5
‘التصرف بلطف داخل المنزل فقط هو ما جلب هذه السمعة. عليَّ أن أخرج وأفعل شيئًا!’
وكانت قد وصلت إلى هذا الاستنتاج لتوها، حين بلغها متأخرًا خبر إقامة حفل القصر.
“آنستي، أي فستانٍ سترتدين غدًا؟ أود أن أجهزه مسبقًا.”
“انتظري، غدًا تقولين؟”
“نعم……؟”
لم تتذكر ليرييل أن هناك ما يسمى حفل القصر إلا بعدما سمعت كلمات الخادمة. بل خُيّل إليها أن شيئًا كهذا قد ورد فعلًا في مطلع الرواية.
وبينما كانت تحاول استعادة ذلك المشهد الضبابي، رأت الخادمة واقفةً أمامها بحيرة، لا تدري أتمضي أم تبقى في مكانها.
فأدركت ليرييل شرودها، و ابتسمت باعتذار وأجابت سريعًا،
“أحضري الثوب كما ترينه مناسبًا، لديّ ما يشغل بالي الآن.”
لكن ما بلغ أذن الخادمة كان على النحو التالي، ‘أحتى هذا يجب أن أشرحه لكِ؟ ألا ترين أنني مشغولةٌ بالتفكير؟ افعلي ما تشائين بنفسكِ!’
فظنّت المسكينة أنها أساءت الى سيدتها، فانحنت بعمق واعتذرت.
“أعتذر، أعذريني!!!”
“تعتذرين……؟”
لم يكن سوى تمتمة من ليرييل، كأنها تقول: ‘على ماذا تعتذرين أصلًا؟’
“آه!”
لكن الخادمة أولتها معنى آخر تمامًا، فانفجرت بالبكاء.
“أرجوكِ……لا تسلبيني حياتي…….”
وبينما راحت المسكينة تبكي، أدركت ليرييل أن جبلًا من سوء الفهم قد تراكم، لكنها تركتها وشأنها.
فما يشغلها الآن كان أهم، إذ خطرت ببالها ملامح ذلك الجزء من الرواية. لا يمكن أن تضيع فرصةً ذهبية لتُظهر للجميع ليرييل جديدة طيبة.
حفل القصر، حفل القصر……ما كان بالضبط؟
“آه!”
ثم وجدت الإجابة سريعًا.
أجل، جريمة ليرييل التي أورثت البطل فيريك صدمةً عميقة كانت في هذا الحفل تحديدًا!
مشهد الشريرة المتغطرسة التي تعامل خطيبها كأنه ملكٌ لها أثار سخط القرّاء. عندها ابتسمت ليرييل ابتسامةً واثقة.
‘يمكنني استغلال هذا الحفل جيدًا!’
ربما ستستطيع بهذه المناسبة أن تطبع صورتها الجديدة لا كشريرة، بل كفتاةٍ صالحة، في عيون المملكة كلها.
ذلك لأن الحفل لم يكن مجرد سهرة مرح وموسيقى ورقص. بل كما وصفت الرواية الأصلية، حفل القصر. ذاك المكان كان ساحة حربٍ متنكرة باسم حفلةٍ راقصة.
وراء الابتسامات والمجاملات اشتعلت معاركٌ خفية، وتوزعت التحزبات بحسب النفوذ والمكانة.
وكانت سلطة العائلة المالكة هناك الأدنى شأنًا.
فبرغم أن فيريك هو ولي العهد وصاحب الحفل، فقد كان النبلاء يستخفون به سرًا. والسبب نفوذ عائلة تينيبريس الذين سيطروا على المجتمع المخملي.
ولو أنهم اجتمعوا جهرًا على ازدرائه لكان بوسعه التلويح بجريمة إهانة التاج، لكنهم لم يتركوا له حتى هذه الذريعة.
وليرييل كانت داهية.
<أوه، كنتَ هنا إذًا، يا سمو الأمير؟>
بأسلوبٍ خفي وموارب، رتبت كل شيء من وراء الستار. وكان من السهل عليها أن تدفع الآخرين لعزل ولي العهد.
