“إذا كان الناس يفكّرون هكذا في اثنين فقط فشلا في المهمة، فكيف سيظنون بكِ إن قتلتِ ليرييل التي لم ترتكب في حقكِ أي ذنب؟!”
“ولمَ لا يكون لها ذنبٌ تجاهي؟!”
حتى في خضم الغضب، ما إن سمعت أنيلا اسم ليرييل حتى راحت تصرخ وكأن قشعريرةً تجتاحها.
“لقد انتزعت الرجل الذي وضعته أنا في عينيّ أولاً!!!”
“أيهما كان أولًا، أنكِ وضعتِ عينكِ عليه؟ أم أن ليرييل قد أقامت حفل خطوبتها؟ أليس حفل الخطوبة هو الذي جاء أولًا؟”
“إيك…….”
وحين هُزمت حتى في المنطق، صار وجه أنيلا الجميل يحمرّ ويزرقّ بالتناوب.
ولم تكن صحة كلام يوليان أو خطؤه هي المهمة في الأمر، فالمسألة كلها كانت مزاجها. فكلمةٌ واحدة خاطئة قد تجعل مصيره كمصير بوريس.
تنفس بعمق وأكمل كلامه بهدوء.
“ما أعنيه هو أن نصنع لها خطأً يجعل موتها على يديكِ أمرًا مفهومًا.”
“سأقتلكَ.…! لحظة، ماذا قلت؟”
جمعت أنيلا قواها المقدسة لتشويه يوليان أيضًا، لكنها توقفت في اللحظة الأخيرة.
نظر يوليان إلى اليد الصغيرة المتوقفة أمام أنفه، وإلى تلك القوة المقدسة المهددة المتماوجة فوقها، وأعاد كلامه بصعوبة.
“لنجعل من ليرييل شريرة. شريرةً تستحق أن تحرقيها إن أردتِ. فقط……أبعدي هذا قليلًا ودعيني أشرح.…”
ورغم رجائه، لم تُبعد أنيلا يدها. بل ضيّقت عينيها، وكأنها تجد تصديق كلامه أمرًا صعبًا.
“ألم تكن قبل قليل تقول أنها فريستكَ وأنه لا يجب عليّ لمسها؟”
“سأتخلى عنها. امرأةٌ وقحة تجرؤ على سرقة رجل يناسب قدّيسة، تلك أرفضها أصلًا.”
كان نصف كلامه صحيحًا ونصفه الآخر بعيدًا عن الحقيقة.
فهو لم يهتم أصلًا بما إذا كانت ليرييل تطمع في رجل القدّيسة أم لا. لكنه أدرك أن تنفيذ الخطة كما هي مستحيلٌ مع وجود أنيلا، هذا الكائن الخارج عن كل المقاييس.
فالمال مهم، لكنه لا يفوق حياته قيمة. ولا بد له أن يبقى حيًا حتى يملأ جيوبه.
لذا أخرج الخطة البديلة التي أعدّها منذ زمن تحسبًا ليوم كهذا.
“سأساعدكِ في دفع ليرييل لتبدو شريرة. وبما أننا نتخلص من الشر، فلنمحُ عائلة تينيبريس كلها معها.”
“……لتستولي أنتَ بعد ذلك على ثروة العائلة، أليس كذلك؟”
كانت هذه هي الخطة المسماة “خطة الوطواط”: التعلّق بأنيلا بدل ليرييل.
ولم يكن يوليان يرغب في اللجوء إليها أصلًا، لأن ثروة تينيبريس ستكون بالتأكيد أقل حين يحين وقت إبادتهم. لكن شخصية أنيلا كانت أشدّ التهابًا مما توقع، فلم يكن أمامه خيارٌ آخر.
فاعترف برغباته دون مواربة.
“صحيح. ولن يكون ذلك أمرًا صعبًا عليكِ.”
كم كان مشهده بائسًا، وهو يبدّل ولاءه في اللحظة التي تصبح فيها الأمور خطرة.
