لم تستطع سيمي كبح امتنانها، فهرعت نحو ليرييل واحتضنتها بقوة، ثم لوّحت بيدها وهي تغادر.
“شكرًا لمساعدتكِ يا أختي! لنلعب مرةً أخرى لاحقًا!”
ولوّحت ليرييل بيدها حتى اختفت الضفائر المتراقصة عن ناظرَيها.
ثم استدارت……ولم يبقَ أثرٌ لتلك الابتسامة الحنونة التي ارتسمت قبل قليل. و تحدّثت بنبرة صارمة كمدرّبة لا تعرف الرحمة،
“رأيتما؟ هكذا تفعلان.”
بدا الأمر مستحيلًا.
كان دوق تينيبريس وزوجته يمسكان أيدي بعضهما بقوة، ويبتلعان ريقهما بارتباك.
فلكي تلعب مع طفل، عليكَ أن تتدحرج فوق الرمل وتعرض جسدكَ كله للاتساخ……
‘يا إلهي.’
مجرّد تخيل ذلك كان كفيلًا بأن يقشعرّ بدنهما.
“لنرَ……هل يوجد طفلٌ يناسبه اللعب معكما….”
لكن خوفهما لم يكن يعني شيئًا بالنسبة لليرييل. فقد بدأت تبحث بعينيها في ساحة اللعب عن طفل قد يناسب حال الزوجين.
وبالنظر إلى سنّهما وطبيعتهما، بدا أن طفلةً أكثر نضجًا من سيمي ستكون خيارًا أفضل.
وبينما تبحث عن “ضحية”……لا، عن “صديقة للعب”، وقعت عينا ليرييل على طفلة.
‘آه، تلك ستكون مناسبة.’
كانت طفلةً لم تلعب معها من قبل. ذات شعر بنفسجي داكن مضفر بضفيرة واحدة، تجلس بلا حراك تحت ظل شجرة، تحدّق في الفراغ بشرود.
مظهرٌ هادئ، وعمر يبدو قريبًا من عمر هيفال. ممتاز.
بدت كمن يمكنه تحمل شرّ عائلة الدوق بالفطرة.
وما إن حددت هدفها حتى دفعت الزوجين من ظهريهما للاقتراب من الطفلة، ولم تنسَ وضع مجرفة رمل في أيديهما.
‘يا للهول….’
وهكذا وجدا نفسيهما أمام الطفلة.
وبينما يتمتم أنوين في نفسه بالشتائم، أخذ ينظر إلى الفتاة أمامه.
كانت أكبر قليلًا من باقي الأطفال، لكن ثيابها أيضًا ممزقة. كان الأمر مقززًا……حتى إن الغثيان صعد إلى حلقه.
أمّا لوفرين فقد وضعت يدها على فمها بالكامل كي لا تتقيأ.
وحين شعرت الطفلة بظل الشر الذي خيّم فوقها، انتفضت قليلًا ورفعت رأسها.
“……ما الأمر؟”
كانت الحذر ظاهرًا في صوتها وعينيها.
و لو كانت ليرييل، لابتسمت لها أولًا وسألت برفق عمّا كانت تفعله.
“ابحثا عن نقطة اهتمام مشتركة مع الطفلة!”
هكذا كررت ليرييل مرارًا قبل الخروج إلى الساحة.
وبينما يسترجع أنوين تعليماتها، نطق بصعوبة،
“ماذا……تحبين؟”
“نعم؟”
كان سؤالًا بلا مقدمات، أقرب لاستجواب منه لتحية، مما ضاعف حذر الطفلة.
ثم جاءت لوفرين لتزيد الوضع سوءًا،
“هي، لمَ لا تذهبين وتحفرين في التراب؟”
ربما حاولت أن تكون لطيفةً قدر استطاعتها……لكن نبرتها كانت فظةً للغاية.
