في تلك اللحظة، تيقّن هيفال مرةً أخرى أن العائلة المالكة هي عدوّ تينيبريس اللدود.
‘إ، إنه الآن يفعلها علنًا تمامًا……!!!’
حدّق بفيريك بعينين تتقدان غضبًا.
‘انظروا فقط إلى ذلك الماكر يقلّدني فور أن لفتُّ انتباه أختي بفعل الخير!’
كانت حيلةً دنيئة يصعب احتمالها.
وبينما شعر بأن التعب الذي راكمه العمل الشاق قد تبدّد كليًا، عضّ هيفال على أسنانه. كان واثقًا أنه هو وحده القادر على حماية أخته من هذا الذئب.
وثنى أكمامه المرفوعة مرتين إضافيتين وهو يتقدم على فيريك بخطواتٍ سريعة.
“سأساعد أيضًا!”
“ألا يجدر بكّ أن ترتاح قليلًا؟ لابد أنكَ متعبٌ، فمنذ الصباح وأنتَ تساعد.”
“لا!”
رفع بصره إلى ليرييل بعينين متصلبتين وهو يتمسك بعناده.
“ما زلتُ أستطيع فعل المزيد! لقد انتهيتُ لتوّي من حقل كامل، فكيف أرتاح الآن؟!”
‘ولن أفعل ذلك ما لم أُبعد ذاك الوحش شديد السواد عنها!’
كان كل ما يقوله مدفوعًا بهذا العزم وحده، غير أن ليرييل لم ترَ فيه سوى أخٍ صغير بدأ أخيرًا ينضج.
‘يبدو أنه عاد لرشده أخيرًا!’
لم تكن سوى تجربةٍ بسيطة ليعرف ما معنى الخدمة التطوعية، لكنها رأت فيه الآن شابًا يتلهف لمساعدة الآخرين، فامتلأ صدرها تأثرًا.
لم يكن هناك أحدٌ يولد شريرًا حقًا.
وبصراحة، كانت حتى الآن قلقةً ومتوترة من فكرة إمكانية إصلاح دوقية الأشرار حقًا. غير أنّ الإمكانات المذهلة والتغيير الكبير الذي أظهره هيفال منحا ليرييل أملًا بمستقبلٍ مشرق.
“شكرًا لكَ يا هيفال.”
لذلك بادرت هي بشكره. وحين قابلته بابتسامتها المشرقة، ارتبك هيفال واحمرّ وجهه قبل أن يركض إلى الأمام.
بدا الاثنان كأخٍ وأخت متفاهمَين حقًا، لا صلة لهما أبدًا بكلمة الشر.
و راقبهما فيريك بصمتَ من الخلف، وقد تجاوزت دهشته حد الارتباك لتصل إلى العجب.
‘كيف فعلت ذلك؟’
أن تُصلح أحد أفراد الأسرة في هذا الوقت القصير؟
كان ذلك مستحيلًا واقعيًا، ومع ذلك فعلته ليرييل أمام عينيه، فاشتعل في داخله شعورٌ مجهول.
‘هل يمكن فعلًا تغيير شخصٍ شرير حتى العظم؟’
صدقًا، بدا تأثيرها الطيب أَعجبَ من كل معجزات القوة المقدسة التي تصنعها القديسات.
ولم يعد يريد مراقبتها بشكّ أو حذر، بل بدافع فضولَ نقي يريد أن يرى ما الذي ستغيره وإلى أي حد.
وإن استطاعت إصلاح الجميع وقطع جذور الكراهية والعداء الضاربة في هذا البلد……إن استطاعت ذلك حقًا……
‘فقد أتمكن حتى من الزواج بكِ.’
تمتم فيريك في داخله.
الزواج……حين أُجبرا على الخطوبة لم يرَ أمامه سوى خيارين: قتلها……أو الموت. أما الآن، فقد أراد أن يرى ما ستُظهره له بعد، وهي إلى جانبه.
