، المشهورة بأنها أشرس نساء المملكة.
وحتى الكاهن المبجل لم يكن ليجرؤ على إظهار أدنى امتعاضٍ أمامها، فقد كان ذلك كافيًا لتلقي صفعة، مثلما حدث فعلًا حين كانت في العاشرة من عمرها.
‘ما الذي جعل مثل هذه المرأة تقرر فجأة أن تقوم بأعمالٍ خيرية……؟’
“تسك”
نقر الكاهن لسانه في استياء. ثم سُمعت خطواتٌ بطيئة تنزل السلالم، بل خطوتان لشخصين.
فرفع الكاهن رأسه بدهشة، وما إن رأى من كان معها حتى شهق بصوتٍ مرتفع.
“صاحب السموّ؟!”
لقد كان هناك ضيفٌ غير متوقّعٍ تمامًا.
تجهم وجه فيريك وهو يومئ للكاهن أن يخفض صوته.
“لا داعي للدهشة، خطيبتي جاءت لأداء عمل خيري، فرافقتها وحسب.”
“أآه، أها، بالطبع يا صاحب السمو…….”
“لم أقدّم طلبًا رسميًا للمشاركة، لكن هذا لا يسبب مشكلة، أليس كذلك؟”
“أبدًا، أبدًا! نحن فقط ممتنون لأننا نحظى بزيارة من سموّكم الكريم……”
وهكذا كذب الكاهن مرة أخرى.
وبينما كان يحاول كسب الوقت، هرع أحد الكهنة الآخرين إلى داخل المعبد.
لقد كان عليه أن يجمع الجميع فورًا، فمهما كانت مكانة النبلاء أعلى من الكهنة، فإن ولي العهد يظل بحاجة إلى استقبالٍ يليق بمقامه.
الكهنة الذين كانوا يستريحون أو منشغلين بأعمالهم أسرعوا في ارتداء ثيابهم. باستثناء شخصٍ واحد فقط.
“انهضي، أيتها القديسة أنيلا! ألم تسمعي أن ولي العهد وصل؟!”
“مممم……فقط خمس دقائق أخرى……”
“أي خمس دقائق! هيا انهضي فورًا!”
بتكاسل، فركت فتاةٌ جميلة عينيها وهي تجلس على سريرها البسيط. وانحدر خلف ظهرها شعرٌ أبيض براق، يتلألأ بألوان الشفق، كأنه شلالٌ من الضوء.
“هاااام.”
خرج منها تثاؤبٌ غير لائقٍ أبدًا بجوّ المعبد المهيب.
ورغم استعجال الجميع، ارتدت ثيابها بحركات بطيئة وكسولة. فهي تعلم أن ابتسامةً واحدة منها كانت كافية لتجعلهم يتغاضون عن أي شيء.
“ولي العهد؟ ما الأمر الكبير؟ يا للضجر……”
قالت ذلك بلا مبالاة وهي تقف، وعيناها الزجاجيتان الشفافتان لا تزالان مثقلتين بالنعاس.
____________________
يارب انها تستس قويه حلوه مب خيخه
المهم توقعت ليرييل بتستانس عشان فيريك جا معها بس الصدق منطقي ماتبيه وشوله اصبر شوي وحبها من بعيد ثم تعال لاحقها😘
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 8"