نظرت إليه أنيلا بنظرة اشمئزاز، ثم أبعدت يدها أخيرًا.
فمع تغيّر عائلة تينيبريس نحو الأفضل يومًا بعد يوم، وبما أن أنيلا لا تعرف القتل إلا بالقوة المقدسة والتحريض، فهي تحتاج إلى يوليان.
“جيد. سأفعل ذلك. إذًا ما خطتكَ لتحويل ليرييل إلى شريرة؟”
“هذا……علينا أن نفكر فيه من الآن.…”
لكن سماع أن الخطة لم تُبنَ أساسًا بعد جعل أنيلا تعقد حاجبيها من جديد. وما إن بدأت خصلات شعرها الأبيض المتلألئ ترتفع حتى أسرع يوليان،
“سأفكر……وأعطيكِ الخطة خلال يومين!”
“يومٌ واحد.”
أجابت بحزم، وكأنها تحذّره من اختبار صبرها.
“أحضر الخطة خلال يومٍ واحد.”
فتح يوليان فمه ليعترض، لكنه أغلقه باستسلامٍ وأومأ برأسه.
وبالنظر إلى شخصيتها، فكان عليه أن يشكر السماء أنها لم تطلب نصف يوم.
‘آه……لماذا عقدتُ شراكةً مع هذه المتهورة أصلاً…..’
سبّ يوليان نفسه في داخله، وتمتم بصوتٍ منخفض،
“حسنًا……سأفعل، سأفعل.”
***
انتشر خبر أن عائلة تينيبريس قد أدخلت يتيمةً إلى منزلهم انتشار النار في الهشيم، وملأ المملكة بأسرها.
لا يهم المكان أو المنصب أو السن أو الجنس، فكل من يفتح فمه كان يبدأ بهذا الموضوع.
منهم من قال أنها علامة على تغيّر العائلة بأكملها، ومنهم من رد بأن الأمر مجرد خرف.
وفي المجتمع المخملي، لم تنقطع الأحاديث عنها.
“يقولون أن اسم الطفلة الجديدة هو فيوليت.”
ما إن فتح أحدهم باب الحديث حتى انفجرت الشائعات من كل صوب دون معرفة مصدرها.
“هل سمعتِ؟ يقولون أن الابنة الكبرى جُنّت، فأدخلوا تلك الطفلة لتأخذ مكانها!”
“لا، هذا خطأ. الحقيقة أنهم أدخلوها ليربوها ثم يقدموها قربانًا. ليس لديهم طريقةٌ أخرى لرفع اللعنة عن ابنتهم!”
“ماذا؟ أليسوا قد أخذوا الطفلة لأن السيد الشاب في تلك العائلة قد اختارها عروسًا مستقبلية، فلم يكن أمامهم خيارٌ آخر؟”
وكان الجميع ينتظر عودة ملكة المجتمع المخملي، لوفرين تينيبريس، كي تكشف لهم حقيقة الشائعات،
لكنها لم تظهر في أي حفلة، ولا حتى في الصالون الذي اعتادت زيارته كل أسبوع. فقد كانت منشغلةً تمامًا باللعب مع فيوليت في “اختيار الملابس”.
“فيوليت؟ تعالي جرّبي هذا الفستان أيضًا!”
“مـ……مرة أخرى؟ لقد جربتُ أحد عشر فستانًا بالفعل.…”
“أوه؟ أوه يا صغيرتي……هل تجرئين على الرد عليّ؟”
والفتاة الخجولة التي دخلت معهم مؤخرًا صارت مصدر حياةٍ جديدة للوفرين التي أنهكها تغيّر ابنتها المفاجئ نحو الطيبة.
وللسبب نفسه، أهمل أنوين هو الآخر علاقته مع بقية النبلاء منذ فترة.
و يُضاف إلى الوالدين المختفيين، انشغال ليرييل في التحضير لحفل ميلادها، و هيفال الذي ما زال يعاني من آلام العضلات……
وبذلك أصبح كل أفراد العائلة مختبئين بلا قصد خلف ستار من الأسرار.
