6
كانت ليرييل تشعر بظلمٍ فادح.
‘إن دقّقنا القول، فالتي آذتكَ هي ليرييل أخرى، أما أنا فشخصٌ مختلف تمامًا!’
كم كان سيكون رائعًا لو استطاعت قول ذلك بصراحة. فحبست الكلمات التي كانت على وشك أن تفلت منها دون وعي، وتابعت الحديث بصعوبةٍ لتُبقي الحوار قائمًا.
“لقد كنتُ قلقةً على سلامتكَ فقط، بصفتي خطيبتكَ.”
“منطقي. فلم نقم بحفل الزفاف بعد، ولو أن أحد الطرفين مات قبل ذلك فسيكون الأمر مزعجًا للطرف الآخر أيضًا.”
“لم أقصد هذا المعنى..…”
“إذاً ماذا تقصدين؟”
“…….”
“لا تخبريني أنكِ تطلبين مني تصديق هراءٍ كهذا، أنكِ تقلقين لأجل شخصٍ آخر.”
وصلت ليرييل إلى حدودها سريعًا، فلم يمنحها فيريك أدنى فرصةٍ للتنفس.
بل بدا وكأنه يضيق ذرعًا حتى بهذا الحوار الشكلي، وكأنه على وشك أن يقطع الحديث ويرحل عنها في أي لحظة.
“هل هذا كل ما لديكِ لتقوليه؟”
راقبت ليرييل ملامحه مليًّا، ثم قررت مُكرهةً أن تُقدِّم ما أعدّته من خطةٍ مسبقًا.
كانت تودّ أن تطلب ذلك بطريقةٍ أكثر طبيعية، لكنها شعرت أنه إن استمر الأمر هكذا فلن يمنحها فيريك دقيقةً أخرى من انتباهه هذه الليلة.
حسنًا، كيف قالتها ليرييل في الرواية الأصلية؟
“قبل ذلك…..ألم تنسَ شيئًا؟”
“ماذا؟”
“هناك أمرٌ واحدٌ يجب أن تطلبه مني.”
قطّب فيريك حاجبيه في دهشةٍ ظاهرة، كأنه لا يفهم ما الذي تتحدث عنه.
“أطلبه منكِ؟ أنا؟”
“نعم. في حفلة القصر الراقصة.”
“ما الذي..…؟”
حتى هذه اللحظة كان كل شيءٍ مطابقًا لما في الرواية الأصلية. ولهذا استطاعت ليرييل أن تتنبأ بسهولةٍ بما سيقوله بعد ذلك.
سيقول بالتأكيد، ‘لا تقصدين تلك القاعدة السخيفة، أليس كذلك؟’
وبالفعل، بعد لحظةٍ من التفكير، ارتفع رأسه فجأة وحدّق فيها بعينين مشتعِلَتَين بالغضب.
“لا تقصدين تلك القاعدة، أليس كذلك؟ هل تجرؤين بالتفكير بها حتى؟”
“بلى. أقصدها تمامًا.”
“هذا غير معقول! ما زلنا مجرد خطيبين، لم نتزوج بعد! ليس لكِ أي حقٍ في أن تطلبي مني مثل هذا!”
ارتد صوته العالي عن السقف في صدى غاضب.
ولو لم تكن تعرف مسبقًا أنه سيتصرف هكذا، لكانت قد فزعت في تلك اللحظة. فغضبه كان عميقًا، متجذرًا في صدره منذ زمن.
“بل لي الحق. هناك سجلّ قديمٌ يشير إلى أن وليّ العهد قبل جيلين أو ثلاثة قد رقص مع خطيبته بالفعل.”
“وهل بحثتِ حتى عن مثل هذه التفاهات؟”
“بالطبع. من أجل هذا اليوم تحديدًا.”
ومع ذلك، لم تتراجع ليرييل خطوةً واحدة.
و أمام إجابةٍ متقنةٍ كهذه، لم يجد فيريك ما يردّ به.
لقد كانت محقّة. ففي حفلات القصر الملكي، ثمة تقليدٌ عريقٌ توارثته الأجيال. ينصّ على أن على أفراد العائلة المالكة أن يرقصوا مع أحبّتهم في قلب قاعة الحفل.
قيل أن تلك القاعدة وُضعت في الأصل تعبيرًا عن التمنّي بأن يسود الوِفاق والمودّة بين جميع الحاضرين في الحفل، تمامًا كما تحقق الحُب بين العاشقين اللذين ابتدأ بهما التقليد.
غير أن السبب الحقيقي وراء إصرار ليرييل على ذكر تلك القاعدة في هذا الموقف لم يكن سوى واحدٍ فقط.
“هيا، اطلب مني الرقص الآن.”
