ارتبك فيريك وهو يفكر أن الوضع بات مُحرِجًا، وكاد يشعر أن دقات قلبه ستتفلت وتُسمَع خارجًا.
“كان عليكِ أن ترفعي التقرير كما يجب. هل جعلتني أضطّر لأن آتي بنفسي إلى هنا لأقول هذا؟”
لذلك ردّ فيريك ببرودٍ قدر ما استطاع، محاولًا ألا يكشف اضطرابه. فنفخت ليرييل وجنتيها بضيق.
‘أشعر برغبةٍ في وخزها.’
لم يصدق أن فكرةً كهذه تظهر في رأسه في هذا الوقت تحديدًا. كان الأمر مضحكًا لدرجة أنه كاد يضحك بلا قصد.
في الماضي كان يتمنى أن يطعن صدرها بخنجر. أما الآن فيرغب في وخز وجنتيها المنتفختين بإصبعه.
ولو ضحك عليه كلبٌ مارّ لما كان ذلك غريبًا.
“أنتَ أيضًا لم تتواصل معي ولا مرةً طوال هذا الأسبوع يا صاحب السمو.”
“بعد خدمة الإغاثة تراكمت عليّ الأعمال وانشغلت. ولو كان عندي وقتٌ لأتيتُ إليكِ فورًا.”
“…….”
“……أعني، لأتيتُ لأراقبكِ.”
لم يعد يندهش من كثرة زلات لسانه.
فتنهد بقهر على نفسه، لكن ليرييل على ما يبدو ظنت أن تنهدَه موجّهٌ إليها، فازدادت غضبًا وحدقت فيه.
“كنتُ مشغولةً أنا أيضًا. كان لدي الكثير من العمل.”
“هذا لا يهمني. ما أريد معرفته هو: هل خطة النبذ لمدة شهر التي طلبتِ تنفيذها تسير كما يجب أم لا.”
“……هذا….”
وتوقفت ليرييل عن الكلام لأول مرة.
في الواقع، يمكن القول إن الخطة كانت تسير بصورةٍ سلسة. فاليوم فقط شارك هيفال، الذي كان يرتعد من مجرد ذكر الأعمال الخيرية، في التطوع.
‘كيف أشرح هذا…..’
لكن الخطة أصبحت من أساسها مختلفةً عمّا قالته لفيريك.
فهي لم تعد تريد مغادرة البيت، بل البقاء فيه، والهدف لم يعد أن تصبح هي وحدها طيبة، بل أن تتغير أسرة الدوق بأكملها.
كانت تعلم أن الخطة متهورة. لكنها رأت أنها الطريقة الوحيدة لحماية فيريك من القديسة.
وكانت تنوي أن تخبره بكل شيء بفخر عندما تُصلِح واحدًا فقط من أفراد عائلته.
“ليرييل…..ليس لديكِ نوايا أخرى، أليس كذلك؟”
لم تفكر في كيف كان شعوره طوال انتظاره لها. كم كان قلقًا ليجري نحوها فور انتهاء عمله؟
لم تلحظ إلا الآن السواد الخافت تحت عينيه، الذي كان يخفيه جماله الساحر.
تأثر قلب ليرييل، وقررت في النهاية أن تعترف بتغيير الخطة.
ففتحت شفتاها الورديتان المغلقتان بحذر.
“لن…..أتعرض للنبذ.”
“ماذا؟”
كانت ردة فعل فيريك سيئةً بطبيعة الحال. حتى عيناه الحمراوان اتسعتا وارتعشتا كالياقوت المعلّق في طرف ثريا.
“ما هذه الترهات؟”
“لدي أسبابي. على ما يبدو عليّ البقاء في هذه العائلة.”
“أسباب؟ أي أسبابٍ ملعونة هذه؟”
زأر فيريك.
وفي اللحظة ذاتها— طَخ— سقط قلب ليرييل إلى مكان أعمق من الأرض.
وليس خوفًا من تغير نبرته المفاجئ، بل لأن خيبة أملٍ عميقة شبيهة بالغضب ظلت تلوح على ملامحه.
“……لا تقولي أنكِ خدعتِني من جديد.”
كان صوته الملطخ بالخيانة منخفضًا ومرتجفًا.
‘لقد خاب أمله لأنني نقضتُ وعدي. أو ربما كان غاضبًا من أن خطوبتنا لم تُفسَخ.’
ومهما يكن، فقد شعرت ليرييل بالأسف الشديد.
‘لم يكن بيدي…..’
لكنها لم تستطع إخباره الحقيقة.
‘هذه هي الطريقة الوحيدة لإنقاذكَ.’
هل تريد حقًا أن تعيش بقية حياتك خاضعًا لتلك المرأة الحقيرة؟
كادت تقولها، لكنها كبحت نفسها بصعوبة. ثم حاولت إقناعه بهدوء.
“لم أخدعك. الأمر مختلف فقط في الطريقة، لكن النتيجة واحدة: لن أتزوجكَ.”
تابعت توضيحها بنبرةٍ حاسمة.
كان فيريك يلهث غضبًا، لكنه توقف تمامًا عندما سمع أنها لن تتزوجه. ورأت ليرييل بارقة أمل. ففي النهاية هدف فيريك هو ألا يتزوجها.
إذاً ما عليها إلا أن تثبت له أن الهدف النهائي لم يتغير.
“نعم. لن أتزوجكَ.”
شدّدت ليرييل على هذه النقطة من جديد بعدما وجدت منفذًا للحل.
“……سنُبقي على الخطوبة فقط، وبعدما تُحلّ كل المشاكل سأُطلق سراحكَ.”