وفي الوقت الذي بلغت فيه الشائعات ذروتها كالسيل الجارف، بدأت الرسائل تصل تباعًا إلى نبلاء مملكة تريان.
كانت رسائل دعوةٍ لحضور حفل ميلاد ليرييل تينيبريس، “يوم الميلاد الاحتفالي”.
“يا إلهي، علينا أن نذهب مهما كان!”
ألغى النبلاء كل مواعيدهم في اليوم نفسه، ولم ينتظروا سوى حلول ذلك الموعد.
حتى أطفال دور الأيتام الذين تلقّوا الدعوة كانوا في حماسٍ مماثل.
“يوم ميلاد الأخت ليرييل قريب!”
وكان يكفي أن يُرسلوا رسالةً واحدة عامة إلى دار الأيتام كله، لكن ليرييل كتبت بخط يدها أسماء جميع الأطفال، وأرسلت الدعوات بنفسها إلى المعبد.
وصلت عشرات الرسائل اللامعة ذات الورق الفاخر إلى المعبد، ولم يتوقف صراخ الأطفال فرحًا لرؤية تلك البطاقات البراقة.
“لا أستطيع الانتظار!”
“تُرى في أي منزلٍ تعيش؟! لا بد أنه مكانٌ فاخر كالقصور! قد يستغرق التجوّل فيه يومين كاملين!”
“سمعت أن كعكاتهم مكدّسةٌ كالجبال! ويقولون أنها ألذّ من خبز لِمنغتون!”
“ألذّ من خبز لِمنغتون؟!”
لم يستوعب الأطفال أن “الأخت الأميرة” التي تزورهم دائمًا قد دعتهم لحفلها الكبير.
كثيرٌ منهم لم يغادر دار الأيتام قط، وكانت عيونهم تتلألأ بتخيلات لا تنتهي. وكان بعضهم يتساءل أيضًا عن حال فيوليت.
تقول الشائعات أنها تمتلك الآن أكثر من مئة فستانٍ خاص بها. ورغم أنهم يظنون أن هذا مبالغة، إلا أن رغبتهم في رؤية ذلك بأعينهم أكلتهم شوقًا.
“لم يبقَ سوى أيامَ قليلة.”
وفي المقابل، كان هناك من يستعد لهذا اليوم بجدية مطلقة، وهم جماعة “الجناح الأبيض” وأنيلا. فهم أيضًا من الضيوف الرسميين الذين وصلتهم دعوة.
وكان هناك سببان رئيسيان لدعوة ليرييل لهم رغم أنها ليست على صلة وثيقة بهم. وأحد السببين كان محاولة إيقاف الاتجار بالبشر الذي يجري بتهوّر تحت قيادة “الريش الأبيض”.
“لكن ماذا نفعل؟ لقد أصبحنا مشغولين جدًا مؤخرًا. فهنا في هذا المعبد وحده عددٌ هائل من الأطفال المقرر تبنيهم. يؤسفني القول، لكن حضورنا سيكون صعبًا للغاية.”
“لا تقلقي بشأن ذلك. فأطفال هذا المعبد جميعهم مدعوّون أيضًا.”
“ماذا؟!”
وبما أن الحفل سيقام بعد أسبوعين من ذلك اليوم، فلن يستطيعوا اختطاف أي طفل أو التصرف بهم حتى انتهاء الحفل.
وحتى غياب طفلٍ واحد سيجعل عائلة تينيبريس تمطرهم بالاعتراضات. وكان هذا أقل ما تستطيع ليرييل فعله فورًا.
أما السبب الثاني – فهو طبعًا دعوة رئيس الجناح الأبيض، يوليان.
‘يجب أن أستغل هذه الفرصة لأقوي علاقتي معه. حتى أتمكن من محو الجناح الأبيض بالكامل.’
_______________________
الفصل كله عشوائي وكأنه نهاية ارك يورينا كل طرف وش صار عليه😂
التعليقات لهذا الفصل " 73"