أما أشنع ما فعلته، وأكثره إهانةً على الإطلاق، فكان……
***
“يا آنسة تينبريس، لقد وصلنا إلى القصر.”
“…….”
فتحت ليرييل عينيها على صوت السائس الذي يناديها من المقدمة، بعد أن كانت تستعيد تفاصيل الرواية.
كان الأفق عند الانطلاق يكتسي ألوان الغروب المتماوجة، لكنه الآن غرق في سواد الليل.
غير أن محيط القصر لم يكن مظلمًا قط، فقد غمرت الأرجاء أنوارٌ دافئة تتسرب من أبواب قاعة الاحتفال.
هنا تبدأ حفلة القصر.
‘لم أتخيل قط أنني سأدخل مكانًا كهذا.’
تمتمت ليرييل في سرها وهي تحدق بواجهة القصر الفخمة عبر نافذة العربة.
كان المشهد أشبه بلوحةٍ سينمائية تُبهج النفس، لكنها بدل أن تنشرحَ ازداد توترها.
وهذا أمرٌ طبيعي، فهي لم تأتِ لتلهو في حفلة راقصة. إنما مصيرها كله سيتحدد بناءً على ما ستفعله الليلة.
‘لا بأس. إن تصرفت كما خططتُ تمامًا، سيمضي كل شيءٍ بخير.’
لم يكن بوسع ليرييل أن تتراجع وقد وصلت إلى هنا، لذا جمعت شجاعتها ونزلت من العربة.
وما إن خطت خطواتٍ متسارعة حتى وجدت نفسها أمام الباب. فانحنى الخدم الذين تعرفوا عليها على الفور وفتحوا لها الطريق.
كريك—
صوت الأبواب المهيب دوّى داخل القاعة، وكأنه إعلانٌ عن مصيرها.
“الآنسة ليرييل تينيبريس، ابنة الدوق تينيبريس، تدخل الآن!”
مع نداء الخادم الجهوري، دخلت ليرييل إلى قاعة الحفل. وفي اللحظة نفسها انصبّت عليها الأنظار كأسراب النحل. و لم تكن تبالغ إن قالت أن كل الحاضرين يحدقون بها.
ومن ذلك وحده خمّنت ليرييل أن سمعتها قد وصلت فعلًا إلى كل أرجاء المجتمع المخملي.
‘ابتسمي أولًا. لو ظللتُ بلا تعبير فسوء الفهم سيزداد.’
ارتبكت قليلًا من حجم الاهتمام الزائد، لكنها شدّت طرفي شفتيها إلى أعلى لتصنع ابتسامة.
فكما يقال: “لا يُبصق في وجهٍ بَاسِم.” و أرادت أن تغيّر أجواء البرود المحيطة بها.
“رأيتم؟”
“نعم، أليست تلك سخرية؟”
“قلت لكم، تلك الشائعة لا يمكن أن تكون صحيحة!”
لكن ليرييل لم تحسب حساب أن صاحبة الجسد التي حلت مكانها كانت شريرةً بالفطرة.
فابتسامة الشفاه وحدها، دون أن يلين بريق العينين، بدت كابتسامة ساخرة جارحة، لا يصمد أمامها أحدٌ دون أن يشعر بالمهانة.
فبدأ الجميع يتراجع أو يتفادى النظر إليها بجهد.
‘هاه؟’
وبينما كانت تخطو وسط القاعة، أدركت متأخرةً أن شيئًا ما يسير على غير ما خططت.
إذ كان الحضور ينقسمون أمامها وكأنهم يفتحون الطريق لها. وفي وسط القاعة الفسيحة بدت وحيدةً شامخة كملكةٍ تحتكر السلطة.
لكن الأمور انقلبت على نقيض ما أرادت، فاشتعل صدرها قلقًا.
‘لا، يجب أن أنفذ خطتي بسرعة، وإلا…….’
وبينما كانت تبحث بعينيها بلهفة عن هدفها، جاءها صوتٌ منخفض ينادي اسمها من الخلف.
“ليرييل.”
