لم تتحرك المرأة قيد أنملة أمام النظرات الحادة الموجهة إليها، بل تابعت شرحها ببرود تام.
وأثناء تقليبها للملفات عثرت على الاسم المدوّن تحت صورة البورتريه، فرفعت نظرها نحو الفتاة.
لقد كان بريق عينيها بلا حياة، أشبه بنظرةٍ تنظر إلى شيءٍ لا إلى شخص.
فتراجعت فيوليت المذعورة أكثر خلف ظهر لوفرين.
و شعرت لوفرين بأن شيئًا من أمومتها المنسيّة ينمو داخلها، فمدّت ظهرها للطفلة كي تختبئ. ثم فتحت فمها لتهدئة الفتاة.
“لا بأس يا عزيزتي. اطمئني. لن أسمح لأحد أن يأخذكِ.”
“حقًا.…؟”
لكن ما إن ضحكت المرأة التي كانت تسمع ما تقول، حتى تجمّد الجو في لحظة. بينما هزّت رأسها يمينًا ويسارًا وهي تحطم الأمل بضربةٍ واحدة.
“كلا. الآنسة فيوليت يجب أن تأتي معنا. لقد أُعِدَّ لها الكثير.”
“إلى أين؟ بأي حق؟”
“أوه، لا تكوني هكذا يا سيدتي.”
تعاملت مع لوفرين التي ثارت بعنفٍ كما لو كانت هي الغريبة الأطوار، ولوّحت بالأوراق في يدها.
“هذا ليس شأننا وحدنا. إن الأمر مرتبطٌ باتفاقٍ بين الدول.”
“ماذا؟”
أول من تفاعل مع عبارة “اتفاق بين الدول” كان أنوين.
كان يقيس كل شيءٍ بمقياس المنفعة، ففهم فورًا ثِقَل ما قالته المرأة.
ثم مدّ يده بسرعة بنبرة متوترة قليلًا.
“دعيني أرى الأوراق.”
“تفضل.”
أشارت الموظفة برأسها كي يقدم مساعدها الملف إليه. فتصفّح أنوين الأوراق بسرعة ودقة.
بشكل مبسط كان عقدًا بين المعبد و”الريشة البيضاء”، لكن في جوهره كان عقدًا بين مملكة تريان والدول المجاورة.
وما لفت النظر أكثر من غيره كان الشرط التالي،
إذا وردت عروض تبنٍّ خارجية تستوفي الشروط بحق الأطفال داخل مملكة تريان، فيجب أن تتم إجراءات الإرشاد للتبني تحت إشراف “الريشة البيضاء”.
وحين أخذت ملامح أنوين تتجمّد شيئًا فشيئًا، سألت لوفريو بقلق وهي توشك على البكاء،
“يا عزيزي؟ قل لي أننا نستطيع أخذ هذه الطفلة.”
“…..لوفرين.”
نادراً ما عجز عن إعطاء جواب قاطع. وكان معنى ذلك واضحًا. فسرعان ما تحول وجه لوفرين إلى شاحب.
“آسف يا عزيزتي…..يبدو أن الأمر صعبٌ هذه المرة.”
“ماذا؟! لماذا؟!”
“…….”
“نحن عائلة تينيبريس! لم نفشل يومًا في نيل شيء أردناه!”
أن يعجز تينيبريس عن الحصول على ما يريدون…..
انهار كبرياؤها وآمالها معًا. و ارتفع صوت لوفرين المرتجف، ويبدو أنها صُدمت بالقدر نفسه كما كانت يوم سمعت من أحدهم بأن ليرييل أصبحت طيبةً فجأة.
ورغم هذا اليأس الصريح أمامه، لم يستطع أنوين فعل شيء.
“تباً..…”
حتى هو لا يمكنه العبث باتفاقات بين الدول هكذا ببساطة. وحتى لو حاول، فسيحتاج الأمر إلى وقتٍ ومال وجهد كبير.
