لم يكن عدد المرّات التي عادت فيها لوفرين من حفلةَ اجتماعية قليلاً، تروي بفخرٍ حكاياتها البطولية كما لو كانت تفخر بإنجازٍ عظيم.
أولئك الذين كانت تذكرهم من أفراد العائلات لم يُر لهم أثرٌ بعدها في أي مكان من المجتمع الراقي. وكأنهم لم يوجدوا منذ البداية.
“أخوكِ الصغير، هيفال تينيبريس، قيل إنه أطاح بنصف هيئة التدريس في الأكاديمية. وسمعت أن الطلاب الذين اعترضوا فُصلوا من دون النظر إلى السبب، ألستُ على حق؟”
لم تعد بحاجةٍ إلى نبش الذاكرة. فهيفال أجبر أستاذه السادس على الاستقالة في اليوم السابق لحفل الخطوبة.
وكانت صورة وجهه واضحة، حين ركض متباهياً ليخبر شقيقته بما اقترفته يداه وهو يضحك بفخر.
لم يبرز الأمر كثيرًا لأن ليرييل كانت موهوبةً إلى حدّ لافت، لكنّ ذلك الصبي كان يملك أيضاً براعم شرّ لا يخجل من حمل اسم عائلة تينيبريس.
“وهل تريدين إصلاح أمثال هؤلاء؟”
قال فيريك ذلك ضاحكًا بسخرية، هازًّا رأسه كمن يقول: لا تنطقي هراءً.
في الأشهر الماضية الأخيرة، تغيّرت ليرييل فعلاً، وسعت جاهدةً لتصبح شخصًا أفضل. وكان ذلك مقبولاً منها إلى حدّ ما. فالحق يجب أن يُقال.
لكن هذا الأمر……تجاوز الحد. كان قمّة الغرور، وآمالاً متفائلة إلى حدّ التضخم.
“أقسم بكل ما أملك……أنهم لن يتغيّروا أبدًا.”
كان فيريك واثقًا، لأنه اختبر شرور عائلة تينيبريس حدّ العظم. و لم يستطع الموافقة على خطة ليرييل بهذه الطريقة.
“لذا، حتى مجاملتكِ لهم……بلغت حدّها. أنا لم أعد أستطيع……”
‘أن أثق بكِ.’ كان يعلم أنه يجب أن يقول ذلك.
لم تكن كلماتٍ استثنائية. فمنذ لحظة الخطوبة حين ربط مصيره بها، أقسم أنه سيفعل.
“…….”
إلا أن لسانه لم يتحرك، كأنه أصيب بالشلل.
ثقلٌ هائل كان يضغط على صدره. والسبب……واحدٌ فقط. تلك الملامح التي ترتسم على وجه ليرييل.
‘لماذا……لماذا تضعين هذا الوجه؟’
كان ذلك اضطرابًا لم يره منها من قبل، بل لم يتخيل يومًا أنه قد يراه.
كتفاها المنقبضان كانا يرتجفان بعجز لا يقوى على كبت القلق. وفي عينيها الخضراوين الداكنتين كانت تلمع دموعٌ لم تنزل بعد.
أصابعها الرفيعة كانت ترتعش، كأنها ترغب في الوصول إليه، لكنها تتراجع في كل مرة وتسقط في الحضيض.
‘آه……لقد بدت على وشك الانهيار والبكاء.’
شعر فيريك وكأنه أصبح هو الشرير.
من حيث لا يدري، كان يقبض يده بقوة ويشد عليها كي يتمالك نفسه. كان عليه أن يتمّ كلامه……لكنه لم يستطع.
لم يكن أيٌ منهما يرغب بما سيأتي، لكنهما لم يدركا أنّ كليهما يفكر بالطريقة نفسها.
“أختي!!!”
ولم يخطر ببال أيّ منهما……أنّ هناك شخصًا ثالثًا لا يريد لما سيأتي أن يحدث.
“؟”
اخترق صوته صمتًا كان يوشك أن ينفجر. خطواتٌ مألوفة تقترب بخفة غير مناسبة للموقف.
