كان اقتراحًا مفاجئًا. فمن طريقة حديثه لم يكن يبدو وكأنه سيُعيرها حتى إصبعًا واحدًا.
ارتفع حاجبا أنيلا بخفة. و كانت الطاقة المقدسة المتقدة ما تزال كما هي لكنها لم تزداد حدّة. كان ذلك يعني أنها مستعدةٌ لسماع الحديث على الأقل.
و يوليان، الذي عاش طويلًا كشريكٍ لأنيلا في الشرور، أدرك نيتها دون صعوبة وسارع بإضافة كلامه.
“أنا أيضًا لا يعجبني هذا الوضع. أصبحت ليرييل تينيبريس طيبةً بشكل أحمق، تركتها هكذا لأنها كانت سهلة الاستدراج. لكن أن تحاول تغيير الأسرة كلها؟ هذا شيءٌ مختلفٌ تمامًا.”
ردّ يوليان بنبرةَ يملؤها الضيق وهو ينقر بأصابعه على سطح المكتب باضطراب.
“دوقية تينيبريس شريرةٌ لذلك هي غنية. ثم ماذا الآن؟ خدمة؟ فتح الخزينة والتبرع للأيتام؟ لا، لن أسمح بهذا.”
حتى أثناء قوله ذلك، كان صدره يؤلمه وهو يفكر في الأموال التي تتسرب من كل حدب وصوب. فقبض قبضته بإحكام وهو يعلن بحماسة.
“سأوقفها بنفسي. أنتِ ابقي كما أنتِ.”
في هذا الموقف النادر من المبادرة، نظرت إليه أنيلا طويلًا كأنها تراه من جديد. وكان شعرها قد هدأ وسكن من تلقاء نفسه.
وبتعبير بارد وهي تعقد ذراعيها احتجّت في النهاية،
“مع ذلك، اقتحموا باحة منزلي مباشرة، وتريدني أن أبقى ساكنة؟”
حتى هذا كان ضمن توقعات يوليان. فهو يعرف جيدًا أن هذه القديسة التي تحب لفت الأنظار، تملك كبرياءً بارتفاع أنفها تمامًا.
“ولهذا السبب يجب أن تبقي أكثر هدوءًا.”
فبدأ يوليان يرفع من شأنها بلباقةٍ هذه المرة.
فهو الرجل الذي أسس «الجناح الأبيض» وكان يجمع التبرعات بمهارته اللفظية. ولم تكن مجرد قديسةٍ منزعجة أمرًا صعبًا عليه.
“لا داعي لأن تردّي على كل استفزازٍ صغير. القديسة النبيلة لا تلتفت إلى التحديات الوضيعة. سأتعامل أنا مع الأمر.”
“همم، ماذا جرى لكَ اليوم؟”
“ما الذي جرى؟ هذه وظيفتي أساسًا. بدلًا من هذا فكري فقط كيف يمكنكِ مقابلة ولي العهد مرةً أخرى. ألم يمرّ وقتٌ طويل منذ آخر لقاء؟”
ومع كل كلمة لطيفة، كان وجه أنيلا يزداد إشراقًا. لكن كلمة: ولي العهد، كانت الحاسمة.
لا يُعلم إن كانت تدرك أنها قبل قليل كادت تحرق أحدهم حيًّا. لكنها سرعان ما عادت إلى وجهها البريء وهي تلف خصلة شعرها بين أصابعها وتبتسم.
“حسنًا، إذاً هذه المرة ستتولى الأمر أنتَ؟”
‘نعم، أرجوكِ. دعيني أتعامل مع الأمر فقط فابقي هادئة.’
كاد يوليان يجيب هكذا، لكنه توقف في اللحظة الأخيرة. و تنهد في داخله بعمقٍ وجمع أقصى قدر من الجدية في نبرة صوته.
وبوجهٍ يشبه وجه فارسَ مقدّس يحرس القديسة،
“اتركيه لي. سأرتّب الأمر دون أن تتسخ يداكِ.”
كان كل ما يريده هو منع أسرة تينيبريس من أن تتحطم بالكامل على يد القديسة، دون أن يبقى حتى ما يمكنه التقاطه من فتاتٍ بعدها.
***
دوّى صوتٌ مهيب أمام الأطفال رثّي المظهر.
“أنا أختلس ربع الإيجارات الشهرية وأضعها ضمن أصول الأسرة.”
كان الأطفال ينظرون إليه جميعًا بتوترٍ شديد. بينما واجه أنوين عشرات الأعين المذعورة دون أن يرمش حتى.
طقطق، طقطق-
مع كل خطوةٍ بطيئة يخطوها أمامهم كان صوت وعصاه تضرب الأرض بوضوح.
“ثم إن ابنتي، بحجة شراء خبزٍ فاخر لكم، أنفقت ثلثي الإيجارات التي جمعناها الشهر الماضي.”
وكأنه ما يزال غير مصدق، أطلق أنوين ضحكةً ساخرة: ها!
كانت سخريةً أبرد من ريح الشتاء، فتجمّد الجو في لحظة. فاحتقار سيد أسرة شريرة ليس مما يمكن للأطفال تحمّله.
وحين بدأت إحدى الصغيرات تهمّ بالبكاء تحت وطأة التوتر الخانق—طَق!
غرست عصاه في الأرض أمامها مباشرة.
“هف!”
حبست الطفلة أنفاسها ورفعت رأسها. و كان أنوين يحدق بها بوجهٍ جامد، كأنه طعنها بسكين لن يخرج منه قطرة دم.
وكانت عيناه الزيتونيتان الباردتان تنظران إليها بخشونةَ تكفي لتجفيف دموعها قبل أن تنزل. لون يشبه لون السمّ المذاب في الماء.