وفي ظرفٍ مفاجئ كهذا، لم يكن بوسعه فعل أي شيء.
كانت المرأة أمامه تدرك ذلك تمام الإدراك، فمررت أصابعها عبر شعرها وهي تسخر منهم في داخلها.
‘نعم…..وماذا يمكنكم أن تفعلوا؟’
قدرة المرأة على الوقوف بثبات أمام دوقَي تينيبريس، القوة الحقيقية للمملكة، لم تكن بلا سبب.
فمهما علا شأن الدوق، فسلطته داخل مملكة تريان تبقى محدودةً أمام “اتفاقٍ بين الدول”. وكانت هي تعرف ذلك جيدًا.
‘يبدو أنهم يريدون تغيير سمعة العائلة الشريرة بتبنّي بعض الأيتام….يا لهم من سذج.’
كتمت رغبتها في الضحك بصوتٍ مرتفع، واكتفت بالنظر إليهما بنظرة ساخرة.
و كان الزوجان يبدوان مرتبكين بوضوح أمام العقبة المفاجئة. كل شيء كان يسير وفق خطة يوليان.
وبينما تستعيد المرأة توجيهات يوليان قبل أيام، استمتعت بشعور الانتصار الذي بدأ يتصاعد في صدرها.
***
“وصلتني معلومةٌ أن عائلة تينيبريس ستأتي للمعبد في زيارةٍ تطوعية بعد يومين.”
في قبو مظلم. صدح صوت يوليان الجاد في الغرفة الضيقة.
كان أمامه أربعة أو خمسة أشخاص جالسين.
و لم يُبدِ أيٌّ منهم ذرةَ دهشة وهم يواجهون وجه يوليان—رئيس منظمة الجناح الأبيض—بملامحه الجادة والمختلة.
فالذين اجتمعوا هنا هم الوجه الخفي للجناح الأبيض، أولئك الذين يعملون مع يوليان عبر طرق غير قانونية.
“علينا منع هذا بكل قوتنا.”
“ولماذا؟ أليس من الجيد لنا لو جاءوا إلى المعبد وتبرعوا؟”
كان من بين الحاضرين بطبيعة الحال الرجل والمرأة اللذان ذهبا للمعبد، أي الموظفة الاجتماعية سيندي ومساعدها بوريس.
طرح بوريس، الذي لم يفهم شيئًا، سؤاله ببراءة، فما كان من يوليان إلا أن صرخ عليه فورًا،
“يا أحمق!”
كانت شتيمةً منحطة لن تصدر أبدًا من رئيس منظمة خيرية حقيقية.
ضرب كفّه على اللوح الأسود الذي كُتب عليه المخطط، وكأنه يكاد ينفجر غضبًا.
“عندما يتبرعون للمعبد، لا يصلنا نحن إلا خُمس المبلغ! ثم إن أصبحوا صالحين، فلن يبقى لي شيءٌ أستطيع نهبه!”
صرخ وهو يعدد التبرعات والمنح الدراسية والدعم المالي—وكم من المال سيخسرونه—حتى وضع الجميع أيديهم على آذانهم.
لم يعتد أحدٌ منهم بعد على هذا التناقض العجيب: شابٌ وسيم يبدو كأنه لا يعرف شيئًا عن الشر، لكنه يتحول إلى وحش يبرق جشعًا كلما تعلق الأمر بالمال.
“لذا عليكم أن تذهبوا وتعرقلوا الأمر! تذكروا أنه إن لم نفعل ذلك، ستنخفض أرباحنا بشكلٍ هائل!”
“حسنًا، وكيف ستمنعهم؟ تقول أوهم أقوى دوقية في المملكة، أليس كذلك؟”
قاطعت سيندي، وقد ضاقت ذرعًا بكلامه المشتت، وسألت عن النقطة المهمة مباشرة.
عندها فقط تنفّس يوليان بعمقٍ واستعاد شيئًا من هدوئه. ثم التقط نصف قطعة الطباشير المكسورة عن الأرض وأكمل الشرح.