التفت الاثنان في آن واحد نحو مصدر الصوت. وما هي إلا لحظات حتى اندفع صبي أشعث إلى المكان الذي لم يكن فيه سوى الشخصين.
كان ذلك هيفال.
“كنتِ هنا!”
كان مظهره سيئًا لدرجة أنّ النظر إليه يسبب الألم.
كان يحمل بكلتا يديه أعشابًا وجذورًا حتى فاضت من قبضته. وبدلته المفصّلة خصيصًا له كانت مغطاةً بالتراب حتى بدا لونها مختلفًا تمامًا.
وبالنظر إلى شعره المبتل بالعرق، بدا أنه كان يعمل بجد في الخدمة التطوعية حتى اللحظة الأخيرة.
وبوجهٍ محمّر بفعل الشمس، ركض بسرعة نحو ليرييل. فقط ليظهر لها مقدار ما أنجزه حتى الآن.
‘يجب أن أبعد هذا الوغد عن أختي بسرعة!’
كان ذلك…..كل ما خطر في بال هيفال من وسائل للردع.
لقد بدا له أنّ حال ليرييل وفيريك غير طبيعية.
مرّ أسبوعان فحسب لم يرَ الأمير فيها أخته، لكنه يتجرّأ ويحمل الهدايا ويقتحم أراضي غيره؟ ما كان ليقدم على ذلك دون نيةٍ خبيثة.
وفوق ذلك……أخته البريئة بدت في غاية الارتباك من ألاعيبه المكشوفة، وقد احمرّ وجهها أيضًا!
لم يكن هناك شك……ذلك الوغد أغوى أخته منذ يوم الخطوبة. ولو هربا معًا بدافع الحب، فستكون النهاية.
ارتجف هيفال عندما تذكّر كلمة “الطرد” التي ذكرها فيريك.
‘أيعقل أن تكون الوسامة مبررًا لكل شيء؟!’
لم يكن يستطيع أن يتصور تسليم أخته العزيزة لهذا الشخص عديم الحياء.
لذا……حتى لو اضطر لفعل الخير، فليكن ذلك كي يكسب نظرةً منها نحوه.
تذكر ابتسامة ليرييل التي تغمره بالفخر، فاندفع إلى العمل التطوعي بإخلاصٍ لم يعرفه من قبل.
‘إن علمت—أنا الذي كان يكره فعل الخير—أني أنجزت هذا العمل بإتقانٍ كهذا، فلابد أنها ستعيد النظر فيّ من جديد.’
كان ذلك الإيمان وحده هو ما أثمر تلك القطرات الثمينة من العرق.
“انظري! لقد اقتلعتُ كل الأعشاب الضارة من جذورها من جديد……هـك!”
وهو يلوّح بجذور الأعشاب التي اقتلعها ويركض داخل الزقاق، تجمّد هيفال في مكانه حين أدرك الجوّ الغريب بين الاثنين.
‘ما الذي يجري هنا؟’
كان فيريك يقبض يده بحدّة وملامحه متجهمةٌ كأنه غاضب، أما أخته المسكينة فقد اغرورقت عيناها بالدموع، وكأنها ستبكي في أي لحظة.
لم يحتج إلى مزيد من الأسئلة؛ فقد فهم هيفال كل شيء في الحال. فألقى جذور الأعشاب على الأرض وانطلق ليتدخل بينهما.
وبجسدَ صغير لا يصل حتى إلى صدر فيريك، صرخ هيفال مغمضًا عينيه بشدة،
“ما الذي تفعله الآن!!!”
“…….”
وللدقة……كانت هذه الصرخة هي ما أراد فيريك نفسه أن يطلقه.
نظر إليه مندهشًا، يحدق في هذا الصبي الوقح أمامه. كان من الصعب تصديق أن هذا الشكل البائس هو لابن دوق في مملكة تريان.
ثم ما الذي كان يحمله على الأرض……؟ جذور الأعشاب؟
ومع بقايـا التراب المتدلية من الأعشاب المبعثرة، انقبضت عينا فيريك بدهشة لم يستطع إخفاءها.