لم يكن هناك أدنى شكٍ في أن غايتها كانت إحراجه أمام الجميع.
رمقها فيريك بنظرةٍ حادّة مليئةٍ بالاستفهام والإنكار، كأنه يسألها بعينيه إن كان من الضروري أن تُذلّه إلى هذا الحد.
ومع ذلك، كان يعلم جيدًا أنه لا مفرّ له. فلو خالف القاعدة، لكان ذلك بحدّ ذاته سلاحًا يُستخدم ضده لاحقًا.
صرّ على أسنانه طويلًا، ثم انحنى على ركبته الواحدة، واضعًا يده اليمنى على صدره، والأخرى تحت يد ليرييل.
كان منظره شبيهًا بفارسٍ يقسم بالولاء أمام ملكته.
ثم رفع رأسه إليها، وفي عينيه رغبةٌ جامحة في خنقها حتى الموت، و تحدّث بصوتٍ متحشرج،
“هلّا تشرفينني برقصة، ليرييل تينيبريس؟”
كانت عيناه مثبتتين عليها وحدها، ومع ذلك شعر بسهولةٍ بنظراتٍ لا تُحصى تُصبّ عليه من كل اتجاه.
سخرية، شفقة، ازدراء، بل ومتعة خفيّة لرؤية أميرٍ ملكيٍّ يجثو أمام نبيلة.
تنوّعت المشاعر، لكنها اتفقت جميعها في أنها تنظر إلى فيريك نظرة استهانة. وكانت القمة التي ستُكمل هذا المشهد هي إجابة ليرييل.
نظرت إلى يده الممدودة نحوها، وحدّقت بها طويلاً.
‘سأرفض.’ هذا ما قالته ليرييل في الرواية الأصلية، وهي تزيح يده ببرودٍ متعمّد.
لقد أجبرته على طلبها بالرقص، ثم أدارَت ظهرها له علنًا وغادرت، في مشهدٍ جعلها تُلقَّب عن جدارةٍ بـ”الشريرة القاسية” التي تتلاعب بمشاعر الناس دون رحمة.
وفي تلك اللحظة، انفجر النبلاء المحيطون بالضحك، بينما تحوّل فيريك إلى أضحوكةٍ في القصر.
وبعد أن جُرح كبرياؤه، غادر قاعة الحفل واتجه إلى الحديقة، وهناك التقى ببطلة القصة الأصلية، أنِيلا.
ولِم كانت القدّيسة أنِيلا في حديقة القصر الملكي؟
لأنها كانت قد وعدت أحد النبلاء الذين حضروا الحفل بلقاءٍ ليلي. لكن حين التقت بفيريك الوسيم، غيّرت هدفها على الفور.
لاحظت جرحه النفسي، فاقتربت منه برقةٍ متناهية وصوتٍ هادئٍ يشوبه الحنان، وأوهمته بالتعاطف لتتسلّل إلى قلبه شيئًا فشيئًا.
وسرعان ما وقع فيريك في شِراكها بلا مقاومة.
تبادل الاثنان أطراف الحديث عند حافة بركةٍ فضيةٍ يغمرها ضوء القمر، وهناك انتهى بهما المطاف إلى الرقص معًا.
كان ذلك المشهد بالذات موصوفًا بجمالٍ آسر في الرواية، حتى أن القرّاء أثنوا عليه كثيرًا.
وكانت هان جيول – حتى هي – لا تزال تتذكر تلك الفقرة بوضوحٍ تام.
ظنّتها في البداية مجرد روايةٍ مبتذلة، فإذا بها تسحرها بلمحاتٍ رومانسيّةٍ دقيقة وكتابةٍ رشيقة تأسر القلوب.
لكن الأمور الآن مختلفة. فلم يعد لديها ترف التفكير في القرّاء أو جمال المشهد.
كل ما أرادته ليرييل هو أن تَحيا. ولكي تفعل، كان عليها أن تُثبت أنها لم تَعُد تلك الشريرة القديمة.
“حسنًا، فلنرقص معًا.”
“…..تمهلي، ماذا قلتِ الآن؟”
“فلنرقص معًا، من أجل كل الحاضرين في هذه القاعة.”
وهكذا قدّمت ليرييل إجابةً كانت نقيضُ ما ورد في الرواية الأصلية، إذ قبلت دعوته للرقص.
لم يتوقع فيريك مطلقًا أن توافق، فانعكس الذهول في عينيه الواسعتين، غير قادرٍ على إخفاء ارتباكه.
ولم يكن هو وحده المصدوم، فقد بدأت الهمهمات
تتعالى بين النبلاء المحيطين، تملأ القاعة من جديد.
“هيّا، الموسيقى على وشك أن تتبدل.”