واعترف في داخله بهذا التغير وتقبّله. وربما كان هذا أيضًا من التغييرات التي أحدثتها ليرييل فيه.
وبات فيريك يصل إلى حد الاستمتاع بتغيّره هذا وترقّب المزيد منه. فارتسم قوسٌ لطيف على شفتيه، ثم تحركت قدماه التي كانت متوقفة.
أخبرته نسمةٌ ربيعية دافئة، لا يعرف من أين أتت، أن الوقت قد حان لخلع المعطف والعمل. وقرر فيريك، بكل سرور، أن يشارك في إصلاح أضرار الإقليم إلى جانبها.
اقترب من ليرييل، ثم سألها بلهجةَ عادلة لا تحمل أثر ابتسامته السابقة،
“إذًا، ماذا عليّ أن أفعل؟”
ورغم نبرته اللامبالية، عرفت ليرييل أن شيئًا مختلفًا تمامًا بات ينساب منه—نعومةٌ لم تكن موجودةً في لقائهما الأول.
فتلألأت عيناها بفرحٍ خجول، كأوراق خضراء تتفتح للتو تحت ثلج ذاب حديثًا. و ردّت بنبرةٍ مفعمة بالحيوية،
“إذاً، هلّا تزيل بقايا الإسطبل الذي دمّرته الوحوش؟”
فذهب فيريك مباشرةً إلى المكان الذي أشارت إليه، دون كلمة قبولٍ أو رفض، وبدأ يسحب الحطام بصمت.
وبينما كانت ليرييل تبتسم بخجلَ محمرّ الخدين وهي تراقب ظهره العريض وهو يشطر جذعًا ضخمًا إلى نصفين دون عناء—
‘لااا، يا أختي!!!’
كان هيفال يصرخ في داخله وهو يراقبهما من بعيد.
***
وهكذا، انتهى العمل الذي كان يُتوقّع أن يحتاج إلى أكثر من ثلاثة أشهر، خلال يومين فقط. وذلك بفضل دعم فيريك السخي، وخدمة شقيقي تينيبريس المتحمسان.
وبحلول ذلك الوقت، كان تقييم الناس لليرييل في هذا الإقليم قد تغيّر تمامًا.
“شكرًا لكم حقًا، يا صاحب السمو! لقد نجونا بفضلكم!”
“عودوا بسلامٍ رجاءً!”
وبينما تذكّرت ليرييل أهل الإقليم الذين لحقوا بعربة المغادرة حتى آخرها ليشكروها بعد انتهاء العمل التطوعي، ارتسمت على شفتيها ابتسامة فخر.
‘في أول مرة فعلتُ فيها عملًا طيبًا كانوا جميعًا مشغولين بالخوف……أما الآن فهم يثقون بي.’
كان ذلك تقدمًا هائلًا مقارنةً بالوقت الذي اندمجت فيه في شخصية ليرييل لأول مرة. وكل هذا بفضل الرجلين اللذين ساعداها بإخلاصَ كامل.
لكن ليرييل لم تكن تنوي التوقف هنا. بل كانت هذه مجرد بداية. فهي لم تُرشد إلا فردًا واحدًا فقط من أفراد العائلة إلى طريق الخير.
لم تكن مستعدةً للتخلي عن خيط الأمل الذي أظهره هيفال. لذلك سارعت إلى تقديم طلبٍ إضافي للتطوع في المعبد.
وبذلك وصل إلى المعبد مرة أخرى ظرفٌ مزدان بنسر الرؤوس الثلاثة، رمز عائلة تينيبريس. مما جعل كاهن الاستقبال يعاني مجددًا من صداعٍ حاد.
“إنها تلك المرأة مرة أخرى!”
صرخ دون أن يدرك أن نظارته تتدلى على طرف أنفه وكأنها ستسقط. و كان يمسك رأسه وهو يردد اسم المعبد مرارًا.