لم يكن الصوت مألوفًا لهان جيول، لكنه كان مطبوعًا في ذاكرة ليرييل بوضوح. ذلك الجرس العميق الممزوج بالازدراء الذي يقطر من ثلاثة مقاطع قصيرة.
وكان هو تمامًا الشخص الذي تبحث عنه. فارتجف جسدها للحظة، ثم استدارت ببطء.
“……سموك.”
كان واقفاً هناك خطيبها، فيريك تريان.
كان شعره الأشقر الباهت مسرّحٌ إلى الخلف بعناية، وزيه الأبيض الناصع يشهد على حرصه على النظافة. و ملامحه الحادة لم تهزمها حتى أضواء الثريات.
لكن وجهه كان أقصى ما يكون برودًا، ونظراته الحادة بدت وكأنه يواجه عدوه اللدود لا خطيبته.
سرت برودةٌ ثقيلة في الأجواء، وبدأت الهمسات تنتشر حولهما. فما من أحدٍ هنا يجهل كيف تمّت خطوبتهما.
“…….”
أسقطت ليرييل ابتسامتها المفتعلة دفعةً واحدة، وأطبقت شفتيها كأنها تكشف صريحًا عمّا في داخلها.
وعيناها الخضراوان الجافتان مسحتاه بنظرةٍ تقييمية، كما لو كان سلعةً معروضة.
ولفرط ما بدا المشهد مألوفًا، كاد فيريك أن يضحك ساخرًا. فلم يصدق يومًا أنها تغيرت، لكن أن تكون بهذا الثبات في شرّها فذلك مثيرٌ للدهشة.
كان إحساسه وكأنه خُذل من جديد، رغم أنه لم يتوقع منها شيئًا أصلًا.
‘كان الأمر خطيرًا. كدت أن أطلق شهقة إعجاب. ما هذه الوسامة…….’
لكن في الحقيقة، السبب وراء صمت ليرييل كان مختلفًا.
صحيحٌ أنها كثيرًا ما قرأت في الرواية وصفًا يقول إن فيريك وسيم، غير أن رؤيته بعينيها جعلت كلمة “وسيم” نفسها تبدو قاصرةً عن وصفه.
شعره البلاتيني اللامع بدا وكأنه صيغٌ من الفضة النقية، يعكس رفعة نسبه وفخامته، وبشرته الشاحبة مع أنفه المستقيم أعطته هيئة تمثالٍ رخامي كامل.
ورغم أن ألوانه العامة كانت هادئة منخفضة، إلا أن عينيه بلونهما الأحمر القاني خطفتا البصر بحدة، لتصبحا مركز الجاذبية في ملامحه.
ولوهلة خطرت ببالها فكرة أن عدم ارتباطها به فعليًا أمرٌ مؤسف، لكنها سرعان ما تذكرت أن الأهم هو النجاة بحياتها.
فاستعادت وعيها بسرعة، وانحنت قليلًا مؤديةً التحية المتعارف عليها.
“منذ حفل خطوبتنا لم نلتقِ. كيف حالكَ في هذه المدة؟”
“……هاه، لم تطرحي هذا السؤال بصدق، أليس كذلك؟”
لكن البداية لم تكن موفقة، فحتى على تحيةٍ عابرة كهذه، بالغ فيريك في ردة فعله.
__________________________
كل فصل الخادمات قدهن يبكون والس تبكي صدق 😭
بس يضحك وش ذاه اي شي تسويه يقولون اومق يالشريره حتى ابتسامتها؟😭
المهم فيريك واضح انه البطل بعد ذا ااوصف الواو✨
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 6 - لِنَرقص منذ 11 ساعة
- 5 - لايمكن….. منذ 11 ساعة
- 4 - خطيبها، ولي العهد منذ 11 ساعة
- 3 - لن أقوم الا باختيار الطيبة فقط منذ 11 ساعة
- 2 - إن لم يكن، فالموت هو المصير الوحيد منذ 11 ساعة
- 1 - لم تكن ابنتنا هكذا! منذ 11 ساعة
- 0 - المقدمة منذ 11 ساعة
التعليقات لهذا الفصل " 5"