لم تُعر الأمر اهتمامًا، بل أمسكت بيديه كلتيهما بقوةٍ ورفعتهما لتجذبه إلى الوقوف. فنهض فيريك بتعبيرٍ مشوش، منقادًا لحركتها دون وعي.
ابتسمت ليرييل، وهذه المرة كانت ابتسامتها صادقةً ونقية، لا تشي بخبثٍ ولا بمكر.
كانت ابتسامةً يانعةً كصاحبتها في ربيع عمرها، تحمل ملامح النضارة والبراءة التي تليق بفتاةٍ في العشرين من عمرها.
مهما يكن، فقد كانت تلك المرة الأولى التي يراها فيها فيريك بهذا الوجه.
وقبل أن ينطق بكلمة، تبدلت الموسيقى. و اتخذت ليرييل بسرعةٍ وضع الرقص الصحيح.
صحيحٌ أن هان جيول – الساكنة في جسدها – لم ترقص يومًا، لكن صاحبة الجسد الأصلية، ليرييل، كانت من نبلاء الطبقة العليا الذين تعلموا شتى فنون اللياقة منذ طفولتهم.
تحركت قدماها وفق ما حفظه الجسد من ذاكرةٍ قديمة، وما إن استعاد فيريك رباطة جأشه حتى بدأ يواكب الخطوات ويقودها بانسجام.
شعرت براحة يده العريضة تلامس ظهرها وتدعمها بثباتٍ خفيف، فتقلّصت المسافة بينهما أكثر فأكثر.
كانت المسافة قريبةً إلى حدٍ أربكها، وحين التقت عيناها بعينيه مباشرة، شعرت بحرارةٍ تصعد إلى وجهها.
فحولت نظراتها بسرعةٍ إلى الجانب واكتفت بالاستغراق في الرقص بصمت، لكن سخونة وجنتيها كانت خارجةً عن إرادتها.
‘اصبري قليلًا، يبدو أن الأمر يؤتي ثماره بالفعل.’
ومهما بلغ خجلها، فقد كان يستحق. فمجرد النظر إلى وجوه المتفرجين خلف فيريك كفيلٌ بإثبات ذلك.
“يا إلهي..…”
لم يكن أحدهم قادرًا على إغلاق فمه من شدة الدهشة وهو يشاهد رقصهما.
كان الجميع يعلم أن ليرييل تحتقر فيريك، فذلك كان من الحقائق المعروفة في مملكة تريان. لكنها الآن، وهي ترقص معه بهذا الهدوء والرقة، جعلت تلك الحقيقة الثابتة تنهار أمام أعينهم، فعمّت الحيرة أوساط النبلاء.
ولابد أن عبارةً واحدة كانت تدور في أذهانهم جميعًا: ‘لقد أصبحت ليرييل تينيبريس طيبة!’
“ما الذي تخططين له بحق؟”
لم يكن فيريك مختلفًا عنهم في تساؤله، فقد ازداد شكّه وهو يضمّها نحوه بقوةٍ أكبر.
لامست أنفاسه أذنها، فارتبكت لحظةً وابيضّ ذهنها كأن كل شيءٍ اختفى، لكنها سرعان ما استجمعت نفسها وأجابت بصدقٍ بسيط،
“لا خطط ولا نوايا خفية. كل ما في الأمر أنني قررت أن أكون طيبة. ألم تسمع الشائعة بعد؟”
“أتريدين مني أن أصدق هذا الهراء؟”
“صدق أو لا تصدق، الأمر عائدٌ لكَ.”
‘ففي النهاية، سأفترق عنكَ قريبًا على أي حال.’
كتمت تلك الجملة الأخيرة في صدرها و دارت حول نفسها دورةً خفيفة، فلم تلحظ الانقباض الخفيف الذي رسمته ملامح فيريك.
“كُفي عن هذا التمثيل، ليرييل تينيبريس.”
________________________
المشكله هو ليه كان متوقع انها ترفضه لذا الدرجة كانت تذله؟😭
الموضوع يضحك يعني كأنه توكسيك معكوس البنت هي الي تذل الرجال ضحكتتت
المهم مسكين هو واضح انه البطل بس يبي له وقت يتخطى
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 6 - لِنَرقص منذ 11 ساعة
- 5 - لايمكن….. منذ 11 ساعة
- 4 - خطيبها، ولي العهد منذ 11 ساعة
- 3 - لن أقوم الا باختيار الطيبة فقط منذ 11 ساعة
- 2 - إن لم يكن، فالموت هو المصير الوحيد منذ 11 ساعة
- 1 - لم تكن ابنتنا هكذا! منذ 11 ساعة
- 0 - المقدمة منذ 11 ساعة
التعليقات لهذا الفصل " 6"