“تريد التطوع مجددًا! كم مرةً فعلت هذا الآن؟!”
“اهدأ يا كليستر.”
قال الكاهن المسؤول ذلك بصوتٍ حاول جاهدًا أن يجعله هادئًا.
ورغم ذلك، انحدرت قطرة عرقٍ باردة على صدغ الكاهن المسؤول، و لم يستطِع إخفاءها.
“هي ليست سوى شريرة تريد اللعب بدور القديسة. أعطها شيئًا بسيطًا وسهلًا بلا أثر، وستكتفي به وتغادر.”
وهكذا كانوا يتعاملون معها في المرات الماضية.
وكان الأكثر فعاليةً هو تكليفها بما يسمّونه “تطوع الرعاية”، أي اللعب مع الأيتام، وهو في الحقيقة تطوعٌ إهمالي يترك الأطفال كقرابين محتملة.
لكن المدهش أنها كانت تلعب معهم بلطفٍ طوال الوقت دون إحداث أي مشكلة، ثم تغادر بهدوء.
ولم يستطع الكاهن إخبار الأطفال الذين سألوه بعيونٍ لامعة: “متى تعود الأخت الجميلة؟” بأنهم كانوا مجرد درع لحمايتهم من الوحش.
“لكن، الأمر هو……!”
غير أنّ كاهن الاستقبال لم يستطع الهدوء.
“ما بكَ؟”
“هذه المرة……ليست وحدها.”
كان ذلك لأن خانة الأسماء في طلب التطوع تضمّنت عدة أسماء مألوفة.
“إن العائلة الدوقية بأكملها تريد التطوع!”
“ليوناتريا، يا للمصيبة! أحقًّا هذا؟!”
حينها أدرك الكاهن المسؤول مدى خطورة الوضع. و خطف الطلب من يد مساعده بعينين محمرتين من الصدمة، وراح يقرأ أسماء المتقدمين بدقة.
‘ليت هذا الأحمق قد قرأ خطأ……’
تمنى ذلك مرارًا في داخله، لكن حتى حظ ليوناتريا لا يستطيع تغيير ما وقع بالفعل.
“لا……مستحيل……!”
خرج من فم الكاهن المسؤول أنينٌ يائس، وسقط الطلب من يده المرتجفة ليهبط متمايلًا على الأرض.
كانت أسماء المتطوعين الأربعة مدونةً هناك: ليرييل تينيبريس، أنوين تينيبريس، لوفرين تينيبريس، و هيفال تينيبريس.
واحدٌ منهم كارثه……فكيف بأربعةٍ دفعةً واحدة؟ كان ذلك بؤسًا لا يُحتمل. كارثةً لا ينبغي أن توجد أصلًا.
وقد تخطّت هذه الحالة قدرته على التحمل بأشواط.
وبعد أن ظلّ مذهولًا لبعض الوقت، تحدّث الكاهن المسؤول لمعاونِه،
“……اذهب وأحضر المساعد الأعلى زوروت.”
و عندما رمش كاهن الاستقبال بعدم فهم، عاد الكاهن المسؤول ليصرخ بصوتٍ لا يليق بكاهن المعبد،
“أحضر المساعد الأعلى زوروت فورًا! كيف تجلس هكذا بلا حراك وقد حلّت على هذا المعبد كارثةٌ لا سابقة لها!!!”
___________________________
انهاروا😭😭😭😭😭😭😭
مره وحده كل الاهل! حسبتها بتطلع معهم واحد واحد ثم تجمعهم كلهم عاد 😭
طيب وفيريك؟ بالله قولي له تعال الضحك بيصير دبل😂 زين انه اخيرا اقتنع بليرييل بس ابي اشوف صدماته على الباقين
المهم هيفال يجنن وهو يبي يفرق ليرييل وفيريك🤏🏻
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 61"