فهو قبل قليل فقط أعلن بصراحة أن عائلة تينيبريس لن تتغيّر أبدًا.
وها هو الدليل على عكس كلامه……يقف أمامه، في مشهد يصعب تصديقه.
“هيفال؟ كيف وصلتَ إلى هنا……؟”
و لم تكن ليرييل أقل دهشة.
“انتظر……هل كنتَ تقتلع جذور الأعشاب طوال هذا الوقت؟”
وعندما أدركت حاله أخيرًا، همست بصوتٍ تغمره الدهشة والامتنان، فتحوّل هيفال الذي كان متحفزًا قبل لحظات إلى طفل بريء يلوّح بذيله بسعادة.
“نعم! أليس أدائي رائعًا؟”
“إنه مذهلٌ حقًا! هل فعلتَ ذلك كله في تلك الحقول الواسعة وحدكَ وفي هذا الوقت القصير؟”
ربّتت ليرييل على رأسه بفخر. ورغم أن شعره كان متلبدًا بالعرق، لم تُبدِ أي انزعاج.
بالنسبة لهيفال……لم يكن هناك مكافأةٌ أعظم من هذا.
وبفخر شديد، بدأ يروي إنجازه، ويبدو كصبي في الثالثة عشرة يريد فقط ثناءَ من يحب، لا كبذرة شر كما يُقال عنه.
“لم يكن الأمر صعبًا كما ظننت. وشربت الشاي بعد ذلك فاستعدتُ قوتي.”
ثم توقف لحظةً مترددًا، قبل أن يضيف بخجل،
“وفكرتُ أنني يجب أن أسرع في إصلاح الأرض حتى نصنع شايًا لذيذًا من جديد في الإقليم. شعرتُ أن هذا سببٌ يستحق أن أساعد لأجله.”
همس هيفال وهو يتذكر تلك النكهة المنعشة للشاي بعد العمل.
لقد ظلّت البرودة المميزة لشاي غلاسياس يداعب لسانه حتى الآن.
صحيحٌ أن سبب تطوعه الأول كان ليظهر بمظهرٍ جيد أمام ليرييل……لكن في داخله جزءٌ صغير كان يفعل ذلك من أجل الآخرين أيضًا.
نظرت ليرييل إلى أخيها بفخر، ثم رفعت عينيها بحذرٍ نحو فيريك. وكان معنى الابتسامة التي ارتسمت على وجهها—رغم خجلها—واضحًا تمامًا.
لم يجد فيريك أي حجة ليردّ بها على تلك الابتسامة. فزفر بخفة، ثم بعد بضع ثوانٍ أومأ برأسه وتقدّم خارج الزقاق أولًا.
لم يكن موافقًا بالكامل على خطتها بعد……لكنه لم يستطع إنكار أن احتمالًا صغيرًا بدأ يولد في داخله.
“هيا نعد. فلا أظن أن مجرد اقتلاع بعض الأعشاب يعني انتهاء العمل التطوعي.”
“مـ-ماذا قلتَ؟!”
شهق هيفال بصدمة من طريقة التقليل من “منجزه العظيم”، لكن ليرييل كانت سعيدةً وحسب.
ثم تحدّثت بملامح هدأ فيها القلق،
“إذاً……هل ستساعدني أنتَ أيضًا؟”
“أنتِ ما زلتِ تتوهمين. أنا لا أساعدكِ……أنا أساعد شعبي.”
وبينما يتمتم بضيق، كان فيريك يشمّر عن كمه استعدادًا للانضمام إلى العمل التطوعي كعادته.
________________________
هيفال ورعي من الحين مره عاجبني يناسو الي يحب اخته🤏🏻
بعدين الي سواه مب عيب يوم انه طرد معلم اكاديميه عسا ليه يقل ادبه نع نبيل؟
المهم ليرييل تجنن مدري هي تتعمد ولا لا بس وجهها ماينفع انها تصير كيوت وقدها تبكي كيف خلتهم يشوفونها كذا😭
التعليقات لهذا الفصل " 60"