ثم إن رميها لمجرفة الرمل أمام الطفلة لم يساعد إطلاقًا. حتى زوجة الأب الشريرة في القصص كانت لتبدو ألطف من هذا.
وبينما كانت ليرييل على وشك أن تفقد القدرة على الكلام من كثرة ما شاهدت من “عمل خيرٍ بلا روح” — حدث أمرٌ غير متوقع.
‘آه؟’
حدقت الطفلة في المجرفة الساقطة أمامها……ثم التقطتها.
فاتّسعت عينا ليرييل المطفأتان قليلًا بدهشة. كانت متأكدة أنها ستبكي، أو تهرب. لكنها أخذت المجرفة؟
كان تصرفاً غير عادي. وفي لحظة، نما بداخل ليرييل بصيص أملٍ صغير.
‘ربما……ربما وصلتها رغبة اللعب فعلًا.’
ومع ارتفاع التوقع في نظرتها نحو الطفلة……جاء الردّ مناقضًا لكل ما تخيلته.
“لا تزعجوني واذهبوا من هنا.”
لم تصدّق ليرييل أذنيها.
‘ما الذي……سمعته للتو؟’
لقد دُعس ذلك الأمل الصغير……بل اقتُلِع من جذوره بعنف.
ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحد. فقد رمت الطفلة المجرفة عند قدمي الزوجين بامتعاض.
“لعب التراب؟ لستُ طفلةً حتى أفعل ذلك.”
رنّ صوت ارتطام المجرفة بالأرض رنينًا حادًا، لكنه بدا باردًا كالصقيع.
وهنا، أصبحت ليرييل شاحبة، عاجزةً حتى عن التنفس. و كانت متيقنة تمامًا من شيء واحد،
‘سيقتلانها.’
كان وضعًا لا يمكنها إلا أن تفكر فيه بتلك الطريقة.
لم تكن ليرييل ترى سوى ظهرَي الدوق و الدوقة، لكن وجهيهما وما يحملانه من تعابير كان واضحًا في مخيلتها.
هما بالأصل لا يحبان الأطفال. فكيف إذا كان هذا الطفل وقحًا أيضًا. لا يمكن أن يتركا مثل هذه الشقية دون عقاب.
لذلك كان لابد من تهدئة الموقف قبل أن يتفاقم.
وبينما شددت ليرييل عزمها واندفعت مسرعةً نحوهما، كان أنوين أسرع منها بخطوة.
فقد أمسك بذراع الفتاة بعنف بلا أي تردد، مظهراً غضبًا حادًا.
“يبدو أنكِ هكذا لأن لا والدين لديكِ ليعلمونكِ الأدب.”
تقلص حاجبا الفتاة بقوة من تلك الكلمات الحادة التي لامست جرحها.
وكانت على وشك أن تجادل، لكن فمها انغلق فورًا، بسبب لوفرين التي أمسكت بذقنها بقسوة بيدٍ واحدة.
وبحركة تنم عن اشمئزاز، أمسكت لوفرين وجهها وحرّكته يمينًا ويسارًا وهي تُبدي شكواها.
“هل رأيتَ كيف رمت علينا مجرفة الرمل قبل قليل؟ يبدو أن عائلة تينيبريس صارت في نظرها شيئًا تافهًا.”
“عائلة تينيبريس؟”
عندها فقط أدركت الفتاة هوية النبلاء الذين وقفت في مواجهتهم.
‘إذًا كانت الشائعة حقيقية؟ أن تلك العائلة الشريرة ستأتي اليوم للتطوع؟’
كان من الصعب عليها تصديق أن ما اعتقدته مجرد كذبة يقف الآن أمامها مباشرة، فابتلعت ريقها بقلق.
لم يمضِ أسبوع منذ أن طُردت من دار الأيتام السابقة بسبب شجاراتها، وجيء بها إلى هذا المكان كمنبوذة.
كانت سهلة التأثر بالشائعات، كما أن ما لاقته من قسوة البالغين زاد من روح التمرد لديها.