ورغم أن شيئًا من المرارة سرى في آخر كلامها، تجاهلته ليرييل عمدًا.
نظر إليها فيريك بصمت، ثم طلب التوضيح بنبرة أكثر هدوءًا.
“جميع المشاكل؟ وما هي بالضبط؟”
‘تلك القديسة المعتوهة.’
كادت ليرييل أن تلفظ اسم صاحبة المشكلة، لكنها ابتلعته في آخر لحظة.
ثم تنحنحت لترفع صوتها قليلًا، و اخترعت سببًا يبدو منطقيًا.
“المحور الرئيسي للشر…..أي عائلة تينيبريس.”
“عائلة تينيبريس……؟”
“فكر بالأمر. هل سيُحلّ كل شيء فقط لأني أنا أتعرض للنبذ؟”
كانت أكثر من التزم بنظام العائلة سابقًا، لكنها الآن تصف عائلتها نفسها بأنها محور الشر.
كان تحولًا يصعب تصديقه. فعبس فيريك، لكنه أومأ لها أن تتابع.
“عائلة تينيبريس كانت منذ القدم تريد امتيازاتٍ لا يملكها إلا الملك. ولو أُبطلت خطوبتنا، فسيحاولون الوصول للعرش بطرقٍ أخرى. وخلال هذا الصراع، الشعب البريء هو من سيتحمل المعاناة.”
كل ما قالته كان صحيحًا، خاصةً الجملة الأخيرة.
فقد رفعت عائلة تينيبريس الضرائب إلى خمسة أضعاف للضغط على سلطة الملك. ولا ضمان ألا يعيدوا ذلك مرة أخرى.
وفي النزاع بين العائلة المالكة والنبلاء، كان المتضررون دائمًا هم عامة الشعب.
تفقد فيريك المكان من حوله بعين قلقة. فالمنطقة نفسها كانت قد هوجمت من الوحوش قبل بضعة أشهر، وما زال الناس يكافحون لإصلاح ما تهدم.
“في البداية ظننتُ أن قطع الخطوبة وحده سيحل المشكلة. لكنني سرعان ما أدركت الحقيقة: إن لم نقتلع هذا البيت المجنون من جذوره، سيظل يعيد نفس الجرائم.”
راقبت ليرييل المكان المتدهور بنظرات فيريك نفسها، ثم أكملت بوجه حازم،
“لذلك لا يمكنني التعرّض للنبذ. ليس قبل أن أُصلح عائلة دوقية تينيبريس كلها!”
دوّى صوتها القوي في الزقاق الضيق. وكان نظرها ثابتًا بما يكفي ليبدد قلق فيريك.
وبعد وقتٍ طويل، لم يقل شيئًا، واكتفى بالنظر إليها. بل كانت لتُفضِّل أن يسخر منها على الأقل.
وبعد مدة أخيرًا ردّ فيريك،
“لقد فقدتِ عقلكِ.”
لكن كان هذا هو الرد المتوقع. فهو اعترف بتغيرها، لكنه لم يصل إلى حد تصديق إمكانية تغير بقية العائلة.
“هل جننتِ أخيرًا؟ أم أن هذا كله مجرد مخططٍ جديد للسخرية مني يا ليرييل؟”
مجرد سماع نبرته الباردة سلبها قوتها.
كان عليها أن تُقنعه، أن تقول إنها قادرة على ذلك…..لكن سماع رفضه القاطع بدأ يبدد ثقتها تدريجيًا.
“كيف تجرؤين على القول أنكِ قادرةٌ على قلب عائلة عمرها مئة عام؟”
اقترب منها خطوةً أخرى.
“وبأي مهارة ستُصلحين أولئك الذين وُلدوا أشرارًا؟”
كان الزقاق ضيقًا بطبيعته، فصار قربهما شديدًا حتى كاد صدراهما يتلامسان.
كان وجهه الوسيم على مقربة شديدة، لكن لم يكن هناك أي لمسة رومانسية بينهما.
كانت نظرته تهديدًا خالصًا. وحتى رفع رأسها لملاقاة عينيه كان صعبًا على ليرييل. خاصةً وأن كل ما قاله كان حقيقيًا ولا يمكن دحضه.
“أنوين تينيبريس كان النبيل الوحيد الذي رفض استقبال اللاجئين الدوليين، فقط لأن وجودهم لا يفيدهم بشيء.”
بحثت ليرييل في ذاكرتها. و كان كلامه صحيحًا.
فاللاجئون الذين لم يُسمح لهم بدخول مملكة تريان طُردوا إلى البراري المليئة بالوحوش. وما من أحد يعرف ما حلّ بهم بعدها.
أو بالأصح، لم يهتم أحدٌ بالسؤال.
“وهل تعلمين كم من الناس تأذوا من الشائعات التي نشرتها لوفرين تينيبريس في المجتمع؟ أربعة أزواج طلقوا، وخمسة تخلوا عن ميراثهم ونزلوا للريف. وغيرهم من الضحايا الصغار لا يُعدّون.”
فتشت ليرييل ذاكرتها مجددًا. وهذا أيضًا كان صحيحًا.
______________________
العب لوفرين كانت خرابة بيوت😭 احس مستواها مايوصل لأنوين بس عاد يحبون بعض🤏🏻
وفيريك شفيك مستعجل يارجال؟ توك تقول وذي اقرصها
هو واضح الفصل الجاي بيقول طيب خل نشوف ونعطيس فرصه وكذاته لين يفهمها
التعليقات لهذا الفصل " 59"