ثم قبض بقوةٍ على مقبض عصاه وتكلم. بصوته الجاف يلقي سؤالًا على الصبي،
“إذاً، كم بلغ مجموع أصول الأسرة التي جمعتها الشهر الماضي؟”
رمش، رمش-
الطفل الذي لم يفهم الموقف لم يستطع سوى الرمش بعينيه، وعندها فقط دخلت ليرييل الغرفة وقد أدركت الموقف سريعًا.
و كأنها غير مصدّقة، مالت ليرييل برأسها وهي تنظر إلى والدها.
“أبي، ما الذي طلبتهُ منكَ قبل أن أخرج؟”
لم يغيّر أنوين تعبيره حتى أمام توبيخ ابنته. و فقط، مرّر أصابعه على أطراف لحيته المهذبة وأجاب بهدوء،
“ألَم تطلبي مني أن أعلّم الأطفال الرياضيات؟”
وأشار أنوين بطرف عصاه نحو السبورة وكأنه لا يعرف أين الخطأ. وكانت هناك أرقامٌ ورموزٌ معقدة مرسومةٌ عليها.
“أبي……أنتَ تدرك أن هؤلاء أقل من عشر سنوات، صحيح؟”
“…….”
المشكلة أن الأطفال هنا لم يكونوا يعرفون حتى الجمع والطرح بعد. كانوا أطفالًا قبل سن الدراسة تمامًا. وفوق ذلك، كانت طريقة تدريسه خاطئةً تمامًا.
من الذي يستخدم جرائمه الخاصة كمثال وهو يعلّم الأطفال الرياضيات؟
كانت ليرييل على وشك أن تواصل الجدال، لكنها توقفت فجأةً بينما ظهرت ذكرياتٌ قديمة في ذهنها.
“ليرييل، اسمعيني جيدًا.”
كونهما طفلي دوق، كانا ليرييل و هيفال يملكان معلمين منزليين دائمًا، وكان من الطبيعي دخولهما أفضل أكاديميةٍ في المملكة عندما يكبران.
“يجب جمع الإيجارات من الأراضي الأكثر نفوذًا أولًا.”
“هاه؟ لماذا؟”
كان أنوين دائمًا يعلّمها بنفسه كل ما يتعلق بالأفعال الشريرة.
“لأن ذلك يمنحكِ حجةً لابتزاز المزيد من المال من بقية الأراضي.”
“آه!”
تلك كانت تقاليد أسرة الدوق الشريرة. كانت تلك هي الوصفة التي صنعت أجيالًا من الأشرار الممتازين في عائلة تينيبريس.
والآن توكّل لهذا الرجل مهمة تعليم الأطفال كعمل خيري……هذا كان خطأها.
تنهدت ليرييل بعمق وهي تنظر إلى الفصل الكئيب. وعندما رأت العيون المبللة على وشك البكاء شعرت بالذنب.
‘كما توقعت……الأمر ليس سهلًا.’
وبذلك صار الأمر شبه مؤكد. أنوين ليس عديم الموهبة في فعل الخير فحسب……بل إن جسده كله يرفض الأمر بفطرة.
سواءً كان هذا بسبب دماء عائلة تينيبريس، أو لأنه شخصيةٌ شريرة مثبتة في الرواية……فلا فرق. المهم أنه إنسان لا يناسبه فعل الخير بأي شكل.
يفعل ما يُطلب منه فقط بالإجبار……لا أكثر ولا أقل. وكان ذلك يزيد الأمور تعقيدًا.
“وهكذا وقعت ابنة كونت دوهرتي في حب ابن الماركيز براي.”
“لا! مستحيل!”
“ثم ماذا حصل؟”
و لم تكن أوضاع لوفرين، التي تفقدتها قبل دخولها الغرفة، أفضل بكثير.
ليرييل طلبت منها أن تحكي قصصًا للأطفال، لأنها كانت سيدة دوقية تسيطر على المجتمع الراقي بخطابها.
وفي البداية بدا الأمر جيدًا نوعًا ما. فرغم أن لوفرين كانت تكره مقابلة الأطفال، فإنها لم تفقد روحها المرحة ولسانها البليغ.
وسرعان ما جذبت قصصها اهتمام الأطفال. لكن ليرييل نسيت أن شائعات المجتمع الراقي ليست قصصًا مناسبة للأطفال.
“أوه، ماذا حصل؟”
وبينما كان الأطفال يحدقون فيها بأعين لامعة منتظرين نهاية جميلة مثل: عاشا بسعادة إلى الأبد……ابتسمت لوفرين ابتسامةً صغيرة وهي تُكمل،
“الفتاة طُردت وانتهى بها المطاف في بيتَ للدعارة، أما الابن فجرى قطع رأسه بحجة أنه جلب العار لأسرته، لا أكثر.”
“…….”
“لو لم أنشر الشائعات وقتها لما مات، لكن ما العمل؟ كان يجب عليه أن يحسن معاملتي من البداية.”
وكادت تروي جزءًا جانبيًا أكثر رعبًا لولا أن ليرييل أوقفتها بصعوبة وهي عائدة.
والآن حتى أنوين على هذا الحال……
لم تكفّ ليرييل عن التنهد. وعيناها الخضراوان نصف المفتوحتين تلمعان بالحرج الشديد.
‘على الأقل هيفال كان يتجاوب بشكلٍ جيد……’
_________________________
أنوين كذا مب انه يسرب اسرار الثرا حقتهم؟😭
وهيفال طبعاً حبيب عنده خبره خلاص
اما لوفرين مجنونه😭 طلعت صدق شريره قاعده تتكلم عن واحد فطس بسبتها ولا كأنه شي؟ انوين تعال صفق لزوجتك
التعليقات لهذا الفصل " 63"