وكان خطأ ليرييل أنها اعتمدت على مظهر الفتاة الهادئ حين اختارتها للدوق وزوجته.
وبذلك صار مستقبل الفتاة القصير على وشك الانتهاء هنا.
ولإثبات هذا المصير القاتم، تحدّث أنوين بوجهٍ يخلو من أدنى رحمة،
“لا يمكن.”
وبينما شد قبضته على ذراعها، أعلن ببرود،
“مثلك لا يملك أي حق في العيش هنا متطفلًا. سأطردكِ من المعبد فورًا.”
فشهقت الفتاة وقد شحب وجهها.
فعلى الرغم من نضجها مقارنةً بغيرها من الأطفال، إلا أنها لم تبلغ سن الرشد بعد. وإذا طُردت من المعبد، فذلك يعني نهايتها.
خصوصًا أنها قد طُردت سابقًا من عدة دور للأيتام بعد إساءتها للبالغين فيها. وإن طُردت من المعبد أيضًا، فلن يبقى لها أي مكانٍ تذهب إليه.
ومع شعور لوفرين بارتجاف جسد الفتاة من خلال قبضتها، انفجرت ضاحكة. ثم أفلتت ذقن الفتاة وهي توافق زوجها،
“فكرة ممتازة. يجب أن نعلّمها جيدًا ما الذي يحدث لمن يستهين بعائلة تينيبريس.”
لم تكن نية الفتاة الإساءة، لكن بالنسبة للدوق وزوجته، ما يهم هو النتيجة فقط.
وقبل أن تحاول الفتاة الدفاع عن نفسها، سحبت لوفرين ابتسامتها وأطلقت تهديدها الأخير،
“سأطلب فورًا حضور أحد الكهنة. وسأبلغه أننا إن لم نتخلص من هذه الفتاة، فسيدفع المعبد الثمن.”
ورغم لهجتها الراقية، كان ما تقوله تهديدًا صريحًا.
وما إن وصلت ليرييل متأخرةً قليلًا وسمعت كلام لوفرين حتى أغمضت عينيها بإحباط.
‘آه، لقد تأخرتُ خطوة……’
لم يعد بالإمكان التراجع الآن.
حتى لو تمكنت ليرييل من تهدئة الموقف، فالمعبد سيخشى عائلة الدوق، وقد يتخلص من الفتاة لاحقًا.
كانت تحاول إصلاح الدوق وزوجته، لكنها لم تجلب سوى كارثة على حياة طفلة بريئة.
وفي دوامة الندم التي اجتاحتها كالسيل، لامت نفسها مرارًا على تهاونها. لكن لم يكن هذا ما أرادته.
‘تماسكي يا ليرييل. احمي الفتاة أولًا.’
لكنها سرعان ما استعادَت وعيها واندفعت بين الثلاثة لتقوم بما تستطيع من إصلاح.
وعلى الأقل بحجة أنها ستتكفل بالفتاة لاحقًا، أسرعت ليرييل لتقف بين أنوين والفتاة صارخة،
“توقفوا-”
لا، كانت ستصرخ بذلك. لو لم تقاطعها لوفرين في تلك اللحظة.
“وسنأخذها إلى منزلنا أيضًا. ينبغي تهذيبها كما يجب.”
“هاه؟”
لم تصدق ليرييل ما سمعت.
وكان هذا للمرة الثانية اليوم.
“فكرةٌ رائعة يا لوفرين.”
وحتى أنوين وافق على كلامها. ثم جذب ذراع الفتاة بقوةٍ من جديد.
__________________________
بيتبنونها؟😭 ضحكت شكل عنادها اعجبهم
ويضحك زياده انهم مستسلمين لليرييل وهي توديهم وتجيبهم وناسه
المهم عساهم يتبنونها او يرعونها بس بدون تبني بصير الموضوع ضحك
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 65"