“الأمر ليس صعبًا. ما عليكِ أنتِ وبوريس إلا فعل ما تفعلانه دائمًا أمام الدوق وزوجته.”
تكسرت حبيبات الجبس الناعمة تحت الطباشير وهو يكتب.
وبسرعة ظهرت على اللوح عبارة “الريشة البيضاء”. كان الاسم لطيفًا، مناسبًا لمنظمة رعاية أطفال…..لكن حقيقتها بعيدةٌ كل البعد عن اللطف.
“اختيارهم للمعبد بالذات يعني أنهم يريدون القيام بخدمةٍ تخص الأيتام. ومنع هذا الأمر بسيط.”
ارتسمت على وجهه ابتسامةٌ ماكرة، مثقلةٌ بالطمع.
“يكفي أن نُزيل الهدف الذي ينوون مساعدته.”
لكن سيندي لم تُبدِ أي صدمة، بل ابتسمت بخبث وقد فهمت كل شيء.
“آه…..هذا هو قصدك؟”
دفعت إطار نظارتها إلى أعلى بإصبعها،
“تريدنا أن نتبع عائلة تينيبريس ونخطف الأطفال الذين يكلمونهم، صحيح؟”
كان هذا بالضبط ما يفعله “الريشة البيضاء” عادة. الاتجار بالبشر.
يجوب الجناح الأبيض المناطق الفقيرة بحثًا عن فرائس باسم الإغاثة، ثم يأتي الذراع التابع له—ريشة البيضاء—ويختطف الأطفال خلسة.
وغالب الضحايا أيتام بلا سند.
يكفيهم أن يقولوا لهم: “هناك رجلٌ ثري في الخارج يريد أن يمنحكم عائلةً جديدة…” والأطفال الذين أنهكهم الفقر يستسلمون بسهولة.
سريرٌ وثير، ملابس أنيقة، طعامٌ دافئ…..وأحلام بعائلة جديدة تحبهم. فيركبون العربة بقلوب صغيرة تمتلئ بأمل كاذب.
“أين….أين نحن؟”
لكن الحقيقة كانت عملًا قاسيًا في بقعةٍ نائية لا يفهمون حتى لغتها.
وكان تجار العبيد يدفعون ثمنهم نقدًا في جيوب تلك المنظمة السوداء. وكان ذلك يشكل معظم دخل الجناح الأبيض غير الشرعي.
أما سيندي، التي تشغل منصبًا مهمًا في هذه المنظمة، فلم يكن خطف بضعة أطفال من المعبد وبيعهم مهمةً صعبة على الإطلاق.
هزّت رأسها بثقة ونهضت وهي تمرر يدها خلال شعرها. فتألق بروش الريشة البيضاء على صدرها تحت ضوء القبو المعتم.
“اتركوا الأمر لي.”
لقد كان يزعجها أصلًا أن عائلة تينيبريس—الشهيرة بسمعتها الشريرة—قررت فجأة إظهار نفسها بمظهر الصالحين. وهذه فرصتها لتضعهم في مكانهم الحقيقي.
فقد كان يجب أن يبقوا أشرارًا.
فقط حين يبقون أشرارًا، يمكن للجناح الأبيض والريشة البيضاء أن يبدوا كمنظمتين خيريتين في نظر الجميع.
ومن أجل ضيقها الشخصي ومكاسب منظمتها السوداء، قررت سيندي بكل سرور إفشال أعمال عائلة تينيبريس الخيّرة.
_____________________
اويلاو يوليان طلع اقبح من اويل ايو
وعرف يختار من يشتغلون معه كلهم قد باعوا قلبهم
بس لحظه يعني امداهم يسجلون فيوليت كذا على طول؟ ولا تزوير عيني عينك؟ أنوين مفروض متعود علو العقود شقومه ملخط
المهم شقوم ليرييل ساكته
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 68"