“يجب أن نجعلها تشعر بالقوانين بنفسها حتى لا تجرؤ على الاستهانة بعائلة تينيبريس مرة أخرى.”
لكن بخلاف المرة السابقة، لم تبدُ حركته هذه المرة سيئةً تمامًا.
كان الأمر أقرب إلى طفل ذهب إلى السوق ورأى دميةً أحبها، فأراد أخذها معه مهما حصل. ورغم أن أسلوب التعبير كان أخرق، إلا أنه لم يكن بنيةٍ سيئة.
المشكلة أن هذا التغيّر في سلوك الاثنين كان غير مفهوم إطلاقًا.
‘ما الذي جرى لكما فجأة؟’
الزوجان اللذان كانا يرتجفان من الاشمئزاز لدى رؤية الفتاة، يعلنان الآن أنهما سيأخذان معهما هذه الطفلة نفسها التي سببت لهما المتاعب.
وفي هذا الموقف غير المفهوم، لم تستطع الفتاة ولا ليرييل سوى أن ترمشا بذهول.
لكن السبب الوحيد لدهشتهما هو أنهما لم يكونا يعلمان حقيقة ما يشعر به هذان الزوجان الشريران.
‘هذه الفتاة……’
بينما يحدقان في وجهها الصغير المليء بالتمرد، كانا لوفرين وأنوين يفكران بالشيء نفسه.
وبملامح جادّة كالأشرار الذين يدبرون المؤامرات، تمتم كل منهما بما لا يُسمع.
‘إنها تذكرنا بطفولة ليرييل.’
كانت بالنسبة لهما ذكرى ثمينة ولحظةً لن تعود. إنها طفولة الشريرة.
وفي الوقت الذي كبرت فيه ابنتهما المدللة وصارت ملاكًا هادئًا، فقد كان قلباهما متعبين من شدّة اختلافها المفاجئ.
ورؤية هذه الفتاة المشاكسة التي تشبه ليرييل في صغرها جعلت قلبيهما يهتزان.
وبينما هو ينظر إلى مجرفة الرمل التي رمتها الفتاة، كان أنوين يحدق فيها بنظرةٍ دافئة.
‘صحيح، ابنتنا أيضًا كانت ترمي الأشياء كلما غضبت.’
في عينيه، لم تعد المجرفة مجرد أداة متسخة بالغبار، بل صارت كملعقة فضيّة تلمع بجمال.
“لا أريد! لن آكل هذا!”
كانت طفلةً ذات مزاجٍ صعب للغاية، كما يليق ببذرة شريرة صغيرة.
كانت أطباق الطهاة الأفضل في المملكة، المصنوعة من أجود المكونات، تُرمى على الأرض بعد أقل من خمس دقائق من تقديمها.
ورغم أن المربية كانت تتولى معظم رعايتها، إلا أن والديها الحقيقيين كانا أنوين و لوفرين، لذلك فهما من كانا يشاهدان تطوّرها الشرير يومًا بعد يوم.
لكن ماذا عن وجباتها مؤخرًا؟
كانت تقطع اللحم لوالدتها قبل أن تأكل، بل وتدفع نحو والدها قنينة الصوص قائلة أن صوص الطبق غير كاف.
“تفضل يا أبي. الأفضل أن تضيف بعض الصوص على الستيك. آه، هل تحتاج إلى مزيد من الماء؟ ماذا عن المقبّلات؟ هل أطلب من الطاهي إعداد المزيد؟”
ومع ابتسامتها البريئة وهي تقول: “طاهي منزلنا مذهل، أليس كذلك؟”، فقد فقد أنوين شهيته في الأيام الماضية.
لذلك لم يكن غريبًا أن يشعر بشيءٍ تجاه هذه الفتاة التي تقف أمامه الآن.
وبينما يبتلع ريقه، ضيّق حاجبيه وهو يتخيل مستقبلًا لم يحدث بعد.
‘أريد تناول الطعام مع هذه الفتاة.’
وكان حال لوفرين مشابهًا.
‘يا لها من طفلةٍ صعبة.’
وبينما تسمع نبرة الفتاة الممتلئة بالضجر، غاصت لوفرين في ذكرياتها.
‘هذه الصغيرة التي لم يكد يجف دمها، تتصرف وكأنها لم تعد طفلة.’
وكانت عبارتها مطابقةً تمامًا لما كان يخرج من فم ليرييل عندما كانت صغيرة.
“ما هذا؟ ما هذا الفستان المليء بالزهور؟”
هذا ما قالته ليرييل عندما قدم لها صاحب متجر الفساتين الثالث أجمل فساتين المحل.
لم يكن الفستان رخيصًا، فقد كانت مجوهراته فاخرةً والدانتيل فخمًا. والأهم أن الكورسيه المزين بالزهور الناعمة كان أكثر ما يحبه الأطفال في سن الثانية عشرة.
ولذلك كان الفستان نادرًا لدرجة أن الأرستقراطيين الصغار لا يحصلون عليه إلا مرة في الشهر، لكن ليرييل رمت به على الأرض دون حتى أن تنظر إليه، وظلت توبّخ المصمم المسكين.
“أتريدون مني ارتداء هذا؟ هل أنا طفلةٌ بنظركم؟!”
و لوفرين، التي كانت ترافق ليرييل منذ صغرها إلى متاجر الفساتين، لم يكن هناك ذكرى أكثر تأثيرًا من هذه.
لكن ليرييل مؤخرًا أصبحت غريبة. بل إن كلمة «غريبة» لا تكفي.
فالفساتين السوداء المزينة بالدانتيل والتي كانت تعشقها، أخرجتها جميعًا من خزانتها. بل وضعت مكانها فساتين فاتحة الألوان حتى بدا ركن الخزانة الذي كان مظلمًا سابقًا لامعًا بألوان مشرقة.
وكان ذلك تحديدًا منذ عودتها من الرحلة التطوعية.
“يجب أن أغير ملابسي. ليس عليّ أن أبدو كالشريرة طوال الوقت. ما هذا أصلاً؟”
ورغم أن الأمر كان مرتبطًا بتجربة ليرييل الشخصية السيئة أثناء تلك الرحلة، إلا أن لوفرين رأت ذلك كله تحولًا غريبًا وغير مفهومٍ في ابنتها، وكأنه حدث في ليلةٍ واحدة.
لكن كلمةٌ واحدة فقط من الفتاة أمامها جعلت غضب لوفرين يذوب تمامًا.
‘إذن أنتِ ما زلتِ طفلة، فأيّ راشدٍ تتظاهرين بأنكِ هو؟’
كانت الفتاة تملك سحرًا لاذعًا ومشاكسًا يجعل لوفرين ترغب في الرد عليها بهذه الطريقة.
ورغبت فجأة في إطعام هذا الجسد الهزيل حتى يمتلئ لحمًا، ثم نزع قطعة الخيش القذرة عنها وإلباسها فستانًا فاخرًا مزينًا بالزهور.
وحينها ستصرخ تلك الطفلة مجددًا بأنها ليست طفلة.
‘وربما سترمي الفستان على الأرض أيضًا.’
بمجرد تخيّل ذلك، خفق قلب لوفرين بقوة، فوضعت يدها على صدرها لا إراديًا.
كانت تضغط على ملابسها لتهدئة قلبها القافز، لكنها بدت للعيان كسيّدة متجهمة تمسك فستانها بغضب.
“ما الذي يحدث هنا؟!”
ثم صرخ كاهنٌ كان يراقب من بعيد قبل أن يعدو نحوهم.
كان بطبيعته يراقب هذه العائلة الشريرة داخل المعبد باستمرار. والآن، رأى ليرييل تخرج مع الزوجين ثم يجدهم بعدها يمسكون بطفلةٍ مشاكسة ويتجادلون معها.
بالنسبة للكاهن، لم يوجد موقف أسوأ من هذا. وكانت الأسباب – كما ظن – واضحة.
فالطفلة التي يمسك بها الدوق وزوجته كانت مشهورةً داخل المعبد بأنها “مشكلة”.
“أعتذر! هذه الفتاة تسببت في الإزعاج!”
لذلك حكم الكاهن على الوضع دون تفكير.
ركض بسرعةٍ وضرب مؤخرة رأس الطفلة بخفة أمام الجميع كنوع من التأديب، بينما كان يخفض رأسه معتذرًا.
وقد تجمدت تعابير الزوجين وليرييل فور رؤية ذلك المشهد.
ومع برودة الجو التي خيمت فجأة، ظن الكاهن خطأً أن السبب هو غضبهم منه، فبدأ يعتذر بطريقة مبالغ فيها.
وكانت حالته مطابقةً لوصف “العربة الفارغة الأكثر ضجيجًا”.
“هذه الفتاة لا تسمع الكلام إطلاقًا، وهي فظةٌ جدًا. لا بد أن جهلها سبب كل هذا. كان يجب علينا مراقبتها جيدًا حتى لا تتجول مثل هذه!”
وضع يده على رأسها وضغط عليها وكأنه يقول: اعتذري فورًا. فامتلأت عينا الفتاة بالدمع.
تصاعدت داخلها رغبةٌ في التمرد على الكبار مجددًا، لكن في مواجهة البقاء لم يعد للكرامة معنى كبير. وأدركت أن هذه فرصتها الأخيرة.
فقالت وهي لا تعرف حتى ما خطؤها،
“أعتذر….”
وكان هذا الاعتذار الخالي من أي مشاعر هو شرارة الانفجار.
تجمدت نظرات أنوين و لوفرين ببرودٍ قاتل، وكذلك ليرييل. ولم يعد بالإمكان التغاضي عن تصرفات الكاهن.
فتقدمت ليرييل خطوةً للأمام وسألت بصوتٍ صارم،
“عن ماذا تعتذرين بالضبط؟”
كانت لهجتها قريبةً من الجدال. وبالطبع، لم تستطع الفتاة الرد. فهي لا تعرف ما الخطأ أصلًا. وقد فعلت فقط ما قيل لها.
وحين لم تأتِ إجابة، أطلقت ليرييل ضحكةً قصيرة أشبه بالسخرية.
“هاه، كنت أعلم أنكِ لن تستطيعي الإجابة.”
وارتعدت أجساد الكاهن والفتاة من نبرة صوتها، التي بدت كزهرة ورد جميلة تخفي أشواكًا حادة.
ولأن الكاهن لم يفهم الوضع، استمر في إلقاء اللوم كله على الفتاة.
‘يا لهذه الغبية……! ماذا سيحدث لو توقفت عائلة تينيبريس عن دعم المعبد بسببها؟!’
رفع يده ليضربها مرة أخرى. وفي اللحظة التي كادت فيها يده أن تهوي،
“لن تجيبي بالطبع حين تعتذرين على ذنبٍ لم ترتكبيه.”
“آخ……!”
“أليس كذلك، أيها الكاهن؟”
قبضت ليرييل على معصمه ولفّته بقوة، مما جعله يصرخ من الألم دون أن يستطيع قول كلمةٍ واحدة.
____________________________
حركوت لوت يد كاهن! امها وابوها بيبكون😭
طفولة ليرييل الي بلا مشاغبه كانت فخر لاهلها 😂
شوفوا هم شكلهم كذا بس اشرار عشان العادات والتقاليد ولا من الشرير الي وده يأكل يتيمه عشان حركاتها؟
التعليقات لهذا الفصل " 66"